لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عندما تصبح القلة أغلبية وتشوه صورة الإسلام

06:21 م الجمعة 06 فبراير 2015

بقلم - ا. د. أمين عبد اللطيف المليجي:

عندما تصبح القلة ممن يحملون فكرا مشوها هم الأغلبية التي تعكس صورة للإسلام مشوهة، يظن البعض ممن لا يعرفون حقيقة الإسلام أن هذا هو الإسلام، وهؤلاء هم كل المسلمين، وهذا ظن خاطئ، لا نقبله، ولا نقول إنهم يتحملون الخطأ كله، بل نحن نحمل جزءا كبيرا من الخطأ، فقد تركنا هؤلاء القلة يشوهون صورة الإسلام، قصدا كان أم عن غير قصد أو جهلا.

هذا نقاش يدور الآن في بعض الدول الغربية وخاصة أمريكا، قرأته على شبكة التواصل الاجتماعي، ما بين مهاجم وما بين مدافع، وكل يسوق المبررات لوجهة نظره، فمن يدافع يعتقد أنه يعرف الواقع الذي تعيشه البلاد الإسلامية، ويدرك الأمور الداخلية التي تؤدي إلى ما وصلنا إليه اليوم، ومن يهاجم في الغالب لا يدرك الحقيقة الكاملة، بل بنى رأيه على ما يصله من معلومات في كثير من الأحيان مبتورة ومشوهة للإسلام صورته الناصعة البياض، التي لا فيها تطرف أو مغالاة في الأمور، وهذا التشوية يقوم به من يكن العداء للإسلام والمسلمين، ولا ننكر أننا نتحمل جزءا منه كبير، فقد تركنا الأمر ولم ندرك تبعات نقل صورة الإسلام من أناس لا هم لهم إلا تشويه الإسلام وأهله.

والبلاد التي تهاجم الآن هي من أوى هذا الفكر، وقام عليه سنوات طويلة، وخاصة انجلترا وأمريكا، وما نراه يحدث من المسميات العديدة التي ظهرت من كل مكان، وأضافت إلى الاسم المختلق اسم الإسلام، فهذه الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وهذه جبهة النصرة (إسلامية)، وهذه الجماعة الإسلامية، وهذه الجماعة الجهادية، وأسماء عديدة وعديدة، لن نستطيع احصائها، معظم هؤلاء لم نرى من بعضهم إلا ما ينفر الناس من الإسلام، وما يجعل الناس تكره الإسلام والمسلمين، نقول البعض حتى لا نعمم، ونحن هنا نناقش مسألة فكرية، ولا دخل لنا بمسألة الأيمان، لآن الذي يحكم فيها هو الخالق، وهو الذى يعرف الصادق من الكاذب، ونتيجة التصرفات الخاطئة من هؤلاء القلة واضحة للعيان.

فكيف يقوم هؤلاء بقطع رؤوس اناس وقعوا تحت أيديهم، كالصحفيين، وما رأيناه من حرق للطيار الأردني حيا، شيء لا يصدقه عقل حتى ولو وقع في الأسر كما يقولون، وكما قيل فإنهم يستندون على أحداث تاريخية مزيفة، كما أكد العلماء بأن واقعة الحرق التي نسبت إلى سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه رواية كاذبة، ولم تحدث أصلا، وكذلك هناك رواية عن سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه تقول بأنه أمر بقتل الأسرى، فكما سمعت بأن سيدنا خالد أمر من كان معه من الجند بأن يدفئوا الأسرى وهو يقصد الاهتمام بهم وأطعامهم، ولم يعرف بأن هذه الكلمة تعني عند هؤلاء الجنود القتل، وكما نعرف بأن البلاد العربية تتكلم لغة واحدة ولكن هناك استخدامات لمعاني بعض الكلمات يختلف من بلد عربي لأخر، وتلك لغة التفاهم العامية في كل بلد عربي، فمثلا أهل العراق يستخدموا كلمة يبسطه أي يقتله، ولكننا في مصر نستخدم المعنى مختلف تماما، فيبسطه في مصر يعنى يكرمه ويجعله سعيدا، وكذلك أحداث كثيرة أختلقها أناس للإساءة إلى خصومهم أو منافسيهم على السلطة، ودست في الكتب القديمة دسا منذ الاف السنين، فوصلت إلينا، ولكن يجب أن يكون العقل حاضر لميز الخبيث من الطيب، فأين تعاليم الإسلام في معاملة الأسير؟ أين الرحمة؟ كلها ضاعت وراء القتل والتنكيل، هل يحمل قلبا من يقف ويقطع رقبة إنسان أو يحرقه حيا؟ أين هؤلاء من قول الحق سبحانه في كتابه الكريم "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق" أي نفس لأن البشر كلهم أخوة، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقال في حديثه الشريف فيما معناه "أشهد أن الخلق كلهم أخوة" ضاعت هذه الأخوة، وكان نتيجة ذلك كره للإسلام والمسلمين، وقد ظهرت منذ فترة ما يسمى بالإنجليزية (Islamophopia) أي الخوف من الإسلام، وهذا الخوف ظهر نتيجة الممارسات والأفكار الخاطئة التي تنتشر بين بعض الجماعات التي ذكرناها سالفا، وللأسف الشديد هم أقلية، وأصبح صوتهم مسموعا عن الأغلبية من المسلمين في العالم، فهم لا يمثلون واحد في المائة من عدد المسلمين الذى زاد عن المليار ونصف المليار حول العالم.

ويجب أن نكون منصفين فيما نقول لآن معظم هذه الجماعات من الشباب، وهناك أسباب وراء التطرف في الفكر، منها توقف الفكر الإسلامي عند القرون الأولى، يمكن أن نقول القرن الأول والثاني والثالث، ثم نجد أيضا غياب العدالة في المجتمعات الإسلامية، أدى إلى ظهور فكر متطرف يبدأ بتكفير الحاكم وينتهي بتكفير المجتمع بأسره، ربما يكون لأعداء الإسلام دور في ذلك، ولكننا لن علق عليه كل أخطائنا، كما يحلو للبعض، فننساق وراء نظرية المؤامرة على الإسلام والمسلمين، وننسى الأصل في ما وصلنا اليه من فكر معقد، الإسلام دين السلام، أحكامه لا تتعدى خمسة إلى عشرة في المائة من مجمله، والباقي تراه في التفكر والتدبر، والأخذ بأسباب التقدم والعلم، وكذلك الأخلاق، لها نصيب كبير.

فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، تركنا كل ذلك وجرينا وراء المظهر فقط، تركنا العلم وأصبحت الخرافات والجن والعفاريت هي العلم، صرنا وراء المذاهب التي تعددت، اجتهد العلماء في عصرهم، وكان هذا الاجتهاد لتوضيح ما حدث فيه خلاف، وكان ذلك غالبيته في الفروع، فأوضح العلماء لعامة الناس، وكل عالم اجتهد برأيه، فمثلا منهم من يقول نمسح الرأس كلها عند الوضوء ومنهم من يقول نمسح ببعض الرأس، هذا لأن الآية الكريمة التي جاءت حملت المعنيين، أي أن الخلاف لم يكن على الأصل وهو الآية الكريمة "فامسحوا برؤوسكم" ولكن الخلاف حول المعنى، والفرق كبير، وهكذا في أمور كثيرة، فتحول الناس إلى المذاهب ونسوا الأصل.

وقد عشنا ونظل نعيش عالة على فكر هؤلاء العلماء الأجلاء، الذين اجتهدوا في أمور أخرى تواكب زمانهم الذى عاشوا فيه، فيجب أن نأخذ ما يناسب العصر الذى نعيش فيه، ونجتهد فيما يخص عصرنا، وهذا دور أهل العلم والفقه الأن، كل ذلك يحتاج الى قلوب مخلصة من أولى الأمر وأهل العلم، حتى لا يخاف الناس من الإسلام والمسلمين، ثم ظهر اليوم أمر أخر أكثر شدة وهو الاحتجاج ضد المسلمين (Anti-Muslim) وخاصة في أوروبا، وبالتحديد في ألمانيا، وربما ينضم إليها بعض من الدول، هذه حركات تظهر لتعارض وجود المسلمين على أراضيهم، وهذا فيه ظلم كبير للمسلمين الذين يعيشون هناك، فالأرض ليست ملكا لأحد يطرد منها من يريد، صحيح كل دولة الآن تعرف حدودها، وتوجد جوازات للسفر بين البلاد.

ولكن هذا لا يمنع حق كل إنسان أن يعيش في البلد التي وجد فيها فرصة للعيش والرزق، هذا الكلام يقال أيضا للجماعات المتطرفة، التي تريد أن تطرد غير المسلمين من بيوتهم، انظروا نتيجة فعلكم الآن، انقلب اهل البلاد الأخرى على المسلمين في بلادهم، فلا هذا له الحق ولا ذاك له الحق في طرد الناس أو أن يكن لهم العداء. أمر أخر اراه مهما، ويجب أن يصحح، وينبغي أن تصحح الأفكار التي التصقت بالعقول، فجعلت هناك نوع من الإحساس عند البعض، بما أسمية -الأفضلية الإيمانية- وهذا تعبير أود أن يفهم في سياقة، لأنه يرتبط ببعض الأفكار عند البعض وليس الكل، حتى لا يفهم ما أود أن أقوله خطأ، وهذا الإحساس بالأفضلية الإيمانية، يأتي من منظور أنني الوحيد الذى يملك الكتاب الصحيح، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذا صحيح ومؤكد، لأن الحق يقول "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، ولكن يجب أن لا يؤخذ هذا الأمر من الجانب السلبى، بل يجب أن يكون إيجابيا بخلق حالة من الرضى بأننا لسنا أفضل من الناس، أي يجب أن ننظر الى أننا جميعا بشر.

بالتأكيد سيكون هناك اختلاف في أمور كثيرة، وأهمها العقيدة، أي أننا يجب أن نجعل الإيمان نقطة إيجابية تجاه الناس، ونجعله عامل تقريب بيننا وبين الناس، ولا نجعل هذا الأمر حاجزا بيننا وبين غيرنا من البشر، فلا يقود إلى تطرف مثلا، كما نرى اليوم، لآن الأفضلية الإيمانية سوف تبيح تكفير الغير، ولم تأت آية في القرآن يأمرنا الحق فيها بقول كلمة الكفر مباشرة إلى غير المسلمين، بل ذكر مثلا أن نقول أهل الكتاب، وهذا ما يحدث فعلا لمن غالى في فكره المتطرف، بل امتد الأمر إلى تكفير من هم على الإسلام نفسه.

عالمية الإسلام هي وسطيته ورحمته التي تشمل المسلم وغير المسلم، وهذا هو الفكر الذي يجب أن يسود بين المسلمين، حتى تتكسر الحواجز التي خلقها التطرف، من جراء نظرة الاستعلاء والتكفير، ومن جراء نظرة الأفضلية الإيمانية، فلا يعقل أن نقول بأن الإسلام رحمة للعالمين، ثم نمارس عكس ما نقول، ونجعله عذابا للعالمين، حتى ولو تعرض الإسلام للتشويه من غير المسلمين، لأن رب المسلمين هو رب غير المسلمين، وكلهم من العالمين، والله رب العالمين، وهو كفيل بالرد على كل من تطاول، وكفيل بالحفظ.

وكما ذكرنا يقول الحق سبحانه "انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون" هذه آية شاملة لكل معانى الحفظ، أذن نحن أمام اشكالية فكرية في المقام الأول، ولا علاقة لها بصحيح الدين الذي يشمل معنى العالمية والرحمة، فتأصيل معنى العالمية يقتضي التخلي عن فكرة الأفضلية الإيمانية عند القلة، التي تنشئ بدورها الحواجز بين بعض المسلمين وباقي البشر، وأقول هنا القلة من المسلمين، لأني لا أريد أن أعمم الأمر، لأنني أعتقد بأن غالبية المسلمين يعرفون جيدا قيمة عالمية الإسلام ويطبقوها بالفعل، حتى ولو لم يكونوا من أهل العلم والمعرفة، ولكن للأسف فإن فكر البعض الذي يملك صوتا عاليا هو الذى يسود فيجعل الأمر معمما على باقي المسلمين، وهذا افتراء على المسلمين جميعا.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان