كيف خرج حزب النور من عباءة الإخوان؟
كتبت – هبه محسن:
يري محللون سياسيون أن الإخوان المسلمين منذ أن تقلدوا الحكم في مصر فقدوا كثيرين من مريديهم وأنصارهم، وأبتعد عنهم في أقل من عام أهم وأقرب حلفائهم في الداخل وعلى رأسهم حزب النور السلفي صاحب ثاني أكبر كتلة برلمانية (مجلس شعب 2012) بعد الإخوان أنفسهم.
ولم يكن هناك من يتوقع أن يغرد حزب النور بعيداً عن الإخوان المسلمين نظراً لتبنيهما ما أسموه بـ''المشروع الإسلامي''، إلا أن هوة الخلاف بينهما اتسعت بشكل سريع وبدا ذلك واضحاً في فترة وجيزة من تولي الدكتور محمد مرسي حكم البلاد حتي تم عزله في 3 يوليو الجاري والذي كان بمثابة الدليل الدامغ على عدم توافق الطرفين.
''تغيير الحكومة''
بدأت مظاهر الخلافات مع الإخوان بعد انتخاب الرئيس السابق وعند تشكيل الحكومة رفض النور أن يكون نصيبه في الحكومة ثلاث حقائب وزارية فقط، على الرغم من تقديم الحزب لعدد من مرشحيه لشغل الحقائب الوزارية، وفقاً لما أعلنه قيادات الحزب.
وعندما زادت الأزمات في البلاد خرج أحد أعضاء حزب النور بمجلس الشورى للمطالبة بإقالة حكومة قنديل، معتبراً أنها لا تصلح لإدارة المرحلة واستمرارها يزيد الأوضاع في البلاد سوءاً، وهو ما أحرج حزب الحرية والعدالة الحاكم.
واعتبر الدكتور بسام الزرقا المستشار السابق لرئيس الجمهورية والقيادي بحزب النور في تصريحات تليفزيونية أنه لا يوجد حكومة في مصر، وأن حزب النور كثيراً ما نصح الرئيس السابق (محمد مرسي) بأن تكون هناك الحكومة ائتلافية لكي يتحمل الجميع المسئولية في هذه المرحلة الصعبة إلا أنه رفض هذه الفكرة.
''رفض القروض''
وعندما ناقش مجلس الشوري قرض صندوق النقد الدولي، خرج رئيس الكتلة البرلمانية لحزب النور ليعلن رفض حزبه لهذا القرض، بدعوى أنه لم يُدرس بشكل مستفيض ولم يأخذ رأي الأزهر فيه.
وأكد نادر بكار المتحدث الإعلامي للحزب في تصريحات له أن حزب النور يرفض القروض بشكل عام لأنها تضر بالاقتصاد المصري كثيراً، وتحمل الشعب المصري فوق طاقته، كما أكدت الدعوة السلفية على رفضها لمبدأ الاقتراض من الخارج لأنه يرسخ لتبعية مصر سياسياً واقتصادياً للدول التي سوف تقترض منها.
وفي إحدى جلسات مجلس الشوري لمناقشة الموافقة على القرض السعودي وعدد من المساعدات التي ستقدمها دول أوروبا لمصر، أبدى نواب حزب النور اعتراضهم على القروض والمساعدات، وأكدوا أنها ''ربوية''، مما أشعل المشادات بين نواب حزب النور الذين أصروا على موقفهم ونواب حزب الحرية والعدالة الذين أكدوا على حاجة مصر الماسة لهذه المساعدات آنذاك.
''النور والجبهة''
ومع احتدام الصراع السياسي على الساحة الداخلية، حاول حزب النور أن يجد المخرج وأن يحقق حالة من الوفاق الوطني بين السلطة والمعارضة، فأطلق مبادرته التي لاقت قبول قيادات جبهة الإنقاذ الوطني.
واتفق النور والجبهة في اجتماع جمع قيادات الفريقين على عدد من المطالب أبرزها، تشكيل حكومة جديد ائتلافية، وإقالة النائب العام، وتعديل بعض مواد الدستور الجديد، ووقف سياسة الهيمنة والتمكين التي ينتهجها الإخوان المسلمين.
وكان هذا الاتفاق البداية الحقيقية للخلاف بين السلفيين والإخوان، وقد ألقي هذا الاجتماع بظلال سيئة على العلاقة بين الشركين –النور والإخوان-، ولم تمر سوي أيام حتى أقالت مؤسسة الرئاسة الدكتور خالد علم الدين مستشار حزب النور والقيادي بحزب النور.
''إقالة علم الدين.. واستقالة الزرقا''
وتفجرت الخلافات مع إقالة الدكتور خالد علم الدين مستشار الرئيس لشئون البيئة وعضو حزب النور لشبهة فساد مالي واستغلال نفوذ (حسبما قالت الرئاسة)، وهو ما أثار غضب حزب النور ودفعه لعقد مؤتمر صحفي لتبرئة ذمة علم الدين وانتقاد مؤسسة الرئاسة على هذا التصرف.
وطالب حزب النور مؤسسة الرئاسة بالاعتذار لعلم الدين وتبرئة ساحته أمام الرأي العام، بعد هذا الاتهام الذي وصفه حزب النور بـ''غير المقبول''، وبالفعل أصدرت رئاسة الجمهورية بياناً أكدت فيه أنها لم تكن تقصد الإساءة لشخص ''علم الدين''.
محاولة الرئاسة لاسترضاء حزب النور لم تفلح في إثناء الدكتور بسام الزرقا مستشار الرئيس عن قراراه بالرحيل من مؤسسة الرئاسة، فقد أعلن ''الزرقا'' في نفس المؤتمر الصحفي الذي عقد لتبرأة ذمة ''علم الدين'' استقالته من منصبه في مؤسسة الرئاسة.
وبدأت مرحلة جديدة من الخلاف بين حزب النور وجماعة الإخوان المسلمين، حيث خرج علم الدين على وسائل الإعلام ليكشف ما يحدث بقصر الرئاسة وكيفية صناعة القرار داخل ''الاتحادية'' واتهم الإخوان بعدم القدرة على إدارة الدولة، وهو الأمر الذي أغضب الجماعة كثيراً واعتبرته نقضاً لعقد الشراكة المبرم بينهما.
ولكن حزب النور خرج ليدافع عن نفسه ويؤكد أنه لم يكن يوماً شريكاً للإخوان في الحكم، وكان دائماً يقف موقفاً محايداً من النظام ''إذا أخطئ انتقده وإذا أصاب مدحه''، وكان هذا بمثابة إعلان صريح من النور بانتقاله إلى صفوف المعارضة.
''السياحة الإيرانية''
رفض السياحة الإيرانية في مصر كان أحد أبرز مظاهر الخلاف بين ''النور'' والإخوان، فقد رفض حزب النور ''السلفي'' أي محاولات لجذب السياحة الإيرانية لمصر وعودة العلاقات بين مصر والدولة ''الشيعية'' –إيران-، خوفاً على مصر من التشيع.
وعندما سافر هشام زعزوع وزير السياحة إلى إيران للتنسيق بشأن الوفود السياحية الإيرانية التي ستزور مصر، أصدر حزب النور بياناً يدين فيه هذه الزيارة ومحاولات توطيد العلاقات مع إيران.
أما حزب الحرية والعدالة –الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- فخرج على الرأي العام ليؤكد أن عدوى التشيع لن تنتقل بأي حال من الأحوال إلى الدولة السنية –مصر- وأن مصر ما بعد الثورة بحاجة لعلاقات مع جميع دول العالم لاسيما إيران.
ولكن رئاسة الجمهورية حاولت استرضاء السلفيين باجتماع بين رئيس الجمهورية وبين الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح التي تضم في عضويتها أقطاب التيار السلفي في مصر وعلى رأسهم الشيخ ياسر البرهامي لمناقشتهم في الأمر والحديث عن الخلاف مع حزب النور.
وفي اليوم التالي لهذا الاجتماع الرئاسي تقدم الشيخ أحمد فريد عضو مجلس أمناء الدعوة السلفية باستقالته من الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، واعقبه الشيخ ياسر البرهامي نائب رئيس الدعوة السلفية، بدعوي هيمنة الإخوان على الهيئة الشرعية.
''الضباط الملتحين''
''تعنت الدولة مع الضباط الملتحين'' هكذا ارتئي حزب النور موقف الدولة من قضية الضباط الملتحين، فهذه القضية كانت محل جدل كبير بين السلفيين والإخوان.
واعتبر ''النور'' أن الدولة تتعنت مع هؤلاء الضباط الملتحين الذين لا يخالفون القانون –بحسب تصريحات قيادات حزب النور- ولا تريد تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة لصالحهم وإعادتهم إلى وظائفهم بجهاز الشرطة، كما ذكر حزب النور في تصريحاته الدكتور محمد مرسي بوعوده الانتخابية لهم وطالبوه بتنفيذها.
وفي الوقت نفسه، خرج الدكتور بسام الزرقا المستشار السابق لرئيس الجمهورية وعضو حزب النور ليؤكد أن المشروع الإسلامي الذي كانوا يسعون لتطبيقه ليس له وجود في عهد الدكتور محمد مرسي، ودلل على ذلك بالعديد من القرارات التي اتخذتها الدولة مثل رفض إعادة الضباط الملتحين لعملهم ومد تصاريح عمل الملاهي الليلية 3 سنوات بدلاً من عامين.
''أخونة الدولة''
ملف ما يسمى بـ''أخونة الدولة'' ملف شائك ومتشعب نظراً لارتباطه بالعديد من الوزرات والقطاعات في الدولة، ولكن حزب النور أعد ملفا كاملا لأخونة الدولة ضم قائمة بالمناصب في الوزارات ومؤسسات الدولة والتي تم تعيين عدد من المنتمين للإخوان المسلمين فيها وبلغ عددها حوالي 13 ألف وظيفة وفقاً لتصريحات قيادات حزب النور.
وفي إحدى جلسات الحوار الوطني التي دعت إليها رئاسة الجمهورية قدم الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور ''ملف الأخونة'' للرئيس، ولكن رئاسة الجمهورية وأعضاء حزب الحرية والعدالة نفوا تماماً تقديم رئيس حزب النور لهذا الملف.
وهو ما دفع مخيون إلى تهديد الإخوان بكشف تفاصيل ''أخونة الدولة'' في الإعلام إذا لم يتوقف الإخوان عن سياسة إخفاء الحقائق.
الخلاف بين الطرفين زاد في الفترة الأخيرة وقد تباينت مواقفهم في العديد من الأمور والقضايا، خاصة بعد وضع اسم الشيخ ياسر البرهامي على قوائم ترقب الوصول في مطار برج العرب، وهو ما اعتبره حزب النور محاولات من الإخوان للضغط على قيادات الدعوة السلفية بسبب مواقفهم المعارضة للنظام.
''الانحياز للشرعية الشعبية''
وجاء الحديث عن مظاهرات 30 يونيو التي يرفض حزب النور الوقوف فيها بجانب الإخوان لدعم الرئيس السابق، وعلى الرغم من إعلان حزب النور عدم مشاركته في المظاهرات المؤيدة أو المعارضة، إلا أن رئيس الكتلة البرلمانية للحزب أكد في تصريحاته أن الأوضاع في البلاد ستتغير بعد 30 يونيو وأن سقف طموحات المعارضة قد ارتفع مما سيكلف النظام المزيد من التنازلات.
وشدد عضو حزب النور على أن الغضب من الطريقة التي تدار بها البلاد أصبح عارماً بسبب إضاعة من هم في سدة الحكم العديد من الفرص لإزالة الاحتقان الموجود لدي قطاعات عريضة من الشعب.
ومع خروج الملايين إلى الشارع في 30 يونيو ضد حكم الإخوان المسلمين، ظهر حزب النور منحازاً للشعب وللشرعية الشعبية وتبنى في بيان رسمي مطالب الشعب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
وبعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي أيد حزب النور بيان القوات المسلحة الذي أعلن فيه خارطة الطريق بعد عزل الدكتور محمد مرسي لينضم إلى مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة.
ولكن مواقف ''النور'' خلال الاجتماعات مع الرئاسة كانت تتسم بـ''التعنت'' كما وصفها البعض، حيث رفض في البداية بعض الترشيحات لرئاسة الوزراء، كما أعلن انسحابه من المفاوضات احتجاجاً على أحداث الحرس الجمهوري، وهو ما أثار شكوك الكثيرين حول نوايا حزب النور واعتبروا أن مواقفه بهدف تعطيل المفاوضات لصالح الإخوان، إلا أن الحزب قرر العودة إلى المفاوضات وإعلان موافقته على اختيار الدكتور حازم الببلاوي لرئاسة الحكومة.
كيف خرج النور من عباءة الإخوان؟
وعن أسباب تحول حزب النور من التأييد إلى معارضة النظام، تحدثنا إلى الدكتور إكرام بدر الدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والذي أكد أن المشهد السياسي الراهن في مصر يغلب عليه طابع التعددية السياسية سواء في الأفكار أو المواقف.
أوضح ''بدر الدين'' أن تقسيم القوي السياسية في المجتمع المصري على تيارين فقط وهما ''التيار الديني'' و''التيار المدني'' لم يكن دقيقاً، نظراً لأن التيار الديني لا يمكن اعتباره كتلة واحدة ولا يُعبر جميع المصنفين ضمنه عن اتجاه فكري واحد، والحال نفسه ينطبق على التيار المدني.
وأضاف لـ''مصراوي'' أن المشهد السياسي الراهن هو مشهد تعددي ينطوي عليه نوعاً من السيولة في المواقف فلا يوجد موقف صلب موحد يخرج من أياً من الطرفين.
أما تحول حزب النور إلى المعارضة، فيؤكد ''بدر الدين'' أن هذا التحول ارتبط بأمور عدة منها المصلحة الحزبية وفلسفة الحزب الفكرية وتقييمه للأحداث على الساحة السياسية، ولكن اتفاقه في بعض الأحيان مع الأحزاب المدنية وفقاً للمعطيات السابقة جعلت الكثيرين يرون في مواقفه تحولاً إلى المعارضة الصريحة.
''الحصان الأسود''
واعتبر أستاذ العلوم السياسية أن حزب النور رغم حداثة نشأته إلا أنه استطاع أن يكون له دور سياسي مؤثر في الحياة المصرية، وقد فاجئ الجميع في انتخابات البرلمان السابقة بحصوله على نسبة كبيرة من المقاعد جعلتهم يطلقون عليه لقب ''الحصان الأسود''.
وشدد ''بدر الدين'' على أن نقطة قوة حزب النور السياسية تكمن في مرونته وعدم تسلطه في مواقفه، وهذا ما يجعله يتفق تارة مع الأحزاب المدنية وتارة أخري مع أحزاب التيار الإسلامي.
وعلى الرغم من أنه يري حزب النور عضواً بارزاً في حكومة ائتلافية قد تتشكل في أعقاب الانتخابات البرلمانية المقبلة، إلا أن الدكتور إكرام بدر الدين استبعد قيام حزب النور بطرح نفسه بديلا للإخوان في الحكم، نظراً لصعوبة فوز أي حزب بمفرده بالأغلبية البرلمانية المقبلة.
فيديو قد يعجبك: