مسعفون على طريق الموت..روايات عن فض اعتصام رابعة
كتب- مصطفى الجريتلي ونورا ممدوح :
في وقت يحاول فيه الجميع النجاة من الموت، هناك من تجبره مهنته على السير على طريق يحمل له من المخاطر ما لا يستطيع أحد حصره أو تجنبه، يصفه البعض بالمُنقذ الذي يضحي بحياته في سبيل إنقاذ حياة أخرين لا تربطه معهم أى صلة سوى صفة '' الإنسانية''.
المسعف.. ظهر دوره جليا في الاحداث التي تعيشها مصر منذ قيام ثورة 25 يناير 2011وحتى هذه الحظة، حيث تحولت الاحداث إلى مشاهد دامية لم نكن نراها من قبل سوى على شاشة التليفزيون، وكان هذا الجندي المجهول يحرص على أداء عمله على أكمل وقت دون الانتماء إلى اى طرف من الاطراف التي ظهرت على الساحة السياسية.
ووفقا لروايات بعضهم، يعتبر فض اعتصام أنصار الإخوان في منطقتي رابعة والنهضة، هو أكبر وأصعب الأحداث التي شاهدوها طيلة فترة عملهم على الإطلاق، لما عايشوه من مخاطر و أجواء دامية من جثث ومصابين على جنبات الطرقات، فهو مشهد لا يستطيع أحد محيه من الذاكرة.
ولا يخفي على أحد التأثير النفسي الذي تتسبب فيه كل هذه المشاهد على هؤلاء المسعفين، والذي أصبح لون الدم هو اللون الملازم لهم في أغلب أوقات عملهم، وعلى الرغم من ذلك لا يتواطآ احدهم في اداء عمله .
في ذكرى فض اعتصام رابعة والنهضة حرص مصراوي على إبراز دور هؤلاء الجنود في مثل هذه الأحداث ، والسماع لرواياتهم وشهادتهم حول الفض وما تعرضوا له من مخاطر.
مسعف على خط الموت
يروي سيد سعد، أحد المسعفين الذين شاركوا في نقل المصابين والجثث في فض اعتصام رابعة منذ بدايته، ويقول '' نقطة التمركز في البداية كانت أمام مبنى التنظيم والإدارة في السادسة من صباح يوم 14 اغسطس،''.
وأضاف'' استيقظنا من النوم على صوت الخبط على الأعمدة والتي كانت تستخدم كإنذار خطر، وتوجهنا ناحية الاعتصام في الوقت الذي كانت ميكروفونات الشرطة توجه التحذيرات بالفض وتطالب المعتصمين بالخروج الآمن''.
وتابع، '' في الساعة السابعة تحول مقر الاعتصام الى ساحة قتال واصبح الوضع غاية في الخطورة، وبدأ سقوط المصابين والقتلى وبدأت مهام عملنا في نقل هؤلاء خارج الاعتصام وهو ما يمثل أصعب مهمة تم مواجهتها على الإطلاق''.
وأشار سعد إلى أنه بعد مرور ساعة من بدء الفض، اصبح الخروج من الاعتصام يمثل عبئ علي رجال الاسعاف نتيجة لحرق الخيام وازدياد حدة الاشتباكات مما دفعهم إلى نقل المصابين والجثث إلى المستشفى الميداني بجوار مسجد رابعة، والتي أصبحت مكدسة بالجثامين، فيح حين أشعل المعتصمين النيران للتخفيف من حدة الغاز المسيل للدموع الذي تسبب في سقوط حالات اختناق كثيرة.
وأوضح المسعف، أن اشعال المعتصمين النيران جاء تزامنا مع بدء الجرافات في اعمالها لإزالة خيام المعتصمين، وهو ما تسبب في إحراق اكبر عدد من الخيام وادى إلى إحراق المسجد والمستشفى الميداني.
وعن سير عملهم وقت الاشتباكات، قال إن عدد سيارات الإسعاف كان كبير ووصل إليهم امدادات من المحافظات الأخرى وكانوا ينقلون المصابين والجثث إلى المستشفيات الحكومية سواء مستشفى التأمين الصحي او اليوم الواحد، وأسفرت الاشتباكات عن وفاة زميلهم إبراهيم العزب وإصابة أخرين بالخرطوش والبلي الرش، بالإضافة إلى تدمير سيارتين إسعاف .
لحظة سقوط شهيد الإسعاف
تذكر سعد، لحظة سقوط زميله إبراهيم العزب الذي شاركه عدد من الأحداث وكان أخرها فض رابعة ، والذي فارق فيه عزب الحياة عقب إصابته برصاصة في الرأس.
يقول سعد، ''من الساعة الـ 10 وحتى الحادية عشر، أصبح الوضع خارج السيطرة وكان الرصاص يتطاير من حولنا، كنا نحاول نقل المصابين من داخل الاعتصام وكنا نعرض انفسنا للخطر رغم أن التعليمات تقضي ان سلامك الشخصي اولا ثم إنقاذ حياة الاخرين، وفي الوقت الذي ننتظر فيه اللحظة المناسبة لنقل المصابين، اخترقت إحدى الرصاصات رأس إبراهيم''.
تابع المسعف، '' التف حولنا عدد من المسعفين وتم نقله بشكل سريع إلى معهد ناصر، وهو ما اربك صفوفنا واهتزله الجميع ويمثل بالنسبة لنا كارثة وصدمة كبيرة لم ارى اعيش مثلها من قبل''.
''قمنا بعملنا على أكمل وجه وسط الموت، ووهو يعتبر أصعب وقت مر على جميع المسعفين منذ بداية عملهم .. ربنا يرحم إبراهيم''. بهذه الكلمات اختتم سعد حديثه لنا.
الأمان الشخصي أم إنقاذ المصاب؟
فيما أكد الدكتور مصطفى غنيمة، رئيس قطاع العمليات والتشغيل بهيئة الإسعاف المصرية، أنه تم التعامل مع أحداث فض رابعة مثلها كباقي الاحداث التي يواجها المسعفين منذ قيام ثورة 25 يناير.
وشدد غنيمة، على أن أطقم المسعفين مدربة على أمانهم الشخصي وأمان المصابين الذين يتولوا مسئولية نقلهم، بينما في الاحداث الضخمة كان المسعفين يتجاوزون ذلك ويدخلون وسط الاحداث لإنقاذ المصابين.
وأوضح أنه لابد أن يكون هناك مسافة آمنة بين المسعف والاحداث، وهو ما تجاوزه المسعفين بداية من ثورة يناير وحتى الان، وكانوا يتعرضون للإصابات فضلا عن التليفيات في سيارات الإسعاف واخيرا توفى إبراهيم عزب أثناء أداء عمله في فض اعتصام رابعة.
أول شهيد من الشرطة وامتلاء الشوارع بالجثث
ومن جانبه قال محمد عبد السلام، مشرف عام هيئة الإسعاف، إن الهيئة في أحداث فض ميدان رابعة العدوية كان لديها 120 سيارة إسعاف متمركزة بأكثر من محور مثل شارع الطيران والتأمين الصحي للتعامل مع الحالات..
وأشار عبد السلام، إلى أن تواجدهم منذ بداية الاعتصام مكنهم من معرفة طرق يمكن لسيارات الإسعاف الدخول منها للتعامل مع الحالات والخروج منها، مضيفًا أنهم لم يكونوا على بموعد الفض وانه كان مفاجأة بالنسبة لهم.
وأوضح المشرف، أنه كان هناك ما يقرب من 20 سيارة متمركزة بمحيط رابعة قبل بدء الفض، ولكن بعد زيادة حدة الاحداث وصلت امدادات من جميع المحافظات.
وعن بداية الفض، قال إن الشرطة أطلقت عدة إنذارات قبل البدء في التعامل، من خلال الميكروفونات ثم استخدام المياه في تفريقهم وعقبها استخدام الذبذبات، مشيرا إلى أن الاخوان هم اول من بداو الضرب وكان اول شهيد من الشرطة قد سقط، وهو ما دفع رجال الامن للرد عليهم.
تابع '' الرصاص في الجو كان زي المطر والاشتباكات زادت والجثث كانت تملئ مستشفى رابعة والشوارع ، في حين رفض البعض قيام رجال الاسعاف بحمل هذه الجثث ونقلها، وقاموا بتميلها على سيارة خاصة بهم لنقلها الى مسجد الإيمان واستمر الرفض من الاهالي حتى المساء مما دفع قوات من الجيش للدخل''.
صعوبة الدخول أثناء الاشتباكات
في حين اشتكي محمد حنفي مشرف اسعاف محافظة القاهرة، ممن صعوبة دخول السيارات لمقر الاعتصام بسبب الحواجز الرملية التي كان يستخدمها المعتصمين للتأمين، مشيرا إلى أنهم كانوا يتمركزون على طريق النصر.
أردف حنفي، أن الحالات كانت تخرج لهم من الطرفين سواء شرطة او معتصمين من خلال ذويهم، حتى الساعة الـ10 عند زيادة حدة الاشتباكات وسقوط مزيد من الجثث وبدأوا في المخاطرة والدخول وسط الضرب.
وأشار إلى أن خط سير سيارات الاسعاف كان يبدأ من نقل الجثث او المصابين من موقع الاشتباكات وحتى المستشفى ثم مشرحة زينهم والعودة مرة أخرى .
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: