الأمن الدوائي في مصر يبدأ من إنشاء "الهيئة المصرية للدواء" - (تقرير)
كتب – هاني سمير علي:
صناعة الدواء في مصر تواجه أزمات متعددة، تتعلق بتسعير وتسجيل الدواء وزيادة نفوذ القطاع الخاص، ونقص بعض الأدوية، مما يمثل تهديد لصحة المواطن، خاصة عند وجود الدواء البديل بسعر عالي جدًا، مما يزيد من أعباء المواطن المصري الذي يعاني من أجل لقمة العيش.
المركز المصري للحق في الدواء أكد في تقرير له، اختفاء 400 صنف خلال عام 2015 معظمها منخفضة السعر، لأسباب عديدة منها سيطرة القطاع الخاص على السوق واختفاء دور القطاع الحكومي بشكل تدريجي، وتوقف الشركات عن إنتاج الأصناف التي تسبب لها خسائر لأن تكلفة إنتاجها تزيد عن سعر البيع، ولعدم زيادة أسعار الأدوية المحلية التي تنتجها الشركات الحكومة منذ 20 عام، وعدم وجود رقابة ونظام تسعير حديث، وعدم وجود هيئة مستقلة للدواء.
الفساد في قطاع صناعة الدواء، بدأ مع تراجع إنتاج شركات قطاع الأعمال، مما زاد من نفوذ القطاع الخاص الذي أصبح يتحكم في أكثر من 90% من السوق المصري، فتحولت صناعة الدواء من سلعة استراتيجية داعمة للدولة إلى استثمار مربح، تهدف الشركات فيه إلى تحقيق هامش ربح بغض النظر عن مصلحة المريض.
صناعة الدواء تعتمد على الاستيراد
ارتفاع أسعار المواد الخام الفعالة أكذوبة تروج لها بعض الشركات، وليس له علاقة بارتفاع سعر الدواء، لآن جميع الشركات تشترى من الهند أو الصين.
المركز المصري للحق في الدواء: نظام تسعير حديث، وزيادة نفوذ القطاع الخاص وراء أزمة الدواء
فيما أكد المركز المصري للحق في الدواء في تقرير له، أن أسعار المواد الفعالة التي يتم استيرادها من الخارج لا تتناسب مع سعر بيع الدواء للجمهور، وبعض الأدوية مثل، الفياجرا سعر الكيلو جرام منها "71 دولار" يصنع منها 10.000 قرص تركيز 100 مجم، وضعفها تركيز 50، أي أن تكلفة القرص الواحد تركيز 100 هو 4 قروش، والعلبة 4 أقراص 19 قرشاً، لكنها تباع بـ40 جنيها، ومثلها، دواء ليبيتور لعلاج الكوليسترول سعر الكيلو جرام منها "307 دولار"، تكلفة العلبة الواحدة منها تركيز 10مجم هو 14 قرش ولكنها تباع ب40 جنيه و العلبة 80مجم تلفتها 1 جنيه وتباع للجمهور ب105 جنيه، البلافيكس لعلاج الجلطات سعرها "492 دولار" تكلفة العلبة الواحدة 7 جنيهات ولكنها تباع للجمهور 205 جنيه.
فالمادة الخام "الفعالة والغير فعالة" هي صلب صناعة الدواء، كما يؤكد الدكتور وائل هلال أمين الصندوق لنقابة الصيادلة " أن صناعة المواد الخام في مصر محدودة جدا ويتم استيراد جميع مدخلات الدواء من الخارج، فيما عادة مواد قليلة جدا كانت تنتجها شركة النصر للخامات الدوائية احدى شركات قطاع الأعمال، ويؤكد إنها تعمل بصورة ضعيفة".
ويؤكد الدكتور وائل هلال في هذا الشأن " يجب إعادة النظر من الحكومة في تسعير الدواء وخاصة الأدوية التي يتم تصنيعها في شركات قطاع الأعمال العام لإنهاء نزيف الخسائر الذي قد يؤدى إلى إفلاس هذه الشركات وهي تمثل الأمن الدواء في مصر".
وأوضح "أن أمريكا وبعض الدول الأوروبية يكتفى الأطباء فيها بكتابة " المادة الفعالة التي تؤدى الدور العلاجي لدى المريض، وهذا يقضى على نواقص الدواء، دون ذكر الاسم التجاري وترك مساحة من حرية الاختيار لدى المريض بين أنواع مختلفة من الدواء لها نفس الفاعلية الدوائية ومصنعة من نفس المادة الخام ولكن تختلف فقط في الشركة المنتجة".
للتأكد من جودة صناعة الدواء
المواطن المصري غالبا لا يهتم بالنشرة الطبية المرفقة مع الدواء، وهي إجبارية من الناحية القانونية لأنها تحتوي على مكونات الدواء سواء كانت من المواد الفعالة أو الغير فعالة، مع الأخذ في الاعتبار إن عبوة الدواء يجب أن تحمل رقم تسجيل بوزارة الصحة.
وللتأكد من نسبة المادة الفعالة في الدواء والمدونة في النشرة الداخلية لكل دواء، فى رحلة البحث عن تحليل ثلاث أنواع من الأدوية، اثنين منها محلى الصنع والأخر مستورد، وهي تتشابه في نفس المادة الفعالة ونفس النسبة أيضا ولها نفس الأثر العلاجي، فبدءً من المعامل المركزية بوزارة الصحة التى رفضت إجراء التحليل للتأكد من نسبة المادة الفعالة في كل دواء.
أما في المعامل التابعة لكلية صيدلة جامعة القاهرة، أكد أحد الأطباء موافقته على تحليل المنتجات الدوائية الثلاثة ولكن بشرط توافر المادة الخام التي تم استخدامها في تصنيع كل دواء ليتم مطابقتها مع نتائج تحليل العينات الدوائية والتأكد من نوعية المادة الفعالة في كل دواء.
في إدارة الصيدلة تم مخاطبة الدكتورة مديحة احمد، مدير عام التفتيش الصيدلي بالإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة، أكدت إن الإدارة تقوم بحملات تفتيش بشكل مستمر للتأكد من الدواء المتداول فى السوق المصرية، وتتعامل مع الادوية المُبلغ عنها للتأكد من مطابقتها للمواصفات وفى حالة وجود دواء غير مسجل بوزارة الصحة أو غير مطابق يتم تحرير محضر من خلال مباحث التموين ويتم مصادرتها واعدامها فورا حسب القواعد والقوانين المعمول بها، وصرحت أن الادارة تراقب الدواء المصنع محليا للتأكد من مطابقته للمواصفات والدواء الذى يتم استيراده من خلال الشركات المستوردة المسجلة فى سجل المستوردين بالإدارة المركزية للصيدلة.
وأكدت إن الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية هي المسئولة عن هذه النوعية من التحاليل، ولكن الهيئة رفضت، لأنها لا تعمل إلا مع المتخصصين، مثل شركات الأدوية أو الجهات الرسمية، فهذه الخدمة ليست متاحة للعامة.
البعد الاقتصادي لصناعة الدواء
وتشير البيانات والإحصائيات من قبل وزارة التجارة والصناعة ووزارة الصحة معا إلى أن عدد الشركات العاملة في مجال تصنيع الدواء في مصر تقترب من 799 شركة ما بين شركات لها مصانعها الخاصة وشركات ومكاتب علمية تصنع منتجاتها الدوائية في مصانع الغير وشركات مستوردة للدواء في صورته النهائية، ويبلغ أجمالي عدد المصانع الدوائية 126 مصنع منها 10 مصانع قطاع عام و8 مصانع تابعة لشركات عالمية “متعددة الجنسيات" والباقي يتبع القطاع الخاص.
وتوضح أيضا التقارير المعتمدة من الجهات البحثية "أن صناعة الدواء المصرية تغطى 90% من السوق و10% يتم استيراده من الخارج في صورته النهائية مثل أدوية علاج الأورام والهرمونات وألبان الأطفال، ويسطر على سوق الدواء في مصر بنسبة 55% الشركات العالمية “متعددة الجنسيات" بالإضافة إلى القطاع الأعمال العام الذي له 4% من قطاع الدواء و31% للقطاع الخاص، ويقدر أجمالي سوق الدواء في مصر بـ 25 مليار جنيه سنويا منها 10% إلى 15% تكلفة استيراد المواد الخام المستخدمة في صناعة الدواء.
ويؤيده في هذا الأمر الدكتور محمد الديب قائلا " أن استمرار النعيق المشكك في صناعة الدواء بالباطل بدون حق أو معرفة وعلم سيؤدى لضرر في صناعة الدواء وهو ما لا يتمناه أي إنسان مخلص"، بالإضافة إلى" إن هذا يؤدى بالتدريج لاضمحلال صناعة الدواء واختفاءه بالتدريج من السوق المصري، وسوف يحل محله الدواء المستورد الذي ليس للحكومة قدرة للسيطرة على سعره الذي سوف يمثل عبء على المواطن المصري، فأناشد الحكومة إعادة النظر في التسعيرة الجبرية المطبقة من وزارة الصحة على جميع الأدوية ، خاصة إن سعر مدخلات الدواء من مواد خام فعالة وغير فعالة ومراحل التصنيع ومواد التعبئة والتغليف يتم استيرادها من الخارج بالعملة الصعبة مما يمثل خلال اقتصادي لان سعر الدواء بالنسبة للجمهور أقل من سعر التكلفة مما يؤدى لإحجام بعض الشركات عن التصنيع".
مظلة الدولة لاستمرار صناعة الدواء
"صناعة الدواء تحتاج أن تكون تحت مظلة الدولة لآن هي المظلة الأمنة لاستمرارية هذه الصناعة" هذا ما أكده الدكتور محمد الديب صاحب أحد الشركات المصنعة للدواء في مصر، وطالب " بمنع أي مستحضر دوائي يتناوله الإنسان ويتفاعل داخل الجسم ويصنف بأنه علاج دون أن يرفق معه شهادة تثبت أنه مسجل لدى الجهات الرسمية التابعة لوزارة الصحة".
الأمين العام لنقابة الصيادلة: الهيئة العامة للدواء أول خطوات حل الأزمة
وأكد "أن المواد الخام "الفعالة أو الغير فعالة التي تدخل لإتمام عملية التصنيع وهي عبارة عن محليات ومثبتات للدواء" المستخدمة في صناعة الدواء يتم استيرادها من الخارج بنسبة تزيد عن 90%، ويتم جلب معظمها من الهند والصين وذلك يرجع إلى إنها أفضل اقتصاديا بالنسبة لمصر خاصة أن صناعة المادة الخام في العالم أجمع لها درجة واحد فقط أما تكون صالحة لتدخل في صناعة الدواء أو غير صالحة".
وعن مراحل تصنيع الدواء والرقابة عليها من قبل الجهات الرسمية التابعة لوزارة الصحة في مصر أكد الديب" أن كل شركة تعمل في مجال صناعة الدواء لها شهادة وترخيص من وزارة الصحة ولها سجل تجارى وبطاقة ضريبية بانها شركة تعمل في مجال تصنيع الدواء ومحدد بها أنواع الأدوية التي تقوم بتصنيعها".
وعن مراحل الرقابة التي يتم من خلالها متابعة صناعة الدواء فهي تبدأ من الخارج من عند الدول المصنعة و الموردة للمادة الخام" فكل دولة يجب عليها أن ترفق الشهادات الرسمية بما تم تصديره ويحدد بها بيانات الشركة الموردة والتحليل التي خضعت لها المادة الخام قبل التصنيع وبعد التصنيع وأثناء التصنيع وقبل التصدير، فالشركات المستوردة للمواد الخام ملزمة بتقديم شهادة GMP للتأكد من أن الخامة الدوائية، وفور وصول المادة الخام إلى مصر يتم وضعها في منطقة حجر ولا يسمح بخروجها إلا بعد التفتيش عليها بواسطة صيدلي متخصص في هذا الشأن بإدارة الجمارك ويقوم بتحليل عينات منها و الرقابة عليها حتى يتأكد من صحة البيانات المسجلة في الأوراق المرفقة مع شحنة المادة الخام التي تم استيرادها، والتأكد من أن المستورد مرخص له مصرح له باستيراد مثل هذه الكميات من المواد الخام التي تدخل في صناعة الدواء، ويتم مراقبة ومتابعة المواد الخام قبل التصنيع وأثناء التصنيع ابتداء من وزن المادة الخام انتهاء بعملية التعبئة و التغليف للدواء والتفتيش على المنتج الدوائي التام المجهز للبيع إلى الجمهور في صورته النهائية والجهة المنوط بها جميع هذه الإجراءات هي الجهات الرسمية التابعة لوزارة الصحة" وأضاف “أن الرقابة المشددة على صناعة الدواء من قبل وزارة الصحة يجب أن تطمئن المريض المصري وتبدد مخاوفه عنه ".
وأشار إلى "إن صناعة الدواء تحتاج إلى غطاء سياسي وهذا يتمثل فقط في هيئة مستقلة عن وزارة الصحة وتتبع مباشرة رئيس مجلس الوزراء أو رئيس الدولة على غرار هيئة الأغذية والدواء الأمريكية" fda" أو وكالة الأدوية الأوروبية" ema"، وتكون تلك الهيئة معنية بكل مشاكل الدواء بشكل كامل متكامل سواء كان مادة خام أو تصنيع أو تسويق أو تسجيل أو تسعير للدواء وأي امر آخر متعلق بالدواء، فمصر لاتقل عن الأردن التي بها مركز لدراسات الحيوية و السريرية معتمد من هيئة الأغذية والدواء الأمريكية" fda" مما ييسر تداول أي منتج دوائي لها عالميا وهذا يرجع لدعم الدولة لصناعة الدواء سياسيا واقتصاديا ".
وقد أكد الدكتور عبد الله زين العابدين الأمين العام لنقابة الصيادلة “بأنه يوجد مشروع متكامل عن “الهيئة العامة المصرية للدواء" وهي هيئة مستقل تتناول جميع شئون الدواء وهى تعد خطوة أولية لحل الأزمات التي يعانى منها الدواء، وقد تقدمت به نقابة الصيادلة في عام 2013 إلى الجهات التشريعية ولكنه توقف نتيجة لحل مجلس الشورى ولكن سوف يتم تقديمه مرة أخرى عند استقرار الأوضاع في مصر".
فيديو قد يعجبك: