الأزهر الشريف.. منارة الإسلام الوسطي عبر التاريخ
كتبت – هبه محسن:
يصفه كثيرين بأنه ''قلعة الإسلام'' ويعتبره آخرين ''منارة الإسلام'' في مصر.. فهو أقدم مؤسسة إسلامية في مصر والعالم بل وأهمها نظراً، للدور الكبير الذي قام به الأزهر الشريف منذ تأسيسه في نشر تعاليم الإسلام الوسطي في العالم.
مر الأزهر الشريف منذ تأسيسه من أكثر من 1000 عام بالعديد من الأزمات في مختلف العصور، وكان أخرها أزمة طلاب جامعة الأزهر المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وتظاهراتهم داخل الجامعة رفضاً لما يسمونه ''الانقلاب على الشرعية'' والإطاحة بحكم الإخوان المسلمين عقب مظاهرات 30 يونيو 2013.
في السطور التالية يستعرض ''مصراوي'' تاريخ الأزهر الشريف ويطلعنا على المؤسسات التابعة له ودورها، وأبرز الأزمات التي مرت بها مؤسسة الأزهر الشريف.
تاريخ إنشائه
وضع الخليفة المعز لدين الله الفاطمي أول الخلفاء الفاطميين في مصر، حجر الأساس لبناء مسجد الأزهر الشريف في القاهرة عام 970 ميلادياً ليكون أول مسجد لنشر المذهب الشيعي في مصر، وقد شرع القائد الإسلامي جوهر الصقلي في بناء المسجد وانتهى منه عام 972 ميلادياً ليصبح أول مسجد فاطمي شيعي يقام في مدينة القاهرة.
كان الحكام الفاطميون يكنون ولاءاً خاصاً لهذا المسجد الذي أطلقوا عليه ''جامع الأزهر'' تيمناً بالسيدة فاطمة الزهراء –بنت الرسول صلي الله عليه وسلم-، وأخذوا يتوسعون في بنائه وفي عام 996 ميلادياً ألحقوا بجامع الأزهر معهداً علمياً وملجأ للفقراء.
وبمرور الوقت توسع الحكام الفاطميون في بناء الجامع الأزهر وألحقوا به مدارس وأبنية تعليمية ومحاريب وغيرها.
وفي عهد الدولة الأيوبية أُهمل الأزهر الشريف بشكل كبير ومنعت فيه الخطب والتعاليم وتم سحب الأوقاف التي خصصت له رفضاً للمذهب الشيعي الذي تبناه الأزهر في ذاك الحين، واستمر هذا الوضع لفترة طويلة حتى بداية حكم المماليك عام 1267 ميلادياً حيث أعاد إليه الظاهر بيبرس قوته بإعادة الخطب إليه وجميع الأوقاف التي قد سُحبت منه، ليس هذا فحسب بل شجع أيضاً على التعليم فيه.
ومنذ ذلك الحين يمكن القول بأن نجم الأزهر الشريف قد سطع في سماء الإسلام وأصبح المسجد الفاطمي ومعاهده العلمية منارة لكل مريدي الدين الإسلامي من شتى بقاع الأرض، ويُقال أن تدمير المغول للمعاهد الدينية في الشرق والتفكك الذي أصابها في الغرب ساعدت كثيراً في بزوغ نجم الأزهر الشريف في مصر.
وقد تم تجديد عمارة المسجد عام 1325 بعد الزلزال الذي ضرب القاهرة وأدى إلى تلف أجزاء منه، وحينها تم بناء مدرستين بالقرب من المسجد وألحقت تباعيتهم فيما بعد للأزهر الشريف، وفي عام 1360 تم التوسع في بناء المسجد وتم إلحاق أنشطة إضافية له.
وسقطت مأذنة الأزهر الشريف 3 مرات من قبل الأولى كانت عام 1397، والثانية في عام 1414، والثالثة كانت عام 1423، وكل مرة سقطت فيها المأذنة كان يتم إعادة بنائها بأوامر من الحكام وربما على نفقاتهم الخاصة، وفي عام 1516 بنى الحاكم قنصوه الغوري مئذنة المسجد ذات البرجين.
لم يقتصر التعليم في الأزهر على العلوم الدينية فقط بل شمل أيضاً العديد من العلوم الدنيوية في الفلك والرياضيات، وفي العهد العثماني كان هناك اهتماماً متزايداً بالأزهر الشريف والتعليم بداخله، وقد تم تطوير نظام التعليم بداخله والمناهج التي تُدرس فيه.
وكان في السابق يختار الحاكم أو رئيس الجمهورية باختيار شيخ الأزهر أما الآن فأصبح تعيين شيخ الأزهر بالانتخاب، حيث يتم انتخابه من قبل هيئة كبار العلماء.
وعلى مر العصور تولى منصب شيخ الأزهر قامات عملية وفقهية، منهم الشيخ محمود شلتوت والشيخ جاد الحق علي جاد الحق والدكتور محمد سيد طنطاوي وأخيراً الدكتور أحمد الطيب.
مؤسسات الأزهر
للأزهر الشريف عدد من المؤسسات تتبعه وتدخل في نطاق عمله، وهذه المؤسسات هي:-
المجلس الأعلى للأزهر:
المجلس الأعلى للأزهر يرأسه شيخ الأزهر ويكون في عضويته وكيل الأزهر ورئيس جامعة الأزهر ونواب رئيس الجامعة وأقدم عمداء الجامعة في جميع المحافظات والآمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، وآخرين.
ويعنى المجلس الأعلى للأزهر برسم السياسة العامة لمؤسسات الأزهر الشريف المختلفة، وأيضاً رسم السياسة التعليمية لجامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية المختلفة.
ويختص أيضاً بالنظر في ميزانية الأزهر وجميع هيئاته وتدبير أموال الأزهر واستثمارها وإدارتها، والنظر في مشروعات القوانين المتعلقة بشئون الأزهر.
هيئة كبار علماء الأزهر:
هيئة كبار العلماء هي أكبر مرجعية دينية للمسلمين في مصر، وقد سبق وأن تم حل الهيئة عام 1961 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ولكن أعيد إحيائها مرة أخرى عام 2012 في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وتتكون الهيئة من حوالي 40 عضواً من كبار علماء الأزهر المنتمين لجميع المذاهب الفقهية ويرأسها شيخ الأزهر.
وتختص الهيئة بانتخاب شيخ الأزهر وترشيح مفتي الديار المصرية والبث في بعض الأمور الدينية وأمور الشريعة الإسلامية.
مجمع البحوث الإسلامية:
يقوم مجمع البحوث الإسلامية بدراسة كل ما يتعلق بالدين الإسلامي وتجديد الثقافة الإسلامية وتنقيتها من التعصب الديني والمذهبي وتوسيع نطاق العلم بها على مستوى العالم، كما أن للمجمع دور فيما ببان الرأي فيما يجد ويرد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية متعلقة بالعقيدة.
وللمجمع أيضاً دور كبير في تتبع ما ينشر عن الدين والتراث الإسلامي من بحوث ودراسات في الداخل والخارج، ويجري العديد من الأنشطة للتشجيع على الدراسات الإسلامية.
ويتشكل المجمع من مجموعة من اللجان والإدارات كل منها يختص بدراسة جانب من جوانب البحوث الإسلامية، ويكون شيخ الأزهر هو رئيس مجمع البحوث الإسلامية ويدير جميع اجتماعاته.
ويصدر عن المجمع مطلع كل شهر هجري ''مجلة الأزهر'' وهي مجلة تحمل رسالة الأزهر إلى المسلمين في جميع أنحاء العالم، وبها متابعة كل لما يجري من أحداث على الساحة الإسلامية.
والإفتاء جزء من عمل مجمع البحوث الإسلامية حيث توجد إدارة خاصة بالإفتاء داخل المجمع وهذه الإدارة منوط بها تلقى استفسارات المسلمين داخل مصر وخارجها والرد عليها بما يتوافق مع صحيح الدين، وأيضاً من واجباتها إشهار إسلام المعتنقين حديثاً للدين الإسلامي.
اما دار الكتب الأزهرية فهي تتبع أيضاً مجمع البحوث ويحتفظ بداخلها بحوالي 116 ألف كتاباً في مختلف المجالات.
قطاع المعاهد الأزهرية:
يشرف قطاع المعاهد الأزهرية على كل الأمور المتعلقة بالتعليم ما قبل الجامعي والعملية التعليمية بالمعاهد الأزهرية بجميع مراحل التعليم الأساسي ''ابتدائي – إعدادي – ثانوي'' وفي جميع محافظات الجمهورية.
مدينة البعوث الإسلامية:
تأسست عام 1954 وتم افتتاحها عام 1959 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لتكون صرحاً كبيراً لإقامة وإعاشة طلاب الأزهر الوافدين من جميع دول العالم.
وتتكون المدينة من 43 عقار مقسمين إلى قسمين الأول يضم 35 عقار ويسمى بـ''المدينة الكبرى'' أما القسم الثاني فيضم 8 عقارات ويسمى ''المدينة الصغرى''.
ومن أهداف المدينة توثيق الصلة والروابط وإزالة الفوارق بين أبناء الشعوب الإسلامية، ومقاومة التمييز العنصري بين البشر من أبناء الدين الإسلامي، وتسليح طلاب الأزهر الوافدين بالعلوم الدينية ليعودوا لبلادهم دعاه للدين الإسلامي.
جامعة الأزهر
جامعة الأزهر ضمن المؤسسات التابعة للأزهر الشريف، والتي يشرف عليها ويرسم السياسات العامة لها ويحدد ميزانيتها المجلس الأعلى للازهر.
وفي عهد الخديوي إسماعيل عام عام 1872 صدر أول قانون لنظيم حصول الطلاب على الشهادات العلمية، وتم تحديد المواد التي سيدرسها الطلاب داخل مؤسسة الأزهر الشريف وكانت حينها 11 مادة.
وفي عام 1930 صدر القانون رقم 49 الذى نظم الدراسة في الأزهر ونص على أن التعليم العالى بالأزهر يشمل كليات الشريعة و كلية أصول الدين وكلية اللغة العربية.
وتضم جامعة الأزهر 62 كلية مقسمين بين مقر الجامعة بجانب جامع الأزهر ومقر مدينة نصر بجوار المدينة الجامعية للأزهر، بالإضافة إلى فروع الجامعة في مختلف المحافظات.
وفي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1961 تم اعتماد جامعة الأزهر كجامعة مستقلة وفقاً للقانون 103 لسنة 1961، ووفقاً للقانون تم إضافة كليات للطب والهندسة والصيدلة والزراعة والتجارة واللغات والترجمة والعلوم والتربية وطب الأسنان، بالإضافة إلى كليات الشريعة والقانون وأصول الدين واللغة العربية والدراسات العربية والإسلامية وكلية الدعوة الإسلامية.
ووفقاً لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر في نوفمبر 2012، فقد احتلت جامعة الأزهر المركز الأول من حيث عدد الطلاب الذي تضم 16.5 بالمئة من مجموع طلاب الجامعات الحكومية المصرية ويبلغ عدد الطلاب فيها 269 ألف طالب وطالبة خلال العام الدراسي 2011 / 2012.
الأزهر والحركة الوطنية
كان للأزهر الشريف منذ تأسيسه دور كبير في الحركة الوطنية المصرية، فهو بالإضافة إلى دوره في نشر صحيح الدين الإسلامي الوسطي حول العالم، إلا أنه دائماً ما كان له دور كبير في الحركة الوطنية.
وقاد الأزهر الثورة ضد حكم المماليك عام 1795 بسبب الظلم الذي تعرض له المصريين في نهاية حكم المماليك، كما كان له دور كبير في التصدي للحملة الفرنسية على مصر وقاد ثورتي مصر الأولى والثانية ضد الفرنسيين.
وعام 1805 قاد علماء الأزهر الثورة المصرية ودعموا رغبة الشعب في اختيار حكامه من خلال اختيار محمد على باشا والياً على مصر، وكان لطلاب الأزهر وعلماءه دور كبير في ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر، ويظل يقاوم الاحتلال الإنجليزي حتى ثورة 1952.
ولم ينتهي دور الوطني للأزهر بعد ثورة يوليو ولكنه استمر في مواجهة أعداء مصر وكان له دور بارز في مقاومة العدوان الثلاثي عام 1956.
وبعد ثورة يناير 25 يناير كان للازهر الشريف دور كبير في لم شمل المصريين وقاد محاولات كثيرة لإصلاح المجتمع والتأكيد على مبادئ المواطنة والوحدة الوطنية في مصر، وتم تشكيل ''بيت العائلة'' ليكون له دور في القضاء على الفتة والأحداث الطائفية التي وقعت بعد ثورة يناير.
ولم يتخلى الأزهر عن دوره الوطني بعد 30 يونيو 2013، حيث وقف الأزهر إلى جانب الشعب المصري في ثورته على نظام الإخوان المسلمين.
دلوقتي تقدر تعبر عن رأيك في مواد الدستور الجديد من خلال استفتاء مصراوي..شارك برأيك الآن
فيديو قد يعجبك: