سنودن الأمريكي.. ''بطل أم خائن''
تقرير – هند بشندي:
من كان يظن أن شابا ذو ثلاثين عاما من الممكن أن يهز ديمقراطية أمريكا ويهدد عرش دولة الحريات، ربما يكون الشاب ''سنودن'' فعلها.
إدوارد جوزيف سنودن..هو المستشار السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية يمتلك ''كمية هائلة من الوثائق'' بشأن عمليات تجسس تقوم بها الولايات المتحدة على الاتصالات والرسائل الإلكترونية، التي قد يلحق نشرها ضررا بالغا بالولايات المتحدة، وقد نشر بالفعل بعضها.
اختار سنودن، الكاتب جلين جرينوالد، من صحيفة ''الجارديان'' البريطانية، لنشر أولى هذه الوثائق وقد نشرتها الصحيفة تحت عنوان ''ملفات وكالة الأمن القومي''، وكشفت خلالها عن أن إدارة أوباما لأكثر من عامين سمحت لوكالة الأمن القومي بجمع كميات هائلة من التسجيلات وتفاصيل البريد الإلكتروني لمواطنين أمريكيين.
يقول سنودن عن ذلك ''هم يؤمنوا بانهم يخدموا الوطن، ما يحدث ان وكالة الأمن القومي تستهدف اتصالات كل شخص داخل أمريكا، كنت في مكتبي يمكنني استهداف أي شخص وصولا للرئيس نفسه إذا كان لديه بريد الكتروني''.
من هاواي إلى موسكو
ولد سنودن في مدينة إليزابيث بولاية نورث كارولينا، والده هو لوني سنودن، ضابط في خفر السواحل الأمريكية، والدته، كاتبة في محكمة اتحادية في ولاية ميريلاند.
عمل كمهندس نظم ومدير نظم ومستشار لوكالة الاستخبارات الأمريكية ''سي اي ايه'' وخبير حلول ومسئول نظم معلومات الاتصالات السلكية واللاسلكية.
في 7 مايو 2004، جُند سنودن في جيش الولايات المتحدة في القوات الخاصة حيث أعلن وقتها عن رغبته في المشاركة في حرب العراق قائلا ''شعرت أنه كان التزام كإنسان لمساعدة الناس على التحرر من الظلم''، ومع ذلك، خرج بعد أشهر قليلة بعد أن كسر ساقيه في حادث تدريب، وذلك وفقا لملفه في وكالة الاستخبارات الأمريكية الذي نشر في مختلف الصحف الأجنبية.
في 21 يونيو 2013 وجه له القضاء الأمريكي رسميا تهمة التجسس وسرقة ممتلكات حكومية ونقل معلومات تتعلق بالدفاع الوطني دون إذن والنقل المتعمد لمعلومات مخابرات سرية لشخص غير مسموح له بالاطلاع عليه.
غادر سنودن هاواي لهونج كونج في 20 مايو 2013، ومنها إلى موسكو في 23 يونيو، 2013، ومازال هناك عالق منذ ذلك الوقت في منطقة الترانزيت في مطار شيريميتييفو في العاصمة الروسية.
لماذا
لكن لماذا فجر هذه القضية؟ سؤال يجيب عنه سنودن في أحد اللقاءات التليفزيونية التي أجراها أثناء تواجده في هونج كونج، قائلا: ''عندما تكون في موضع اطلاع واسع كمدير نظم لدى وكالات أمنية استخبارية فأنت تتعرض للكثير من المعلومات وتدرك أن بعض مثل هذه الأشياء يعتبر اختراق، مع مرور الوقت يزداد شعورك بارتكاب الخطأ وتشعر أنك مجبر على التحدث عنها، لكن في العمل يتم تجاهلك، ويرددوا عليك أن الأمر غير ذي أهمية، إلى أن تدرك أن مثل هذه الأشياء يجب أن يعرفها العامة وليس شخصا ما عينته الحكومة''.
لكن ألم تخف؟ سؤال ربما تردد على مسامع الشاب الأمريكي مرارا وتكرارا، ليقول عنه ''الخوف يبدو أني سأعيش فيه بقية حياتي، فلا يمكنك الوقوف في وجه أقوى أنظمة الاستخبارات عالميا وتبقي بعيدا عن الخطر، إذا ارادوا الوصول اليك سوف يصلوا فورا''، لكنه يقول ''أكثر ما أخاف عليه ان لايحدث أي تغيير''.
حياة سنودن يمكن أن توصف بانها ''مريحة جدا'' فهو يعيش مع صديقته في هاواي، ويحصل على راتب ''ما يقرب من 200 ألف دولار أمريكي سنويا.''
''تعيش في الجنة وتحصل على الكثر من المال ما ذلك الشيء الذي سيدفعك لتترك كل هذا خلف ظهرك؟'' هو نفسه يردد هذا التساؤل ويجيب عليه سريعا في لقاءه مع إحدى شبكات التليفزيون الأجنبية ''عليك أن تعيد التفكير فيما هو أهم بالنسبة اليك فان تعيش حرا يمكنك الذهاب للعمل كل يوم والحصول على مرتبك الكبير مقارنة بعملك ضد مصلحة الناس لكن إذا فكرت أن هذا العالم الذي ساعدت على وجوده وانه سوف يزداد سوء بمرور الأجيال في توسيع قدرات هذا النوع من القمع التقني حينها تدرك أنك يمكن أن تقبل بأي مخاطرة ولن تهمك النتائج التي قد تتعرض لها طالما حصل الناس على حقهم في تقرير ما يجب فعله''.
خائن أم بطل
من هو سنودن؟ هل هو بطل قومي ضحى بحياته من أجل انتهاك يحدث أم انه خائن أفاد بالمعلومات التي نشرها وينوي نشر المزيد منها أعداء أمريكا؟، رئيس مجلس النواب جون بوينر وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ اعتبروه خائنا، وعدد من الشيوخ والنواب دعوا إلى اعتقال سنودن وملاحقته قضائيا.
في نفس الوقت، كتب ستيفن سفالفورز، عضو الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، رسالة إلى لجنة نوبل النرويجية، يطالب فيها بمنح جائزة نوبل للسلام لإدوارد سنودن، مشيرا إلى ''الجهود البطولية التي قام بها سنودن على حساب وضعه الشخصي''.
وأشاد جرينوالد، الصحفي الذي حصل على الوثائق السرية، بسنودن معتبرا انه أدى خدمة من خلال الكشف عن الرقابة على الرأي العام الأميركي، وانضم لرأي جرينوالد عدد من الشخصيات العامة منهم نعوم تشومسكي، ومايكل مور وأوليفر ستون، معتبرين ان سنودن فضح الرقابة الحكومية السرية.
إدوارد سنودن هو أحد المبلغين عن الفساد، وليس جاسوسا لكن هل يهتم المسئولين؟ هذا هو عنوان مقال للصحفي سبنسر أكرمان في صحيفة الجارديان، مؤكدا أنه لا يوجد أي دليل بان سنودن ساعد أي عدو للولايات المتحدة أو جهاز لمخابرات، عن عمد.
لكن سنودن نفسه لايري انه بطلا فيقول ''لست مختلفا عن اي شخص اخر، أنا فقط شخص عادي كان يجلس في مكتبه يوما بعد يوم ويري ما يحدث''.
الصورة المثالية
أما الشارع الأمريكي فقد أظهر استطلاع رأى لمعهد جالوب ان 44 في المئة من الأمريكيين يروا أنه كان على حق لتبادل المعلومات مع الصحافة بينما رأى 42 في المئة أن ما فعله سنودن كان من الخطأ.
ووجد مركز بيو للأبحاث أن 49 في المئة يعتقدان ما فعله كان لخدمة المصلحة العامة بينما رأى 44 في المئة أنه أضر بالمصلحة العامة للبلاد.
تقول الدكتورة هالة مصطفي، أستاذ العلوم السياسية، ان هذه الفضيحة بالطبع ستؤثر على الصورة المثالية للولايات المتحدة الأمريكية من حيث كونها بلد الحريات، معتبره ان ما حدث من الممكن ان يؤثر على الإدارة الأمريكية.
وأوضحت لمصراوي ان القضية اثيرت منذ إدارة جورج بوش، مشيرة انه بعد أحداث 11 سبتمبر ظهر قانون باتريك لمكافحة الارهاب الذي اعطي الحكومة الحق في التجسس حفاظا على الأمن القومي مما تسبب في جدل منذ ذلك الوقت، خصوصا في ظل النزعة المثالية للولايات المتحدة الخاصة بحرية المواطنين وحرية الاتصالات.
فيديو قد يعجبك: