الأسبستوس.. سرطان في مواسير المياه.. (تحقيق)
تحقيق- نور عبد القادر:
أن تكون أحد أبناء مدينة ''السرو'' بمحافظة دمياط، فهذا يعني إنك معرض للإصابة بمرض السرطان وليس الأمر يرجع لأمراض وراثية، ولكن تلك المدينة هي من ضمن عشرات المدن والقري التى مازالت تعاني من مشاكل بشبكة المياه، ليس لاختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي، ولكن لأن شبكة المياه من مادة ''الاسبستوس'' المحرمة دوليا لكونها سبب رئيسي في أمراض السرطان.
شبكة وصلات المياه على مستوى الجمهورية تصل لـ 146 ألف كيلو متر، وحسبما يؤكد رئيس الشركة القابضة للمياه، في لقاءه بمصراوي، فإن هناك خطة موضوعة لإحلال وتجديد شبكات المياه في مصر كلها بنهاية عام 2037.
لكن أهالي ''السرو'' ظلوا طوال العشر سنوات الماضية يرسلون شكاوي للمسؤولين من أجل تغيير شبكة المياه وذلك خلال عهد مبارك ثم مرسي وأخيرا خلال عهد السيسي، فتقدموا بشكاوى موقعة من قبل اهالي المدينة للمطالبة بتغيير بقية شبكة المياه لكونها مصنعة من مادة الاسبستوس الخطيرة على الصحة العامة والتي أكدت منظمات الصحة كونها مسببة للسرطان، وحصل ''مصراوي'' على نسخة من الشكوى المقدمة، وطالب الاهالي أيضا بتجديد محطة المياه لانتهاء عمرها الافتراضي، خاصة وان المسؤولين أعطوهم وعود ببناء محطة مياه خرسانية.
''مادة الأسبستوس المستخدمة في صناعة مواسير المياه لها أضرار جسيمة وتأتي في صدارة المواد المسرطنة والمحرمة دوليا''، هكذا يؤكد الدكتور حمدي عبدالعظيم أستاذ علاج الأورام بجامعة القاهرة في لقاء خاص بمصراوي.
ألف أسرة مصابة بالسرطان
محمد جمعة، أحد أبناء مدينة ''السرو'' بدأ حديثه لمصراوي موضحا معاناة أهالي المدينة والقري المجاورة لها من مشكلة مواسير ''الاسبستوس'' المسرطنة، موضحا أن الدولة استجابت وجددت جزء من تلك المواسير بما يقدر بحوالي 2 كيلو متر، ولكنها تركت قرابة ثلاث كيلومترات من المواسير التي يتضرر منها قرابة الالف آسرة.
وتابع: طالبنا مرارا بتغيير تلك المواسير خاصة وأن هناك عشرات الاهالي أصيبوا بمرض السرطان والفشل الكلوي وتوفي الكثير بتلك الامراض، ووعدوا اكثر من مرة بالتغيير ولكن لم يحدث، رغم علم المسؤولين أن تلك الشبكة متهالكة وتسبب مرض السرطان للأهالي .
وبالمثل محمد عبدالله، أحد أبناء المدينة، أوضح أنه رغم شكاوي مدينة السرو، إلا أن شركة مياه الشرب والصرف الصحي بدمياط في بيان صادر لها، أفادت أن محطة مياه السرو تعمل بكفاءة عالية، وتتم إجراءات الصيانة الدورية لها في موعدها، وأن مركز الصيانة يتابع أولاً بأول، وإن هناك مخطط عام لتطوير شبكات مياه الشرب حتى 2037، ولم يتم مراعاة وفيات أهالي المدينة بسبب الاورام فقد مات خلال شهرين حوالي 6 حالات، ويكفي أن المياه بها رواسب ولونها داكن، والشركة تقوم بالتحليل في معاملها وتؤكد سلامة العينات، وبالطبع ذلك لكونها الخصم والحكم في ذات الوقت.
ومن جهته اكد دكتور محمد الاسود، مدير مستشفى ''السرو'' المركزي أنه يتابع قرابة سبع حالات أصيبوا بمرض السرطان خلال هذا الشهر وقرابة عشرة قد أصيبوا بمرض الفشل الكلوي، وهناك الكثيرون قد توفوا بنفس الامراض.
رفض ''الاسود'' إعطائنا الارقام بأعداد المصابين بمرض السرطان والفشل الكلوي، لكون المستشفى تابعة للقطاع الحكومي وغير مسموح له بإعطاء البيانات.
2 مليار جنيه لحل الأزمة
ليست فقط مدينة ''السرو'' هي التي تعاني من مادة الاسبستوس المسرطنة التي تم تحريمها دوليا، فهي متواجدة في أغلب قري مصر والتي لم يتم إحلال وتجديد شبكات المياه بها، وهو ما ظهر جلياً بشكبات مياه بعض مناطق محافظة الاسكندرية التي يوجد بها توصيلات مياه شرب للمنازل من (الاسبستوس) وتنتشر بشكل واسع خاصة في غرب الإسكندرية حيث أحياء غرب والجمرك والعجمي، رغم خطورتها علي الصحة العامة.
بينما العميد محي الصرفي، رئيس الشركة القابضة للمياه، في حديثه لمصراوي يدافع عن وصلات الاسبستوس بالأبحاث، مؤكدا أنها ليست ضارة، والقرارات خاصة بخطورتها على العمال خلال عملية التصنيع فقط، ولهذا أغلقت المصانع، ولكن لا ينطبق الحال على نقل المياه خلالها.
وصرح ''الصرفي'' أنه جاري عمليات الاحلال والتجديد، وتباعا يتم السعي لتغيرها لأنها قديمة ولم يعد يتم إنتاجها ويتم إحلالها بمواسير ''بي بي سي''، وانه يتم تحليل المياه دائما في حال الشكوى ويتم فحص الشكوى، مع العلم أن هناك مشكلة في حجم الاموال التي يتم تخصيصها للإحلال فبعدما كانت تقدر بمليار جنيه سنويا ، أصبحت لا تتعدى 750 مليون جنيه، رغم حاجتنا لحوالي 2 مليار جنيه للإحلال والتجديد''.
مُحرمة دوليا
ويرد دكتور مجدي أبو ريان، رئيس مركز بحوث المياه بجامعة المنصورة ،على تصريحات رئيس الشركة القابضة للمياه بآنه لا يمكن لمسؤول أن يدعي عدم خطورة وصلات الاسبستوس على الصحة العامة، وكونها المسبب الرئيسي لأمراض السرطان وبالأخص على المدي الطويل، وأنه من الممكن أن نعترف بأن هناك آزمة في إمكانية إحلال ألاف الكيلومترات من شبكة المياه في ظل الازمة الاقتصادية، ولكن علينا ان نقر بخطورتها على الصحة العامة وضرورة السعي لإحلالها وتجديدها، وان لا ننتظر حدوث كسور أو هلاك بها للتغيير فقط، خاصة وانها متواجدة بالقاهرة الفاطمية واحياء الاسكندرية القديمة .
وأفاد ''ريان'' أن هناك إجراءات دولية تم اتخاذها ومنها قرار مكتب العمل الدولي الاتفاقية في عام 1986 الاتفاقية رقم 162 والتي تعرف باسم اتفاقية الحرير الصخري، وهذه الاتفاقية حظرت استخدام هذه المادة بشكل عام، ونصت على الحظر الكلى والجزئي لاستخدامها والاستعاضة عنها بمواد أخرى عديمة الضرر أو أقل ضرراً، وحذرت من رش مادة الأسبستوس بجميع أشكاله نظراً لخطورته، وبمصر قام مجلس الوزراء بإصدار توجيه بمنع تداول الأسبستوس ومنتجاته ( استيرادا وتصديرا) عام 2004.
موت بالبطيء
عرَفت منظمة الصحة العالمية مادة ''الأسبستوس'' أنه خليط من عدة معادن طبيعية من أملاح السليكا كالماغنسيوم والكالسيوم والحديد توجد علي هيئة صخور ويتم استخراجها من مناجم خاصة في جنوب أفريقيا وجنوب فلندا وروسيا، وتكسيرها بواسطة كسارات خاصة ثم طحنها حتي تصبح أليافاً صغيرة لا ترى بالعين المجردة ويتم تعبأتها ونقلها إلى دول العالم وتتميز مقاومتها غير العادية للشد، ورداءة توصيلها للحـرارة.
وتشير الدراسات الحديثة إلى تزايد معدلات انتشار سرطان الغشاء البلوري بمصر إلى الضعف خلال السنوات العشر الأخيرة، بسبب استنشاق غبار الإسبستوس الذى انتشر بالمناطق الصناعية خاصة في حلوان والمعصرة وشبرا الخيمة، نظرا لكونه ايضا يدخل في صناعات متعددة مثل مواسير المياه المعزولة والطوب العازل وعوازل الحرارة، وأكد الأطباء وجود علاقة مباشرة بين سرطان الغشاء البلوري واستنشاق غبار الإسبستوس، لكن التأثير التراكمي لهذه المادة تظهر آثاره الضارة بعد عشرين سنة على الأقل من التعرض.
أما جمعية دعم مرض السرطان فقد أفادت أن مرض سرطان الغدد الليمفاوية تصل نسبته الي12% من اجمالي الاصابات الجديدة بالسرطان، وان الابحاث الحديثة أثبتت أن الاسبيستوس المستخدمة في مصر مادة مسرطنة وراء ذلك.
لا يتواجد الاسبستوس في مصر من خلال مواسير المياه فقط، فرغم إغلاق المصانع التي كانت تقوم بتصنيعه، إلا انه يتم تهريبه للبلاد من خلال بعض التجار ويستخدم كمادة عازلة للأسقف والارضيات وحمامات السباحة.
بيزنس ''الإسبيسيوس''
تواصل مصراوي مع إحدى الشركات التي تقوم ببيع ألواح الاسبستوس عبر الانترنت، وقال المسؤول عنها، خلال اتصال هاتفي، أن الشركة تقوم باستيراد ألواح الاسبستوس من دول تركيا والهند والصين، ويتم توفيرها كمادة عازلة للمنازل والارضيات.
واستفسر تاجر الاسبستوس عن المكان ومساحته، من اجل معرفة عدد الالواح اللازمة للعزل، واخبرنا إننا بحاجة لحوالي 170 لوح، يتم تركيبها عن طريق فريق الشركة، واللوح يقدر سعره بحوالي ستون جنيها، ويتم لصقها ببعض البروز، موضحا أن الواح الاسبستوس تتميز بقدرتها على العزل ضد المياه والرطوبة والحرارة، عكس مادة الصاج التي تتفاعل مع المياه.
وأوضح أن مصنعية المتر حوالي ثلاثون جنيها، وأن التوصيل للمنازل بحوالي مائة جنيه، وأنه يظل يعمل كمادة عازلة حوالي عشرة أعوام وربما خمسة عشر عاما ، ولا صحة لمقولة أنه مادة مسرطنة.
الاستخدام في البناء
ويفسر أحمد الدريني، رئيس شعبة المواد البناء، أنه من المفترض أن لا يتم استخدام الاسبستوس في مواد البناء، لأنه محرم دوليا ويسبب السرطان وقديما كان هناك مصانع تتولي صناعة تلك الالواح في مصر وتستخدم في الاسقف والارضيات و''التاندات''، ولكن الان يتم تداولها عبر التهريب وبعيدا عن مراقبة مؤسسات الدولة، ويتم استغلال تلك الالواح في أسقف العمارات وحمامات السباحة لكونها مادة عازلة جيدة، ولهذا لابد من تشديد الرقابة لمنع دخول تلك المواد المهربة.
وتابع:'' تتواجد ألواح الاسبستوس ضمن مواد البناء يعني أنه ما زال هناك تعرض لها، ونخشي أن تتواجد في مواد البناء في المدارس والمنازل والمباني العامة كالمستشفيات ، وبالتالي تتطاير ألياف الأسبستوس فى الهواء لتؤثر على جموع المصريين''
البيئة تحذر
جديرا بالذكر أن مخاطر الأسبستوس ظهرت في مصر مع بداية ازمة (الشركة المصرية الإسبانية لمنتجات الأسبستوس) والتي ظهرت بها انتهاكات لبيئة العمل وقام عمال مصنع الأسبستوس بالاعتصام والاضراب عن العمل احتجاجا علي المخاطر التي تحيط بهم مطالبين باتخاذ احتياطات السلامة والصحة المهنية وقد أدى ذلك إلي قيام العديد من المنظمات الأهلية في مساندة العمال في مطالبهم وتم غلق المصنع، بعدما أصيب بعضهم بمرض السرطان
الخطر البيئي.
''تقارير وزارة الدولة لشئون البيئة أن أكثر الأمراض التي تصيب المتعرضين لاستنشاق غبار الاسبستوس هو مرض السرطان الذي يصيب الرئتين ولا تظهر آثاره علي الإنسان إلا بعد تعرضه المكثف لمدة خمسة عشر عاما أو اكثر ، حيث يسبب أوراماً بالرئتين والتهاب الغشاء البلوري وتضخمه وتليف الرئتين وكذلك سرطان الحنجرة والمعدة والأمعاء والمستقيم، ولا تبدأ هذه الأعراض ففي الظهور قبل 10 سنوات من التعرض لغبار الأسبستوس لان ألياف الاسبستوس تظل عالقة بالرئة'' يوضح دكتور مجدي علام، الخبير البيئي دور أبحاث وزارة البيئة.
لهذا طالب ''علام'' بضرورة وقف تداول وصلات المياه المصنوعة من هذه المادة والتي تستخدم غالبا في القرى وتجديد الوصلات القديمة، لان تلك المواسير حين تتعرض للكسر او الخدش فأنه ينتج عنها غبار الأسبستوس، مع منع استخدامها ضمن مواد البناء.
فيديو قد يعجبك: