مقابلة - نافعة: خسرت رهاني على الإخوان.. ولم أندم على ''فيرمونت''
حوار – هند بشندي:
في 21 و22 يونيو 2012 شارك في ''مفاوضات فيرمونت'' التي جرت مع المرشح الرئاسي آنذاك الدكتور محمد مرسي، وانتهت بإعلان ولاية جبهة وطنية، وفي يونيو 2013 دعا الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية الجماهير لاستكمال مسيرة الثورة، موقعا على استمارة حملة تمرد، مطالبا بانتخابات رئاسية مبكرة.
خلال هذا الحوار يلقي الدكتور حسن نافعة الضوء على عام كامل مر على مفاوضات فيرمونت وصولا لدعمه حملة تمرد، عام كامل مر على حكم الدكتور محمد مرسي.
- من مفاوضات فيرمونت لتوقيعك على استمارة تمرد.. ما سر هذا التحول؟
في البداية يجب أن أوضح أنني لم أدعم الدكتور محمد مرسي أمام الفريق أحمد شفيق، فأنا قد قلت بوضوح شديد أن أسوء سيناريو يمكن ان تواجه مصر هو ان تجبر على الاختيار بينهما؛ فالفريق شفيق كان يمثل بالنسبة لي امتداد للنظام القديم وبالتالي نجاحه كان معناه اجهاض الثورة كاملة، ونجاح مرسي كان يحمل مخاطر وصول جماعة الإخوان للسلطة والهيمنة على كل المقاليد دون خبرة سابقة بالحكم وبعد فترة اعتقال طويلة، لكن هذا ما حدث كان هذا هو اختيار الشعب، وكان التعامل مع شفيق مستبعد جدا، لذا لم يكن أمامنا سوى التعامل مع مرسي وما بين الجولة الثانية واعلان النتائج جرت المفاوضات معه وذهبنا لفيرمونت واسفر اللقاء عن توقيع اتفاق من 6 نقاط، لو كان الدكتور مرسي التزم بهم لما حدثت الأزمة التي تعيشها مصر هذه الأيام.
لذا فهناك مسافة طويلة جدا تم قطعها بين اتفاق فيرمونت وتمرد، ما يقرب من عام كامل مضي لم يتمكن خلاله الدكتور مرسي من تحقيق اي انجاز حقيقي على الأرض وثبت بالدليل القاطع أنه يريد يكون فرعونا جديدا، وأنه يرد التمكين للجماعة من الهيمنة المنفردة للسلطة.
- متي كانت بداية الفجوة بين من حضر فيرمونت وبين الرئيس؟
بعد أن أعلن رسميا فوز مرسي تبين انه ليس جادا وليس لديه أي نيه بالالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه، وكانت بداية الفجوة هو تعينه لهشام قنديل رئيسا للوزراء، فلم تكن المعاير واضحة ولم تكن هذه هي الحكومة التي تطلع إليها الشعب المصري.
بدئنا الشك في نوايا مرسي، وممارساته على الأرض اثبتت شكوكنا، وأظن أن النقطة الفاصلة التي تعتبر نقطه الفراق بينه وبين الشعب المصري كله كانت الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر 2012 الذي جمع فيه بين جميع السلطات ودخل بسببه في صدام مع السلطة القضائية.
- هل ندمت على دخولك مفاوضات فيرمونت؟
لم أندم إطلاقا، ولا أعرف سر توجيه اللوم لنا حتى هذه اللحظة، وقد قلت مرارا وتكرارا أن مفاوضات فيرمونت كانت قبل يومين من إعلان النتيجة وبالتالي لم يكن لها أي تأثير؛ ففيرمونت ليس لها علاقة من قريب ولا من بعيد بالفائز في الانتخابات، وإنما كان لها علاقة بهل يمكن لمرسي أن يصبح رئيسا لكل المصريين، كان هذا هو الرهان، نحن خسرنا الرهان لكن الخاسر الحقيقي مرسي وجماعته.
- هل سعيت للقاء مرسي ومطالبته بتنفيذ وعوده؟
بالطبع كانت هناك عده لقاءات تمت في القصر بشكل شبه دوري، بحضور ممثلين من الرئاسة ومن جماعة الإخوان المسلمين، لكنهم كانوا يريدوا استخدامنا كأداة لمساندة سياسية الإخوان ولم يكونوا على استعداد لطرح توافق وطني حقيقي، ونحن لم نكن على استعداد للقيام بهذا الدور فهل ندعم سياسات لا نوافق عليها. نحن لم نتمسك بالشراكة لأننا نريد سلطة أو مناصب فنحن نريد الشراكة في صنع القرار لضمان انه قرار وطني.
- قلت في 5 يونيو 2012 ان انتخاب مرسي هو اعتراف بالإخوان ممثل شرعي ووحيد للثورة والقبول بهيمنة الجماعة.. ورغم ذلك رشحته في اختيار بين السيء والأسوأ كما قلت.. هل كان اختيارا صحيحا؟
أظن أن الجماعة لأول مره في تاريخها منذ 1928 وحتي هذه اللحظة اختبرت وهي تحكم، لذا في المقابل أرى شيئا إيجابيا وهو انكشاف الجماعة بهذه السرعة والسهولة، وهو أمر كان ضروريا، فكان يجب أن يتم تجربتهم في السلطة، خصوصا أنهم يقووا بشده في المعارضة والقمع. هناك من تصور ان انتخاب شفيق هو الاختيار الأقل سوءً لأنه فرد ليس وراءه تنظيم قوى بقوة الجماعة، لكن إذا كان قد وصل للحكم فكان سيخرج لسانه لكل القوى الثورية وسيقول أن الثورة فشلت، ولم يكن مستبعدا قيامه بأمور انتقامية، الأخطر من ذلك كانت ستتحول الإخوان لقوى معارضه وستصبح أكثر قوة. رغم أني اعترف أننا في سيناريو سيء لكن مجرد اختبار قوة الإخوان وظهور عجزهم عن إدارة الدولة من الناحية الاستراتيجية أفضل لمصر.
- عدت في 17 أكتوبر وكتبت ''كنت ومازلت أراهن على قابلية جماعة الإخوان على تطوير نفسها كي تصبح قوة مساندة للتحول الديمقراطي وليس عقبة في الطريق''؛ فهل خسرت الرهان؟
للأسف خسرت الرهان، لكني اشعر بالرثاء والآسى لحال الإخوان، لو كانوا تطوروا في نفس الاتجاه الذي تطور فيه حزب العدالة والتنمية في تركيا مثلا لكان لهم مستقبل سياسي افضل، أنا خسرت الرهان لكنهم خسروا المستقبل.
- بعد الانتخابات قلت ''لماذا لا نمنح الدكتور مرسي فرصه لقياده البلاد'' فهل في عام واحد تراه استنفذ الفرص المتاحة؟
قلت ذلك لأني كنت من الذين يتمنون نجاح الدكتور مرسي، وكان هناك أناس مثلي حَسني النية ليس لاعتقادهم بأنه شخص جيد فنحن عرف تاريخ الجماعة لكن على الأقل كنا نريد إتاحة الفرصة له خصوصا انه لم يكن هناك بديل اخر، لماذا نتناطح معهم من أول لحظة. ولو كان مرسي ابتعد مسافة ولو محدودة عن مكتب الإرشاد كان الوضع اختلف، لكن ما حدث يدل أن شخصيته ضعيفة أو أن بنيه الجماعة كحركة تنظيمية لم تسمح له أن يغرد خارج السرب، وتبين للجميع أن الدول تدار من مكتب الإرشاد بالمقطم وليس من مكتب الرئاسة بمصر الجديدة.
- كتبت عده مقالات عن محاولات افشال الرئيس وعن العداء الشديد الذي تكنه له المعارضة.. والجماعة تقول ان هناك مؤامرات داخلية وخارجية.. بالإضافة لتركة مبارك الثقيلة.. أليست هذه مبررات ساهمت في عرقلة مساعي الرئيس؟
لم ننكر ذلك، لكن للأسف أن الرئيس نفسه هو من أَفشل نفسه؛ فهو لم يبور سياسيات تدحض محاولات إفشاله وتساعده على النجاح، لذا هو فشل بشكل ذريع ليس لوجوده مؤامرة ضده كما يدعي لكن بسبب الجمود الفكري والسياسي له وللجماعة. وهو كان يدرك ان التركة ثقيلة وان العبء أكبر من أن تحمله الجماعة لوحدها، وكان عليه توسيع نطاق المشاركة السياسية وعدم اقتناعه بذلك نوع من الغباء السياسي والقصور في التفكير.
- لكن الإخوان هم أول من طرحوا مبدأ مشاركة لا مغالبة؛ فلماذا اخلوا به؟
حصولهم مع باقي التيار الإسلامي على أغلبية كبيرة في مجلس الشعب أصابهم بحالة من الغرور وبعمى ألوان جعلتهم يقرروا عكس ما التزموا به من قبل بداية من عدم منافستهم على الرئاسة، وهو ما أسفر عن سقوط الأقنعة التي كانت تتغطي بها جماعه الإخوان المسلمين.
- حسن نافعة هو أستاذ علوم سياسية ويدرك أصول اللعبة السياسية، والديمقراطية والاحتكام للصناديق.. أليست تمرد خروجا عن الشرعية؟
هناك مغالطة، فقواعد الديمقراطية لا يجب أن تختزل في التصويت والصندوق لا يمكن أن يكون هناك نظام ديمقراطي حقيقي بدون وجود مؤسسات واضحة، وتوزان ورقابة واستقلال كامل ومجتمع مدني قوي وتعددية سياسية. بالتالي القول إننا يجب أن ننتظر أربع سنوات، مغالطة شديدة لأن الأغلبية والأقلية قاعدة مهمه بشرط وجود الاستقرار، ونحن في مرحلة انتقالية، لم نستقر فيها بعد على قواعد اللعبة الديمقراطية، لذا علينا أن نجلس جميعا معا اولا ونتفق على قواعد إدارة اللعبة الديمقراطية ثم نتنافس بعد ذلك.
- لكن الاتفاق على قواعد اللعبة من المفترض كان أن يتم قبل انتخاب الدكتور مرسي.. وليس الآن؟
بالضبط كل القوى السياسية كانت تطالب بالدستور أولا، وقد كتبت قبل الاستفتاء في مارس 2011 لماذا سأصوت بلا؟، وقلت إن عدم وجو دستور يحدد القواعد سيؤدي لارتباك سياسي وفوضي كبيره وهذا ما حدث بالضبط.
- ماذا لو سقط مرسي، هناك من يقول أننا سنكرر سيناريو الصومال وسيصبح لدينا رئيس كل أيام؟
طرح القضية بهذا الشكل هو نوع من الابتذال، وهو يؤكد ان عقلية فصائل تيار الإسلام السياسي ليست ناضجه، لو كان مرسي يتمتع باي قدر من الحساسية السياسية كان عليه هو نفسه بان يبادر بطرح فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة كمخرج للأزمة الحالية، مثل ما يحدث في أي دولة ديمقراطية، وإذا كان الرئيس واثق من نفسه لهذه الدرجة لماذا يخاف من انتخابات رئاسية مبكرة.. أليس هذا احتكام للصندوق؟!، لكن الحقيقة هو فعل العكس وقال ''أنا قاعد على قلبكم''.
- هو قال ذلك لأنه يعتبر أن مظاهرات 30 يونيو يقودها الفلول؛ فما رأيك؟
الفضل في وحدة الهدف بين الفلول والقوى الثورية يرجع للدكتور مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، لو كان هناك حد أدني لديهم من الذكاء السياسي لجعلوا الوحدة بين الفلول والقوى الثورية أمرا مستحيلا، خصوصا انه كان أمام مرسي فرصه ذهبية للعمل مع القوى الثورية وهم كانوا على استعداد للتعاون معه لو كان فعلا مخلصا في شعاره ونجح في أن يكون بالفعل رئيسا لكل المصريين.
لو أُجريت انتخابات مبكرة هل من الممكن أن يفوز مرسي؟
ثبت بالدليل القاطع أن الإخوان والتيار الإسلامي أقلية لا يمكن لأي مرشح على الرئاسة منهم أن ينجح اعتماد على أصوات التيار الإسلامي وحده، وما يدلل على ذلك مقارنة نتائج الجولة الأولى مع الثانية من الانتخابات الرئاسية، لذا يستحيل أن يحصل أي مرشح منهم عن الأغلبية، خصوصا بعد تعامل الإخوان باستعلاء شديد مع القوى الثورية، ولأن القراءات الأولية بعد حملة تمرد تدل على أن هناك سخط على الإخوان وهناك نوع من خيبة الأمل يشعر بها المواطن المصري.
- الإخوان يعتبرون إبعاد العسكر ''إنجاز كاف''.. ما رأيك؟
هو بالفعل انجاز، لكنه إنجاز يعود الفضل الأكبر منه للفريق عبد الفتاح السيسي وحكمة القوات المسلحة، فلو كانت دخلت في صدام مع الرئيس ربما كانت حسمت الصراع لصالحها. كان يمكن ان يكون إنجاز يحسب لمرسي لو كانت إزاحتهم ليست بغرض إفساح المجال للتمكين للإخوان، ولو كان هناك بالفعل قيادة تريد ضبط الأمور لترتب على إزاحتهم تقديمهم للمحاكمة بدلا من إهدار دم الشهداء.
- هناك من يشبه مرسي بمبارك، هل تري وجهة شبه بينهما؟
هناك أوجه شبه بين النظامين، فالإخوان أردوا أن يرثوا نفس النظام ويحلوا محل الحزب الوطني ويمارسوا نفس السياسيات، والدليل على ذلك أنهم مازالوا يعملوا بنفس آليات النظام القديم، الذي هو أفضل النظم التي تفرز ديكتاتورا، وفيما يبدو انه يريد ان يصبح ديكتاتورا.
- في الختام، كيف تصف اللحظات التي نعيشها الآن؟
اعتبر أننا نعيش لحظة الحقيقة، لحظة انكشاف جماعة الإخوان انكشاف أطماعهم، وانكشاف قصورهم وعجزهم عن إدارة شئون البلاد. تحدثت من قبل وتسألت هل تنفجر فقاعه الإخوان، وبالفعل تبين انهم شيء كبير لكنه اجوف وفي نهاية الأمر سينفجر.
فيديو قد يعجبك: