بلاغ للنائب العام.. غرفة ''جوانتانموا'' في قسم الأزبكية
بقلم ـ حسن الهتهوتي:
مشهد لن أنساه.. صراع بداخلي، ما بين خوفي على بلدي، وأمانة الكلمة.. هل أذكر الواقعة وأزيد الأمر اشتعالا، أم أصمت وأصبح شيطانًا أخرس، ولا أدري ماذا أقول لرب العالمين، حينما يسألني عنها.
في قسم الأزبكية ، الجمعة 16 أغسطس، محاولة اقتحام القسم من قبل مسلحين، قيل إنهم من أنصار الرئيس السابق محمد مرسي، ذهبت لتغطية الأحداث صحفيا، وأثناء وجودي أمام القسم، تم احتجازي من قبل القوات، ورغم رؤية ضابط يُدعى أحمد الأعصر لكارنيه العمل، أمرهم باحتجازي في غرفة التحقيقات، وهناك، وجدت متهم ، قالوا إنه من أنصار مرسي.. رجل في العقد الخامس من العمر.. على وجهه لحية خفيفة.. الدماء تملأ ملابسه ورأسه ووجهه.. كان أحد الضباط ، يُدعى أحمد قدري، يُحقق معه (بطريقة راقية)، وفجأة، انضم الضابط لزملاؤه في التصدي للمسلحين، ووجدت نفسي بصحة المتهم وجندي تابع للقسم، كُلف بحراستنا..
رفضت أن اتصل برؤساء الضابط في مديرية أمن القاهرة لاخبارهم بالواقعة، وكان ذلك كفيلا بانصرافي على الفور، وفضلت الاستمرار لمتابعة ما ستُسفر عنه الأمور، خاصة أنها فرصة جيدة لصحفي أن يرصد محاولة اقتحام قسم، ويتعرف على حقيقة جديدة، كان يراها سابقا ''عن بُعد''، حتى لو كلفتني حياتي.
عشت ساعات الرعب التي رأيتها في أعين الضباط والأمناء والجنود.. سمعت أصوات الطلقات النارية تهز الغرفة التي تواجدت فيها.. وكنا نقف في غرفة بها فتحة كبيرة، لاتوجد بها حتى نافذة تحميها من رؤية من بداخلها.. رأيت ضجيج وهياج المحبوسين بالحجز، الذي كان بأسفلنا، واشتعال النيران فيه، ثم سمعت صرخات تعلن فتح بابه، ومحاولات هروب، وضبط أقارب متهمين تورطوا في فتح باب الحجز، ورأيت ضباط مصابين، وآخرون يقفون في انتظار الموت، لا لشئ، سوى لحماية مقر عملهم، الذي إن سقط، ستكون حتما ضربة موجعة، ربما يتخللها سقوط مصر.. رأيت ضابط وضح سلاح في يده، والمصحف في اليد الأخرى، يقرأ تارة، ويعاون زملاؤه في حماية القسم تارة أخرى.. رأيت.. ورأيت .. ورأيت، ولكن كان المشهد المؤلم الذي منعني عن التفكير فيما سيجرى لنا، هم ضباط ''جوانتانموا'' مصر..
نعم.. كأنني أشاهد الروايات التي أسمعها عن سجن ''جوانتانموا''، و''أبو غريب''.. بل ربما أبشع.. رأيت فرد شرطة وضباط يعتدون بوحشية على المتهم المصاب، الذي كان يفقد الوعي كل فترة طوال جلوسه على الكرسي، من شدة إصابته، وكثرة ما نزفه من دماء، ولم يكن بمقدور أحد أن يأتي له بالإسعاف، وربما كان ذلك عن عمد..
رأيت هذا الرجل الذي كان يبكي قائلا ''إنه كان يمر بالصدفة من منطقة الأحداث، وأنه من منطقة حلوان'' رأيت الضباط وفرد الشرطة يلقونه من فوق الكرسي، ثم يطرحونه أرضًا، وينهالون عليه بالضرب، فأحدهم كان يقفز إلى الأعلى ثم ينزل بقدميه فوقه، وآخر (يرتدي زي نظامي) يضرب برأسه في الحائط، وثالث يمسك قطع خشبية ثقيلة ويُضربه فوق رأسه ، كما يحدث في مباريات المصارعة.. الدماء تنزف بغزارة، والمتهم يصرخ، ثم تنقطع صرخاته، ويفقد وعيه، والضباط مازلوا في حفلة الاعتداء الانتقامية لزملائهم الذي أصيبوا على يد المسلحين، ويصرخون فيه ''بتعملوا معانا كده ليه..إحنا كفرة ياولاد الـ''..'' ثم يقوم آخر بتهشيم رأسه بمؤخرة البندقية، وكأنه يُحطم رأس ثعبان، ليتأكد من موته.
لم أتأثر ، ولم أخش على حياتي، التي كنت أعتقد أنها ربما تنتهي بانتشارالحريق، أو بطلقة من النافذة، وربما باقتحام المسلحين، بعد أن قاربت الذخيرة على النفاذ، ولم أتألم للعشرات الذين قُتلوا وهم يهاجمون القسم، لأنني أعرف أنهم أتوا ليقتلون أبرياء لاذنب لهم، لكني تألمت لما حدث لهذا الشخص، الذي أصبح بحوزة الشرطة، وحتما سينال العقاب، إن ثبت تورطه في الأحداث، وتذكرت الشعارات التي ترفعها وزارة الداخلية ، بشأن حرصها على حقوق الانسان، بل وأنشأت قطاع لذلك!!.
تألمت لما حدث له، ولم يكن بإمكاني الصمت أكثر من ذلك، وهذه شهادتي لمن يهمه الأمر، وأرسلها من ''مصراوي'' كبلاغ للنائب العام، ومستعد للشهادة في أي مكان، وأمام أي جهة.. والله على ما أقول شهيد.
للتواصل مع الكاتب:
https://www.facebook.com/hatehoti2
فيديو قد يعجبك: