"اختفاء الأدوية"..مشكلة مستمرة.. والقرار 425 يشعل الأزمة
كتبت- علياء أبوشهبة:
مازالت أزمة اختفاء 400 نوع من الدواء مستمرة رغم قرار وزارة الصحة الأخير برفع أسعار الأدوية الرخيصة، التي تتكبد شركات الأدوية الحكومية خسائر بسببها نتيجة زيادة سعر تكلفة المنتج الدوائي عن سعر بيعه، إلا أن الأزمة متكررة وتزداد حدتها.
وحذر خبراء في قطاع الدواء من انهيار شركات الأدوية الحكومية بسبب عدم قدرتها على المنافسة، بسبب الخسائر المتتالية وانخفاض أسعار بيع المنتجات الدوائية، من جانب وبسبب قرار وزير الصحة رقم 425 لسنة 2015 الخاص بتسجيل الأدوية والذي يدعم سياسة الاحتكار في الأدوية لصالح الشركات الكبيرة والأجنبية، لأنها تطبيق كافة البنود الواردة بالقرار، مشيرا إلى أن القرار يضمن البقاء للكيانات والشركات الكبرى في مقابل غلق الكيانات الصغيرة من شباب التجار.
الدواء المثيل كلمة السر
دكتور هيثم عبدالعزيز، رئيس لجنة الصيادلة الحكوميين، وأمين صندوق النقابة العامة للصيادلة، أوضح لـ"مصراوي" أسباب الأزمة قائلا:" قرار وزير الصحة بتسجيل الدواء في وزارة الصحة لن يحل مشاكل الدواء، لأن نقص الدواء يحتاج أولا تقوية شركات قطاع الأعمال التي كانت قبل ما يقرب من 20 عاما تنتج ما يقرب من 60% من إنتاج الدواء ولكن مع الوقت قلت مشاركتها التي تكاد تصل إلى 4% من إجمالي الإنتاج المحلي، وهو أمر له أسباب منها أن أصناف من الدواء أصبحت مخسرة أي أنها تباع بأقل من تكلفة إنتاجها وإذا افترضنا أنها تباع مقابل جنيه تكلف الشركات جنيه ونصف".
دور وزارة الصحة لدعم صناعة الدواء المصرية يتمثل كما أوضح دكتور هيثم عبدالعزيز في دعمها بشكل مباشر، ورفع أسعار الأدوية حتى تحقق هامش ربح حتى لو كان بسيطا؛ ما يساهم بدوره في القضاء على أزمة الأدوية المختفية من السوق.
ولحل الأزمة أيضا يرى رئيس لجنة الصيادلة الحكوميين ضرورة قيام وزارة الصحة بتوعية المرضى بالاسم العلمي للدواء؛ منوها إلى أن كل دواء موجود في السوق له 12 مثيل بنفس التركيز والمادة الفعالة والتأثير، وهو مثيل وليس بديل لكن يجب توعية المرضى بها.
وقال:" للأسف بعض الأطباء يكون لديهم مصالح مع شركات الأدوية تتمثل في الحصول على هدايا وحضور مؤتمرات داخل وخارج مصر تدفعهم لوصف أسماء أدوية بعينها للمرضى، وعدم كتابة الاسم العلمي في الروشتة، في حين أن وزارة الصحة تمنح التراخيص للأدوية المثيلة التي لا يختلف تأثيرها لأنها مادة علمية وليست سيراميك فرز أول وثاني، كما أن المادة الفعالة ليست هي المحدد لسعر الدواء وتخضع للرقابة الصارمة".
أكمل وصفه لروشتة الحل لأزمة الدواء قائلا إنه لابد من إقرار سياسة عقاب صارمة للشركات المتوقفة عن إنتاج الأدوية بدون عذر لأن بعض الشركات تهدف للضغط على الوزارة بهدف "تعطيش" السوق، وفي هذه الحالة لابد من إلغاء الترخيص ومنحه إلى شركة أخرى.
هيئة متخصصة للدواء
يضاف إلى ذلك إنشاء هيئة متخصصة للغذاء والدواء مثل كل دول العالم، والمنوط بها متابعة السياسات الدوائية والتنبؤ بأي أزمات قبل حدوثها، وهي تجربة موجودة في دول عربية منها السعودية والأردن، التي تشهد طفرة في سوق الدواء.
فيما يتعلق بقرار تسعير الدواء الأخير أوضح عبدالعزيز القرار يفيد كلا من المريض ولا الصيدلي وبالأخص الصيدليات الكبرى التي سوف تتمكن من توفير جميع الأدوية بينما يصعب ذلك على الصيدليات الصغيرة التي تتوفر لديها الأدوية المماثلة ولكن بأسماء تجارية مختلفة.
وأضاف دكتور هيثم عبدالعزيز موضحا أن القرار يصب بشكل مباشر في مصلحة شركات الدواء الكبرى ويساعدها على احتكار السوق، لأننا لا نحتاج أدوية جديدة لأننا لدينا بالفعل أعداد كبيرة وكلما زادت كان من الصعب على الصيادلة الحكوميين التفتيش عليها، لدينا ألف صنف دوائي يسجل سنويا وهو عشر أضعاف العدد المسجل في أمريكا، ولدينا 14 ألف صنف دوائي مسجل بالتالي يصعب التفتيش عليه ويزيد الغش والمتضرر هو المريض المصري.
وما ينقص صناعة الدواء في مصر، وفقا لرئيس لجنة الصيادلة الحكوميين، هو الاطلاع على التقنيات الحديثة في التصنيع إضافة إلى تصنيع المواد الخام بدلا من استيرادها من الخارج، لأنه ليس من مصلحة مصر القضاء على صناعة الدواء المصرية.
قائمة الأدوية المختفية
نقابة الصيادلة رصدت الأدوية الناقصة، وحصل "مصراوي" على نسخة منها، وعلى رأسها الأنسولين، وألبان الأطفال المدعمة، وأدوية علاج الكبد، وأدوية الجلطات، والعمليات الجراحية، والفشل الكلوي، ومراهم العين، حيث اختفى من الصيدليات دواء "ميكوناز أورال جيل" لعلاج عدوى العين، و"أوبتي فري" محلول عدسات، و"تيراميسن" مرهم عين، و"ميفنكول" مرهم عين، علاوةً على "بريزولين" قطره لحساسية العين، و"ايزوبتو كاربين 2" لعلاج ارتفاع ضغط العين، و"ابيكسول" لضغط العين المرتفع، و"الجلوكوما".
ومن ضمن قائمة الأدوية المختفية أيضا أقراص لآلام العظام، ومضادات فيروسات، وأدوية للحساسية ونزلات البرد، إلى جانب أقراص للأمراض العصبية، و"هالوبريدول أمبول" لعلاج الأمراض النفسية، واختفى "سبازموكانيولاز" أقراص لعلاج القولون العصبي، و"هيموتن" أقراص لعلاج الأنيميا، و"دايسينون 500" أقراص لعلاج نزيف ما بعد العمليات الجراجية الكبرى، بالإضافة إلى جميع الأدوية التي تعالج التهاب الأعصاب، وعلى رأسها "اديونسين" حقن، و"اديونوبليكس" حقن.
وضمت القائمة أيضا نقص في "كومبيفنت"، بخاخ لعلاج الأمراض الصدرية، وإختفاء "باميوران" وهو علاج لمرضى زراعة الأعضاء، وأقراص "أفيل ريتارد" مضاد للحساسية، بالإضافة إلى عقار "لاموركسفين 500" أقراص لعلاج السرطان، و"ابتروملك 400" لعلاج مرضى القلب، و"إنماكس" حقن شرجية، و"بروكتو 4" كريم لعلاج البواسير.
قرار تسجيل الدواء يزيد الأزمة
دكتور أحمد عبيد، عضو مجلس نقابة الصيادلة، قال ل"مصراوي" إن اختفاء الأصناف الدوائية مشكلة متكررة الظهور والاختفاء كل فترة حسب مجموعة من المتغيرات منها ظروف الاستيراد، والتسعير بسبب وقف شركات لخطوط الإنتاج لديها بسبب الخسائر.
وأضاف أن بعض الأدوية والمثائل ناقصة منها مذيبات الجلطات والملينات وبعض أدوية الكبد والخصوبة وتثبيت الحمل عند السيدات، وهناك أدوية أخرى الناقص منها هي الأدوية ذات الاسم التجاري المعروف بينما الأدوية المثيلة موجودة ومتوفرة لكن المرضى يرفضون شرائها لاعتقادهم أنها أقل فعالية.
أكمل قائلا: "الحل قدمناه أكثر من مرة إلى رئيس الوزراء على مدار الحكومات المتعاقبة وأخر مرة رئيس الوزراء طلب من وزير الصحة الرد عليه خلال 15 يوم، لكنه لم يرد حتى الآن، والسبب هو خوف وزارة الصحة من خسارة الدخل المادي الذي تحصل عليه مقابل تسجيل الأدوية".
غضب بسبب القرار 425
حول القرار قال عبيد إن القرار رقم 425 لسنة 2015 الخاص بتسجيل الأدوية، يهدف إلى سيطرة 12 شركة على سوق الدواء في مصر وهو ما يعيد الاحتكار فضلا عن سماحه بوجود عدد كبير من الأدوية ليس لها حاجة ملحة مثل المكملات الغذائية أو الفيتامينات، ومن شأنه قفل اقتصاديات الصيدليات الصغيرة وكذلك الشركات المصنعة للغير والتي تشغل حوالي 40 إلى 45 مصنع في مصر.
وأضاف أن القرار يعتبر مخالفا للدستور والذي ينص على عرض القرارات والقوانين على النقابات المهنية وهو ما لم يحدث لأنه لم يعرض على نقابة الصيادلة، مشيرا إلى الطعن القانوني على القرار المخالف للقانون 127 الخاص بمزاولة مهنة الصيدلة.
ووجه عبيد رسالة إلى وزير الصحة قائلا:" سوف تتسبب في خراب بيوت 60 ألف صيدلية في مصر مقابل نجاح سلاسل الصيدليات الكبرى التي سوف تتمكن وحدها من المنافسة". وأضاف أن تطبيق القرار سوف يزيد من أزمة النواقص.
حيرة المرضى
حيرة لا تخلو من الحزن و الأسي يعيشها عم محمود العامل باليومية في أحد المطاعم للبحث لابنه الأصغر عن دواء علاج الصرع الذي لا يتجاوز ثمنه الخمسة جنيهات و لكنه غير متوفر و يضطر للبحث عنه في كل مكان حتي أنه يشعر بالرعب قرب انتهاء شريط الدواء و كأن حياة ابنه سوف تنتهي معه.
حالة عم محمود، ليست الوحيدة و لكنها واحد من ضمن آلاف ربما ملايين المرضي الذين تجمعهم المعاناة بسبب نقص الأدوية لاسيما الرخيصة، في الصيدليات و التي تتراوح أسعارها ما بين 5 إلي 10 جنيهات، حيث تشكو الحاجة نوال لطفي المريضة بالحساسية الصدرية من نقص "كومبيفنت"، وهو بخاخ لعلاج الأمراض الصدرية، وهو لا غنى عنه بالنسبة لها، ولا تعرف له بديل، وحتى إذا عرفت البديل فهي لن تقوى على شراءه، لأن "الميزانية بصراحة لا تسمح" وفقا لقولها.
في السياق ذاته ذكرت هديل صلاح، تضررها من اختفاء عقار "لاموركسفين 500" لعلاج السرطان، المستخدم لعلاج والدتها، ما يضطرها إلى اللجوء للصيدليات الكبرى والمتوفر لديها جميع الأدوية، لافتة إلى عدم ثقتها في البدائل الدوائية.
ويتضرر عثمان عبدالخالق، الموظف بالمعاش، من اختفاء بعض أدوية علاج الضغط والتي اعتاد عليها، في حين أن البديل ليست له نفس الفعالية، مضيفا أن الدواء الأعلى ثمنا هو الأكثر فعالية، وهو ما يعتبر استغلال للمرضى وبالأخص مع ضيق ذات اليد وارتفاع أسعار السلع، ما يزيد من أعباء المرضى.
إعادة النظر في القرار
حول تأثير قرار التسعير الأخير على أزمة اختفاء الأدوية وعلى صناعة الدواء بوجه عام، تحدث دكتور محي الدين حافظ رئيس شعبة صناعة الدواء في غرفة الدواء سابقا، ونائب رئيس جمعية المستثمرين في العاشر من رمضان، إلى "مصراوي"، مقدما عرضا لإيجابيات وسلبيات القرار 425، وبه مميزات ذكر منها توحيد قرارات التسجيل في قرار واحد، وأن تكون عمليات التسجيل على التوازي وليس على التوالي يعتبر أمر هام جدا، وأيضا وضع توقيات زمنية محددة لكل مرحلة في التسجيل أمر رائع، وكذلك إلزام الشركات إنزال منتجاتها خلال 18 شهر.
يكمل قائلا: فيما يتعلق بوقف بيع الملفات وأن يكون إصدارها بعد 3 سنوات من التسجيل هو قرار في ظاهره جيد لكنه أصاب العديد من الفئات، يؤخذ عليه التوقيتات الزمنية التي ألزم بها الشركات ولم يلزم بها وزارة الصحة، أو بالأحرى إدارة التسجيل بالتالي لا يمكن فرض عقوبة بدون ضمان الالتزام من الوزارة.
كما أشار إلى أن القرار أعطى مهلة 21 شهر من تاريخ التسجيل وهي مهلة من الناحية النظرية ممكنة لكن لو المهلة زادت عن يوم واحد يلغى الترخيص، ومع اختزال المهنة من 7 سنوات إلى سنتين يبدو الأمر جيد لكن الواقع أن بعض المنتجات الدوائية تحتاج إلى وقت كبير.
وأضاف رئيس شعبة صناعة الدواء السابق، أن القرار يحمل في طياته سمات جيدة جدا لكن عليه ملاحظات كان لابد من مناقشتها وتعديلها وأنا شاركت في مناقشاته فترة أثناء رئاستي لشعبة صناعة الدواء، مضيفا أن ردود الفعل تتراوح بين الرفض المطلق والترحيب المطلق في حين أن القرار يحتاج إلى مناقشة وإعادة نظر في بنوده لكي يساهم في حل مشاكل الدواء في مصر.
وشدد على ضرورة التزام وزارة الصحة بتطبيق كل ما جاء في بنود القرار حتى يكون فاعلا، لافتا إلى أن حجم العبء الملقى على إدارة الصيدلة أكبر كثيرا من طاقتها، لأن متوسط عمر تسجيل المنتج الصيدلي لو بدون معوقات ثلاث سنوات، ولو به معوقات يصل إلى خمس سنوات.
وطرح دكتور محي تساؤلا مهما :" هل يتم تطبيق القرار بأثر رجعي على المستحضرات المسجلة الآن أم أنه سوف يطبق على المستحضرات المستجدة وهو ما لم يوضحه القرار".
فيديو قد يعجبك: