إعلان

صرخة بيروتية لإنقاذ ما تبقى من الآثار العثمانية في عاصمة الأرز

04:00 م الثلاثاء 08 أكتوبر 2013

بيروت – (الأناضول):

تشكو العديد من الآثار العثمانية في بيروت من حالة إهمال تنتظر من يضع نهاية لها، وينفض عنها ''التراب'' لتعود إلى لمعانها.

وأعيد ترميم بعض المنشآت العثمانية بلبنان، بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، لاستخدامها كمراكز رسمية للعديد من مؤسسات الدولة اللبنانية، بحسب عدد من المؤرخين والمعنيين بشأن التراث العثماني، لكن البعض الآخر لا يزال يعاني التجاهل.

ويعتبر كثير من اللبنانيين أن إعادة ترميم الآثار الخاصة بالمرحلة العثمانية المنتشرة في العديد من مناطق العاصمة خطوة مهمة للغاية، للحفاظ على حضارة وتاريخ العاصمة وإعادة الذاكرة إلى زمن يحن إليه البعض.

ويقول مسؤولون عن عمليات ترميم الآثار في مديرية الآثار التابعة لوزارة الثقافة اللبنانية لوكالة الأناضول إنهم سعوا خلال الفترة الماضية للبدء بترميم الآثار العثمانية في بيروت بالتعاون مع السفارة التركية، إلا أن هذه المساعي ''لم تؤد إلى نتائج ملموسة عمليا بسبب الظروف الأمنية والتطورات التي يشهدها لبنان''.

ورأى المهندس اللبناني المختص في التاريخ العثماني، خالد عمر تدمري، أن كثيرا من الآثار العثمانية التي مازالت في بيروت، تعاني اليوم من ''إهمال واضح لا يخفى على الناظرين''.

وعدد تدمري، في تصريحات لوكالة الأناضول، تلك الآثار، قائلا: أهمها محطة قطار بيروت ــ دمشق التي تأسست عام 1895 في منطقة مار مخائيل شمالي بيروت، التي تعاني من إهمال في كثير من جوانبها، باستثناء مبنى المسافرين فيها الذي رمّم نهاية القرن الماضي لاستخدامه كمقر لإدارة السكك الحديدية في لبنان.

واعتبر أنه لو تم ترميم هذه المحطة بالشكل المطلوب، لتحولت الى ''متحف مهم جدا'' لاحتوائها على عدد كبير من عربات القطار العثماني القديم.

وتعود السكك الحديدية اللبنانية إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي إبان العهد العثماني، عندما قررت الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، أن تمد سككاً حديدية تربط بين اسطنبول والحجاز لتسهيل وصول الحجاج إلى بيت الله الحرام.

وتوقفت جميع خطوط السكك الحديدية في لبنان عن العمل خلال عام 1975 عند اندلاع الحرب الأهلية بالبلاد.

وأضاف تدمري أنه من ''الأماكن العثمانية المهملة كذلك في بيروت، المحجر الصحي المعروف بمستشفى الكرنتينا حاليا''، مشيرا إلى أنه ''يعاني من اهتراء كبير وهو بحاجة ماسة إلى الترميم والصيانة العاجلة''.

وعرج تدمري على معلم كان مهما بالنسبة لأهل بيروت وهو السبيل الحميدي، الذي أقامه أهل بيروت عام 1902 بمناسبة مرور 25 عاما على اعتلاء السلطان عبد الحميد الثاني كرسي الخلافة (في أغسطس 1876)، مشيرا الى أن السبيل كان يتوسط ''ساحة عالسور'' المعروفة اليوم بـ''ساحة رياض الصلح''.

وأضاف أن بلدية بيروت قامت في منتصف الستينيات من القرن الماضي، بنقل السبيل إلى داخل حديقة الصنائع المشهورة في العاصمة، حيث أضحى ''سبيلا مقطوعة مياهه''، موضحا أنه أصيب بعدة رصاصات نخرت نقوشها التاريخية وحطّمت الهلال الرخامي الذي كان يعلوه، وذلك أثناء الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990.

وكشف تدمري أنه كان من المقرر قبل عامين أن يتم ترميم السبيل الحميدي وحوض حديقة الصنائع العثمانية بهبة من مؤسسة التنمية والتعاون التركية ''تيكا''، التابعة لرئاسة الوزراء، مشيرا الى أن الظروف الحالية التي يشهدها لبنان من ''اللا استقرار'' أدت إلى عدم إتمام المشروع.

وقال عمر حبلي، وهو من أهالي بيروت في العقد الثامن من عمره، إن حديقة الصنائع كانت تتميز ''بسور وسياج روعة في الجمال والدقة''، مشيرا الى أن الكثير من معالم هذا السور العثماني سرقت في الماضي واستبدلت اليوم بقطع حديدية لا تتناسب وقيمة السور التاريخية.

وأضاف حبلي لوكالة الأناضول أن الحديقة كانت تضم أيضا نافورة كبيرة تزينها نقوش تاريخية، قائلا: ''لقد أصبحت اليوم بخبر كان (أصبحت من الماضي)''.

وذكر المهندس تدمري أن المدرسة السلطانية العسكرية العثمانية المعروفة اليوم بمدرسة ''المقاصد'' للبنات في الباشورة وسط بيروت، تحتاج للترميم من أجل إعادة رونقها ومعالمها العثمانية التي أصبحت اليوم شبه غائبة.

ومن أهم ما ذكره تدمري مقبرة الباشورة في بيروت، التي تضم الكثير من العلماء والأولياء والمسؤولين من زمن الخلافة العثمانية وعلى رأسهم قبر والي سوريا أحمد حمدي باشا الذي يعاني اليوم من حال سيئة للغاية تستدعي عملا سريعا من أجل ترميمه وترميم القبة المميزة التي تعلوه وتميزه عن غيره من آلاف القبور في المقبرة.

ويقع قبر الوالي أحمد حمدي باشا الى جانب سور المقبرة الذي بناه العثمانيون عام 1892 من أجل فصلها عن المنازل والطرقات.

وختم تدمري بالإشارة إلى النصب التذكاري المهدوم لحديقة إسماعيل حقي بك (قائد عسكري عثماني) بمنطقة ''برج البراجنة'' في ضاحية بيروت الجنوبية، مؤكدا أنه طلب من بلدية برج البراجنة ترميمه وإعادة بنائه، غير أن البلدية نقلته الى إحدى مستودعاتها دون ترميمه حتى اليوم.

ويطالب أهالي بيروت بلدية مدينتهم بالكف عن منح التصاريح بالهدم والبناء على أنقاض المباني والمعالم الأثرية العثمانية.

''التراث العثماني في بيروت من مدارس وحدائق ومبان وسكك حديدية من أجمل ملامح مدينتنا التي عشنا بينها طوال عشرات السنين الماضية''، بهذه الجملة اختصر ''أبو محمد النصولي''، وهو شيخ بيروتي بالتسعينيات من عمره، ألما يعيش في قلبه بعد أن ''خسرت بيروت اليوم كثيرا من معالمها العثمانية العريقة''.

وتمنى النصولي، في حديثه لوكالة الأناضول، لو أن الدولة اللبنانية اهتمت بتلك الآثار في الماضي، بدل ''بكائنا عليها اليوم''، داعيا الدولة التركية لتحمل مسؤولياتها بالتعاون مع الدولة اللبنانية لـ''إنقاذ ما يمكن إنقاذه من التراث العثماني البيروتي، تراث السلاطين والبشاوات''.

من جانبه، أكد المؤرخ اللبناني والأستاذ الجامعي حسان حلاق ما عرضه المهندس خالد تدمري، داعيا إلى ضرورة العمل السريع من قبل المعنيين في لبنان وخاصة المديرية العامة للآثار من أجل إعادة ترميم آثار بيروت العثمانية التي بدأت تندثر منذ أن احتل الفرنسيون، ''الذين كانوا معادين لكل ما هو عثماني''، لبنان عام 1918 وحتى اليوم.

وقال حلاق للأناضول إن الاحتلال الفرنسي للبنان، وبحجة توسعة الطرقات في بيروت والاهتمام بعمرانها، هدم الكثير من الآثار العثمانية وفي مقدمتها الزوايا الدينية الإسلامية التي خسرها أهل بيروت بين عامي 1920 و1943.

وأضاف أن عملية هدم العديد من الآثار العثمانية في بيروت استمرت بعد استقلال لبنان عن الفرنسيين عام 1943، مشيرا إلى هدم معلم كان من أهم المعالم العثمانية ببيروت بعد الاستقلال عام 1951، وهو السراي الصغير الذي كان مشيدا في الساحة التي تعرف اليوم بساحة الشهداء وسط بيروت.

ومضى حلاق قائلا إن الحرب الأهلية في لبنان التي استمرت 15 عاما، أثرت بشكل سلبي على ما تبقى من آثار عثمانية في بيروت، معتبرا أن ما يمنع الترميم اليوم قد يكون الظروف والأزمات المالية والاقتصادية والسياسية والأمنية.

ورفض منطق الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ العام 1990 والتي لم تولِ الاهتمام المطلوب بالآثار العثمانية في بيروت، مشيرا الى أن ''الحكومات الحضارية لا يمكن أن تعتبر أن هناك أجلّ وأفضل من الذاكرة التاريخية التي تربط الإنسان بأرضه وتاريخه''.

وذكر أن ما تم ترميمه من تلك الآثار، خاصة المساجد والكنائس، كان على نفقة عدد من رجال الخير والإحسان اللبنانيين والعرب وليس على نفقة الدولة اللبنانية.

وﺑﺤﺴﺐ العديد من المؤرخين اللبنانيين، أوﻟﻰ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﻮن اﻟﻤﺪن اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﺔ أهمية ﻛﺒﯿﺮة وﺧﺎﺻﺔ ﺑﯿﺮوت اﻟﺘﻲ أﺻﺒﺤﺖ ﻓﻲ عهد اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ (من ﻋﺎم 1516م وﺣﺘﻰ نهاية اﻟحرب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻷوﻟﻰ 1918) أﻛﺜﺮ ﺛﺮاء ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ واﻟﻌﻠﻤﯿﺔ واﻷدﺑﯿﺔ واﻟﻌﻤﺮاﻧﯿﺔ، ﻻﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﯿﻦ اﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ واﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ اﻟﻤﯿﻼدي، ﻓﺎزداد ﻋﺪد اﻟﻤﻌﺎھﺪ واﻟﻤﺪارس واﻟﻜﻠﯿﺎت واﻟﺠﻤﻌﯿﺎت واﻟﺼﺤﻒ.

ويعود ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﯿﺮوت إﻟﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺧﻤﺴﺔ آﻻف ﻋﺎم ﻣﻀﺖ، ﻓﻘﺪ ورد اسمها ﻓﻲ ﻧﺼﻮص ﻣﻜﺘﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﺨﻂ اﻟﻤﺴﻤﺎري ﺗﻌﻮد إﻟﻰ اﻟﻘﺮن اﻟﺮاﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﯿﻼد، ﺛﻢ دﺧﻠﺖ، ﻓﻲ ﻏﻀﻮن اﻟﻘﺮن اﻷول ق.م.، ﻓﻲ ﻓﻠﻚ اﻟﺴﯿﻄﺮة اﻟﺮوﻣﺎﻧﯿﺔ وﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﺮف آﻧﺬاك ﺑﺎﺳﻢ ''ﺑﯿﺮﻳﺘﻮس''.

وﺑﻌﺪ أن ھﺰم اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﻮن اﻟﻤﻤﺎﻟﯿﻚ ﻓﻲ واﻗﻌﺔ ﻣﺮج داﺑﻖ اﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻋﺎم 1516 ﻓﻲ عهد اﻟﺴﻠﻄﺎن ﺳﻠﯿﻢ اﻷول، ﻟﻘﻲ اﻟﺪﺧﻮل اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﺗﺄﻳﯿﺪاً واﺳﻌﺎ ﻣﻦ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿﯿﻦ وﻋﻠﻰ رأسهم اﻷﻣﯿﺮ ''ﻓﺨﺮ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﻤﻌﻨﻲ الأول (الذي تولى حكم لبنان آنذاك)''.

وھﻜﺬا دﺧﻠﺖ ﺑﯿﺮوت ﻓﻲ ﻓﻠﻚ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻻﺳﻼﻣﯿﺔ اﻟﻌﺜﻤﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ داﻣﺖ أﻛﺜﺮ 400 ﺳﻨﺔ، ﺣﺘﻰ نهاية اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻷوﻟﻰ، وﺟﺎءت ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻓﺘﺮة اﻻﻧﺘﺪاب اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﺘﻲ اﺳﺘﻤﺮت ﺣﺘﻰ ﻋﺎم 1943، وھﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺣﺼﻞ فيها ﻟﺒﻨﺎن ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻘﻼﻟﻪ.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة واغتنم الفرصة واكسب 10000 جنيه أسبوعيا، للاشتراك اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان