خبير إعلامي: ''المال السياسي'' يضر بالإعلام المصري
القاهرة – (الأناضول):
قال الخبير الإعلامي المصري ياسر عبد العزيز إن تدخل ما أسماه بـ''المال السياسي'' في صناعة الإعلام بمصر ''يهدد بالوصول لحالة من الصراع السياسي الحاد''، متهما كل من الإعلام الحكومي والخاص بـ''الابتعاد عن المهنية''، ومشيدا في الوقت نفسه بحالة التنوع والتعددية التي صارت تميز الإعلام المصري بعد ثورة يناير 2011.
وفي حواره مع مراسلة الأناضول لفت عبدالعزيز، خبير التدريب الصحفي الذي يرأس مركز التدريب بوكالة أنباء الشرق الأوسط (الوكالة الرسمية المصرية) إلى أن ''مدخلات الإعلانات قلت بسبب تراجع الوضع الاقتصادي، لكن في الوقت ذاته هناك إقبال على الاستثمار بصناعة الإعلام لأهداف سياسية''.
وطالب النشطاء السياسيين بـ''التوافق على آلية للتنظيم الذاتي، حفاظا على مكتسبات ثورة 25 يناير التي حققتها شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك''.
وفيما يلي تفاصيل الحوار:
ما تقيمك للإعلام المصري بعد ثورة 25 يناير 2011؟
الإعلام المصري بعد الثورة لابد من تقييمه عبر نقاط التميز والضعف، وقد طرأت نقاط تميز عدة على المشهد الإعلامي تتمثل في الاتساع الكبير في إنتاج صناعة الإعلام، حيث تجاوز الضعف عما قبل الثورة سواء لأسباب استثمارية أو سياسية، كما زادت درجة اعتماد الجمهور المصري على وسائل إعلام بلاده نظرا للتنوع والتعددية الذي صارت تتميز به، بعدما كان من قبل يعتمد على وسائل دولية أكثر.
وهذا يقودنا للميزة الثالثة وهي التعددية، فلأول مرة نحصل على هذا القدر من التعددية، والتي تعني أن كل القوى السياسية والاجتماعية المعنية بما يحدث في مصر الآن استطاعت أن تعبر عن مواقفها إعلاميا، وهو ما لم يكن موجودا قبل الثورة.
وماذا عن نقاط الضعف؟
يأتي في المقدمة ضخ أموال كبيرة أعتقد أن بعضها غير معلوم المصدر، وبعضها لا يستهدف العائد الاقتصادي، ولكن لأغراض سياسية بحتة.. فحجم عائدات الإعلان في صناعة الإعلام انخفضت بنسبة 43% ، ورغم ذلك نشهد إقبالا كبيرا على الاستثمار في صناعة الإعلام، ودخول مستثمرين جدد، الأمر الذي يدل على وجود مال سياسي، وأن من يدخل صناعة الإعلام في هذا التوقيت بالذات يريد أن يتمركز سياسيا في الواقع الإعلامي، وبالتالي الواقع السياسي والاجتماعي الجديد.
وللأسف هذا الوضع يجعل هناك صعوبة في المنافسة بين أصحاب الأهداف السياسية وأصحاب الأهداف الاستثمارية، فمن يدخل المجال لأهداف غير استثمارية ينفق دون حسابات، وإذا كان المال سياسيا فالأجندة تكون منحازة.
بعد الثورة لمس المشاهد ارتفاع سقف الحرية في وسائل الإعلام فهل يرجع ذلك لتزايد عددها؟
هناك اعتقاد خاطئ بارتفاع سقف الحريات الإعلامية في مصر بعد الثورة، والحقيقة غير ذلك، فهناك ترسانة من القوانين المعرقلة للعمل الإعلامي، والمنظومة التشريعية التي تحكم صناعة الإعلام عاطلة عن تحقيق هدفها، فمصر بعد الثورة لم تطور المنظومة التشريعية الخاصة بالإعلام، وهناك 17 قانونا تعوق عمل الإعلاميين وتسمح بسلب حرية من يعبر عن رأيه، والدستور الجديد (الذي أقره المصريون في استفتاء عام نهاية العام الماضي) يحبط الجماعة الإعلامية.
وماذا عن تقيمك لأداء الإعلام الحكومي (المملوك للدولة)؟
هي ترسانة كبيرة تزيد عن نصف حجم الإعلام المصري، وأرى أن هذه المنظومة الضخمة كان يجب أن تحرر بعد الثورة وتعبر عن المجموع العام للشعب المصري، لكنها للأسف مازالت مخطوفة لصالح الحزب الحاكم، وعلى رأسها وزير ذو توجه أيديولوجي (في إشارة إلى وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين مؤسسة حزب الحرية والعدالة الحاكم)، ولدينا إشارات أنه استخدم سلطاته لكي يخدم مصلحة حزبه وجماعته، كما أن مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان والمنوطة بالتشريع مؤقتا) الذي يهيمن عليه التيار الإسلامي صاحب صلاحيات واسعة في المؤسسات الصحفية وفي مقدمتها تعيين رؤساء التحرير.
ولكن هل مازال الإعلام الحكومي يملك قدرة التأثير على الجمهور المصري؟
الإعلام الحكومي تراجع تأثيره خلال ثورة يناير حيث برهن على انحيازه وولائه للحزب ''الوطني'' الحاكم آنذاك، بعدما تجاهل التفاعل مع التغير المفصلي في تاريخ مصر خلال الثورة، مما أفقده مصداقيته، ولكن بسبب تمركزه الجيد في إطار الصناعة الإعلامية ومنظومتها الخدمية الواسعة من شركات توزيع ومطابع ضخمة، وأسماء تجارية براقة وعريقة، مازال لديه قوة ناعمة، تتمثل في عدد من الإعلاميين والكتاب، ومازال هناك 3 صحف مملوكة للدولة من ضمن 7 صحف الأكثر توزيعا في مصر وقناتين من بين القنوات الـ10 الأكثر متابعة لدى المصريين.
*تشير إلى أن حزب الحرية والعدالة الحاكم حاليا يسيطر على الإعلام الحكومي، فكيف ترى الانتقادات التي يوجهها الحزب وجماعة الإخوان المسلمين لبعض وسائل الإعلام بينها حكومية بالانحياز ضدهم؟
الفجوة الأساسية بين الإعلاميين والقائمين على شئون البلاد هي فجوة في الفهم، فالإخوان المسلمين مفهومهم للإعلام ينطلق من تصور أخلاقي وقيمي، فمعنى الإعلام النظيف لديهم هو أن تكون المرأة مغطاة، ومعي هادف أن يحض على مكارم الأخلاق.
وبالتالي جماعة الإخوان المسلمين لن ترضا عن الإعلام إلا إذا تحول لجريدة الحرية والعدالة (الجريدة الرسمية الصادرة عن الحزب)، حتي وسائل الإعلام الإخوانية تواجه انتقادات كبيرة إذا خطت خطوة كبيرة نحو المهنية، وطالما بقيت هذه الفجوة في الفهم فلن يكون هناك رضا لديهم إلا غذا اتبع الإعلام ملتهم.
بعض المراقبين يحملون وسائل الإعلام مسئولية الاستقطاب السياسي الذي تشهده البلاد؟
الحقيقة، كلنا مسئولون عن الاستقطاب، رئاسة وحكومة ومعارضة ونخب، وحتى الجمهور، ومعظم وسائل الإعلام تم استدعائها لحالة الاستقطاب السياسي، وتحول بعضها لأدوات في الصراع والتحزب والتناحر الذي أخذ بعضه منحى طائفي.
ولكن مؤسسة الرئاسة تحمل المسئولية الأكبر، فعندما يخرج الرئيس (محمد مرسي) مخاطبا المصريين فيقول أهلي وعشيرتي ويقسم المجتمع لفريقين، فالرئيس يرى الشارع من منظور جماعته التي تقسم الناس لفسطاطين.. خير وشر.
ذكرت أن صناعة الإعلام باتت تغذيها أموال حزبية وسياسية فما أثر ذلك على مهنيتها؟
استخدام وسائل الإعلام كمنابر للتعبير المباشر عن مواقف حزبية أو سياسية دون اهتمام بالعنصر المهني له تأثير سلبي، وهناك ضخ مال سياسي كبير في تلك الصناعة سواء علي مستوى الإعلام الخاص أو الحكومي، بجانب أن هناك مصالح مالية غير محددة، فهناك قنوات تنفق إنفاق كبير أكثر من العائد المتوقع بهدف إحداث تأثير سياسي معين لا عائد مادي.
وهناك وسائل إعلامية وافدة استغلت المناخ الاستثماري، تمولها دول وحكومات خارجية لاتخاذ موطئ قدم في الوقع الجديد الذي يتشكل حاليا.
تزايد المال السياسي في الإعلام يدفع لتغليب الأجندة السياسية على المعايير المهنية، وفي هذه الحالة، يتجه الأداء الإعلامي للانحياز أكثر، وتضعف ثقة الجمهور فيه، وعندما يحتدم الصراع السياسي تستخدم تلك الوسائل في إشعال الصراع، وهذا الأمر حدث في لبنان والعراق وإندونيسيا ورواندا، ونحن قد نكون مقبلين على ذلك أيضا في مصر، غذا لم ننتبه ونبدأ فورا في بناء نظام إعلامي رشيد، يحد مما يجري.
كيف ترى تأثير القنوات الدينية سواء المسلمة أو المسيحية وموقعها من المهنية؟
من حق الشعب أن يكون لديه قنوات دينية ولا يجب إيقاف أو غلق أي منها فهذا خط أحمر، ولكن هناك شروط للإعلام الديني تتضمن ألا يستقطب أتباع دين آخر، وألا يحقر من شأن دين آخر، ولا يروج لمفاهيم غير علمية، وألا يخلط بين الأنماط الدينية والشعوذة، وأن يكون بعيد كل البعد عن أي تأثير أو استخدام سياسي، وللأسف هذه العناصر غير متوافرة في 70% من القنوات الإعلامية ذات المحتوى الديني سواء المسلمة أو المسيحية.
أين موقع شبكات التواصل الاجتماعي من التأثير؟
عليها أن تبحث عن نوع من التنظيم الذاتي، حتى تحتفظ بطاقة التأثير التي اكتسبتها خلال ثورة 25 يناير.
فيديو قد يعجبك: