لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الطاقة النووية.. "حلم" مصري قد يتحول إلى "كابوس"

02:15 م الثلاثاء 08 أكتوبر 2013

كتب- محمد منصور:

ليس ببعيد عن أعيننا ووعينا كارثة "تشيرنوبل" الشهيرة، والتي أدت إلى تهجير مئات الألاف من المواطنين الأوكرانيين ومقتل ما يزيد عن 2000 إنسان بالإضافة إلى تلويث منطقة كاملة بالإشعاعات النووية، وقبلها بسنوات، تحديداً فى العام 1979 حدث انصهار جزئي فى "لُب" مفاعل أمريكي بجزيرة "ترى أيلاند" الأمر الذى كاد يؤدى لكارثة بيئية رهيبة، وفى مارس 2011 حدثت كارثة "فوكوشيما" اليابانية، والتي جاءت كنتيجة لسوء تبريد قلب المفاعل الأمر الذى أدى إلى زيادة ضغطه ونشاطه الإشعاعي. وفى الوقت الذى تتجه فيه دول العالم إلى استخدام الطاقات المتجددة النظيفة.

أعلنت الحكومة المصرية استرداد أرض "الضبعة" المزمع إنشاء محطة نووية فوقها، الأمر الذى يثير التساؤلات، فحلم مصر النووي الذى بدء منذ سنوات طويلة بات حبيس الأدراج، فهل آن الأوان للأفراج عن المشروع على الرغم من الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد؟ "مصراوي" يرصد أهم المحطات النووية فى التاريخ المصري والعائد على مصر فى حال تطبيق المشروع والمخاطر التي قد يتحول معها "الحلم" إلى "كابوس".

تاريخ مصر النووي

بدء تطلع مصر لحلمها النووي منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، ففى عام 1955 وقعت مصر اتفاقية للتعاون فى المجال النووي السلمى مع الاتحاد السوفيتي، وفى العام التالي، وقعت مصر عقد أولى مفاعلاتها الذرية، وفي عام 1957 اشتركت مصر كعضو مؤسس بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وحصلت في العام نفسه على معمل للنظائر المشعة من الدنمارك، وفي عام 1961بدأ تشغيل المفاعل النووي البحثي الأول، وفى العام 1964 طرحت مصر مناقصه طلبت فيها مفاعلاً ذرياً لتحلية مياه البحر وتوليد الكهرباء بقدرة 150 ميجاوات، إلا أن "النكسة" أدت إلى وقف الأمر برمته.

وبعد نصر أكتوبر، حاول الرئيس السادات الحصول على دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء بقدرة 600 ميجاوات، إلا أن "كارتر" – الرئيس الأمريكي فى وقتها- رهن الموافقة على الدعم بموافقة مصر على تفتيش أمريكا على منشأتها النووية، الأمر الذى اعتبره السادات "مساساً" بالسيادة المصرية فتوقف المشروع.

وفى عام 1981 قامت مصر بالتصديق على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية، وتحت حجة مراجعة الإجراءات الخاصة بالأمان النووي، وخصوصاً بعد حادثة تشير نوبل في عام 1986، توقف المشروع النووي على الأرض، وبقت التصريحات التى تؤكد أن مصر "على باب الطاقة النووية".

كوارث مفاعل أنشاص البحثي

حسب الدكتور سامر مخيمر، رئيس قسم المفاعلات الذرية السابق، فإن "منطقة أنشاص" تتكون من مفاعلين ذريين، احداهما مفاعل بحثى بقدرة "2 ميجاوات" حصلت عليه مصر من الاتحاد السوفيتي فى ستينيات القرن الماضي، والأخر مفاعل بقدرة "22 ميجاوات" حصلت عليه مصر من الأرجنتين، إلا أن "الفساد"، على حد وصفه، حال دون تقدم مصر النووي، فالمفاعل الأرجنتيني "بايظ ومش بيطلع أكثر من 13 إلى 15 ميجاوات"، ويؤكد الدكتور "سامر" أن مصر مُقبلة على "كارثة نووية" فى حالة "عزم الإدارة الحالية على بناء المفاعلات الذرية بالاستراتيجيات والطاقم الحالي".

قبل أعوام، وبحسب الدكتور سامر، حدثت كارثة كادت تؤدى إلى تسرب إشعاعي خطير، فبسبب خطأ تقنى ناتج عن "جهل" أحد المسئولين، انفجرت إحدى الطلمبات المسئولة عن تزويد المفاعل النووى بمياه التبريد، الأمر الذى كاد يؤدى إلى انخفاض المياه وكشف قلب المفاعل المحتوى على المادة المشعة "بس الحمد لله، لحقوا الموضوع"، توجه الدكتور سامر إلى وزير الكهرباء –حسن يونس فى وقتها- إلا أن "الكارثة" مرت مرور الكرام "محدش اتحاسب ولا المخطئ تم عقابه، وده حصل في مفاعل صغير، خلينا نتخيل أن ده حصل فى مفاعل كبير كانت هتبقى كارثة".

رئيس قسم المفاعلات السابق يؤكد أن كارثة انفجار الطلمبات لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فقبل سنوات، وكنتيجة خطأ فى الحسابات، تسربت مئات اللترات من المياه المشعة إلى أرض المفاعل "والخرسانة شربت المياه كلها واحتمال تكون لوثت التربة"، على حد قول الدكتور سامر مخيمر، الذى قام وقتها بعمل بلاغ للنائب العام لكن "لا حياة لمن تنادى" على حد وصفه.

قبل عام، قررت "ألمانيا" إغلاق 7 مفاعلات نووية وأكدت عدم إعادة تشغيلها مستقبلاً، وإغلاق السبع مفاعلات جاء جزءاً من خطة ألمانية تهدف إلى إنهاء خدمة جميع المفاعلات النووية فى عام 2022 وذلك كنتيجة لحادثة "فوكوشيما" اليابانية والتي صنفتها هيئة الطاقة الذرية باعتبارها كارثة من المستوى السابع، وهو أعلى مستوى فى المعدلات العالمية للحوادث النووية، وفى عام 2003 قالت بلجيكا إنها ستبدأ فى التخلص من منشأتها النووية بحلول عام 2015، وأعلنت بضع عواصم أوروبية عن اعتزامها لإغلاق أية مفاعلات "حال وجود أى خلل"، فى الوقت الذى طالبت فيه فرنسا، الذى تبلغ نسبة الاعتماد على الطاقة النووية لتوليد الكهرباء فيها 78%، وضع عدة معايير عالمية وقواعد دولية صارمة فى مجال الأمان النووي.

يؤكد "مخيمر" أن مصر فى الوقت الحالي لا تمتلك المنشآت أو الخبرات اللازمة لبدء مشروعها النووي، فمعظم الكوادر "هربت من البلد" والمنشآت "خربها الفساد والإهمال"، الأمر الذى يؤكد أن مصر ستقبل على "كارثة محققة" إذا لم تستدعى كفاءة ابنائها الشرفاء وجنبت المفسدين والحرامية العمل في الملف النووي".

الطاقة النووية.. ضرورة أم رفاهية؟

يرى الدكتور محمد حسن الخبير بتكنولوجيا الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة والأستاذ بكلية الهندسة جامعة حلوان أن خيار اللجوء إلى المفاعلات النووية "سيئ" فـ"العالم يهجر الطاقة النووية"، مشيراً إلى أن مصر على وجه خاص، تمتلك العديد من المقومات التي تؤهلها لتجنب الأخطار الناجمة عن أنشاء المفاعلات الذرية، فانخفاض معدلات الأمان النووي فى جميع أنحاء العالم يؤكد ضرورة الاتجاه إلى نوع "أمن" من الطاقات، ويؤكد "حسن" أنه فى ظل ارتفاع كفاءة الخلايا الشمسية فإن حل مشكلة الطاقة فى مصر قد يكمن فى استخدام الطاقة الشمسية جنباً إلى جنب مع طاقة الرياح- التي يراها الدكتور حسن أولوية في المرحلة الحالية - وطاقة الأمواج.

قبل عامين، حضر الدكتور "محمد حسن" مؤتمراً بحثياً فى ألمانيا، أكد فيه المنظمون عزم "ألمانيا" عن إقامة محطات طاقة شمسية فى صحراء مصر الغربية "يعنى يبنوا فيها محطاتهم ويأخذوا طاقتنا" يقول حسن، مشيراُ إلى أن حل مصر "فى الطاقات الجديدة، فالعالم لم يسبقنا فيها بكثير". ويؤكد الخبير فى الطاقات المتجددة أن مصر بها مصانع تنتج "توربينات الرياح" بمكونات مصرية 100%، ويؤكد الخبير أن منطقة البحر الأحمر "أغنى مناطق العالم بطاقة الرياح" لذلك "يجب البدء فوراً فى انشاء مزارع الرياح".

مشكلة ارتفاع تكاليف الطاقة الشمسية أصبحت "محلوله"، فبحسب الورقة البحثية المعنونة بـ"تكاليف الطاقة الشمسية والنووية- التحول التاريخي" والتي قدمها "جون بلاك بيرن" أستاذ اقتصاديات الطاقة فى جامعة ديوك بالولايات المتحدة الأمريكية، و حصل مصراوي على نسخه منها، فقد انخفضت تكاليف نظم الطاقة الشمسية الكهروضوئية للحد الذى اصبحت فيه أقل من تكاليف أنشاء المحطات النووية الجديدة، وفى الوقت الذى تستمر فيه تكاليف الطاقة الشمسية فى الانخفاض، تستمر تكاليف إنشاء المحطات النووية بالارتفاع، الأمر الذى يؤكد أن اقتصاديات الطاقة الشمسية هى الأفضل حال محاولة التنمية المستدامة.

وبحسب أبحاث نشرتها الوكالة الذرية للطاقة النووية، فإن تشييد المفاعلات النووية أمر باهظ الثمن، إلا أن تكلفة تشغيله "منخفضة نسبياً"، وهذا ما يجعله استثمارً جيداً فى بعض الحالات وسيئاً فى حالات أخرى، فهو استثمار أكثر جاذبية عندما يتزايد الطلب على الطاقة بسرعة، فى الوقت الذى تكون فيه المصادر الأخرى "شحيحة" وباهظة الثمن – وهو الأمر الذى لا ينطبق على مصر بطبيعة الحال- وأيضاً عندما يكون التمويل المتاح ينتظر أن تكون إيراداته على الأمد البعيد –وهو متوفر فى مصر كون المشروع برعاية الحكومة- ويؤكد البحث أن اليورانيوم المستخدم في المفاعلات النووية للأغراض السلمية "متوفر" و"سيدوم لأكثر من 80 عاماً قادمة تبعاً للاستهلاك الحالي".

وعلى الرغم من الأخطار، يرى الدكتور سامر مخيمر، أن اللجوء إلى تكنولوجيات الطاقة النووية "ليس خيارً بل ضرورة" مع تأكيده على ضرورة الفصل بين استخدام الطاقة النووية كتكنولوجيا وبين توليد الكهرباء، فتطبيقات الطاقة النووية تفوق توليد الكهرباء بمراحل، فيمكن استخدام المحطات فى تحلية مياه البحر الأمر الذى يعود على البيئة بأثر إيجابي، علاوة على أنتاج النظائر المشعة، والتي يتم استخدامها طبياً وصناعياً، ويؤكد الدكتور "سامر" أن "الطاقة النووية آمنة" فى حالة استخدامها عن طريق "خبراء مش نصابين".

ويرى "مخيمر" أن المنشآت الشمسية "تتكلف مبالغ باهظة وتحتاج إلى خبرة كبيرة ومساحات شاسعه مقارنة بالمحطات النووية" مؤكداً أن منطقة الضبعة "ستكفى لبناء 8 مفاعلات نووية بقدرة تعادل محطة شمسية على مساحة 100 ألف كيلومتر مربع".

الطاقة النووية والبيئة

ما بين التكلفة والسلامة تقع الاشكالية، فالمخاوف بشأن سلامة المحطات يؤدى إلى فرض العديد من الضوابط والأنظمة التي ستؤدى إلى فرض تكاليف باهظة، الأمر الذى سيؤدى إلى زيادة تكلفة الإنتاج ورفع التمويل، ورغم اجراءات السلامة، إلا أن "الحوادث تقع" فلا وجود لنظام "محكم 100%" على حد تعبير الدكتور "سامر مخيمر"، ويرى الدكتور محمد كامل استاذ البيئة بجامعة المنيا، أن الأثار المترتبة على أنشاء المحطات النووية "نسبى"، فمع استخدام معايير السلامة العالمية، يمكن أن يكون التأثير "محدود للغاية"، إلا أن المشكلة تكمن فى صعوبة التخلص من مخلفات الوقود النووي، والتي يتم دفنها على اعماق سحيقة أو رميها فى المحيط، الأمر الذى يؤدى إلى تلويث جوف الأرض والمحيطات، متسائلاً عن الضمانة التي سيعطيها خبراء الطاقة النووية للبيئيين، فمع الاشتراطات الصارمة والتي تُسن في المحطات النووية اليابانية حدث تلوث خطير فى مياه المحيط.

أستاذ البيئة يؤكد أن مصادر القلق من استخدام الطاقة النووية يكمن فى عدة مصادر، أولها "النفايات" والتي تكون نشطة اشعاعيا وفعالة لمئات السنوات، ويؤكد "كامل" أن الحل لا يكمن فى "دفنها" حيث أم مناطق الدفن تقع بالتأكيد على مسافات بعيدة من المفاعلات النووية، الأمر الذى يلقى بالضوء على خطورة النقل والضرر الذى قد ينجم عنها، عوضاً عن التسرب الذى يمكن أن يحدث من أماكن تخزينها ودفنها متسائلاً عن ألية "مصر" للتخلص من النفايات الذرية "دى مش مشكلة هينة، ولازم قبل ما يبنوا المفاعل يدورا هيتخلصوا من النفايات أزاى".

مصدر القلق الثاني يكمن فى مياه التبريد، فالمفاعلات النووية تحتاج إلى تبريدها باستمرار، الأمر الذى يدعو المصممين إلى بنائها بالقرب من مصادر المياه، وعند حدوث دورة التبريد، يبدأ ضخ المياه من "المصدر" للمفاعل ثم يتم "طرد" المياه مرة أخرى للوسط المحيط، الأمر الذى سيتسبب بشكل مؤكد في رفع درجة حرارة مصدر التبريد، وهذا سيؤدى قطعاً إلى مجموعة من الكائنات الحية الموجودة فى المصدر والتي تكون حساسة بطبيعة الحال للتغيير فى درجات الحرارة.

الإشعاع النووي هو المصدر الثالث للقلق، فعلى حد تعبير الدكتور "كامل" فإن المفاعلات في حالة بنائها على النسق المطلوب وطبقاُ للمعايير العالمية فلا يزال هناك مجموعة من الاشعاعات المنخفضة التركيز والتي تنبعث منها، ويختلف التأثير بحسب النظريات، فبعض العلماء وجدوا أن هناك علاقة مباشرة بين الإشعاعات وارتفاع نسب السرطان فى سكان المناطق المجاورة للمفاعلات، فيما يرى أخرون أن "لا خطورة" من الاشعاعات ذات النسب المنخفضة.

خيارات الطاقة

يؤكد الدكتور "سامر مخيمر" أن الخيار المصري للطاقة يتمثل فى عمل "مزيج" للطاقات، فيمكننا استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وتغطية 20% من الانتاج الإجمالي، فيما يتم توليد الباقي عن طريق المحطات الغازية والبخارية علاوة على استخدام الطاقات المتجددة، مؤكداً أن النسبة ربما تزيد فى المستقبل، ويقول "ألان ماكدونالد" الخبير فى إدارة الطاقات بالوكالة الذرية للطاقة النووية إن التنوع فى وسائل إنتاج الطاقة "أفضل ويثمر عن مستويات أعلى" مُعزيا ذلك إلى "تداخل التكنولوجيات الجديدة مع القديمة" الأمر الذى "يُحسن من استهلاك الموارد وإدارتها".

 

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان