إعلان

مصراوي يحاور أحد الناجين من سيارة الترحيلات: الموت على صفيح ساخن

01:00 م الأحد 24 أغسطس 2014

سجن أبو زعبل

كتبت- شيماء الليثي:

قسمات وجه مقشعرّة، عينان تلمعان وتضيقان كلما تذكر موقفا من ذاك اليوم، ومشاعر صدمة تنتابه رغم مرور عام عندما ينهي قصته بأنه ضمن الناجين، بعد أن سقط 37 من زملائه أمام عينيه في بضع ساعات.

سيارة الموت.. هكذا يسميها ''محمد عبد المعبود'' أحد الناجين السبع منها، أما العامة فيعرفونها بـ''سيارة ترحيلات أبو زعبل'' التي شهدت قبل عام واحد 9 ساعات من الموت البطيء لـ 45 شخص من المقبوض عليهم داخل نطاق سجن أبو زعبل.

لم يتخيل عبد المعبود حينها أنه سيكون حيا بعد عام ليروي شهادته عما وقع داخل السيارة المشؤمة ''كل واحد في الساعات الأخيرة كان بيقول وصيته للتاني، وأنا كان عليا دين وصيت بيه زميلي لكنه مات الأول وهو اللى وصاني بتبليغ أهله بسداد دينه'' بهذه الكلمات بدأ الرجل الخمسيني حكايته، وكأنها أول ما علق بباله وقت التذكر، قبل أن يضيف ''ومحمد الديب وصاني أقول لأمه سامحيني''.

بصوت متقطع وصعوبة في جمح الدموع وصف عبد المعبود الوضع داخل سيارة ترحيلات أبو زعبل بـ''يوم الحشر''، حيث تم وضع 45 شخص داخل سيارة لا تكفي لأكثر من 24 شخص، ''كنت ضمن آخر 5 أشخاص يدخلوا العربية ولما شوفت الوضع رفضت الدخول إلا أن الأمن ضربنا ودفعنا بالقوة داخل السيارة فكنا نقف على أقدام بعض''.

لم يواجه الراكبون مشكلة في التنفس طوال الفترة التي كانت تتحرك فيها السيارة لما تدخله نافذتها الصغيرة من نسمات هواء، إلا أنه بمجرد دلوفها ساحة سجن أبو زعبل توقف الهواء تماما، وظلت السيارة تحت أشعة الشمس الحارقة لبضع ساعات كانت هي الأصعب والأطول في حياة الركاب.

صرخات صاح بها الشباب من داخل العلبة الصفيح الضخمة، يستغيثون بالحراس أن يفتحوا لهم الباب حتى يستطيعوا التنفس، ولكن دون جدوى، إلا أن أصواتا من الخارج جاءت إليهم بالسباب والمطالبة بنعت المحتجزين أنفسهم بأسماء نساء وسب الرئيس الأسبق محمد مرسي، وفق شهادة عبد المعبود، والذي أكد أن هناك بعض الشباب قاموا بتنفيذ طلبهم بالفعل حتى يتسنى لهم الخروج واستنشاق بعض من الأوكسجين الذي كاد أن يفنى، ولكن ما كان من الحراس إلا أن قابلوهم بالسخرية والاستهزاء ''إحنا مابنكلمش غير رجالة مش بنكلم ستات''.

لحظات الإهانة باتت ثقيلة في ظل سيارة من المعدن الملتهب، وصيحة من شاب عشريني ينادي بأن ''خرجونا واضربونا بالرصاص بدل ما تموتونا بالبطيء مخنوقين''، دون أن تكون هناك آذان تسمع لندائه.

حين اقتربت الساعة من الثالثة عصرا، كان عدد من الراكبين قد سقط بالفعل، بين قتيلا وفاقدا للوعي، وكان لكبار السن والمرضى السبق في السقوط، مما دفع الشباب منهم لمزيد من الصراخ وطرق جدران السيارة بكل ما لديهم من قوة، غير أن دقائق معدودة مرت قبل أن تنفذ طاقة من تبقى على قد الحياة؛ فعادت موجة الإغماءات مرة أخرى، بعد أن قام الأمن من خارج السيارة ''برش مادة غازية حرارية أشبه بالغاز المسيل للدموع من شبابيك العربية، حسينا بعدها باختناق شديد وفقدنا الوعي كلنا، وبعدها فيه اللي فاق واللي ما فاقش تاني''، على حد تعبير عبد المعبود.

تمالك الناجي الأربعيني كلماته بعد تذكره مواقف أشبه بكابوس لازال يطارده ''فتحت عيني فجأة لقيت كله مرمي على بعض ولقيت الشرطة اللي داخل السجن بيحاولوا يفتحوا الباب بعد مرور حوالي 9 ساعات من العذاب، وماكنتش لسه اعرف إن 37 من زمايلي ماتوا فكرت أنهم مغمي عليهم، لكن ماعرفوش يفتحوا الباب أكثر من 10 سم من ضيق المكان وتكوم الجثث، فاضطروا إلى قطعه بصاروخ كهربي لإخراج الجثث''.

كان عبد المعبود وزميل آخر أول من يخرج من السيارة بعد فتحها، بعد صعق قوات الأمن المتواجدة داخل سور السجن لأكوام المحتجزين داخل السيارة ''صعقونا بالكهرباء كانوا فاكرينهم بيمثلوا إنهم تعبانين وأول ما خرجنا لقيتهم بيجروا جثة الشاب محمد الديب والدكتور عبد المنعم'' قالها عبد المعبود متذكرا جثتي زميليه بالسيارة، بعد أن فرقهما الموت الذي كان منه قاب قوسين أو أدنى.

''نجا من الموت 7 من داخل السيارة ونجا منا 6 من السجن وتم إخلاء سبيلنا بعد كده، لكن لسه فيه واحد مانجاش من السجن وبقاله سنة محبوس وبيتجدد له من غير مايتحاكم''، كانت هذه نهاية من كانوا بسيارة ترحيلات أبو زعبل، لكنها لم تكن نهاية الذكريات لمن خرج منها حي يُرزق ''هيفضل مشهد موت كل واحد متعلق بذهني طول العمر، وعمري ماهنسي الدكتور عبد المنعم لما كان هادي جدا في موته وماكانش بيصرخ ولا خايف زي ماكنا بنعمل، ولما سألناه نعمل إيه، قالنا استغفروا واذكروا الله إنها موتة واحدة فلتكن لله''.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان