إعلان

حرب المليونيات تضع مصر على مفترق طرق

07:47 م الخميس 25 يوليه 2013

 

القاهرة – (أ ش أ):

بين مؤيد ومعارض تقف مصر على مفترق طرق تاريخي تحده الكثير من المخاطر والآمال المشوبة بالحذر، فإما أن تفضى مليونيات غدا الجمعة إلى مسار يرسم خارطة طريق جديدة للمصالحة بين فريقين متضادين بسبب الخلاف على الشرعية، وإما أن تكرس مبدأ الانقسام المخضب بالدماء.

التصعيد والتصعيد المضاد

وعلى الرغم من التطمينات التي بعثت بها رسائل المتحدث العسكري للقوات المسلحة بشأن طبيعة دعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسي للتظاهر غدا، وأنها تأتى استكمالا لمسيرة ثورة 30 يونيو المجيدة والتي استمدت شرعيتها من إرادة الشعب المصري، إلا أن لهجة التصعيد التي جاءت كرد فعل من قيادات تنظيم الإخوان ومن يناصره من التيارات الدينية، يمكن أن تزيد الأمور تعقيدا وتدفع باتجاه المزيد من العنف.

 

وفى الوقت الذى أكدت قيادة القوات المسلحة أن الدعوة للنزول باكر الجمعة ما هي إلا استدعاء للمشهد الثوري التاريخي لشعب مصر والذى طالما أبهر العالم بعبقريته وتطلعاته المشروعة نحو التغيير والإصلاح والديمقراطية بكل سلمية ورقى وتحضر، جاء رد فعل المؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي ممثلا في بيان ''التحالف الوطني لدعم الشرعية''، الذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين وأحزاب إسلاميه أخرى، ليؤكد أن دعوة الفريق السيسي هي دعوة صريحة للحرب الأهلية.

إعادة تشكيل المشهد

وعلى تلك الوتيرة من ردود الفعل المتضاربة، تمضى مليونيات الغد الجمعة لتعيد تشكيل المشهد المصري بين من يريد أن يمحو من الذاكرة المشاهد المهيبة لشعب عبقري يستحق احترام طموحاته وتطلعاته نحو تحقيق الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ومن يريد أن يكرس لعبقرية الشعب المصري في فرض إرادته التي كرست لشرعية تجاوزت الشرعية الثورية والشرعية الدستورية في آن واحد.

 

 

وفيما تؤكد القوات المسلحة أن دعوة القائد العام لا تحمل أي تهديد لأطراف سياسية بعينها، بل جاءت كمبادرة وطنية لمواجهة العنف والإرهاب الذى لا يتسق مع طبيعة الشعب المصري ويهدد مكتسبات ثورته وأمنه المجتمعي، إلا أن بيان المؤيدين للرئيس العزول، والذى دعا الجماهير للاحتشاد في كافة ميادين وشوارع مصر وفي جميع المحافظات في تظاهرة الجمعة التي سماها ''إسقاط الانقلاب'' يجعل من المليونيات ساحة حرب جديدة تكرس لمبدأ العنف.

ولعل ما يرفع سقف المخاوف هو نية تحالف دعم الشرعية المؤيد للرئيس المعزول بتنظيم 34 مسيرة مؤيدة في القاهرة الكبرى وحدها، مما يعنى إرباك المشهد وتوسيع مساحات الاحتكاك مع المنتمين للتيارات المدنية، الذين أعدوا العدة لتلبية دعوة الفريق السيسي بالتجمع والحشد لدعم خطط الجيش لمكافحة الإرهاب.

 

 

الجيش والشعب

ويبدو أن التحام غالبية الشعب المصري مع قيادات قواته المسلحة، قد قدمت سلفا المسوغات المطلوبة لمن يقود دفة الأمور في تلك المرحلة الحاسمة بأن يمضى قدما في حماية الوطن من أي مخططات هادفة إلى إحراق الأرض، لكى يعلم دعاة العنف والإرهاب أن لهذا الشعب جيشا وشرطة قادرين على حمايته.

 

 

وإذا كانت دعوة الفريق السيسي للتظاهر غدا الجمعة قد جاءت متزامنة مع انعقاد أولى جلسات المصالحة الوطنية برعاية رئاسة الجمهورية أمس الأربعاء، فإن ذلك يؤكد أن دعوة القائد العام للقوات المسلحة جاءت لاستكمال جهود مؤسسة الرئاسة للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية لتحقيق خارطة المستقبل كأحد مكتسبات ثورة 30 يونيو.

ومع إصرار تيارات الإسلام السياسي على عدم المشاركة في جهود المصالحة الوطنية، تظهر في الأفق دعوات لإلغاء مشروع المصالحة خاصة مع من تلوثت يده بدماء المصريين، إلا أن المؤسسة العسكرية تؤكد على الدوام أن المصالحة الوطنية وتحقيق العدالة الانتقالية هما السبيل الوحيد لعبور مصر من تلك المرحلة الدقيقة إلى بر الأمان دون إقصاء أو تحييد لأى تيار أو فصيل أيا ما كان، وهو ما يعد فرصة تاريخية لمن خرج عن الصف بالعودة إلى حظيرة الوطن قبل فوات الأوان.

الرهان الأكبر

وإذا كان هناك من يرى أن دعوة الفريق السيسي للتظاهر غدا الجمعة قد تؤدي إلى حدوث اقتتال أهلي في ضوء الحشد المضاد لمؤيدي الرئيس الاسبق، إلا أن الرهان الأكبر سوف يبقى على سلمية التظاهرات من الجانبين.

 

 

حيث أكدت المؤسسة العسكرية أن حرية التعبير عن الرأي في إطار سلمى حق مكفول لجميع المصريين تحميه القوات المسلحة والشرطة المدنية وتوفر له التأمين الكامل، كما تعهدت المؤسسة العسكرية بالتنسيق مع أجهزة وزارة الداخلية في إطار المسئولية الوطنية تجاه الشعب المصري بحماية المتظاهرين السلميين فى كافة ربوع الوطن، وهو ما يلقى بالكرة في ملعب قيادات التيارات الدينية والمدنية على حد سواء، باعتبار أن الحفاظ على أرواح المتظاهرين باتت مسئوليتهم جميعا.

ومن هذا المنطلق فإن جميع الأطراف مدعوة لمراقبة سيناريوهات مليونيات الغد لمعرفة من يمكن أن يصبح المسئول عن أي أحداث عنف قد تحيل المشهد الحضاري إلى مشهد دموي، وذلك في ضوء تحذيرات المؤسسة العسكرية من الانحراف عن المسار السلمى لأعمال التظاهر أو اللجوء إلى أي مظهر من مظاهر العنف أو الإرهاب، والذى سيتم مواجهته بكل حسم وقوة وفقا لمقتضيات القانون الصارم في هذا الشأن.

صوت العقل

كما أن مختلف القوى والتيارات السياسية مطالبة بالبعد عن أعمال الاستفزاز والالتزام بضوابط التعبير السلمى عن الرأي، وهو ما يمكن أن يسهم في عبور تلك اللحظة التاريخية بأمان كامل، وربما يجد صوت العقل فرصة سانحة تؤهل كافة الأطراف للدخول في حوار جاد للوصول إلى مناطق توافق مشتركة تنهى حالة الانقسام المرعبة التي يشهدها المجتمع المصري حاليا.

ويجب على الجميع أن يدرك أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء مهما كلف ذلك من خسائر، وأنه في ظل استمرار حالة الاستقطاب الحادة ستبقى كل الأطراف خاسرة، خاصة في ظل ما برز من مخططات إجرامية لتعكير الأمن، وهى المخططات التي غطت المشهد المصري بلون الدماء وجعلت رائحة البارود تعلو واجهته.

وليس ثمة شك في أن المضي قدما لإنجاز مصالحة شاملة لا تقصى أحدا وتحفظ الحقوق وتقطع اليد التي تلوثت بالدماء، هو السبيل الوحيد لإنهاء حالة التيه التي كرستها مفترق الطرق شديدة الانحدار، والتي وجد المصريون أنفسهم مطالبين بعبورها حتى تبدأ مرحلة قطف ثمار حراكهم الثوري الذى تتواصل موجاته لتكنس ما تبقى من عفن يشوه وجه مصر الحضاري.

 

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان