إعلان

خبير مائي دولي: إسرائيل ستتحكم في سد النهضة الإثيوبي - (حوار)

11:59 م الإثنين 03 يونيو 2013

القاهرة- الأناضول:

''سد إثيوبيا مسمار إسرائيل في نعش أفريقيا''، عبارة أطلقها أحد المواطنين المصريين، على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي، ليعبّر عن تلك المفاجأة التي اجتاحت دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، حكومةً وشعبًا، عندما بدأت أديس أبابا في تحويل مجرى النيل الأزرق، أحد أهم روافد نهر النيل، للبدء في بناء سد النهضة.

المخاوف من ''التدخل الإسرائيلي'' في أزمة سد النهضة، لم تكن مقتصرة على ذلك المواطن المصري وبقية النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، لكنها وجدت صداها أيضا لدى مغاوري شحاتة، أستاذ الموارد المائية الدولي والخبير المصري، في حواره مع مراسلة الأناضول، الذي اعتبر أن ''إسرائيل ستتحكم في القصبة الهوائية لسد النهضة الإثيوبي عبر طرحها لسندات للمواطنين الإسرائيليين لكي يساهموا في شركة تشغيل وتوزيع الكهرباء المولدة من السد''.

ورأى شحاتة، الرئيس السابق لجامعة المنوفية (شمال القاهرة)، والذي اختير ضمن أفضل 100 شخصية عالمية في مجال التعليم لعام 2012 أن ''هذا يدخل في إطار المخطط العالمي؛ حيث تمسك إسرائيل من خلال إثيوبيا زمام المبادرة للتحكم في الطاقة والمياه في أفريقيا''.

وحذّر شحاته، في حواره المطول مع الأناضول، من أن ''سد النهضة الإثيوبي ليس محصنًا ضد أي ضربة عسكرية بل على العكس فإن معامل الأمان الضعيف به يهدده سواء من خلال شنّ ضربة عسكرية ضده أو حتى زلزال، لافتاً إلى أن السودان ستتضرر في حالة انهيار السد؛ لأنه سيغرق بالكامل الجزر الواقعة على مدخل العاصمة السودانية الحرطوم''.

وإلى نص الحوار:

*نريد أن نتعرّف على الجوانب الفنية لسد النهضة الإثيوبي؟

- هذا السد هو واحد من 34 سدًا اقترحهم مكتب الاستصلاح الأمريكي (تابع لوزارة الداخلية الأمريكية) عام 1964، في مشروع تنمية الموارد في أثيوبيا، وكان هذا المشروع يقع في 17 جزءا شاملاً كل جوانب استصلاح الأراضي وتنمية الموارد والبيئة وجاء ذلك في ضوء رد الفعل على مشاركة مصر والاتحاد السوفيتي في بناء السد العالي، بعد رفض الجانب الأمريكي والبنك الدولي تمويل السد العالي. وسد النهضة يبعد 40 كيلو مترًا عن الحدود السودانية، ويقع في موقع طبوغرافي على ارتفاع 600 متر على سطح البحر. وكان من المقرر أن يكون حاجزاً لكمية ماء لا تزيد على 11 مليار متر مكعب، وهو ما تطور بعد ذلك إلى سعة تخزينية بـ74 مليار متر مكعب.

*هل لهذه القفزة في السعة التخزينية آثار سلبية؟

- بشكل عام، إذا كانت هناك آثار سلبية من إنشاء سد النهضة الإثيوبي، فإنها تقع على الإثيوبيين والسودانيين والمصريين. وهذا السد كان مرخصاً لحجز كميات مياه تبلغ 11 مليار متر مكعب ثم بعد ذلك عندما بدأت اثيوبيا في طرح تنفيذ مشروعات السدود طبقا لجدولها الزمني، طرحت عام 2005 أربعة سدود منهم سد النهضة وتلك السدود في مجموعها تحجز كميات مياه تصل إلى 200 مليار متر مكعب. وبالطبع تطوير سد النهضة من 11 مليار متر مكعب إلى 74 مليار متر مكعب يأتي على حساب الارتفاع وضخامة جسم السد وعلى فتحات التوربينات وبالتالي كتلة السد ذاته ثم كتلة الماء الذي سيتم تجمعيها في البحيرة وقوة دفع المياه والارتطام ومدي تحمل السد ثم الضغوط على المنطقة التي يوجد تحتها البحيرة.

غير أن موقع السد يقع في منطقة تتكون من صخور بركانية، من نوعية البازلت المعروف باستجابته للهزات الأرضية وعوامل التعرية، وبالتالي فإذا تصورنا هذه الكتلة الضخمة وقوة اندفاع المياه في هذه المنطقة وهذا ما يطرح سؤالاً: إلى أي مدى يمكن أن تصل إليها درجة الأمان لهذا السد؟

ولا ننسى أن معامل الأمان لهذا السد ضعيف جدا حيث يبلغ 1,5 درجة على مقياس أمان السدود، وهذا وحده إشكالية أخرى حيث يمكن أن يؤدي في سنة ما إلى انهيار جزئي أو كلي له عندها ستكون الطامة الكبرى؛ لأن إثيوبيا وقتها لن تستفيد من توليد الكهرباء. وبالتالي الضرر قائم في حالة انهيار السد، وهو احتمال قائم ولابد أن يؤخذ في الاعتبار.

*هل يشكل انهيار السد خطرًا على السودان، على وجه الخصوص؟

- صحيح، فالسودان ستتعرض وقتها لسيل جارف لهذا الكم من المياه، البالغ 74 مليار متر مكعب، والمؤكد أنها ستتعرض لتأثير سلبي في مجرى النيل الأزرق حتى الخرطوم واحتمال زوال بعض الجزر في مدخل العاصمة السودانية، وبعيداً عن انهيار السد ستعاني السودان من تلف البيئة النهرية لحوض نهر النيل الأزرق، تماماً مثل أثيوبيا. لكن السلبيات على إثيوبيا لن تكون بنفس مقدار خسائر مصر من بناء السد، فالسودان ربما تستفيد من بناء السد في البداية عندما تتم حمايتها من خطر الفيضان، فبناء السد من شأنه تنظيم حركة المياه في اتجاه السودان، وكذلك سيساعدها في الحصول على الكهرباء المزمع استخراجها من سد النهضة والتي تصل من 6000 إلى 7000 ميجا وات، وهذا أيضاً مكسب يُضاف إلى الجانب الإثيوبي.

وإذا كان الحديث عن مدى صلابة السد لمقاومة أي ضربات عسكرية، فمن المؤكد أن معامل الأمان لا يعطي السد هذه الميزة، خاصة أن صخر البازلت في منطقة السد قابل للتأثر بعوامل التعرية والتهوية وقابل للتأثر بالعناصر الزلزالية وقابل للتأثر بعملية انجراف التربة في منطقة السد، بالإضافة إلى عامل آخر وهو سرعة الإطماء أمام سد النهضة، وبالتالي هناك مخاطر على السد، فبدون ضربات عسكرية لن يكون عمر السد أكثر من 75 عاما.

وأعتقد أن أي ضربة عسكرية ستكون مؤثر في سد النهضة، وإن كنت في نفس الوقت لا اعتقد ان مصر لديها اي نوايا لتوجيه تلك الضربة، وإن كان ذلك واذا كان ذلك يتردد ذلك أحيانا فهو من  باب الغيظ من عدم انتباه الجانب الأثيوبي لحجم الضرر الواقع على شعب مصر.

*وما هي الأضرار المائية من سد النهضة على دولتي المصب (مصر والسودان)؟

- طبقاً للحسابات، لدينا فترتان لتعبئة المياه أمام الخزان بعد انتهاء إنشاء جسم السد (عبر تحويل مياه نهر النيل الأزرق) ستعود المياه إلى مجاريها ويبدأ السد في التخزين، لكن المشكلة الآن إن كمية المياه التي سيتم حجزها أمام السد حتى تصل إلى 74 مليار متر مكعب (وهو المنسوب الذي يمكن أن يتم توفير التوربينات فيه)، يعني أنها ستؤثر بالسلب على حصة مصر والسودان.

*وبكم تقدّر نقص المياه من حصة مصر والسودان؟

إذا كانت خلال فترة ست سنوات، سيكون تعبئة المياه أمام الخزان (فترة الملء) ستؤدي لنقص 12 مليار متر مكعب من حصة مصر والسودان (84 مليار متر مكعب) ولكن في فترة التشغيل سيكون هناك تفاوت بنقص من 3 إلى 12 مليار متر مكعب، أي بمتوسط 9 مليارات متر مكعب، وإذا ما وضعنا في الاعتبار عدم وجود فترة ذروة أو فيضان أو جفاف المؤكد أنها ستكون منتظمة طبقا لنظام التشغيل، وبالتالي سيقل تدفق دفع التوربينات وستقل كميات الكهرباء المتولدة من السد العالي بنسبة 30%، وهو ما يعني نقص بحوالي 600 ميجا وات من الكهرباء سيتم توقفها عن التوليد.

*ما ردك على ما يردده بعض المسؤولين الأفارقة بأن توزيع حصص مياه النيل الحالي ''مجحف''؟

- طبعا أفهم سؤالك لأن هناك من يقول بأن مصر والسودان يحصلان على كمية أكبر من المياه في حوض النيل، لكن علينا أن نوضح أنه لا توجد محاصصة في حوض النيل، باستثناء مصر والسودان، حيث كان هناك فائض كبير من المياه يذهب للبحر المتوسط ولا يستفيد منه أحد ويقدر بـ22 مليار متر مكعب فجاءت فكرة السد العالي الذي لا يسبب ضررًا لأي دولة من دول المنابع وتم توزيع هذا الفائض بين مصر والسودان وبالتالي فإن نسبة الـ84 مليار متر مكعب التي تستخدمها مصر مع السودان لا تعادل5% على الأكثر مما يسقط من أمطار على دول المنبع.

فأثيوبيا مثلاً تحصل على 130 مليار متر مكعب من الأمطار بالإضافة إلى 12 حوض مائي لكن المشكلة إن أثيوبيا بها مناطق ذات ارتفاعات سريعة ومتدرجة احيانا وغير متدرجة أحيانا أخرى، المشكلة أن الطبيعة الطبوغرافية والمناخية توزيعها غير عادل داخلياً، وهذا ليست مسؤولية مصر والسودان بالطبع، لكن إثيوبيا يمكن أن تقوم بمساعدات فنية عالمية بتطوير منابع المياه لاستخدامها في الاحواض داخليا لتوريد الكهرباء.

*ما تعليقك على ما يتردد بأن هناك تحركات دولية هي المحرك الأساسي لإشعال أزمة سد النهضة؟

- لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال دون النظر لما يحدث على أرض الواقع الآن وتحديداً في إسرائيل حيث طرحت سندات للمواطنين الإسرائيليين للمساهمة في شركة تدير سد النهضة، وهذا إما أن يكون كيداً لمصر وإما أن يكون حقيقياً، ولنفترض طبعاً أنه حقيقي لأن إسرائيل لا تلهو في مثل هذه الأعمال، خاصة مع أعلنته وسائل إعلام عن أن إسرائيل ستدير الكهرباء وتكون مسؤولة عن الإنتاج والتوزيع، وهذا يعني أن إسرائيل ستمسك بالقصبة الهوائية لهذا السد، وتحكم إسرائيل في الشركة التي ستدير هذا المشروع من المؤكد أن هذا يدخل في إطار مخطط عالمي، حيث تمسك إسرائيل من خلال اثيوبيا زمام المبادرة للتحكم في الطاقة والمياه في هذه المنطقة، وهذا متوقع وغير مستبعد، إلى جانب أن هناك دورًا ما لإثيوبيا قد تلعبه في أفريقيا المستقبل، في الصومال وجيبوتي وأريتيريا وفي السودان الجنوبي. باختصار الوضع أكثر تعقيداً مما يتصوره المواطن.

*بعض التقارير الإعلامية تقول إن المياه الجوفية في مصر وتحديدًا تحت شبه جزيرة سيناء يتم سرقتها عبر حفر الطلمبات، ما تعليقك؟

الحديث عن أن إسرائيل تسرق المياه عبر وادي الجرافي الجوفي على الحدود بين مصر وإسرائيل غير علمي؛ لأن المياه الجوفية لا تعترف بالحدود الخطية على الأرض لكنها توجد في خزانات، وبالطبع خزانات وسط سيناء المالحة تتحرك في اتجاه الشرق في صحراء النقب، وهذا تحول طبيعي لا نستطيع إيقافه، أما حوض الجرافي مشترك بيننا وبين إسرائيل، وكون الإسرائيليين يحصلون على مياه تحت أراضيهم هذا مشروع، وقولاً واحد لا توجد سرقة للمياه المصرية على الاطلاق على الحدود السودانية الليبية ولا الشرقية.

*في حالة اكتمال سد النهضة، ما الخيارات التي تراها مطروحة أمام مصر؟

عندما نحسب كميات المياه التي تحصل عليها مصر الآن لن نجدها تزيد على 70 مليار متر مكعب، فيما إن عدد المواطنين 90 مليونًا، وبالتالي فإن نصيب المواطن 625 مترًا مكعبًا في السنة (مع ملاحظة أن المعدل العالمي 1000 متر في السنة وهذا يعني عجز مائي للفرد 325 مترًا مكعبًا أي إجمالي عجز لدى مصر بـ22 مليار متر مكعب)، وفي حال ما إذا اعتمدنا على مزيد من المياه الجوفية (يمكننا توفير 2 مليار متر مكعب) ومياه الصرف المعدل وهي الناتجة من صرف الزراعة التي تعتمد في الأساس على حصة مصر من مياه النيل ولكن تعيد استخدمها (يمكننا توفير 9 مليار متر مكعب لتصل إلى حد أقصى 77 مليار متر مكعب)، والترشيد في استخدام موارد المياه بالإضافة إلى مزيد من الكفاءة في الاستخدام يمكن أن يوفر 5 مليارات متر مكعب، ستبقى مشكلة العجز قائمة في ظل احتياجها المتزايد للزيادة المطردة في عدد السكان وهي العجز، حتى وإن وصلنا إلى 85 مليار متر مكعب، وهذه هي الكمية التي يمكن توفيرها بحلول 2025.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان