محاكمة اغتيال شكري بلعيد اختبار حقيقي لدولة القانون في تونس
تونس (دويتشه فيله)
الاختبار الحقيقي لدولة القانون في تونس يبدأ مع أولى جلسات قضية اغتيال شكري بلعيد يوم 30 يونيو. هي محاكمة طالما انتظرها الرأي العام لمعرفة الحقيقة الكاملة حول ملابسات أخطر عملية اغتيال سياسي تقع في تاريخ تونس الحديث.
والواضح في الشارع التونسي أن الزخم الواسع الذي يحيط بالمحاكمة يتجاوز في حقيقة الأمر الكشف عن ملابسات اغتيال بلعيد إلى تحديد المسؤولية السياسية والجهات التي تقف خلف تنامي الإرهاب في تونس خلال فترة من الحكم والتبعات التي ظلت تلاحق الديمقراطية الناشئة حتى اليوم.
صدمة أحداث سوسة تزيد من الترقب
وما يزيد من ذلك الزخم أن المحاكمة ستنطلق في وقت لا يزال فيه الشارع التونسي .واقع تحت الصدمة بعد أحداث سوسة الإرهابية والتي أوقعت حصيلة قياسية من القتلى في صفوف السياح في سابقة لا نظير لها في البلاد كما تأتي بعد أشهر قليلة أيضا من أحداث باردو التي أوقعت بدورها حصيلة كبرى من القتلى.
وسبقت جلسات المحاكمة حملة انتقادات على مدار أشهر لا ترتبط فقط بتأخر المحاكمة بحد ذاتها وإنما بشكوك هيئة الدفاع عن الراحل شكري بلعيد إزاء سير التحقيقات وتجاه تململ الطبقة السياسية الحاكمة في التعاطي مع ملف بلعيد المعقد والمتقاطع مع ملف الإرهاب وصعود التنظيمات الراديكالية في البلاد خلال فترة الانتقال الديمقراطي.
محاكمة قد تستمر لسنوات
وتوقع المحلل السياسي وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد إجراءات طويلة ومحاكمة قد تمتد على مدار سنوات وقد تستنفذ كل المراحل، من الطور الابتدائي إلى الاستئناف ومن ثم التعقيب.
ويضيف سعيد في حديثه مع DWعربية "من السابق لأوانه الحديث عن محاكمة تاريخية لأن المحاكمات تقاس بالإجراءات التي يتم اتبعاها كما تقاس بالحقائق التي يتم كشفها وقبل كل شيء بالأحكام التي ستصدرها المحكمة".
ومع أن القضية تعد في نظر المتابعين سياسية بامتياز طالما أنها تتعلق بأطراف سياسية بما في ذلك الراحل شكري بلعيد الذي كان أمينا عاما للحزب الوطنيين الديمقراطيين علاوة على أنه محامي، فإن خبراء القانون يشددون على أن حكم القضاء لا يجب بأي حال من الأحوال أن يكون سياسيا، وهو عنصر يتوقف عليه نجاح المحاكمة.
المتهمون من كبار المسؤولين في حكومات سابقة
وقد دأبت عائلة شكري بلعيد وهيئة الدفاع على إلقاء اللوم على أحزاب بعينها كانت في سدة الحكم بعد الانتخابات الأولى التي أعقبت الثورة عام 2011 وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية.
وكون الحكومة في ذاك الوقت وفي نظر معارضيها، لم تكن حازمة في لجم التيارات المتشددة ومظاهر العنف الديني وخطابات التحريض ضد المثقفين، فإن ذلك يضعها في نظر هيئة الدفاع عن بلعيد والأحزاب اليسارية المنضوية تحت لواء الجبهة الشعبية في دائرة الاتهام.
ويشير عبد المجيد بلعيد شقيق الراحل شكري بلعيد في حديثه مع DWعربية إلى أن جلسات المحاكمة تعد خطوة ايجابية لكن التحفظ يظل قائما طالما أن قائمة المتهمين المحالين حتى الآن لا تعدو أن تكون سوى جزء فقط من قائمة موسعة كشفت عنها هيئة الدفاع في وقت سابق وتضم 17 متهما آخر من كبار المسؤولين في حكومات سابقة وفي الجهاز الأمني.
ويوضح بلعيد "نحن نريد الحقيقة كاملة. ونعني بذلك الكشف عن المحرضين ومن تواطئوا أمنيا وسياسيا وكل من شاركوا في التنفيذ".
اختبار حقيقي لدولة القانون
ويضع التداخل السياسي والقضائي، السلطة القضائية ومن ثم الانتقال الديمقراطي برمته أمام اختبار حقيقي لقياس مدى نجاح مقومات دولة القانون وما يتطلبه ذلك من فصل تام بين السلطات.
ويعتبر قيس سعيد أنه من السابق لأوانه الحكم باستقلالية القضاء من عدمه على ضوء القضية الحالية إلا عند الوقوف على سير المحاكمة وصولا إلى الحكم الذي ستصدره المحكمة. عندها ستعدد الآراء وقد تتعارض بين مؤيد ومندد وبين من هو متحفظ ومن يلوذ بالصمت.
وبالبحث عن التبعات السياسية فإن الاعتقاد السائد الآن هو أن تضع المحاكمة زواج المصلحة بين العلمانيين والإسلاميين في الحكومة الائتلافية على المحك وقد ينتهي الأمر بفرقعة هذا التحالف الهش.
وتنطلق هذه المعادلة من الحملات الانتخابية التي قادت حزب حركة نداء تونس إلى السلطة ومضامين "اعتصام الرحيل" أمام البرلمان في باردو قبل أن ينتهي بتنحية الحكومة الإسلامية من السلطة، وهو منعرج استند في جزء هام منه على المطالبة بالحقيقة في قضية اغتيال شكري بلعيد.
لكن المحلل السياسي نور الدين المباركي يستبعد في الواقع أن تكون لجلسات المحاكمة تداعيات كبيرة على خريطة المشهد السياسي في تونس خاصة من ناحية التأثير على الائتلاف الحاكم والسبب أن هذا الائتلاف برأيه، بني على أسس مرتبطة بحجم الكتل داخل البرلمان وبمفهوم الشراكة في الحكم.
ومعنى ذلك أن إمكانية تصدع حكومة الحبيب الصيد بالنسبة للمباركي أيضا أمر مستبعد على الأقل في الوقت الراهن بسبب التحديات المطروحة أمامها خاصة ملف الإرهاب، وهي تحديات تفرض مزيد التوحد وليس التصدع.
ولكن ذلك قد لا يحد من البعد الرمزي الواسع الذي يحيط بالمحاكمة لجهة أن المحامي والسياسي بلعيد يمثل أول ضحية سياسية للإرهاب في تونس.
ويعلق عميد هيئة المحامين في تونس محمد الفاضل محفوظ لـDW عربية قائلا: "اغتيال بلعيد يحمل رمزية سياسية ومهنية. هو شهيد المحاماة وأول ضحية للإرهاب. وستكون المحاكمة تاريخية لأنها ستضع القضاء والانتقال الديمقراطي في تونس على المحك".
فيديو قد يعجبك: