سانت كاترين.. الطريق مغلق لـ''دواعٍ أمنية''
كتب – سامي مجدي:
كان الأمل معقودا على أن نقضي سويعات قليلة أعلى قمة جبل كليم الله موسى وعلى سائر أنبياء الرحمن ورسله أفضل الصلاة والسلام، لكن ''جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن''، كما تقول الحكمة. فبدلا من الاستمتاع بجبال سانت كاترين وجمال الطبيعة السيناوية، قضينا جل وقتنا في الطريق من وإلى مقصدنا - نحو ثلاثة عشر ساعة ذهابا، وأقل منها بقليل عودة- بعد أن أغلقت الطرقات التي نسلكها ويسلكها كل من له نفس مبتغانا في الأحوال العادية، في وجوهنا، وذلك لما قيل لنا ''دواعٍ أمنية''، الأمر الذي جعل معظم من كانوا معنا يتندر على قوات الأمن جيشاً كانت أم شرطة، جراء عدم مقدرتها على تأمين طريق الوصول لتلك البقعة الساحرة التي يأتيها الناس من كل فج عميق.
كانت الساعة قد جاوزت الخامسة بدقائق قليلة تعد على أصابع اليد، وبدأ الليل يرخي سدوله ويلف الأرض بغلالة من ظلام يشتد رويدا رويدا، حينما وصلنا إلى كمين ''فيران''، والذي ننطلق منه إلى سانت كاترين مباشرة. كنا قد أُخبرنا أننا قد لا نتمكن من المرور من ذلك الكمين ''لأنه يُغلق ليلا'' كما قال ضابط شرطة استوقفنا في الكمين الذي قبله، مما جعلنا نجري بعض الاتصالات بعدد من القيادات الأمنية بمحافظة جنوب سيناء الواقع في نطاقها الكمين، وجاءتنا الردود تطمئننا أننا سنعبر الكمين دون جدال، لكنه كان مجرد كلام ''جبر خواطر''، على اعتبار أننا جميعا صحفيين.
''خطورة''
استوقفنا رجال الكمين من جيش وشرطة، واطلعوا على هوية السائق ورخص القيادة، وتأكدوا من هوياتنا نحن ركاب السيارة، ثم أشار إلينا أحدهم بأن ننتظر على جانب الطريق حتى يتحدث مع الضابط المسؤول بشأن مرورنا لمبتغانا مباشرة. نزل أحدنا واتجه إلى الضابط في حجرته، وأجرى آخر اتصالا بأحد الزملاء الصحفيين في جنوب أرض الفيروز عله يتواصل مع أحد القيادات الأمنية لـ''يأمر'' بمرورنا، جاءنا الرد من الضابط بأن ''تلك أوامر ولابد من طاعتها حفاظا عليكم أنتم''. وجاءنا الرد الآخر بأنه يمكن ان نمضي في طريقنا على أن نوقع إقرارا بتحملنا المسؤولية كاملة، هكذا قيل لي.
التقطت أنا الرد الأخير وتواصلت مع أحد اللواءات في المباحث الجنائية بمديرية شمال سيناء، وبعد سلام وترحيب، أخذ اللواء يشرح خطورة المنطقة التي سنمر بها، إن سُمح لنا، وكيف أن ''خارجين عن القانون'' ينتشرون فيها ويبسطون سيطرتهم كاملة على الطريق، وكيف أن أغلب حوادث الخطف التي جرت منذ ثورة 25 يناير جرت في تلك البقعة، وذكر اسمين لأحد المطلوبين الهاربين من السجون ويبدو أنهما أخوين أو ابني عمومة ''سالم الدخيل، وإسماعيل الدخيل''.
بعد شرح وتوضيح لأهوال المرور من ذلك الطريق في ذلك الوقت، قال اللواء إنه سيتواصل مع بعض زملاءه وسيعود إليّ مرة أخرى بعد دقائق، لكنه لم يعد حتى كتابة هذه السطور.
عودة إلى سالم الدخيل، يقول مصدر أمني بمديرية جنوب سيناء، تحدث إلى مصراوي هاتفيا، إن الدخيل هارب من أحكام جنائية وصلت العقوبات فيها إلى نحو 300 سنة، مضيفا أن هناك متهما خطيرا آخر هو عبد الله الكرماني، الذي تجاوزت العقوبات الموقعة عليه قرنا من الزمان.
هؤلاء وعشرات ''المسجلين خطر'' و''الهاربين'' يقطنون وادي فيران ويتخذونه قاعدة ينطلقون منها لمهاجمة أهدافهم من كمائع للشرطة وسيارات محملة سياح علهم يجدون فيها ''غنيمة'' يخرجون من وراءها بفدية ضخمة، على ما قال لي رمضان مسوح، واحد من أبناء عواقل قبيلة الترابين.
خطورة الطريق هذا تكمن، كما قال أحد قاطني وادي فيران، طلب عدم ذكر اسمه خوفا على حياته، في أنه يقع وسط سلاسل جبلية يستخدمها الهاربون في مهاجمة السيارات و''سبي'' من فيها، مشيرا إلى أن تركيزهم يكون على السياح الأجانب لأن سفارات بلادهم تدفع أموالا كثيرة لتحريرهم.
ويضيف أن هذه الجماعات لها عيون على طول الطريق بداية من منطقة نخل مرورا بأبو رديس ويكونوا متمركزين في الاستراحات والكافتريات الموجودة على طول الطريق.
ما يزيد من الأمر صعوبة أن قوات الشرطة لا تستطيع أن تمر في هذا الطريق بعد الخامسة عصر، ويقول أحد ضباط كمين وادي فيران إن وابلا من الرصاص يطلق على أي ''بوكس'' من المناطق الجبلية، ملفتا إلى قوة تسليح هذا الجماعات بما يفوق تسليح رجال الشرطة المتواجدين في المنطقة.
بعد شد وجذب ومناقشات واتصالات، اضطررنا الى أن نسلك طريق شرم الشيخ ومنه إلى سانت كاترين، الأمر الذي زاد من طول الرحلة لأكثر من أربع ساعات، وكان بعض الزملاء يتندر على قوات الأمن التي ''لا تستطيع تأمين طريق حيوي كهذا''.
قضينا الليل في سانت كاثرين ورغم التعب الذي حل بنا جراء صعود الجبل ونزوله، إلا أن منظر الشمس وهي تشرق بضياءها على أرض الله الواسعة لا تضاهيه متعة، وكان صياح الشبابات والشباب من جنسيات عدة يدوي فوق قمة الجبل حيث كلم موسى ربه، ابتهاجا بالشمس التي بدأت في الظهور رويدا رويدا لتختفي برهة لتظهر من جديد بكامل هيئتها ودفئها الذي انتظرناه بشغف عله يخفف من حدة البرد ''القاتل''.
رحلة العودة
لم تكن رحلة العودة التي بدأت في لثانية عشر ظهر السبت 11 يناير، بأحسن حالا، فما أن وصلنا إلى كمين وادي فيران حتى وجدنا طابورا من السيارات والاتوبيسات السياحية في انتظار إشارة المرور. ترجلت من السيارة وتوجهت نحو ضابط شرطة يخفي عينيه بنظارة شمس ماركة ''بوليس'' الشهيرة، وفي يده اليمنى بندقية آلي بخزنتين، والترقب بادٍ على هيئته وكأنه ينتظر ضربة من هنا أو هناك، حاله كحال باقي رجال الشرطة الموجودين في الكمين.
كان سؤالي وسؤال كل من حولي وكانوا ثلاثة أشخاص من سيارات مختلفة بينهم مرشد سياحي معه فوج روسي قادم من سانت كاترين، ''هل ستفتحون الطريق؟ ومتى؟''، رد الضابط بكلمات بسيطة وهو ينظر حوله ''الساعة واحدة بالضبط ياأستاذ''. كانت لساعة تشير وقتها إلى الثانية عشر وأربعون دقيقة. بعد إلحاح مني أوضح الضابط أن أوامر غلق الطريق قادمة من مدير أمن جنوب سيناء مباشرة، والطريق يُفتح ثلاث مرات يوميا في العاشرة صباحا والواحدة ظهرا والرابعة بعد العصر، وفي كل مرة تكون سيارة شرطة مدججة بالسلاح أمام رتل من السيارات وأخرى وراءه.
ظننا أنه بعد المرور من ذلك الكمين أن الأمور سيتكون أيسر وأننا سنمضي في سبيلنا دون معوقات ''أمنية'' أو أي معوقات أخرى، لكن هيهات هيهات، فما إن وصلنا إلى الكمين الموجود على بداية طريق نويبع - القاهرة حتى أُستوقفنا مرة أخرى لنسأل عن هوياتنا ووجهتنا، كان هذا الطريق هو الأقصر إلى القاهرة لكن الضابط المسؤول رفض مرورنا بحجة الخوف على حياتنا حيث أننا ''صيد ثمين'' لأننا صحفيين ومعنا ''بنات''.
بعد أن سُد طريق نويبع القاهرة في وجهنا، اخذنا طريقنا في اتجاه طابا ومنها إلى القاهرة التي وصلناها نحو الحادية عشر ليل السبت.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة .. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: