الحرب والفوضى في اليمن فرصة ثمينة لتنظيم القاعدة
برلين (دويتشه فيله)
ما يشهده اليمن من حرب وصراع يضر بالدرجة الأولى بمؤسسات الدولة فيضعفها ويعطلها، ومن يستفيد من ضعف الدولة هو تنظيم القاعدة، الذي يوسع مناطق نفوذه بشكل منهجي ومستمر مستغلا أزمة البلاد ومحنة السكان.
السيطرة على ميناء نفطي وقواعد عسكرية وأسلحة ثقيلة، سلسلة انتصارات لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يوسع نفوذه في منطقة حضرموت التي يحاول مقاتلو قبائلها صده ومنعه من السيطرة على المزيد من المناطق الحيوية والاستراتيجية فيها من بينها مطار الريان.
بداية شهر أبريل الجاري هاجم مقاتلو القاعدة سجن مدينة المكلا وحرروا 300 من أعضاء التنظيم الذين كانوا معتقلين في السجن. ومدينة المكلا التي هي عاصمة محافظة حضرموت، تعتبر معقلا ومركزا لنشاطاته ومنطلقا للكثير من عملياته الكبرى.
وبالنسبة للحرب الدائرة بين الحوثيين وأنصار الرئيس هادي المدعوم من دول الخليج وتحالف الدول المشاركة في "عاصفة الحزم"، فإن تنظيم القاعدة استغلها لصالحه؛ إذ نأى بنفسها عنها وتابع سياسته وسعيه لتوسيع رقعة المناطق التي يسيطر عليها في اليمن.
ويرى مراقبون أن تنظيم القاعدة حتى الآن هو المستفيد الأكبر من الحرب الدائرة في اليمن، وكلما طال أمدها كلما استفاد منها أكثر.
أهمية اليمن بالنسبة للقاعدة
منذ عام 1998 يستغل تنظيم القاعدة اليمن كملاذ له ومنطقة لتجنيد المقاتلين. ولم تتمكن الحكومة اليمنية من السيطرة على التنظيم، بل بالعكس فإن الجهاديين استمروا في توسيع نفوذهم مقابل تراجع نفوذ الحكومة ويقومون بعمليات ضد الجيش اليمني، فمثلا في أغسطس 2014 اختطف عناصر تنظيم القاعدة 14 جنديا قتلوهم فيما بعد، مبررين المجزرة بالعمليات الأمريكية ضده في المنطقة بتعاون مع الحكومة اليمنية.
أما الانتصارات الأخيرة التي حققها التنظيم بعد انطلاق عمليات "عاصفة الحزم" مثل السيطرة على الميناء النفطي في حضرموت، فإنها ليست مهمة له لاستغلالها إعلاميا ودعائيا، وإنما استراتيجيا أيضا لتحقيق بعض التوازن مع خصمه ومنافسه الأقوى تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي أعلن العام الماضي إقامة "خلافته- الدولة الإسلامية" في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا والعراق. فمنذ ذلك الحين سرق من القاعدة الأضواء والتركيز الإعلامي والدولي عليه، ويجند المزيد والمزيد من المقاتلين، على عكس تنظيم القاعدة الذي لم يعد جذابا ويستقطب الشباب مثلما كان سابقا.
ومن هنا يعتبر اليمن منطقة مهمة جدا واستراتيجية لتنظيم القاعدة، لتجنيد المقاتلين واستقطاب الشباب، الذين يتهددهم الفقر واليأس وغياب أي آفاق مستقبلية. وتقول خبيرة الشؤون اليمنية هيلين لاكنر، الباحثة السياسية في جامعة أوكسفورد، إن اليمن يواجه تحديات كثيرة منها "زيادة نسبة الشباب الذين ليس لديهم تأهيل علمي أو مهني جيد، وقلة فرص العمل وزيادة نسبة الفقر. إلى جانب شح المياه، والتوجه الانفصالي في الجنوب والتعصب المذهبي في الشمال والصراع القبلي في عموم البلاد" وهذه المشاكل والمصاعب التي تواجهها البلاد يستغلها تنظيم القاعدة لاستقطاب وتجنيد الشباب وتوسيع نفوذه اجتماعيا وزيادة رقعة المناطق التي ينشط فيها ويسطر عليها.
وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي يتخذ من اليمن مركزا له، ينشط منذ سنوات على المستوى العالمي، ولديه مجلة الكترونية بالانجليزية اسمها "Inspire" تنشر دعاية وإيديولوجية التنظيم في العالم.
ولا يقتصر نشاط التنظيم خارج اليمن على الجانب الدعائي فقط، إذ يتجاوز ذلك؛ حيث أعلن مسؤوليته عن الهجوم على مجلة "شارلي ايبدو" الفرنسية الساخرة. كما وأصدر في مارس 2013 قائمة بالمطلوبين لديه نشرها في مجلته "Inspire" وكان ضمن الأسماء المدرجة على القائمة الرسام الفرنسي ستفان شاربونير الذي قتل في الهجوم على "شارلي ايبدو". ويتهم التنظيم الأشخاص المدرجين على قائمته للمطلوبين "بارتكاب جرائم ضد الإسلام".
لابد من حل سياسي
كما تنشر المجلة الالكترونية، معلومات حول طرق صناعة القنابل والمتفجرات، ويعتقد أن مؤسسها هو منظر التنظيم أنور العولقي الذي كان يحمل الجنسية الأمريكية وانتقل مع عائلته من مسقط رأسه في ولاية نيومكسيكو الأمريكية، إلى اليمن بداية عام 2004. وفي عام 2010 دعا العولقي إلى "حرب مقدسة- الجهاد" ضد الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمكنت من قتله عام 2011 بواسطة طائرة بدون طيار.
والحرب الدائرة بين التحالف العربي بقيادة السعودية والحوثيين المدعومين من إيران، تساهم في إضعاف الدولة اليمنية أكثر وتهدد بسقوطها، وهو ما يستفيد منه ويستغله تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لصالحه.
من هنا فإن إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية ضروري جدا ولابد منه، ليس لإخراج البلاد من محنتها وإنهاء أزمتها فقط، وإنما لمكافحة تنظيم القاعدة أيضا على المدى الطويل.
فيديو قد يعجبك: