''مشرحة زينهم''.. ''حد عايز كفن''
تقرير- محمد مهدي:
أطباء، وموظفين، وغرفتين للغُسل، وعشرات الجثامين ملقاة في شارع مشرحة زينهم، ينتظرون الدور، لإنهاء إجراءات طويلة.. الإهمال الحكومي يضاجع الأحزان، مخلفًا أهات مكتومة، وأعصاب تالفة.. وغضب قد يأكل الأخضر واليابس، إن لم ينته هذا الأمور فورا.
"الجثث هنا ملهاش أول من أخر".. خرجت الجملة مرتعشة من فم رجل يبدو عليه الحزن الشديد، يصف الوضع لأحد الأشخاص عبر الهاتف، بينما يبدو المشهد أكثر قسوة، عشرات الجثث ملقاه في الشارع المؤدي لمشرحة زينهم، بداخل صناديق، أوأخشاب مسطحة، أو أقشمة، ملطخة بالدماء، ملقى عليهم قطع من ألواح الثلج، وبجوارهم أبخرة، للحفاظ عليهم من التعفن، بينما ملامح ذويهم تكسوها الدموع المختلطة بالغضب، وتخرج من شفاههم كلمات تحمل دعاء على المتسببين في هذا المشهد، الذي تكسره لحظان خروج جثمان من المشرحة، على فترات متباعدة.
"حد عايز كفن".. قالها رجل مُسن يمر على الجميع، ويردف بابتسامة خافته: " لله يا ولاد مش بفلوس"، وبين الجثامين المتراصة بجوار بعضهما في الشارع، يتحرك شباب بحذر يوزعون المياه والعصائر، على الأهالي، وآخرين يضعون ثلوج على الجثامين دون أن يطلب أحد.. والانتظار سيد الموقف.
أمام المشرحة زحام شديد، أعداد كبيرة من الجثامين، رائحة الأبخرة تصبح نفاذة، ومشاجرات طفيفة تنتهي سريعًا، بعد تدخل المتواجدين، ورجل إسعاف ينادي زميل له قائلًا: "أنا معايا 3 جثث مجهولة.. انت معاك كام"، ويرد زميله: "معايا زيهم"، وطابور ضخم من وجوه بائسة يتحرك ببطء شديد أمام شباك تجلس أمامه إمراة تُنهي للمواطنين الأوراق بمفردها، ومن حين لأخر يخرج صوت صارخًا: "خلصونا بقى.. الجثث ريحتها فاحت".
رائحة الدماء تجوب أروقة المشرحة من الداخل، تلتصق بملابس أهالي القتلى، الذي نفذ صبرهم، حتى أن أحد الشباب قام بكسر ألواح زجاجية لطريق مؤدي إلى غرفة الطب الشرعي، وحاول مهاجمة الأطباء، إلا أن الأهالي تدخلوا، ومنعوه، بعد أن تسبب في ذعر للأطباء الخمسة ورئيسهم، المتواجدين بمفردهم للكشف عن العشرات من الجثث، جعلهم يتوقفون عن عملهم، ولوح طبيب منهم بيديه قائلًا:"احنا بنشتغل بأقصى طاقتنا وفي الأخر بتتهجموا علينا"، بينما حاول أكبر الأطباء سننًا الدكتور "أحمد" أن يطمئن الجميع مؤكدًا أنه طلب إمداده بأطباء أخريين لإنهاء الإجراءات كلها في أسرع وقت.
" أنا مش عايز حقي.. هات التصريح أدفن أخويا".. لفظها شاب أسمر يرتدي جلباب صعيدي، عندما ذكر لها أحد الأطباء أن لا يمكن أن يُنهى إجراءاته دون الكشف عن الجثمان، وكتابة تقرير كامل عن إصابته، وإن لم يحدث هذه، سيضيع حق شقيقه القتيل، وتركه الطبيب ليكمل عمله بأيدي خائفة، وسط أجواء مشحونة بالغضب، قد تتسب في كارثة بداخل مشرحة زينهم، لعدم وجود أي تأمين لهؤلاء الأطباء، وانتظار إمدادت في علم الغيب، إن كانت ستأتي، أم يُترك الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر أن "يخبط" رأسه في الحائط.
فيديو قد يعجبك: