إعلان

تحقيق - العمالة المصرية في الأردن ''كله يهون من أجل لقمة العيش''

11:43 ص الثلاثاء 17 سبتمبر 2013

كتبت - علياء أبوشهبة:

''لقد خرجنا بعد أن فقدنا الإحساس بالحرية و العدالة و حاصرنا الظلم في كل مكان و لن نعود إلا في صناديق خشبية حيث العدالة الأبدية، فهذه الدولة استضافتنا و كانت لنا بمثابة الأم''، بهذه العبارة بدء حديثه من على الرصيف المقابل للجامع الحسيني في العاصمة الأردنية عمان، في المكان الذى جاءه مع بزوغ ضوء الفجر، حتى من قبل شروق الشمس للبحث عن فرصة للعمل، لأن ''لقمة العيش'' هو ما جاء به من بلده.

جلس بجسده الأسمر الهزيل، و بملامح وجهه التي شاخت مبكرا، ربما من فرط من يعيشه من هم، مابين أسرة كبيرة تركها باحثا عن فرصة مجرد متنفس يمكن أن يساعده في الإنفاق عليهم، وليزيح هذا العبء الثقيل عن كاهله، بعد أن ضاقت به الحال على أرض الكنانة.

جاء حاملا معه حقيبة مهترئة تضم أدواته، ليجلس بجوار زملاءه، قد يكون لا يعرفهم جميعا، لكنه على يقين من أن المعاناة هي القاسم المشترك بينهم، يتلهف من أجل العثور على زبون، ليجري نحو القادم للرصيف مرددا ''بدك نجار مسلح''، لتنافسه أصوات أخرى، ما بين عامل طلاء و آخر يتباهى بقدرته على هدم أي حائط، متعهدا بإحضار معوله الحديدي الذى تركه مستندا إلى الحائط، أملا على أن يعود له ليحمله إلى العمل.

لا يهتم ''محمود'' الرجل الثلاثيني، ابن قرية منيا القمح، في محافظة الشرقية، بمناقشة ما سوف يحصل عليه من أجر كلما اقتربت دقات الساعة نحو الثامنة صباحا، بينما يتبدد لديه الأمل في الحصول فرصة لكسب عيشه إذا زحفت عقارب الساعة المخيفة نحو الساعة العاشرة، ليحمل أدواته و من قبلها خيبة أمله عائدا إلى سكنه، الذى لا يجد فيه السكينة.

في غرفة تزدحم بخمسة من الرفاق، يضع رأسه المزحم بالهموم، ويترك جسده المثقل بالتعب يستسلم للنوم، و ليغالب التفكير في المستقبل و الأفواه التي تنتظر الطعام.

تقاسموا الشقاء

''أبو علاء''، عرف طريق العمل في الأردن من أبناء قريته في محافظة الفيوم، فتسربوا واحدا تلو الآخر مثل حبات السلسلة، ليتقاسمو الشقاء، فلا يهم عدد ساعات العمل طالما أنه سوف يحصل على أجره كاملا، أما إذا تسرب الشعور بالتعب إلى جسده يكون لسان حاله،'' وما الذى جئت من أجله غير العمل''.

وماذا تفعل إذا مرض جسدك؟، سؤال طرحه ''مصراوي'' فكانت الإجابة :''العيان يروح بلده أحسن العلاج هنا غالى و المستشفيات كمان''.

فرصة عمل توفر له حياة كريمة، هو كل ما يحلم به أبو علاء و يستعد إذا توفرت للعودة إلى مصر.

لم يكمل أبو علاء جملته حتى قاطعه رجل يتحدث باللهجة الشامية، تبين أنه سوري، قائلا إن المصريين ليست لديهم أي مشكلات لأن أصحاب العمل يفضلونهم، ويكفى أن لديهم بلدهم سالما يمكنهم العودة إليه في أي لحظة.

زيارات بعيدة

بينما كان يمسك مقشته و يجتهد في تنظيف الشارع ، مغالبا متاعبه، لاتلهيه رائحة الغبار التي تزكم الأنوف عن ممارسة عمله بهمة و نشاط.

وبسؤاله :''هل أنت مصري؟''، رد و هو يحاول أن يصطنع اللهجة الأردنية حتى شعر بالاطمئنان، وتبدلت لهجته ليقول إنه لا يجد أي غضاضة في العمل في جمع القمامة وتنظيف الشوارع، لأنها مهنة شريفة، ويكفي أنها تسد متطلبات أسرته، التي لا يراها إلا كل 5 سنوات على الأقل أو كلما سمحت له الظروف.

بينما كان يجاهد آلام ركبته حاول جاهدا إقناع الزبون القادم بقدرته الفائقة على دهان الحوائط بسرعة وبمقابل بسيط مقارنة بباقي زملائه، إلا أنه تركه بعد التفاتة لمن هم أصغر منه سنا.

قال صلاح عتريس، أو ''أبو البنات'' كما يلقبه رفاقه في السكن، إنه قضى في الأردن 28 عاما حتي فقد عافيته، ولن يتركها إلا وهو ميت، مشيرا إلى أن تصاريح العمالة هي العبء الأكبر الذى يثقل كاهله ولا يستطيع التهرب منه و إلا كان مصيره السجن أو الترحيل.

لم يفكر الرجل الخمسيني، في دعوة أسرته للحياة معه لأنه أمر مكلف لا يقوى عليه، أما عن سبب تسميته بـ''أبو البنات''؛ فأشار إلى أن أزواج بناته يعملون أيضا في الأردن، ويقيمون في نفس السكن و لكن في حجرات أخرى.

ما أن قاربت دقات الساعة على العاشرة مساءً، حتى غادر صلاح، حاملا معه همومه، ليعود إلى السكن لإعداد الطعام لباقي رفاقه، وهو ما يتم تقسيمه عليهم وفقا لترتيب مسبق يضعوه بالاتفاق، و إن كان الأمر لا يخلو من الاستثناءات.

بنشاط شديد يبدأ يومه، فيضع قطعة القماش المبللة في المياه الممزوجة بالصابون، ثم يفرك جيدا إطار السيارة، ليأتي بعد ذلك دور الماء، تليها مرحلة التجفيف، ويظل هكذا يتنقل من سيارة لأخرى، حتي ينتهى من تنظيف السيارات الموجودة في الشارع مغالبا حرارة الجو في الصيف و برودته في فصل الشتاء.

ذكر أبو عيد، الذي جاء من محافظة الدقهلية، أنه لم يجد فرصة عمل في الأردن، وكان تنظيف السيارات هو الحرفة الوحيدة التي أجادها، مشيرا إلى أنه لم يحصل على الفرصة لممارستها إلا بصعوبة، نظرا لأن كل عامل له شارع خاص به، ولا يستطيع أن شخص الاقتراب منه.

تعتبر ابتسامته كلمة السر وراء نجاحه في مهنته، كما أنه يرضى بأي رزق و لا يضع تسعيرة محددة، وهي أيضا مهنة ليست لها أعباء لأنه يحصل على الصابون والماء من صاحب السيارة، وهو تقليد استحدثه المغتربون حيث أن هذه المهنة لم تكن مألوفة من قبل في المجتمع الأردني.

المصري مقابل السوري

يعتبر ''أبو خليل''، مدير إحدى محال العطارة في وسط المدينة في العاصمة الأردنية عمان، أن العامل السوري أكثر مهارة من المصري في البيع و الشراء، لأنهم تجار بطبيعتهم، بينما يرى أنه إذا احتاج إلى أي أعمال صيانة في منزله لا يستغني عن العامل المصري لأنه يجتهد في عمله، ويقبل العمل لساعات طويلة.

اتفق معه في الحديث عن المهارات اليدوية للعمالة المصرية أنس الديري، مقاول، والذى أكد على أن العمالة المصرية محببة لدى الأسرة الأردنية، رغم المنافسة السورية، مشيرا إلى تواجد عمال اليومية في الساحة الهاشمية وجسر البيادر، بالإضافة إلى الجامع الحسيني.

مخاوف

يقدر عدد العمالة المصرية في الأردن 425 ألف عامل، وفقا لآخر التقارير التي تلقتها وزارة القوى العاملة المصرية من مكتب التمثيل العمالي.

وتشير تقديرات السلطات الأردنية إلى أن عدد العمال المصريين في الأردن يقارب نصف مليون، منهم 176 ألف فقط يوجدون في وضعية قانونية.

وخلال الشهور الماضية قامت السلطات الأردنية بمراجعة تصاريح العمالة، وتم منح المخالفين مهلة لمدة 3 شهور لتوفيق أوضاعهم وفقا لشروط وقواعد العمل في المملكة.

وفقا لدراسة أعدها المرصد المصري للتعليم و التشغيل و التدريب تعد الأردن أحد أهم الأسواق العربية التي تستوعب عدد كبير من العمالة المصرية، حيث استوعب هذا السوق نحو 201.6 ألف عامل مصري في عام 2006، بالتالي تحتل العمالة المصرية بالأردن المرتبة الأولى من حيث الحجم بين العمالة الوافدة (69.58% منها).

تشير الدراسة إلى أن العمالة المصرية تتواجد في قطاع الزراعة في منطقتي الأغوار الشمالية والجنوبية، وتتركز الغالبية العظمى من العمالة المصرية الوافدة إلى سوق العمل الأردنية في الفئة العمرية للشباب (30- 39) ، حيث بلغت نسبة العمالة في هذه الفئة 42% من إجمالي العمالة المصرية الوافدة إلى السوق الأردني خلال عام 2006، كما أن الغالبية العظمى من العمالة المصرية في السوق الأردني من حملة المؤهلات الثانوية فأقل (88.6%).

يذكر أن النسبة الأكبر على وجه الإطلاق هم من العاملين بأجر ( 97% ) خلال العام نفسه، في حين لم تتجاوز نسبة أصحاب العمل من المصريين في الأردن 1% من إجمالي العمالة المصرية هناك، حسبما ذكرت الدراسة.

ومنذ بداية الأزمة في سوريا نزح إلى الأردن قرابة مليون و 600 ألف مواطن سوري وفقا لتقديرات منظمة الهجرة الدولية.

توفيق الأوضاع

أما عن شروط استقدام أسر العمالة المصرية للأردن تتضمن أن يكون الزوج حاصلا علي إقامة شرعية للعمل داخل المملكة ويكون عقد العمل الخاص به موثقا من جانب وزارة العمل الأردنية وألا يقل راتبه عن 300 دينار شهريا وهو ما يعادل 430 دولارا أمريكيا وهو الحد الأردني الذي اعتبرته الحكومة الأردنية يمكن الأسرة من الحياة الكريمة.

كان السفير المصري في الأردن صرح في شهر يناير الماضي بأن بلاده توصلت لاتفاق مع الأردن لتصويب وضع العمالة المصرية في المملكة، وحثت السفارة المصرية المصريين المخالفين لقوانين العمل على سرعة التوجه إلى مكاتب العمل لتسوية أوضاعهم القانونية.

كما أن خالد ثروت سفير مصر لدى الأردن قال في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن السلطات الأردنية وافقت على إعادة العمالة المصرية المتسربة وتصويب أوضاعها، بحيث يمكنها أن تتجه لمجال آخر غير المجال الزراعي.

وأشار السفير المصري إلى أنه على الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها المملكة، تتمثل في وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين وغيرهم على أراضيها، إلا أنها تعتمد بشكل كبير على العمالة المصرية.

شعب ودود

بوجه بشوش لا تفارقه الابتسامة، يقف في محله الذي لا تزيد مساحته عن بضع أمتار، ربما تقل، ليعد جميع المشروبات الساخنة في سرعة شديدة، وتحفل ثلاجته بجميع المشروبات الباردة.

بخفة شديدة، لا تكاد تشعرك بتقدم سنه، يتنقل بين المحال التجارية لتقديم مشروباته، قال أبو السيد، ابن محافظة طنطا لـ''مصراوي'' إنه يعيش في الأردن منذ 37 عاما، لم يزر مصر فيها إلا مرات قليلة لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، وهو ما يرجعه لطيبة أهل الأردن، بالإضافة إلى ألفتهم التي لم تشعره بالغربة لحظة واحدة.

ربما كانت أسرة أبو السيد التي ترافقه هي السبب وراء بقاءه أيضا، حيث فضل أبناءه الزواج واستكمال الحياة في نفس البلد التي نشأوا فيها.

عبر شاشة التلفزيون يحرص ''أبو السيد'' على متابعة أحوال بلده الأم، والتي يرى أنها بمثابة إنذار له بعدم العودة، وهو ما يأسف له، وكلما داعبه الحنين للعودة يذكر نفسه أنه سوف يدفن في أرضها ليهدأ باله.

مبدع في الغربة

شاعر وكاتب وممثل، لم ينسى موهبته رغم الغربة التي إخطارها بإرادته منذ 20 عاما، حتى وصل إلى سن الأربعين، ولا ينوي الرجوع عنها، عندما تلتقيه تنبهر بالصور التي تحمل الأدوار الفنية التي شارك فيها، وحينما تستمع إلى أشعاره تتيقن أن الإبداع نبع لا ينضب، أما إذا قرأت قصصه تجد نفسك أمام قلم مميز لا يعرف اليأس.

في داخل المقهى الذى يشارك في الإشراف عليه، التقى ''مصراوي'' أمجد عبد الفضيل''، الموهبة المصرية الذى لم تفوته فرصة المشاركة في المهرجانات الفنية في الأردن ليمثل بلده.

يتذكر بحزن مشروع نادى الجالية المصرية، الذى نجح في تقديم أعمال مسرحية شارك في إنتاجها مصريون جمعهم حب الفن، لكن لا يوجد شيئا يبقى على حاله بعد نهاية مشروع النادي وتحوله إلى جمعية صورية لا نشاط لها.

أكد أمجد على أنه حقق طموحه في الأردن على المستوى الثقافي و الفني و الإنساني، وهو ما يمنعه من مجرد التفكير للعودة إلى مصر.

التأثر بأحوال البلد

قال عادل جابر، رئيس نادى الجالية المصرية في الأردن سابقا، والذى يلقبه المصريين في عمان بلقب ''العمدة''، إن أزمة العمالة المصرية تتمثل في تصاريح العمل، و التي يتحملها في بعض الأحيان أصحاب العمل، ولكن في الغالب يتحملها العامل نفسه، وتقل عن 100 دولار شهريا، وهو ما يشكل عبئا ماديا عليه إلى جانب مصروفاته، فضلا عن عدم انتظام حصوله على رزقه.

أضاف بأن مراجعة السلطات الأردنية لتصاريح العمالة شملت جميع العمالة الأجنبية بما فيها السورية، موضحا أن احترام التشريعات الأردنية أمر لا جدال فيه، وخاصة أن البلد فتحت ذراعيها أمام مئات الألاف من العمالة المصرية، و بالأخص بعد ثورة 25 يناير.

وأشار ''العمدة'' إلى تأثر أوضاع الأردن بعد الأزمة السورية و نزوح اللاجئين إليها، فضلا عن توقف تصدير الغاز الطبيعي المصري للأردن مما تسبب في حدوث أزمة في التيار الكهربائي.

كما أوضح جابر في حديثه لـ''مصراوي'' أن هناك الكثير من عمليات السمسرة التي يقع العمال المصريين ضحية لها، معربا عن أسفه من حدوثها من مصريين، نتيجة جهل العمال بالتشريعات الأردنية.

أكد جابر على ضرورة توفير مظلة تأمين علاجية للعمالة المصرية، فضلا عن صرف مبلغ مالي عند الوفاة، مشيرا إلى أن الرئيس السابق حسنى مبارك كان قد أصدر قرارا بتولي الدولة دفع مصروفات نقل جثمان أي متوفى مصري، وأن هذا القرار مازال معمولا به.

''تسفير 50 ألف عامل''

إبراهيم جنينة، رجل أعمال مصري مقيم بالأردن ويشغل منصب عضو مجلس إدارة اتحاد المصريين في الخارج، جاء مؤخرا إلى مصر لمقابلة كمال أبوعيطة، وزير القوى العاملة والهجرة، وذلك لبحث تسفير 50 ألف عامل مصري، على حد قوله.

جنينة، أكد لـ''مصراوي'' ضرورة التزام العمالة المصرية بالقوانين واللوائح الأردنية، والتي لا غنى عن التوعية بها قبل تسفير العمالة، والتي يتساوى في الجهل بها أصحاب المؤهلات العليا وغير المتعلمين.

ولفت إلى أن السلطات الأردنية حددت مهلة 4 شهور لتوفيق الأوضاع، مضيفا أن السفارة المصرية تبذل جهودها من أجل توفيق الأوضاع، وقال إن السفارة يقع على كاهلها عبئ كبير نظرا لضخامة الجالية المصرية.

أشار إبراهيم جنينة، إلى أن جانب من أزمة تصاريح العمالة، يسبب فيها تحول العامل الزراعي إلى خدمات أو أي مجال آخر، نظرا لأن تصاريح العمالة للعاملين بالزراعة هي الأقل في قيمتها المادية.

كما ذكر أن عجلة التنمية الأردنية دارت بسواعد مصرية، وأن الشعب الأردني مثقف ولكن لكل قاعدة شواذ، وفي بعض الأحيان يكون الجانب المصري هو الظالم وفي أحيان أخرى تنعكس الآية.

وأكد عضو مجلس إدارة الاتحاد العام للمصريين في الخارج، على أن فتح الطريق لتسفير 50 ألف عامل يمكن أن يساهم في مساعدة آلاف الأسر و زيادة تحويلات المصريين و التي تنعش الاقتصاد بدورها.

تعديل المنظومة التشريعية

وأكد محمد ريان، نائب رئيس اتحاد المصريين في الخارج، على أن منظومة التشريعات التي تنظم عمل المصريين في الأردن تحتاج إلى المراجعة و التطوير، من حيث تأمين العامل في حالة تركه لعمله، لضمان عودته بدون خسائر كبيرة.

كما أشار إلى ضرورة شمول التعديلات القانونية سهولة تحرك العامل المصري داخل دولة الأردن، فضلا عن وجود بديل في حالة إخلاء طرف العامل يساعده في حالة التعثر، من خلال صندوق أو ما شابه.

وأكد ريان على ضرورة وجود تسهيلات عند نقل جثامين الموتى من المغتربين، وذلك فيما يتعلق بالأوراق التي يطلب من ذويهم استخراجها من وزارة الشؤون الاجتماعية.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان