عن تفجيرات الاتحادية: نعم هناك تقصير.. ولكن!!
بقلم – لواء دكتور محسن الفحام:
الآن وبعد ان تسابقت جميع وسائل الإعلام بمختلف توجهاتها والعديد من الخبراء والمتخصصين وغير المتخصصين في تناول حادث تفجيرات قصر الاتحادية واستشهاد كل من العقيد / أحمد أمين عشماوي والمقدم / محمد أحمد لطفي أثناء تعاملهما مع العبوات الناسفة التي تم وضعها بمحيط قصر الاتحادية، متهمين الشهيدين بالرعونة والتراخي.. ووزارة الداخلية بالتسيب وعدم الاهتمام والترهل الأمني.. أجد أنه لزاماً عليّ أحد أبناء هذه الوزارة وتلك المنظومة أن أتناول هذا الموضوع بشيء من الموضوعية والتعقل والبحث عن كيفية عدم تكراره مستقبلاً. واعتقد أن ذلك هو هدف كل من يهمه هذا الوطن في هذه المرحلة العصيبة.
لابد من الإشارة أولاً إلى أن الشهيد / أحمد أمين عشماوي نجح في تفكيك وإبطال 79 عبوة ناسفة خلال الشهريين الماضيين. كما نجح الشهيد / محمد أحمد لطفي في إبطال 56 عبوة أخرى في نفس تلك الفترة. ناهيك عن قيامهما بفحص المئات بل الآلاف من البلاغات السلبية عن وجود متفجرات في مواقع مختلفة مما سبب لهما ولزملائهما إرهاقا ذهنياً وبدنياً حيث يعملون في ظروف عصيبة وعلى مدى اليوم دون كلل.. إلا أنه من المعروف أن التعامل مع المواد المتفجرة والناسفة يحتاج إلى ثبات انفعالي وهدوء اعصاب وتركيز شديد لأن النتيجة المحتمة في هذا التعامل إما إبطال العبوة وإما الشهادة .
إن المعركة التي نحن بصددها هي معركة العبوات الناسفة والمواد المتفجرة حيث يتفنن المأجورين والخونة في الاستعانة بأعلى التقنيات العلمية لتحقيق أكبر قدر من الخسائر في الأرواح والممتلكات، فأحياناً يتم التفجير عن بعد، أو من خلال عدة دوائر كهربائية في ذات العبوة بحيث تنفجر عند أي اهتزاز أو عند فصل دائرة من هذه الدائرة، إلى غير ذلك من الوسائل المتطورة وهو الأمر الذي يجب أن يكون محل تطور موازٍ من قبل الأجهزة الأمنية خاصة العاملين في هذا المجال، فالمؤشرات تقول إن القادم قد يكون أخطر وأصعب من الحاضر في هذا الإطار.
إن الوزارة لديها إمكانات كبيرة من المعدات المتطورة للتعامل مع تلك المتفجرات منها مدافع المياه والإنسان الآلي والبدل المصفحة والبوتقات المصفحة بالإضافة إلى أجهزة التفجير عن بعد.. إلا أنه مع كثرة البلاغات الوهمية والشراك الخداعية أهمل بعض الضباط في الاستعانة بتلك الأجهزة وذلك بغرض الإسراع في عمليات الانتقال والفحص والتعامل لبث الطمأنينة في نفوس المواطنين الأبرياء وبالرغم من سمو تلك الغاية إلا أن هذا الاهمال تسبب في تلك المأساة وفقدان اثنين من أغلى رجال الشرطة.. ومن هنا إنني أناشد الضباط العاملين في هذا المجال بتوخي أعلى درجات الحيطة والحذر في التعامل مع تلك البلاغات أياً ما كان درجة الشك في عدم جديتها.
إن هناك العديد من الضباط الحاصلين على دورات متطورة على أعلى مستوى في مجال التعامل مع المفرقعات قد تم نقلهم إلى مواقع أخرى أو إلى محافظات أقل تعرضاً لمثل هذه العمليات الخسيسة وهو الأمر الذي أجهض هذا القطاع من بعض كوادره وهو ما يجب أن يتم تداركه في أسرع وقت دون النظر إلى الفترات البينية التي يجب أن يقضيها الضابط المتخصص في هذا المجال في محافظات أو قطاعات أخرى. كما لوحظ وجود تقليص في الدورات المتخصصة في هذا المجال خلال الفترة السابقة والاكتفاء بالدورات المحلية، وقد يكون ذلك مرجعه إلى اهتمام الوزارة بتكثيف التواجد الأمني للضباط العاملين في هذا المجال خلال هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد.. وفي هذا الصدد أذكر انني شخصياً حصلت على دورة في مجال التعامل مع المتفجرات بالولايات المتحدة الأمريكية استمرت لمدة شهريين كاملين وكان معي مجموعة من خيرة ضباط الشرطة النابهين في هذا المجال واتمنى من مسؤولي الوزارة الاستعانة بهم في هذا الوقت العصيب إذا كان قد تم نقلهم إلى مواقع أو محافظات أخرى.
أناشد الإعلام بعدم تناول هذا الحادث بمنظور سلبي محض. بل انه يجب الإشارة والإشادة بالإنجازات التي يحققها ضباط المفرقعات الذين يتعرضون عند فحص كل بلاغ للاستشهاد، وأنه لابد من إعادة النظر في التناول الإعلامي لهذا الموضوع بالذات لآن اهتزاز ثقة الضابط في نفسه وهو يفحص أي بلاغ من هذا النوع قد يعرض حياته للخطر.. لابد من بث الثقة في نفوسهم ومعاونتهم في أداء عملهم فالإعلام وسيلة ورسالة، والقادم أهم وأخطر، ولابد من أن نتكاتف معهم لمؤازرتهم وتشجيعهم على أداء عملهم.
لن اتناول ما حدث عند قصر الاتحادية بالتحليل أو النقد فالواضح للجميع أن هناك قصور ورعونة في التعامل مع هذا الحدث، إلا أن هناك أخطاء مشتركة بين العديد من الإدارات التي تعاملت مع هذا الحدث سواء بالنسبة للاهتمام بالمعلومات المسبقة، أو التأمين والتمشيط والاشتباهات في المترددين على تلك المنطقة في أوقات متأخرة من الليل.. إلى أخره من الإجراءات التي كان من الواجب اتخاذها وعدم تحميل ذلك على الشهيدين فقط.. وإنما أجد أنه من واجبي وواجب كل مصري غيور على وطنه أن يشد على يد كل ضابط شرطة يعمل في هذا المجال، وأدعو هؤلاء الرجال ألا يفقدوا الثقة في الله وفى أنفسهم وفى قيادتهم وأن يعلموا أن هناك أهدافاً أخرى أكبر وأخطر من نتائج تلك العمليات الخسيسة لعل أهمها إحداث وقيعة داخل أسرة جهاز الشرطة وفقدان الثقة بين أفرادها وزرع الخوف بين أبناء هذا الجهاز العتيد وهو لن يتحقق بأذن الله....... واخيرا أدعو الله أن يحفظ البلاد والعباد من أعداء الخير والسلام.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن كاتبه ولا تعبر عن موقع مصراوي.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: