المراكب المتهالكة.. ملايين غارقة في النيل
تحقيق- محمد أبو ليلة:
قبل ثمانية أشهر من وقوع حادث غرق مركب الوراق والذي راح ضحيته 40 قتيلاً، كان محافظ الجيزة السابق الدكتور على عبد الرحمن يحتفل هو ووزير الري بافتتاح كورنيش الوراق، ولم ينتبهوا بأن كارثة على الطريق قد تقطع فهم يفتتحون أطول كورنيش بالمحافظة، بينما لا توجد نقطة للإسعاف النهري بطول الطريق، واستمر المسؤولين وقتها في التنصل من أدوارهم إلى أن وقعت الكارثة قبل شهرين، بسبب تعدد الجهات المسؤولة عن النقل النهري.
في مصر تقع مسؤولية النقل النهري على عاتق عدة جهات أهمها هيئة النقل النهري التي تتبع مباشرة وزارة النقل والمواصلات، ومن المفترض أنها المسؤولة فعلياً عن إعطاء التراخيص لأصحاب المراكب، وفحص مراكبهم والتأكد من وجود اشتراطات الأمان والسلامة بداخلها، إضافة إلى شرطة المسطحات المائية والتي تتبع وزارة الداخلية، ودورها يقتصر على رصد مخالفات وعمل محاضر بها.
"هيئة النقل النهري لا تقوم بالتحقق من اشتراطات الأمن والسلامة والتي من الواجب توافرها في أي مركب نيلي، ينقل بضائع أو ركاب، هناك ضعف في منظومة الإنقاذ وهناك تراشق بين المسؤولين الحكوميين، وغياب المعلومات الدقيقة فيما يخص عمليات الإنقاذ، ومن يقوم بوضع الشروط الفنية هي هيئة النقل النهري، أما هيئة المسطحات تختص بالجانب الأمني فقط".. حيث يؤكد ذلك الدكتور أحمد سلطان مساعد وزير النقل لشئون النقل النهري واللوجستيات سابقا في حديثه الخاص لمصراوي".
حتى الآن لا توجد إحصائيات رسمية بعدد المراكب النيلية، فهيئة النقل النهري ترفض منذ فترة طويلة إعطاء الصحفيين أية معلومات خاصة بعملها، وبعد أن خاطبها مصراوي رسميا لمعرفة الحصر الدقيق لهذه "المراكب" تهربت الهيئة أكثر من مرة، واتضح فيما بعد أن الهيئة نفسها لا تمتلك هذا الحصر الدقيق، لكن هناك حصر تقريبي قام به مركز الدارسات الاقتصادية يؤكد أن عدد المراكب والمعديات بطول نهر النيل في مصر يبلغ تسعة ألاف و500 مركب ولنش معظمها غير مرخص.
غياب النقل النهري
يؤكد اللواء أدهم محسن مدير شرطة المسطحات المائية السابق، أنه في فترة عمله بشرطة المسطحات رصد عدد كبير من المراكب النيلية المتهالكة والتي انتهى عمرها الافتراضي، متابعا: " طوال خدمتي في شرطة المسطحات رصدنا مخالفات لمراكب كثيرة جدا متهالكة ولا تصلح للسير في النيل، وعرضنا كل هذه المخالفات على هيئة النقل النهري لكن للأسف لم يهتم أحد".
وأضاف: هناك مركب نيلية عائمة موجودة على فرع نهر النيل بمصر القديمة، بالقرب من حي المنيل هذه المركب كبيرة في الحجم وسياحية منذ أيام الخمسينيات، أي شخص يمر أمامها سيجد أنها متهالكة تماما "خربانة"، ومع الأسف فهذه المركب حتى الأن لديها رخصة سارية وتصريح من هيئة النقل النهري لكننا كشرطة مسطحات لا نستطيع أن نتخذ إجراءات تجاها، هي من اختصاص النقل النهري، المفروض هي اللي تقوم بصيانة المراكب اللي عمرها الافتراضي انتهى.
ويرى خبير اللوجستيات والنقل النهري أحمد سلطان، أن المشكلة الأساسية في هيئة النقل النهري لديها مسؤولية مباشرة عن سلامة الملاحة النهرية، وتحقق اشتراطات الملاحة البحرية والنيلية، لكن هناك محاولة للتهرب من المسؤولية من قبل بعض المسؤولين عن المشكلة، وأنه دائما ما يحدث نزاعات وتراشق بين النقل النهري وشرطة المسطحات لأنه على حد قوله كل منهم لا يعرف طبيعة عمله.
وتابع: كان من الممكن أن تتغلب هيئة النقل النهري على مشاكل المعديات والمراكب المتهالكة من خلال وسيلة جديدة وهي الأتوبيس النهري، لكن للأسف في ظل غياب دور الهيئة والدولة معنا نشأت ونشطت كيانات عشوائية تمتلك معديات عشوائية غير متحقق فيها اشتراطات الأمن والسلامة تنقل ركاب بدون ضوابط ولا يوجد رقابة عليها، النتيجة النهائية أرواح الناس تروح والمسؤولين يتهربون من المسؤولية.
"لا يوجد تأهيل او تدريب فني ومهني لازم لقيادة الوحدات الفنية، وهذا أيضا من اختصاص هيئة النقل النهري".. يقول.
بينما يؤكد أحد المسؤولين بهيئة النقل النهري رفض ذكر أسمه لمصراوي أن المراكب النيلية تصنف داخل القطاع على باعتبارها مراكب للتنزه فقط، موضحاً أن مخالفات المراكب تنقسم إلى نوعين، الأول يعتبر بسيطا ويتعلق بأمور مثل صدور ضوضاء، وهذه المخالفات عددها كبير جدا، والنوع الثاني يتعلق بعدم الالتزام بشروط السلامة، وهو ما يستدعى صدور قرار بإيقاف تشغيل المركب، وأوضح أن الهيئة أصدرت قرار بإيقاف 270 مركبا بعد ثورة يناير.
وأكد أنه في حالة ضبط أي حالة من الانفلات الأخلاقي داخل المراكب، يتم مصادرة ومعاقبة صاحبها على الفور، ويسجن لمدة عام ويدفع غرامة وفقًا للقانون من 100 جنيه وحتى 300، "وإذا اتضح أثناء حملات التفتيش المشتركة بين الهيئة العامة للنقل النهري وشرطة البيئة والمسطحات، استعانة المراكب بعاملين دون الموافقة عليهم من الهيئة، تقوم الأخيرة بالتعاون مع الإدارة العامة لشرطة المسطحات المائية بالتحفظ على المركب، وإيقاف العاملين به عن العمل، وتحويل صاحبه إلى النيابة لمخالفته شروط السلامة والترخيص".. هكذا قال.
معديات متهالكة
مناطق كثيرة على طول نهر النيل لديها "معديات" قديمة ومراكب متهالكة، من ضمنها جزيرة الوراق، حيث قام مصراوي بمعايشة داخل الجزيرة التي وقعت على أطرافها كارثة غرق أحدى المراكب منذ شهرين بسبب غياب الرقابة، عبرنا لجزيرة الوراق على متن مركب نيلي من المعدية الرئيسية للجزيرة من ناحية حي امبابة، المركب شبه متهالك أجنحته يأكلها الصدأ.
عدد من الأهالي أخبرونا أنه حينما وقعت حادثة الوراق، قامت هيئة النقل النهري فورا باستبدال ذلك المركب المتهالك، بمركب حديث الاستخدام، ويحتوي على أنظمة للوقاية والأمان، لإيهام من يزور المكان لأول مرة أن هناك رقابة من الهيئة في اتباعها أساليب الأمان السليمة، وبعد أن نسي الجميع الحادثة عاد المركب المتهالك للعمل مرة أخرى، حيث ينقل يومياً ثلاثون ألف شخص من أهالي الجزيرة إلى الضفة الأخرى.
في تلك الجزيرة التي تبلغ مساحتها ألف و800 فدان ولا يفصلها عن حي شبرا سوى بضعة أمتار من نهر النيل، يعيش ما يقرب من 80 ألف نسمة، مصالحهم تتعلق دوما بعبور مياه النيل عن طريق عبارات متهالكة وقديمة قد انتهى عمرها الافتراضي بالوراق يوجد 3 معديات في أماكن متفرقة بالجزيرة، بالإضافة لأتوبيس نهري يمر على الجزيرة مرة واحدة في اليوم، أصحاب المعديات في الوراق عائلتين فقط يسيطرون على تلك المعديات ويشترون دائما مراكب نيلية متهالكة من خلال المناقصات التي تعلن عنها محافظة الجيزة، وجزء من المراكب هذه قديمة وغير صالحة للاستخدام.
"الموضوع في الوراق يبشر بكارثة جديدة حتى الأن، لم يعد لدينا ثقة في عبور نهر النيل بهذه المراكب القديمة، حصل رقابة بعد الحادثة بكذا يوم، لكن دلوقتي مفيش حد بيراقب على المعديات، حتى الأن مفيش نقطة اسعاف نهري قريبة رغم أن كورنيش الوراق طوله 17 كيلو متر، مفيش شرطة مسطحات مائية قريبة مننا".. بهذه الكلمات يؤكد سامح حديدي أحد أهالي الوراق في لقاءه بمصراوي.
كارثة جديدة في الوراق
عدد من أهالي الجزيرة أخبرونا أن هناك "معدية" تنقل الأهالي من الوارق إلى حي شبرا، هذه المعدية تكاد تكون متهالكة، "مركب" واحد لنقل الركاب، دائما يحمل 200 فرد رغم أنه غير مصرح بأكثر من 70 فرد، خصوصا أنه لا يوجد مرسى لهذا المركب، ومياه نهر النيل تكاد تقترب من أقدام هؤلاء اللذين يريدون استقلال المركب النيلي المتهالك للعبور إلى الضفة الأخرى.
ومنذ عام خصصت محافظة الجيزة قطعة أرض طولها 40 متر لتطوير معدية الوراق الواصلة بشبرا، لكن هناك أحد رجال الأعمال من أهالي الجزيرة يعمل في نقل بضائع الطمي ويمتلك عدد من "دفاعات" نهرية والتي تتسب دائما في غرق المراكب النيلية الصغير بسب قوة هذه الدفاعات وحمولتها الزائدة دائما، حيث كانت هذه الدفاعات سبب حادثة الوراق الأخيرة.
ويوضح عصام محمود إمام مسجد بجزيرة الوراق في لقاءه بمصراوي، أن رجل أعمال "يتحفظ مصراوي على أسمه"، قام باستغلال 25 مترا من المساحة التي خصصتها المحافظة لبناء معدية جديدة، وبنى بها مرسى لسفن النقل النهري التابعة له "دفاعات" فأصبحت ملاصقة تماما للمعدية وهذا ينبأ بكوارث كثيرة لأن هذه الدفاعات تتسبب في عدم توازن مياه النيل وغرق المراكب الصغيرة.
"المعدية بتحمل أهالي ما يقرب من 200 فرد، مفيش أنظمة وقاية وأمان داخل أي معدية أو مركب ولا لايف جاكيت ولا شيء، كل فترة قليلة تحصل حادثة في الوراق طفل يغرق أو حد يموت بسبب المعديات، مفيش رصيف أصلا للمراكب، أصحاب المعديات عندهم جشع معندهم انظمة امان للمعديات".. يتابع.
بعد تكرار حوادث غرق الأطفال والسيدات في النيل بسبب تهالك المراكب النيلية في الوراق أقرت المحافظة ميزانية 5 مليون جنيه لتطوير "معديات" الوراق وبناء معدية جديدة لكن هذه الأموال لم تعتمد حتى الأن، على حد قول الأهالي، "الكوبري بتاع روض الفرج هيعدي من فوق جزيرة الوراق، ومع ذلك مفيش نزلات للكوبري داخل الجزيرة المفروض الدولة تعمل سلم صغير للأهالي علشان يستخدموا الكوبري كحل بديل للمعديات".. يؤكد باسل شاهين أحد شباب الجزيرة.
مشكلة المعديات تعتبر مشكلة أزلية لأهالي الجزيرة، وفي لقاءنا معهم، أقروا بتقديم مقترحات لوزير النقل بعمل كوبري مشاه لهم أو "نزلة" من محور روض الفرج أو الطريق الدائري، لكن وزير النقل وقتها تعنت ضد الأهالي، مما أجبرهم على تقديم مذكرة لمجلس الدولة لإلزام الدولة بعمل "نزلة" من الطريق الدائري لجزيرة الوراق، لكن لم يهتم أحد ، وتم إصدار قرار باعتبار جزيرة الوراق محمية طبيعية ولا يجوز التصرف فيها، على الرغم من وجود منازل على الجزيرة منذ أربعينيات القرن الماضي، لكن الحقيقة التي يكشفها أهالي الجزيرة أن هناك رجال أعمال لديهم أفدنة من الأراضي داخل الجزيرة ويريدون شراء باقي الأراض وتهجير أهالي الجزيرة.
3 آلاف مركب متهالك
الخبير الاقتصادي صلاح جودة يؤكد لمصراوي، أنه لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المراكب المتهالكة في نهر النيل، بينما تقترب "على حد قوله" من ثلاثة ألاف مركب أو معدية أو عوامة قديمة وتعتبر من الخطورة استقلالها في نهر النيل، بسبب عدم وجود اشتراطات السلامة والأمان بها ومن الممكن أن تتعرض للغرق في أي وقت.
وأوضح أن هناك جهاز داخل الهيئة العامة للنقل النهري يسمى جهاز الرقابة النهرية، وهذا الجهاز لديه سلطة الضبطية القضائية ومن مسؤوليته الكشف الدوري عن المراكب والعوامات بالاستعانة بعدد من الخبراء في الهية لتوضيح ما إذا كان المركب تجاوز عمره الافتراضي أم لا، لكن هذا الجهاز لا يعمل.
وأضاف أن حجم المراكب النيلية القديمة والمتهالكة يقدر بـ 2 مليون جنيه، مطالبا الدولة بالاستفادة من هذه المراكب التي تعتبر خردة الأن، وأنا تبيعها في مزاد علني، وتستفيد من أموالها، كما سيساهم ذلك في وضع إطار محدد بعدد المراكب والمعديات المسموح بإنشائها بطول نهر النيل، بدلاً من وجود مئات المراكب الغير مرخصة والتي لا تعرف الدولة عنها شيئا.
بينما اللواء أدهم محسن مدير شرطة المسطحات سابقاً يؤكد أن شرطة المسطحات وقت أن كان مديراً لها، قامت بضبط عدد كبير من المخالفات والتي من اختصاص هيئة النقل النهري أن ترصدها ومن ضمنها، مراكب بالجملة متهالكة وغير صالحة للاستخدام الأدمي.
وتابع: بدأنا نعرض هذه المخالفات على النيابة العامة، طبقا لطبيعة عملنا، لكن دورنا توقف على ذلك، وحينما أرسلت هذه المخالفات للنيابة، النيابة قررت أن يتم تسليم المراكب المتهالكة لهيئة النقل النهري باعتبارها الجهة المنوطة بها تحديد ما إذا كانت تلك المراكب متهالكة أم لا، وفور استلام النقل النهري هذه الضبطيات تقوم بإعطاء الرخصة مرة أخرى لصاحب المركب المتهالك، وحدث ذلك أكثر من مرة للأسف
فيديو قد يعجبك: