وحيد عبد المجيد: الوضع السياسي القائم يرى الأحزاب "زوائد دودية".. "ولا توجد سياسة أصلًا" (حوار)
حوار - علاء أحمد:
تصوير - محمود بكار:
قال الدكتور وحيد عبد المجيد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن الحديث عن اختيار اسم رئيس البرلمان دون انتخابه أمر مهين للمصريين.
وأضاف عبد المجيد في حواره لمصراوي، أن ضد النظام الذي قامت عليه الانتخابات؛ لأنه يزيد القبلية والطائفية، مؤكدًا أن مرشحي الأحزاب لم ينجحوا ببرامجهم بل نجحوا بقبليتهم وعائلاتهم والأموال.
وجاء نص الحوار
أبديت اعتراضك كثيرًا على قانون الانتخابات، ما هي نقاط معارضتك له؟
أي انتخابات برلماني العامل المحدد لها هو النظام الانتخابي، فعندما تختار نظام معين فأنت ترسم مسبقًا صور للانتخابات.
فنظام الانتخابات هو الذي يحدد نوعية المرشحين الذين يستطيعون الترشح في ظل هذا النظام، ويحدد حجم الناخبين.
والنظام الانتخابي في ظروف مصر الحالية، وكما كان على مدى سنوات طويلة "نظام بدائي"، بمعنى أنه عندما تُجرى الانتخابات به في مجتمع "متخلف" -مجتمع يعيش على عصر سابق على العصر الحديث، فالجزء الأكبر من مجتمعنا يعيش على ما قبل العصر الحديث، ويعيش على الأديان والطوائف والعائلات، والنظام الانتخابي يرسخ هذه الحالة التقليدية البدائية السابقة على العصر الحالي؛ لأنه يدعم العوامل الرئيسية المتحكمة في الانتخابات - العصبيات- من الانتماء الديني الطائفي وصولًا للقبائلي والعشائري، والمال السياسي.
أي الأنظمة الانتخابية يجب الاعتماد عليها؟
وكان من المفترض الاعتماد على نظام التمثيل النسبي الذي يعني أن من يحصل على 50% تكون نسبته 50%، عكس نظام الانتخابات الحالي الذي أعطى الأغلبية المطلقة؛ فالذي حصل على 50%+ 1، كأنه حصل 100%.
واستخدام تعبير المستقلين مُضلل، لأنه في ظل هذا النظام الانتخابي ينتمي إلى عائلة أو عشيرة أو متاجر بدين، والطائفية كان لها دور بارز في هذه الانتخابات "مسلمة ومسيحية"، فالطائفية هزمت الأحزاب في بعض الدوائر.
لا يوجد مجتمع يرغب في التقدم والالتحاق بالعصر الحديث، ويجري انتخابات بهذه الطريقة، لأنها ترسخ العوامل التي تعوق الوصول للعصر الحديث، "نحن دائمًا ننظر للانتخابات في تأثيرها الانتخابي، إنما تأثيرها المجتمعي أخطر بكثير"، فالنظام الانتخابي يضر بمصر كلها وليس بالانتخابات فقط.
ما رأيك في الائتلافات الموجودة على الساحة؟
"أولًا لا توجد ائتلافات، نحن نستخدم تعبيرات في غير موضعها، والذي يحدث على الساحة لا علاقة له بمفهوم الائتلاف"، "الائتلاف يكون بين مجموعة أحزاب، وينضم إليه مستقلين وليس العكس".
"ثانيًا الائتلاف يكون بين أحزاب وأشخاص وفقًا لمفاوضات يُجروها للوصل لما يسمى برنامج حد أدنى.. يتفق عليه هذه الأحزاب؛ الأساس فيه هو البرنامج".. "ما يحدث على الساحة ممكن تسميته بـ "تجمعات".
ما الغرض من تكوين ائتلاف في البرلمان؟
بعض المجموعات المُكونة لقائمة "في حب مصر"، تخطط بالتفاهم مع بعض أجهزة الدولة، أنهم يشكلوا كتلة تكون الأغلبية؛ لإعادة إنتاج مشهد "موافقة موافقة"، ويتم تمرير كل ما يُراد تمريره بسهولة.
هل من السهل إعادة إنتاج مشهد "موافقة موافقة"؟
إعادة إنتاجه صعب، ومن يحاولون إعادة إنتاجه لا يدركون أن هناك تغيرات حدثت في المجتمع، ولذلك سنكون أمام أغلبيات متغيرة؛ "فالأغلبيات التي تتكون الآن تقوم على توزيع المناصب داخل البرلمان، وهو العامل المحددة لها، ومع هذه العملية ستتفكك، وكلما طُرح موضوع سنجد الأغلبية تتغير، وأول محاولة لتثبيتها فشلت من خلال تكتيفها بلائحة".. "الائتلافات اختيارية وليس لها لوائح وله برنامج".
هل الائتلافات في مصلحة المواطن؟
"مصلحة المواطن أنه مايكونش في حد يسعى يصنع أغلبية بالعافية.. الأغلبية تتحقق تلقائيًا من التوافق على المصلحة العامة بشكل حر غير موجه".
ما رأيك في الأحزاب التي ترفض الائتلافات؟
من حق الأحزاب معارضة أي محاولة لإلغاء دورها، وخصوصًا أن الوضع السياسي العام قائم على افتراض أن الأحزاب تُمثل "زوائد دودية لا قيمة لها"، وذلك بخلاف ما ينص عليه الدستور؛ فبالتالي عندما تحاول الأحزاب مواجهة التهميش والإقصاء فهذا أمر طبيعي، وهذا يحقق المصلحة العامة القائمة على التعدد والتنوع.
ما رأيك في غياب اليسار عن البرلمان والحياة السياسية عامة؟
هناك غياب للسياسة عامةً وليس اليسار، فهناك غياب لليسار واليمين والوسط لا توجد سياسة أصلًا، "فتركيبة النظام السياسي هي تركيبة قائمة على أن السياسة لا أهمية لها.. والبلد تُدار كما لو أنها شركة وليس دولة".. "فالسياسة غائبة وكل الاتجاهات".
"فالأحزاب التي تستطيع أن تعوم في هذا البحر المُغرق، والسياسة هي الغائبة".
وماذا عن الأحزاب الليبرالية؟
"احنا ماعندناش ولا حزب ليبرالي في مصر.. فهي أحزاب محافظة"، وهي أيضًا غائبة ولكنها موجودة من خلال تكيفها مع الوضع الذي يفرض عليها استخدام أدوات غير سياسية.. من خلال الأموال، ومعظم مرشحي الأحزاب فازوا بالعصبيات والأموال".
لو طُلب منك اختيار رئيس البرلمان من ستختار؟
ليس لي أن اختار رئيس البرلمان، وهذا أمر مهين لمصر، الحديث عن رئيس قبل انعقاد البرلمان سؤال مهين يدل على أن مصر ليس بها برلمان،وهو أمر مخجل وينبغي أن يشعر كل مصري بالإهانة، ويدل على أننا نتخلف بمعدلات، وكان هناك برلمان بمصر قبل أي حد.
"البرلمان عندما يُنتخب لابد أن ينتخب رئيسه لا يأتي له أحد له برئيس؛ إلا إذا كان هذا ليس برلمان أو ديكور وبلد ليس بها أي مؤسسات، وهذا يدل على أننا صغرنا جدًا، نهين أنفسنا ولا نشعر بالإهانة من فرط ما أصبحنا مُهانين".
ما رأيك في حرية الرأي والتعبير في عهد الرئيس السيسي؟
هناك تراجع ملموس في الحريات عمومًا وليس فقط حرية الرأي والتعبير على كل المستويات.
سبب تراجع الحريات؟
هناك عدة عوامل لتراجع الحريات.. أولًا: "هناك جزء طبيعي أن هناك إرهاب وفي خطر بالبلاد، وهذا الخطر يُستغل بما يتجاوز الحدود بتقييد الحريات".. "والأحزاب المدنية التي كان لها دور في إسقاط الإخوان من خلال جبهة الإنقاذ، وهذه الأحزاب بعد 30 يونيو تخلت عن دورها وخرجت من المشهد بإرادتها واكتفت بالتصفيق للسلطة في معركتها مع الإخوان والإرهاب؛ فكانت النتيجة أن السلطة نظرت لها على أنها لا أهمية لها؛ فترتب على هذا أن المجال العام أخذ يضيق تدريجيًا".
ماذا عن الشباب بعد 30 يونيو؟
بعد يوليو 2013 هناك ميل لإقصاء الشباب، والسلطة الانتقالية وقتها بدأت بإقصائهم وهم الذين أجلسوهم في مقاعدهم سواء في 25 يناير أو 30 يونيو، بإصدار قانون التظاهر والإجراءات التي اتُخذت لإبعاد الشباب؛ وكانت النتيجة أن الجزء الأكبر من الشباب أصبح بعيدًا عن كل ما يحدث في مصر، وهذا لا يعني أن الشباب غير موجود.
ما رأيك في انتخابات اتحاد الطلاب؟
الشباب تمكن بالجامعات أن يهزم السلطة، رغم من أنه تم شطب كل السياسيين وكل من تحدث في السياسة، وطلاب مستقلين لا علاقة لهم بالسياسة وكل ما يريدونه الاحتفاظ بعقولهم داخل أدمغتهم، لا يريدون تسليم عقولهم لأحد، وسوف يبنون مصر.. "رفضوا تسليم عقولهم لأحزاب أو أجهزة أمنية وتحولهم إلى مخبرين، واستطاعوا أن ينجحوا رغم كل المغريات التي قُدمت للطلاب المدعومين من أجهزة في السلطة واكتسحوها، ومع ذلك وقبلها مقاطعة الشباب للانتخابات البرلمانية،كل هذه الرسائل لا تصل، لا يمكن أن تبني بلد بدون شبابه -نص سكانه".
ما رأيك في دعوات النزول في 25 يناير القادم؟
أنا لا أرى دعوات للنزول في 25 يناير.
وماذا عن دعوات الإخوان؟
الإخوان غير موجودين في الساحة، وهم حتى إشعار آخر هم خارج الموضوع، هم منشغلين في صراعاتهم الداخلية ويزايدون على بعضهم البعض.
ما رأيك في الصوت الذي يقول أن البلد لا تحتمل ثورة؟
كلام ليس له معنى، وجزء من محاولة تخويف المواطنين طول الوقت، وأسهل طريقة للسيطرة على المجتمع أن تقوم بعمل "فزاعات" طول الوقت، ليدخل القفص مختارًا طائعًا "ويقول لك اغلق علي باب القفص".
أولًا لا يوجد ثورات تحدث بدون تراكمات، وكان ذلك واضح في 25 يناير الذي سبقتها 10 سنوات كانت ذروتها 5 سنين عند إنشاء حركة كفاية، والتراكم كان يراه الناس يوم بعد يوم والاحتجاجات تزيد، كان هناك مقدمات واضحة.
"ثورة 25 يناير مانزلتش من السماء؛ فالتالي هذا كلام ساذج يستغل ضعف وعي المجتمع، والخوف الطبيعي عند الناس على أمنهم، وهو استغلال بشع لضعف الوعي وقدرته على فرز ما يقال له، وهو كلام فارغ الغرض منه استغفال الناس وتخويفهم؛ لتسهيل استمرار السيطرة عليهم".. "الثورات لا يُدعى إليها ولا يصنعها أحد".. "ولو حصل حاجة في 25 يناير القادم هايبقى شوية بومب من اللي العيال يعمل إرهاب لا قيمة له".
هل نجحت الثورة المضادة؟
نجاح الثورة المضادة أمر طبيعي وهزيمتها ستحدث، مثلما حدث في الثورة الفرنسية، والصراع بين الثورتين أمر طبيعي، فالقوة المضادة للثورة تنتصر لبعض الوقت لسببين، الأول مرتبط بالثورة نفسها لأنها تلقائية وعفوية وقامت بدون إعداد مسبق وبدون قيادة "ضعف في بنية الثورة وسهل الانقضاض عليها"، والثاني إن الثورة المضادة تملك قوة من وسائل إعلام وحشد، ودائمًا ما تكون أقوى من الثورة في المراحل الأولى وكل الثورات حدث بها ذلك.. "الثورة المضادة لن تستمر لأنها لا تمتلك رؤية وتستخدم قوتها ونفوذها فقط، وتستغل الارتباك الذي يحدث في صفوف الثورة، وهي مرحلة مؤقتة لأنها لو تستطيع الاستمرار ما كان للثورة أن تندلع من البداية".
هل نجحت مصر في ملف سد النهضة؟
التفاوض يدار بشكل جيد حتى الآن والأزمة صعبة، وأمامنا خيارين.. الأول: "الأقل صعوبة وهو أن نسعى للتفاهم مع إثيوبيا على صيغة لتبادل المصالح مثلما فعلت السودان، من خلال الحصول على طاقة كهربائية بسعر منخفض، وإذا اتفقنا على الفترة التي ستُملئ فيها بحيرة السد، ونطيل أمد هذه الفترة، ويتحول الموضوع من صراع لتعاون وهذا هو الخيار الأفضل".. والثاني: "أن تصل المفاوضات إلى طريق مسدود لو أصرينا على وقف بناء السد وننتظر نتائج الدراسات والإثيوبيين لن ينتظروا".. وهناك خيار وهو الأصعب ونتائجه كارثية وهو العسكري، والذي من الممكن أن يعتبره المجتمع الدولي عدوان وسنخسر علاقاتنا في إفريقيا.
كل ما يحدث هذا سببه عدم استعادة دورنا في إفريقيا وانسحابنا منها، مصر كانت قبلة الأفارقة وبدءً من السبعينيات تعالينا عليهم، واهتممنا بالغرب الأوروبي على حسابهم، والتحرك المصري لإفريقيا كان بطيئًا بطئ السلحفاة.
ما هي النصائح التي توجهها للرئيس السيسي لمواجهة الأزمات الحالية؟
أن يقرأ الرسائل الكثيرة المتوالية، المتعلقة بالشباب والانتخابات، وضعف المشاركة فيها رغم دعوته الناس للنزول، وأن يقرأ الرسائل بعيدًا عن أي تقارير تصل إليه، يقرأها بعقل راجح وبصدر مفتوح ويستوعبها ويتبينها ويصحح الأخطاء ويحل الأزمات المقترنة بها.
فيديو قد يعجبك: