لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

المطرية.. من هنا تخرج تظاهرات الجماعة

12:41 م الأحد 25 مايو 2014

المطرية

كتب- محمد منصور:

لم يكد الرجل الخمسيني يسمع الصوت الذي يُنذر بتطور الأوضاع على مقربة من عربته، حتي بدأ فى ممارسة طقسه الأسبوعي المستمر منذ فض اعتصام رابعة العدوية. أخبر السيدة القريبة منه بضرورة الرحيل سريعًا، جذب غطاءً من الصوف ليداري به بضائعه، وضع كتلا من الأحجار على الجوانب الأربع للـ''كارو'' تحسبًا لهبوب الرياح، وأتجه إلى منزله عل الله يقيه شر يوم ''الجمعة''، فالإخوان وانصارهم قادمون في مسيرة حاشدة، وصوت طلقة ''الخرطوش'' التي سمعها منذ لحظات تُعني أن الأمر لن يمر مرور الكرام.

المكان هو ''ميدان المطرية'' أحد أشهر ميادين مصر منذ قيام ثورة يناير وحتي الآن، فمن شباب خرجوا إبان الثورة للتعبير عن مطالبهم فى عيش وحرية وعدالة اجتماعية إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تستخدم الميدان كنقطة تجمع تنطلق منها شتي المسيرات إلى مناطق محددة سلفًا، وبين هؤلاء وهؤلاء يسقط عشرات القتلى ''لأن الحكومة غايبة'' على حد قول الحاج محمد عزيز، أحد تجار الفاكهة بميدان المطرية، والذي يؤكد أن الميدان لم يعد مكانً ملائمًا لـ''أكل العيش''.

الرجل الذي قضي أكثر من 25 عاماً بين جنبات المكان يعد نفسه شاهدًا على تطور الأوضاع السياسية في المنطقة، فمنذ يوم 28 يناير أصبح ذلك المكان ''مرتعًا'' للمتظاهرين، يومها قُتل أكثر من 30 شخصًا معظمهم من الشباب، بعدها بشهور، بدأت قوات الجيش فى محاصرة المكان  ''كان فيه هنا أكثر من 40 دبابة قافلين كل الاتجاهات كأن المطرية اسرائيل''، يري خمسيني العمر أن عدد القوات الضخم التي اتخذت من ميدان المطرية ''معسكرًا'' لها إبان وقت حظر التجول في أعقاب ثورة يناير يشير إلى ''خطورة المكان'' ويري الرجل أن سبب تواجد القوات بتلك الكثافة يرجع إلى كون المطرية إحدى نقاط التجمع الرئيسية للمسيرات الحاشدة، علاوة على سقوط أكثر من 30 قتيلاً يوم جمعة الغضب في ذلك المكان، وهو الأمر الذي دعي قوات الأمن للاحتشاد بأعداد كبيرة في الميدان خوفاً من تعدي أهالي القتلى عليهم ولإحكام السيطرة على تلك المنطقة الهامة، وبحسب بائع الفاكهة فأن الأمور بدأت في الهدوء رويدًا رويدًا، حتي فض اعتصام رابعة والنهضة ''الشرطة فضت اعتصامات مدينة نصر والإخوان بقوا يتجمعوا هنا، وكل يوم قتيل جديد''.

حي المطرية، أحد أكثر الأحياء اكتظاظًا بالسكان في القاهرة الكبرى، يسكنه قرابة 600 ألف نسمة على مساحة لا تتجاوز في مجملها13.5 كيلومتر مربع، حسب الموقع الرسمي لمحافظة القاهرة، ويعتبر الحي الذي يقع في شرق القاهرة أحد معابر محافظة القليوبية إلى العاصمة، يفصله عن مدينة شبرا الخيمة كوبري مسطرد، الذي تعبره مسيرات تلك المنطقة وصولًا إلى الميدان، ويمتد في شرقه حتي يلتحم بمنطقة عين شمس، أحد أكثر المناطق التهابًا نتيجة التجمعات السلفية الموجودة بشارع ''أدم''، وإلى جنوبه حي ''الزيتون'' و ''الأميرية'' اللذان يعتبران المدخل الرئيسي لمناطق قصر الاتحادية ومصر الجديدة.

قبل الثورة، وتحديدًا في الانتخابات البرلمانية لعام 2005، فاز بجانب مرشح الجزب الوطني عبد الفتاح منطاوي الشهير بـ''ميمي العمدة'' مرشح أخر ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين ''محمود مجاهد''، وفي أول استحقاق انتخابي بعد الثورة جاءت نتيجة التصويت على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2012 بـ''نعم''، ثم تأكد نفوذ الجماعة في المنطقة في انتخابات مجلس الشعب فقد فاز سيد جاد الله عن حزب الحرية والعدالة بمقعد الفئات بعد حصوله على 209 آلاف صوت و196 صوتا في حين حصل أقرب منافسيه نضال محمود عن حزب النور على 118 ألفاً و848 صوتاً. وفي نفس الانتخابات فاز أشرف سعد مرشح ''الحرية والعدالة'' بمقعد العمال بعد حصوله على 189 ألفاً و671 صوتاً في مقابل 143 ألفاً و748 صوتا حصل عليها منافسه الأقرب خالد الزقلة عن ''حزب النور''.

الآية صارت الآن معكوسة، ففي استفتاء يناير 2014 أيدت المطرية الدستور الجديد بنسبة 98.8% حسب نتائج فرز 272 لجنة في الحي.

فما الذي حدث؟ وكيف انقلبت المطرية من منطقة أيدت الإخوان بهذه القوة في 2011 إلي منطقة صوتت بهذه القوة ضدهم في 2014؟

الإجابة يقدمها أشخاص مثل ''محمد كامل''، ذلك الشاب الذي وقف على مدخل شارع ''ترعة الغزالي''، في أحد أيام الجمعة مؤخرا مع مجموعة من الشباب مسلحين بهراوات وبعض العصي ليمنعوا مرور مظاهرات الاخوان التي تسلك عادة هذا الطريق.

''الإخوان خدوا فرصتهم''، يقول كامل، ''لذلك يجب منعهم من التظاهر فى الشوارع''. فالشاب العاطل عن العمل منذ الثورة وحتي الآن يشعر أن فترة حكم الإخوان المسلمين ''رجعت مصر 100 سنة ورا''، الاشتباكات المتكررة بين أهالي المناطق ومتظاهري الجماعة يبرره الشاب العشريني بقوله ''الناس كرهت الإخوان خلاص، مبقاش ليهم وجود فى الشارع، كانوا عايزين يسيطروا على البلد كلها ودلوقتي عايزين يعملوا فوضي، وأحنا اللي هنمنعهم''.

الدين، هو الكلمة السحرية التي لطالما استخدمتها الجماعة لنُصرة أهدافها، حسب أحمد سلامة، أحد سكان منطقة المطرية ويعمل أمامًا بأحد المساجد التابعة لوزارة الأوقاف، والذي يري أن ''السحر انقلب على الساحر''، فالجماعة التي ''تشدقت'' بمبادئ الإسلام ''خالفتها'' فى أول الطريق، حينما ''وعدت وأخلفت''، وهو الأمر الذي يراه ''سلامة'' السبب الرئيسي في كراهية ''عموم الشعب'' للإخوان المسلمين، ويشير الشاب الثلاثيني إلى أن الجماعة وقعت في فخ ''لافكاك منه'' فخلط السياسة بالدين غير مأمون العواقب، وهو الأمر الذي عجل بسقوطهم المُدوي، على حد قوله.

لكن كامل وأقرانه في نظر الطرف الآخر ما هم إلا ''بلطجية مأجورين من الأمن مش أهالي''، كما يصفهم أحد المشاركين في التظاهرات المؤيدة للرئيس السابق محمد مرسي، والذي رفض ذكر أسمه خوفا من الملاحقة الأمنية. هؤلاء الأشخاص، يقول الشاب، هم المسؤولون عن معظم الاشتباكات التي تحدث نتيجة ''تعدي البلطجية والمسجلين على المظاهرات السلمية''.

''إبراهيم '' أحد المنتمين السابقين لحركة 6 أبريل، يشير إلى أن النشاط الإخواني في المنطقة بدأ حتي قبل قيام ثورة يناير، وهو الأمر الذي يدلل عليه نتائج انتخابات ما قبل الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ويري الشاب العشريني أن التجمعات الإخوانية والسلفية بمنطقي المطرية وعين شمس ''لها وزنها'' قياسًا بأي مكان أخر على مستوي الجمهورية، مما يجعل المطرية أحد الركائز الأساسية لمقاومة ما يصنفه الإخوان بـ''الانقلاب''.

يشعر إبراهيم أن المطرية ''مدينة منكوبة''، فحتي في حالة استقرار الاوضاع بشكل نسبي في شتي بقاع مصر تشكل تلك المدينة بؤرة ملتهبة علي الدوام ''هنا في ناس من كل التيارات، ليبراليين واشتراكيين ثوريين وإخوان وسلفيين، وعشان كده في مشاكل واشتباكات على طول''.

شارع ''التروللي''، أحد أكبر الشوارع بالمنطقة، والذي يربط بين منطقة ''السواح'' و ''المسلة'' بطول يزيد عن الكيلومترين، ممتلئ عن أخره بمجموعة من الشعارات التي تعكس الاختلاف فى ''الذوق السياسي'' لسكان المطرية، فبوسترات المشير عبد الفتاح السيسي تكاد تُغطي جدران الشارع، وبجانبها إشارات وكلمات تُعبر عن فكر الإخوان وأنصارهم ''رابعة فى القلب'' ''الانقلاب هو الإرهاب''، فيما تغيب تمامًا شعارات القوي السياسية الليبرالية أو المنتمية لليسار أو لحركة 6 إبريل ''فى المطرية مفيش غير إخوان وأنصار السيسي''، بهذه العبارة يعلق إبراهيم على ''حوائط المدينة'' معللاً ذلك بقوله ''الفقر والأمية مش مخلي الناس تعرف حاجه غير من التليفزيون، اللي هو مع السيسي أو ضده، وبالتالي الناس متعرفش أي قوي تانية غير الإخوان والجيش''.

التوحيد والفتوح والنور المحمدي هي ثلاثة مساجد رئيسية تشكل نقاط انطلاق المسيرات الأسبوعية بعد صلاة الجمعة ؛ والتي يشارك فيها عادة مئات الأشخاص. مسجد التوحيد؛ أحد الأماكن الرئيسية لتجمع الإخوان والسلفيين، فمنذ عدة أشهر ومع بداية الحملة ضد قوي الإسلام السياسي، حاولت وزارة الأوقاف تعيين خطيب جمعة، إلا أن تلك الجهود ذهبت أدراج الرياح ''الناس رفضوا ونزلوا الخطيب من على المنبر''، حسب تأكيد إبراهيم، الذي يشير إلي أن المسجد يشهد تجمعات إخوانية بصفة يومية ''كان الشيخ محمد حسين يعقوب بيجي هنا قبل الثورة، وكانت عربيات الأمن المركزي بتحاصر المسجد يوم الجمعة، دلوقتي العربيات دي متقدرش تخش أصلاً''، يري إبراهيم أن الحل السحري لمنع تظاهرات الإخوان والسلفيين هو السيطرة على المساجد ومنع المسيرات من منبعها ''لأنهم أول ما بينضموا على بعض بيكون شكل المسيرة كبير والسيطرة فى الحالة دي بتبقي أصعب''.

أمنيًا، يؤكد الخبير الأمني اللواء ''كامل أبو ذكري'' مساعد وزير الداخلية السابق أن جغرافية منطقة المطرية ووضعها الحالي يشير إلى حسن اختيار الجماعة، فالمنطقة التي تقع إلى الشرق من القاهرة ذات كثافة سكانية عالية، وبالتالي تستغل الجماعات الجهادية والإخوانية زحامها للتخفي وسط السكان، علاوة على كونها قريبة من الظهير الصحراوي الأمر الذي يُمكن المتطرفين من سرعة الهروب حال احتدام الأمر ويجعل امدادهم بالسلاح والذخائر أكثر سهولة ''في شهر يناير 2014 الأمن ضبط مجموعة إرهابية تابعة لحماس وكان معاهم قنابل وقذائف مختومة بختم كتائب عز الدين القسام والمتهمين اعترفوا إنهم وصلوا بيها المطرية من طريق مصر إسماعيلية الصحراوي القريب جداً من المنطقة''. عشوائية المنطقة وضيق الشوارع واستخدام عناصر الجماعة الدراجات البخارية كلها أمور تُصعب على القوي الأمنية ملاحقتهم ويشير ''أبو ذكري'' إلى أن تنظيم الإخوان يستغل التكتل في العشوائيات للارتكاز عليه في محاربة الدولة إلا أن الجهود الأمنية تتمكن من السيطرة على الأمر في الوقت المناسب ''لما عملوا منصة في عين شمس الشرطة هدمتها فى ثواني، والأيام الجاية مش هيقدروا يطلعوا بمظاهرة واحدة''.

''مش قادر أنسي مشهد الأهالي وهما بيضربوا فى بعض'' يقول تاجر الفاكهة محمد عزيز، واصفًا مشهد الاقتتال بين جماعة الإخوان ومجموعات من أهالي المنطقة بسبب محاولة الأهالي منع الإخوان من التظاهر بميدان المطرية ردًا على ''طردهم'' من رابعة العدوية، يصف الرجل الواقعة بـ''عركه كبيرة، كان فيها سلاح آلي مع الطرفين، ومات فيها أكثر من 17 واحد من الطرفين، لحد أمتى هنفضل في الغم ده؟'' معتبرا أن الحل يكمن في تواجد الشرطة والجيش باستمرار داخل ميدان المطرية ''عشان الدنيا تستقر ونعرف ناكل عيش''.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان