لماذا لا تعمل كاميرات المراقبة في مصر بشكل جيد؟..( تحقيق)
تحقيق- محمد أبو ليلة:
في أواخر العام الماضي حدث انفجار لقنبلة صوتية أمام متحف محمد علي بمنطقة المنيل بالقاهرة، وحينما ذهبت النيابة العامة لمعاينة مكان الجريمة وعند طلبها تفريغ كاميرات المراقبة الخاصة بمتحف محمد علي اتضح أن الكاميرات لا تعمل، وأن الهارد الخاص بها لا يعمل أيضا والتسجيل الرقمي للكاميرات لا يعمل!.
وقتها كان عدد كاميرات المراقبة المتواجدة بالمتحف 40 كاميرا كلها لا تعمل وغير مطابقة للمواصفات حسب تصريحات النيابة العامة، التي لم تتمكن من معرفة المتسبب في الانفجار بسبب عطل الكاميرات.
ووقع انفجار لعبوة ناسفة في محيط جامعة القاهرة في أكتوبر الماضي، أسفر عن إصابة ستة من رجال الشرطة وخمسة مدنيين، وحينما حققت النيابة العامة في الواقعة اكتشف أن كاميرات المراقبة المتواجدة في البوابة الرئيسية لجامعة القاهرة، كانت مُعطلة ولم ترصد موقع الحادث قبل الانفجار بسبب تلف جزء من هذه الكاميرات.
يقول أحمد عبد الموجود، المتخصص في كاميرات المراقبة بإحدى شركات الأمن في لقاءه بمصراوي، ''معظم كاميرات المراقبة التي تباع على الرصيف وعند الباعة الجائلين تم تهريبها من الخارج، وهناك اختلاف في أسعارها ومواصفاتها رديئة وبعضها غير مطابق للمواصفات، وللأسف بعض المنشآت الحكومية تستخدمها دون وعي''.
وخلال العامين الماضيين استوردت مصر ما يزيد عن 13 مليون كاميرا للمراقبة، وذلك طبقا للبيان الخاص بعدد كاميرات المراقبة المستوردة والذي حصل عليه مصراوي من هيئة الرقابة على الصادرات والواردات.
كاميرات مستوردة من الخارج
يؤكد أحمد عبد الموجود، أنه لا توجد رقابة في مصر على كاميرات المراقبة ومحلات بيعها، فأي شخص يريد كاميرا يذهب لمحل بعينه ويشتريها بدون رقابة أو مواصفات، ومعظم هذه المحلات تكون غير معتمدة وغير معلوم مصدره، مضيفاً أن مشكلة الكاميرات دائما في مصدر تصنيعها، ''فيه ناس كثيرة تحصل على كاميرات مراقبة بطريقة غير شرعية وخصوصا مع المنتجات الصينية الدرجة الثالثة والرابعة، وسعرها رخيص ومواصفاتها رديئة، مشكلتنا في مصر بندور على السعر المنخفض قبل المواصفة'' - على حد تعبيره.
وأوضح أن هذه الكاميرات تأتي البلاد عن طريق التهريب، جزء منها يتم تهريبه في حقائب الركاب كاستخدام شخصي، ولا يتم تسجيلها في الجمارك، لا يوجد كاميرات مراقبة مصنعة داخل مصر، كلها مستوردة من الخارج، و90% من المكونات الرئيسية لها تصنع في جنوب شرق أسيا.
وتابع ''هناك نوع من المواطنين يشترون كاميرات بسعر منخفض ولا يهتمون بمواصفاتها، ويقومون بوضعها في محالهم، لدرجة أنه لا يتم توصيلها بجهاز الكمبيوتر، مجرد ردع فقط لإيهام السارق أن هناك كاميرات تراقبه لكنها في الأساس لا تعمل''.
حتى الآن، يوجد وكيلين معتمدين فقط لشركات بيع كاميرات المراقبة في مصر، وهناك عدة إجراءات لابد أن يتبعها مستوردوا الكاميرات، إذا أرادوا أن تكون هذه الكاميرات شرعية، لابد أن يحصلوا على ترخيص من الجهاز القومي للإتصالات بعد إعطاءه نموذج من المواصفات الكاملة للكاميرات وعدساتها ومدى تصويرها، وإذا كانت مطابقة للمواصفات الأوربية يتم إعطاءها ترخيص وبناءاً عليه تفرج عنها مصلحة الجمارك، أما إذا كانت غير مطابقة للمواصفات غالبا يتم تهريبها بعيداً عن مصلحة الجمارك وهيئة الرقابة عن الصادرات والواردات.
لا توجد رقابة
لكنه حسبما يؤكد المهندس حاتم زهران، رئيس شعبة الحاسب الألي بالغرفة التجارية بالقاهرة لمصراوي، فإنه لا توجد جهة في مصر تقوم بمراقبة كاميرات المراقبة، لأن هذه الاشياء تدخل تحت بنود ومسميات مختلفة، ولا يوجد حصر دقيق لها، وتساءل:''من قال إن مواصفات الكاميرات ستكون مطابقة للمواصفات العالمية طالما لا يوجد حصر دقيق ليها، وماهي المواصفات التي نتحدث عنها، هل كاميرات مراقبة ملونة أم أبيض وأسود، تحمل سوفت ويير أم ديجيتال''.
وأضاف: ''من هنا تأتي الفوضى، كاميرات المراقبة، مرتبطة بشعبة الحاسب الآلى، لكن تدخل البلاد دائما عبر مسميات كثيرة، أحيانا تأتي تحت بند كاميرات تلفزيونية وأحيانا أخرى تتبع الحاسب الألى ومرة أخرى كاميرات رقمية''.
مؤكدا أن هذا الخل الواضح ووضع كاميرات المراقبة تحت أكثر من بند، يجعل هناك عدم رقابة حقيقية على الكاميرات، وأضاف أن الحكومة لا تتعامل من الأساس مع شعبة الحاسب الألي، ولا تراقب شيئا، وأنه لا يوجد محل واحد لبيع كاميرات المراقبة طلب استشارة فنية من شعبة الحاسب الألي باعتبار أن لديهم خبراء وفنيون متخصصون في كاميرات المراقبة، مطالباً الدولة أن تعطي لشعبة الحاسب الألي أولوية في مراقبة محلات بيع الكاميرات والتنسيق معهم كي تصبح تلك الكاميرات مطابقة للمواصفات العالمية.
وتنتشر محلات بيع كاميرات المراقبة بكثافة في منطقة باب اللوق، وميدان العتبة، ففي المنطقة القريبة من مبنى محافظة القاهرة وعلى أرصفة ميدان العتبة، هناك محلات وباعة جائلون، كل بضعة أمتار بائع متجول يفترش الطريق، يبيع أكسسوارات إلكترونية ومن بينها كاميرات المراقبة، لاحظنا أن الكاميرات الصغيرة التي لا يزيد مداها عن 10 أمتار هي الأكثر روجاً ويقبل على شرائها أصحاب المحال التجارية لمراقبة زبائنهم وموظفيهم، منعا للسرقة.
كي تشتري كاميرا للمراقبة عليك بتزويدها بجهاز استقبال يسمى ''دي في أر'' الذي يدعم 4 كاميرات مراقبة، سعر الكاميرا مختلف عن سعر جهاز الاستقبال، وقد اختلفت أنواع الكاميرات التي وجدناها في سوق العتبة منها كاميرات مراقبة بالألوان وبعضها صوت وصورة وأخرى تسجيل ليلا ونهارا.
صاحب محل لبيع كاميرات مراقبة في منطقة العتبة شاب ثلاثيني يدعى وائل عبد الرحمن يؤكد لمصراوي، أن الإقبال يزيد على الكاميرات الصيني بسبب سعرها المنخفض، ويأتي بعدها الإقبال على كاميرات المراقبة التايواني، وأوضح أن عدسات الكاميرا تبدأ من 2.6 ملليمتر وحتى 8 ملليمتر، العدسة 2.6 ملليمتر مداها لا يزيد عن 10 أمتار للمراقبة، وكلما ابتعدت المسافة تصور الكاميرا جسم بدون ملامح ولا يمكن تكبير الصورة لتوضيحه.
سوق الكاميرات
مؤكدا أن الكاميرات دائما ما تتصل بجهاز استقبال ''دي في أر'' أو تلفزيون المنزل، أسعار الكاميرات الصينية تبدأ من 100 جنيه للكاميرا التي يصل مداها لـ 10 متر فقط، والتي يوجد عليها إقبال كثيف، وهناك كاميرات صينية مداها أكبر لا تزيد أسعارها عن 1800 جنيه للكاميرا، أما الكاميرات التي تم استيرادها من كوريا أسعارها تصل لـ 3 ألاف جنيه ولا يوجد إقبال عليها، والكاميرا التايواني يتراوح سعرها من ألف لـ ألفين و500 جنيه، كما أنه سعر جهاز الاستقبال الخاص بأي كاميرا يصل لـ 800 جنيه في الكاميرات الصينية.
وأوضح ''عبد الرحمن'' أن هناك كاميرات رديئة وصغيرة المدى تم وضعها في الميادين العامة كالكاميرا التي رصدت واقعة التحرش في ميدان التحرير وقت الاحتفال بفوز السيسي بالرئاسة، موضحا أنها كانت كاميرا متوسطة الجودة ولا تستطيع تصوير الأحداث ليلاً، واتضح ذلك حينما تم تكبير الصور أثناء تفريغ الكاميرات، مشيراً إلى أن كاميرات المرور تختلف عن هذه الأنواع حيث أن حجمها يصل لثلث بوصة مربعة حتى لا تتأثر بالعوامل الطبيعية من أمطار ورياح وأتربة، كما أن مدى تصويرها يتراوح بين 50 و100 متر على الأكثر، وتتراوح أسعارها بين 500 و600 جنيه للأنواع الصينية و1000 و1500 جنيه للكورية والتايوانية.
وبعد التجول في عدد من محلات لبيع كاميرات المراقبة، لاحظنا وجود الكاميرات الصينية قليلة الجودة وغير قادرة على الاستمرار لوقت طويل بسبب رداءتها، أكثر من تاجر لبيع الكاميرات رفضوا إعطائنا معلومات عن مواصفات الكاميرات الصينية وهل هي مطابقة للمواصفات الأوربية والعالمية أم لا، مكتفين بأن أسعارها منخفضة، أحدهم عرض علينا بيع 2 كاميرا صيني بـ150 جنيه بدلا من 200، كما أتضح أنه لا توجد أي رقابة عليهم من شعبة الإلكترونيات بالغرفة التجارية أو أي رقابة حكومية، ''مفيش حد بيراقب، احنا عاوزين ناكل عيش والناس بتشري الكاميرات الصيني لأنها رخيصة''.. هكذا كان رد بائعي الكاميرات.
ومن خلال سؤالنا لعدد من أصحاب المحال التجارية لبيع الكاميرات، عن حجم بيع الكاميرات، اكتشفنا أن هناك عدد من المواطنين يقومون بشراء كاميرات فقط بدون جهاز استقبال ''دي في أر'' بسبب سعره المرتفع بالنسبة لهم، ويقومون بوضعها في محلاتهم التجارية كنوع من أنواع التمويه وخدع الزبائن بأن هناك كاميرات تراقبهم، لكنها في الأساس لا تتصل بجهاز استقبال ولا تقوم بتصوير ومراقبة أي شيئ.
في الوقت نفسه يتواجد في مصر عدد قليل من المصانع التي تقوم بتجميع إكسسوارات الكاميرات المستوردة من الخارج، من خلال تجميع الدائرة الإلكترونية التي تتصل بكاميرات المراقبة، حيث يؤكد الدكتور أحمد أبو طالب خبير الاتصالات، وصاحب مصنع لتصنيع اكسسوارات كاميرات مراقبة في حديثه لمصراوي، أنه من المستحيل تصنيع كاميرا مراقبة كاملة في مصر، وأن معظم الكاميرات التي يتم استيرادها من الخارج وتأتي عبر الطرق الرسمية تطابق المواصفات الأوربية الـ ((CE)).
وكشف أن السبب الرئيسي في وجود كاميرات مغشوشة في الأسواق، هي الدائرة الإلكترونية التي تصنع في بعض المصانع المصرية، مؤكدا أن مصنعه يقوم بتجميع الدائرة الالكترونية للكاميرا بعد استيرادها، والدائرة الإلكترونية لها علاقة بالأجهزة المصاحبة لكاميرات المراقبة، ''كالديفي أر'' أو الحاسب الألي''، حيث يشرح أن الدائرة الإلكترونية تستقبل الصورة التي التقطتها العدسة ثم تقوم بتخزينها، وبعدها تقوم بدور إلكتروني من خلال تكبير وتصغيير الصورة، والدائرة الإلكترونية تعتمد على مواصفات معينة من خلال كابلات بعينها، موضحاً أن هذا هو السبب الأساسي في وجود كاميرات رديئة ومغشوشة أن الدائرة الإلكترونية لدى هذه الكاميرات رديئة ولم يتم توصيلها بنجاح.
وتابع: يفضل أن يكون مع الكاميرا جهاز تسجيل للصور والفيديو لأنه يتم تشغيلها لمدة طويلة، عدسة الكاميرا غالبا ما تصنع في اليابان والصين، إحدى الشركات اليابانية من أهم الشركات التي تنتج عدسة الكاميرات، وتمثل نصف سعرها، كلما زادت مدى كاميرات المراقبة كلما زاد سعرها، الكاميرات التي مداها يتخطى 100 متر أسعارها مرتفعة جدا.
13 مليون كاميرا للمراقبة
وحصل مصراوي على مستند رسمي من هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، يبين حجم كاميرات المراقبة التي استوردتها مصر خلال عام، بناء على مستند وارد للهيئة من مصلحة الجمارك، حيث أوضح المستند الخاص بكاميرات المراقبة للبنود 8525809090-8525801000.
ووصل عدد كاميرات المراقبة الرقمية للصور الثابتة لـ 9ألاف و443 من نوع ((QTY)) و2 مليون و180 ألف و484 من نوع ((EGP)) وذلك في عام 2014، بينما في 2015 وصل عددها لـ ألفين و34 كاميرا من نوع ((QTY)) و2 مليون و932ألف و712 من نوع ((EGP))، ما يعني أن إجمالي كاميرات المراقبة الرقمية للصور الثابتة فقط والتي دخلت مصر وصل حجمها لـ 5 مليون و124 ألف و673 كاميرا للمراقبة طبقا للبند 8525801000 الخاص بكاميرات رقمية للصور الثابتة.
أما البند 8525809090 والخاص بكاميرات فيديو للصور الثابتة وفيديو مسجلة لأجهزة، يوضح أن حجم الكاميرات في عام 2014 وصل عددها لـ 64 ألف و421 من نوع ((QTY)) و7 مليون و427 ألف و427 من نوع ((EGP)) وفي بداية عام 2015 وصل عددها لـ 4 ألاف و63 كاميرا من نوع ((QTY)) و531 ألاف و683 من نوع ((EGP)) ليصل الإجمالي إلى ثمانية ملايين و27 ألف و594 كاميرا، في ذلك البند، ما يعني أن إجمالي الكاميرات التي استوردتها مصر منذ يناير 2014 وحتى نهاية فبراير 2015، وصل لـ 13 مليون و152 ألف و267 كاميرات مراقبة.. طبقا لمستند هيئة الرقابة على الصادرات والواردات.
شركات حراسة بلا كاميرات مراقبة
على صعيد أخر، فهناك أكثر من 300 شركة للأمن تعمل الأن في مصر نظراً للأوضاع الأمنية خلال الأربع سنوات الماضية، وحسبما يؤكد اللواء عادل عمارة، رئيس شعبة الأمن والحراسة بالغرفة التجارية لمصراوي/ فإن هناك أكثر من 70 ألف عامل يعملون بشركات الأمن، مضيفا أن 40 % من تلك الشركات فقط هي من تستخدم كاميرات المراقبة، وهذا يعني أن 120 شركة أمن فقط هي من تستخدم كاميرات للمراقبة من أصل 300 شركة.
وكشف اللواء مدحت قريطم مساعد وزير الداخلية للمرور في حديثه لمصراوي، أنه في خلال الإجراءات التي تتبعها الإدارة العامة للمرور تم تزويد 250 تقاطع مروري بكاميرات مراقبة في محافظة القاهرة، وتم وضعها بالقرب من إشارات المرور لضبط الحركة المرورية وضبط مخالفات السائقين، وذلك بالتنسيق مع محافظ القاهرة.
وحول طريقة وضع كاميرات المراقبة في الطرق والميادين يؤكد ''قريطم'' أن وزارة الداخلية تقوم بطرح مناقصة عامة وتتقدم شركات بيع كاميرات المراقبة للوزارة، ويتم عرض مواصفات كل شركة على قطاع تكنولوجيا المعلومات في وزارة الداخلية والذي بدوره يقوم بوضع المواصفات الفنية واختيار كاميرات بعينها حسب مواصفات كل شركة.
لكنه رفض إعطائنا حصر بعدد الكاميرات التي وضعتها الإدارة العامة للمرور على مستوى الجمهورية، قائلا: ''مقدرش أقولك أعداد الكاميرات ولا حتى الأماكن الموجودة فيها، الموضوع بالنسبة لنا غير قابل للنشر، الإدارة العامة للمرور لديها كاميرات في كل مكان، لكن ده مش معناه أن هذه الكاميرات لا تستخدم أمنيا، هي في الحقيقية بتسخدم أمنيا بس مينفع اقول كده علشان محدش يضرها''.
فيديو قد يعجبك: