طوابير وحيل وانتظار.. رحلة للعثور على وظيفة ميري
كتب - مصطفى علي
في حلقات مفرغة يدور كل من شيماء علي، عمرو بدوي، ومنير، لا يعرف أيا منهم الآخر، لكنهم على نحو ما يعيشون ظرف واحد، مثلهم مثل الملايين من الشباب، فهم يبحثون عن فرصة عمل بالقطاع الحكومي، أملا في استقرار وظيفي ومالي في بلد يشهد العديد من التوترات السياسية منذ أكثر من ثلاثة أعوام أثرت بشكل كبير على الاقتصاد ومن ثم سوق العمل حسب تقارير حكومية ودولية.
في ذلك التقرير يرصد مصراوي ثلاثة رحلات نحو تراب الميري.
طابور طويل
يبدأ الطابور من أمام واجهة زجاجية في أحدى أدوار المعهد القومي للأورام، ويتلوى الطابور كثعبان داخل ممرات المبنى، ثم هابطا على درجات السلم.
عندما وصلت شيماء علي الحاصلة على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية المعهد التابع لجامعة القاهرة، لم تر من الطابور سوى عدة أمتار خارج اسوار المبنى، لكنها شعرت بالإحباط لأنها لن تتمكن من اجراء المقابلة الشخصية التي من أجلها حصلت على إذن للخروج مبكرا من المدرسة التي تعمل بها بشكل مؤقت.
تقول شيماء أنه لم يكن هناك أدنى تنظيم من الموظفين المسؤولين عن استقبال المتقدمين لأكثر من 14 وظيفة مخصصة لحملة المؤهلات العليا، كان موعد المقابلة الشخصية يوم واحد (22 مارس 2014)، ولم يتم تقسيم المتقدمين حسب المؤهل أو التخصص المطلوب.
كان العدد كبير جدا ولا يمكن إجراء كل المقابلات الشخصية في يوم واحد، ما أدى إلى حالة من الغضب والتدافع، أدى إلى كسر الواجهة الزجاجية واصابة العديد من المتقدمين.
في ظل هذه الفوضى، رأت شيماء أن حيلة ما لن تضر، سألت عن دورة المياه، وما أن دخلت المبنى تجولت فيه حتى وصلت إلى القاعة المخصصة للمقابلات الشخصية، حيث يجلس هناك صف من الموظفين يجلس أمامهم عشرات من المتقدمين.
وعندما جلست أمام أحدهم سألها بسرعة عن أسمها ومؤهلها الدراسي وتقديرها ثم شكرها، لم تتوقع أن تنتهي المقابلة بهذه السرعة، فسألت الموظف ما إذا كان الوظائف محسومة بالواسطة؟ فابتسم الموظف وقال أن عدد المتقدمين الكبير تسبب في هذه السرعة، لكن شيماء التي عرفت عن الإعلان طريق صديقتها التي يعمل خالها بالمعهد ووعدها بالوظيفة لم تقتنع.
قبل هذه المقابلة كانت تنوي شيماء التقديم لوظائف أعلنت عنها وزارة العدل، لكنها أحجمت عن هذه الخطوة لعدم جدواها كما تقول.
من الباب الخلفي
لكن منير - وهذا ليس اسمه - الحاصل على ليسانس الحقوق قد تقدم لتلك الوظيفة، التي كلفته استخراج شهادة تخرجه، وصحيفة الاحوال الجنائية، ثم أودع ببنك القاهرة عشرين جنيها لصالح وزارة العدل، ثم أرسل أوراقه عن طريق البريد المصري كما نص الإعلان الذي نشر بالجرائد.
قال منير الذي يعمل محاميا تحت التمرين ولا يحصل إلا على 200 جنيه في الشهر حينها، أنه لم يكن في جيبه أكثر من مئة جنيه، دفع ما يقارب ثلثها للتقدم لهذه الوظيفة، والنتيجة لا شيء على حد تعبيره.
يتساءل منير عن الداعي لمثل هذه التكلفة التي تقع بالأساس على شباب هم بالتأكيد عاطلين أو يعملون بشكل مؤقت وبلا أجر مجزي؟
بعد هذه التجربة، قبل منير عرض من أحد معارفه بأن يدفع 10 الاف جنيه للحصول على وظيفة في أحدى المؤسسات الاقتصادية - لم يسمها - التابعة للدولة، دفع منها 7 الاف حتى الآن، وسيدبر الباقي الذي قد يزيد عن المطلوب عند حصوله على الوظيفة.
ولا يجد منير غضاضة في دفع مثل هذا المبلغ، طالما سيحصل على وظيفة ثابتة ستمكنه من استعداداته بعد سنة أو اثنتين على أقل تقدير.
انتظار بلا نتيجة
حيلة أخرى اختارها عمرو بدوي للتقدم إلى أحدى الوظائف المعلنة بالنيابة الإدارية، فقدم شهادته الإعدادية بدلا من ليسانس الحقوق الذي حصل عليه منذ 4 سنوات ولم يعمل به، وجد في هذا فرصة اكبر لقبولة في وظيفة متواضعة بالنيابة الإدارة، ثم "يحلها حلال" عندما يحصل عليها، بالتأكيد ستكون هناك طريقة لتعديل وضعه بالداخل، كما يظن.
مرت أسابيع ولم تجد حيلة عمرو نتيجة، انتظر كأصدقائه، ولم يصلهم جواب أو يتم تحديد ميعاد كمقابلة شخصية.
ويعمل عمرو في نشاط عائلته التي تمتلك محل في العتبة لبيع العبايات النسائية، لكن بعد اندلاع الثورة منذ اكثر من ثلاثة سنوات، رأي عمرو أنه من الحكمة الحصول على عمل حكومي ثابت، فهو القطاع الوحيد الذي لم يتأثر دخل العاملين به خلال التوترات التي تشهدها البلاد، بعكس نشاط عائلته الخاص.
يقول عمرو أنه يبحث عن دخل آمن يستطيع أن يفتح به بيت.
هل هناك وظائف؟
وبينما يصل معدل البطالة في مصر إلى 25% خلال السنة الاخيرة، حسبما جاء في تصريح جاء على لسان وزير المالية هاني قدري، يقول مراقبون أن القطاع الحكومي في البلاد مترهل ويعاني من عمالة زائدة.
وفي نفس الوقت يقول منير أنه كمحامي يعاني من تأخر الاجراءات في المحاكم نظرا لقلة عدد الموظفين، ويؤكد محمود عبد الرحمن - موظف في مكتب توثيق حكومي - أن كثير من الإعلانات التي تنشر بالجرائد الغرض منها تثبيت العمالة المؤقتة في الدرجات الخالية، لكن الهيئات الحكومية مضطرة للإعلان عن تلك الوظائف في الجرائد الرسمية عملا بمبدأ تكافؤ الفرص.
فيديو قد يعجبك: