الحد الأدنى للأجور يشعل غضب عمال مصر
كتبت - علياء أبوشهبة:
الاحتجاجات العمالية التي اشتعلت مؤخرا و كانت سببا لتقدم الحكومة باستقالتها الأسبوع الماضى وفق ما أعلنه دكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء السابق، وجاء طلب وقف المطالب الفئوية على رأس ما جاء في تصريحات المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الجديد، لكن ما الذي أشعل حركات الاحتجاج العمالية بشكل متوال، هذا هو ما حاولنا الكشف عنه.
رغم إختلاف الجهات التي نظم العاملون فيها حركات احتجاجية ظل تطبيق الحد الأدنى للأجور هو المطلب الأساسي و المشترك بين العمال، والذي ينطبق على العاملين في الجهاز الإداري للدولة، وعددهم يقترب من 7 ملايين موظف، و يشمل إجمالي الدخل، وليس الأجر الأساسي كما ظن البعض.
النقل العام و أزمة المرور
بخلاف ما نعيشه من أزمات مرورية حادة، زادت حدة الزحام خلال الأسبوع الماضي، وزادت معاناة المواطنين مع سائقي الميكروباص لتشتعل المشاجرات بسبب جشعهم المستغل لإعلان سائقى النقل العام الإضراب لمدة 5 أيام، وهو ما دفع القوات المسلحة إلى الدفع بأتوبيسات تابعة لها للشوارع للمساعدة في حل الأزمة، حتى قاموا بفض الإضراب.
إلا أن الإضراب توقف مع الإعلان عن استقالة الحكومة على أن يتم الاجتماع مع ناهد العشري، وزيرة القوى العاملة خلال الأيام القادمة لبحث العمل على تحقيق مطالب السائقين، والتي أوضحها أشرف الدوكار، عضو مجلس النقابة العامة للعاملين في النقل البري، و تتمثل في المطالبة بنقل تبعية هيئة النقل إلى وزارة النقل، وتعويض السائقين عن عدم شمولهم لقرار تطبيق الحد الأدنى للأجور من خلال صرف الأعباء الوظيفية طبقا للمنشور رقم 2 لسنة 2014، والذي يقضى بصرف بند الأعباء الوظيفية لمن لا ينطبق عليهم الحد الأدنى.
كما طالب العمال بصرف العلاوة الدورية بقيمة 7% من الأجر الأساسي،إضافة إلى قيمة الأرباح لمدة 6 شهور، فضلا عن تعديل النظم واللوائح؛ لأنه لم يتم تعديلها منذ عام 1976، وصرف بدل طبيعة عمل بنسبة 100% لجميع العاملين أسوة بالعاملين بمترو الأنفاق والسكك الحديدية، إضافة إلى صرف بدل حافز الإجادة البديل للإثابة بقيمة 500 جنيها وفقا لعدد أيام التشغيل.
داخل الأتوبيس الأحمر الضخم، جلس حسين أبوشديد،ليتناول طعام الإفطار بعد صفه الأتوبيس في نهاية شارع الطيران في مدينة نصر، ثم أمسك بلقمة خبز و قال :''وحياة النعمة دي أنا ما دخلتش الإضراب ده إلا عشان الظلم و الفقر المرتب مش مكفى أي حاجة و بكمل الشهر بالسلف''.
وتحدث السائق المضرب عن العمل، عن قرار الحد الأدنى للأجور الذي تفاجأ بعدم تطبيقه على السائقين رغم معاناتهم المادية، مشيرا إلى أنه بدأ عامه الخمسين منذ أيام وصحته لم تعد تتحمل المزيد من الأعباءبدون مقابل مادى يكفيه ''شر السؤال''، مضيفا أنه تألم معاناة الركاب خاصة من كبار السن بسبب الإضراب.
صرف المعاش في خطر
قبل أسبوع بدأت حركة إضراب في مكاتب البريد كانت في البداية محدودة، في بعض مكاتب البريد في الجيزة إلا أنها سرعان ما انتشرت في بعض مكاتب البريد في المنوفية و كفر الشيخ و بنى سويف و بنها، وهو ما أثار غضب أصحاب المعاشات الذين يعتمدون على صرف المعاش من خلال دفتر البريد و موعد صرفه في بداية الشهر من المكاتب المنتشرة على مستوى الجمهورية.
في جولة لمصراوي في مكاتب بريد في القاهرة، بالتحديد في مدينة نصر و شارع القصر العيني، انتظمت حركة العمل و توافد أصحاب المعاشات، وفقا لما هو معتاد، بينما أثار إغلاق أحد مكاتب البريد في الجيزة غضب المواطنين الذين إنصرف بعضهم غاضبا و ظل البعض الأخر يستجدى الموظفين فتح مكتب البريد.
ماجد لويس، الموظف في إحدى مكاتب هيئة البريد، قال لمصراوي إن مطالبهم تتمثل في المطالبة بإقالة رئيس الهيئة وحل النقابة العامة للبريد، إضافة إلى تثبيت المؤقتين و بالأخص الموزعين الذين يجوبون الشوارع و يظلوا مؤقتين حتى سن المعاش ،فضلا عن تحديد الحدين الأدنى والأقصى للأجور.
أضاف لويس أن هيئة البريد حققت أرباحًا وصلت ما يقرب من 27 مليار جنيه في العام الماضى،وهو المبلغ المنشور في مجلة البريد، ولم يستفيد منها العاملين.
في المقابل يرد دكتور أشرف جمال الدين، رئيس هيئة البريد، لمصراوي :''الإضراب جاء نتيجة سوء فهم لقانون الحد الأدنى للأجور، والذي يطبق على إجمالي الدخل و ليس الأجر الأساسي، وأقل دخل لموظف في الهيئة لا يقل عن 1600 جنيها''.
و أضاف جمال الدين قائلا إن أي مطالب لإعادة هيكلة المرتبات لا يمكن الإلتفات لها الآن، لأن الوقت المناسب لها في نهاية العام المالي، كما أن الأوضاع الحالية لا تسمح بالمطالب الفئوية.
كما أشار إلى أن 65% من مكاتب البريد تعمل بكامل كفاءتها من أجل صرف المعاشات و التي لا يمكن التأخر عنها، مضيفا أن بعض الموظفين عرض على الإدارة سد العجز عوضا عن زملائهم المعتصمين.
وأعرب رئيس هيئة البريد عن دهشته من توالى الاحتجاجات الفئوية بهذه الصورة المتزايدة مشيرا إلى اعتقاده وجود من يحرك غضب العمال.
أزمات عمال غزل المحلة
قطاع الغزل و النسيج يعتبر من أهم القطاعات الصناعية في مصر، ومن المحلة تشتعل دائما ثورات الغضب التي لا تهدأ بسهولة، وكان أشهرها يوم 6 أبريل عام 2008، ومؤخرا اشتعلت نيران الغضب في نفوس عمال مصانع شركة غزل المحلة، ودخلوا في إضراب استمر لمدة 12 يوما، إنتهى يوم السبت الماضى.
الإنتظام في العمل جاء عقب موافقة المهندس أسامة صالح وزير الاستثمار على تلبية مطالب العمال، و تعليق منشور رسمي بتلبية مطالبهم أبواب إدارة مجلس الشركة، ونص على تشكيل لجنة لإدارة الشركة مكونة من الرئيس وعدد 4 ممثلين، وتأسيس لجنة صلاحيات شبيهة بصلاحيات مجلس الإدارة، لا تتقاضى أجرًا عن هذا العمل، إضافة إلى إلتزام الدولة بتطبيق الحد الأدنى على قطاع الأعمال العام فور إقراره، وتثبيت مواعيد صرف المكافأة السنوية على 4 دفعات وإحالة القيادات المتسببة فى خسارة شركة غزل المحلة للنيابة العامة واحتساب أيام الإضراب أيام عمل كاملة الأجر لجميع العاملين، وعدم الملاحقة الأمنية والإدارية لأى عامل بالشركة.
إضافة إلى صرف الحافز 220 جنيهًا على الراتب الأساسى فور الموافقة على المطالب .
قال وليد القاضي، أحد القيادات العمالية في شركة غزل المحلة، لمصراوي إن الإضراب جاء بهدف الحفاظ على قطاع الغزل و النسيج الذي يحلم العاملون فيه أن يصبح أفضل من وضعه الحالي، مشيرا إلى أن وراءه عدة أسباب منها تأخر صرف الحوافز السنوية لمدة شهرين، وللمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، و إقرار العلاوة الاستثنائية ورفع قيمة بدل الوجبة من 210 إلى 300 جنيها، و الأهم من ذلك إقالة رئيس الشركة القابضة فؤاد عبد العليم، وحل مجلس النقابة، ومجلس الإدارة،وتوفير سيولة للرفع كافة التشغيل بالمصنع.
أضاف موضحا أن أداء رئيس الشركة كان سببا في خسارتها و تحميلها الديون في فترة رئاسته السابقة منذ عام 2007 و حتى 2011 و بعدها طالب العمال بإقالته، وحينها وصلت الخسائر إلى 700 مليون جنيها، وبعد إقالته انتقل إلى الشركة القابضة و تنقل في الوظائف حتى أصبح رئيس الشركة و بدأ في الضغط على العمال بتأخير صرف مستحقاتهم المالية.
تحدث وليد القاضي القيادة العمالية في شركة غزل المحلة عن تطبيق الحد الأدنى للأجور قائلا إن العامل ناجي رشاد الذي رفع أول قضية تطالب بحد أدنى عادل للأجور قبل الثورة كان زميلا لهم، ولا يعقل أن يتعرضوا للتجاهل بعد إقراره.
وأوضح أن مطالب العمال تشمل إقالة محمد سند رئيس النقابة، والذي يتخذ مواقف في صف الشركة و ليس العمال، كاشفا عن أن حديثه التلفزيوني عن أن أجر العامل يصل إلى 30 ألف جنيها سنويا هو السبب الرئيسي وراء إشعال غضب العمال، الذين يكاد يكون دخلهم السنوي لا يصل إلى نصف هذا المبلغ.
خلال الأيام القادمة يتفاوض وفد من عمال غزل المحلة مع رئيس الوزراء و وزراة القوى العاملة، والاستثمار، من أجل حل الأزمة بصورة نهائية.
غضب المقاولين العرب
لمدة ثمانية أيام دخل عمال شركة المقاولون العرب في الإسكندرية في إضراب عن العمل، تضامن معهم عمال جراج شبرا، رافضين قرارات الإدارة الحالية للشركة، التى قامت بتخفيض الأجور والأرباح.
حسين جلال، أحد العاملين في شركة المقاولين العرب، قال لمصراوي أن إضرابات العمال ترجع إلى المطالبة بزيادة الرواتب المتدنية، مطالبين بصرف الأرباح السنوية التى تتراوح من 15 إلى 20 شهرًا، وتحسين الأجور، و صرف بدل وجبة للعاملين،وإقالة القيادات الفاسدة وتطهير المؤسسة من الداخل.
في المقابل قال مسعد أبوالخير مسؤول الدفاع المدني في فرع الشركة في شمال الدلتا لمصراوي إن المستحقات صرفت بالفعل وبزيادة عن كل سنة، ولكن كل ما في الأمر أنها تأخرت لمدة شهر تقريبا، وهو ما إعتبره أبوالخير مدة قصيرة لا تستعدى تصعيد حدة الاحتجاج.
مضيفا أن الشركة رغم كل الأزمات المالية التي تمر بها مصر لم تتوقف عن صرف المرتبات، وأن المطالب الأخرى مثل البدلات والعلاج الأسري و بدل الوجبة و غيرها تعتبر مطالب بسيطة كان من الممكن تلبيتها بالتواصل مع مجلس الإدارة.
و أعتبر أبوالخير أن أزمة العامل في المرحلة الحالية تتمثل في عدم وجود نقابة تمثله تتحدث باسمه و ترفع مطالبه إلى مجلس الإدارة، حيث تم حل النقابة السابقة بعد ثورة 25 يناير لأن أعضائها لم يكونوا ممثلين جيدين للعمال.
وأعرب عن أن هناك من يعرفون جيدا كيف يشعلون غضب العمال و يدفعوهم لتعطيل الإنتاج من أجل مصالحهم الشخصية.
حصيلة أخطاء الببلاوي
قال دكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن حكومة دكتور حازم الببلاوي ''حضرت العفريت'' و لم تعرف كيف تصرفه، موضحا أن احتجاج العمال أمر طبيعي نتيجة قرار الحد الأدنى للأجور المتسم بالعشوائية و العنترية الزائفة.
أضاف أن قرار الأدنى للأجور غير مدروس ولا مفهوم حتى للجهات نفسها، وغير عادل وهو الأخطر، فإذا كان هناك شاب يعمل في قطاع الأعمال العام و أخوه يعمل في الجهاز الإداري للدولة سوف يبقى مرتب الأول 400 جنيها على الأكثر، بينما يحصل الثاني على 1200 جنيها حتى لو كان حديث التعيين و هو أمر غير منطقي.
كما أوضح رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن قرار تطبيق الحد الأدنى للأجور مرتبط إرتباطا وثيقا بتطبيق الحد الأقصى للأجور، حتى يتم توفير مصادر لتمويل الحد الأدنى، وهو ما يتطلب وجود ألية عادلة لتطبيق الأقصى للأجور على كافة القيادات في كافة الجهات، وهو ما لم يحدث.
كما يتطلب تطبيق الحد الأدنى للأجور زيادة الإنتاج و الإيرادات، وإلا سوف يؤدى القرار إلى رفع الأسعار وهو ما حدث بالفعل مع قلة إستفادة المواطنين من قرار الحد الأدنى، فضلا عن زيادة نسبة التضخم، وهو ما يغرق الاقتصاد كله.
الحل الأمثل للوضع الحالي كما أوضح دكتور رشاد عبده، يتمثل في الإلتزام بقرارات حكومة الببلاوي، و وقف المطالب الفئوية، إضافة إلى زيادة الإنتاج و هو ما يترتب عليه زيادة مستوى الدخول.
أضاف الخبير الاقتصادي قائلا إن الحكومة عليها مواجهة إرتفاع الأسعار من خلال إستيراد نفس أنواع السلع التي يبيعها القطاع الخاص بنفس أسماء الماركات و نفسها الجودة، وطرحها للبيع في محلات الهايبر الحكومي و الجمعيات الإستهلاكية، بهامش ربح بسيط لكي تكون منافسا قويا للقطاع الخاص، والذي سوف يخفض بدوره هامش ربحه، والذي زاد بسبب إنفلات الأسواق.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: