وسط البلد.. كتبت تاريخ مصر الحديث وشاهدة على أحداثه
كتب – محمد مكاوي:
يحكى أن الخديوي إسماعيل، عندما كان في زيارة إلى أوروبا كان شغوفا بالبناء، محبا للحضارة الغربية وعمارتها وكان يحلم دائما بأن يجعل القاهرة قطعة من باريس فلما آلت اليه السلطة عام 1863 شرع في تنفيذ حلمه فأزال الكميان والأتربة التي كانت تحيط بها وردم البرك وخططها على النسق الأوروبي لتصبح مدينة متلألئة ساحرة.
وعندما اقترب موعد افتتاح قناة السويس، ونظرا لاستقبال القاهرة لملوك وأمراء الدول الأوروبية، أراد إسماعيل ألا تكون العاصمة المصرية أقل من نظيراتها في أوروبا، فبنى الخديوي في مساحة ميل مربع من ميدان الاسماعيلية ''التحرير'' حتى حدائق الأزبكية، مدينة سكنية متكاملة على الطراز النمساوي و الايطالي كانت تضم مجتمع النخبة على المستوى الاجتماعي والسياسي.
الكاتب أرتيمس كوبر، وصفها في كتاب ''القاهرة في الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945''، وترجمه الكاتب محمد الخولي، بأن المحلات أطلت على مجرى الشارع من خلال واجهات لعرض المنتجات ولافتات ضخمة مكتوبة بالفرنسية أو العربية بالإضافة للبنوك والسينمات والمقاهي والحانات وجاء في وصفع لشارع عدلي باشا أنه لم يكن بعيد الشبه عن شارع سان جيمس في لندن وهو ما يؤكد ان اسماعيل نجح بالفعل في جعل شوارع وسط القاهرة قطعة من أوروبا.
عندما بنى إسماعيل ''القاهرة الخديوية''، كانت المنطقة عبارة عن مجموعة من التلال والبرك، وكان الموقع الذي يشغله الآن البنك المركزي المصري وعمارة الإيموبيليا وسوق الشواربي المقر الرئيسي لمدابغ الجلود في القاهرة، وكان الجزء الغربي من شوارع عدلي وثروت وقصر النيل وسليمان باشا بركة مياه .
استعان إسماعيل بخبرة مهندسين أوروبيين في تخطيط شوارع وميادين القاهرة وكان على رأسهم مهندس نابليون الثالث ويدعى أوسمان الذي وضع المباني الهامة في الميادين وعلى محاور شوارع رئيسية، كما استعان بالمهندسين الايطاليين ''أفوسكاني'' و''أورسيني'' في بناء دار الاوبرا عام 1869 على نمط أوبرا ''لاسكالا'' بميلانو وتم بناؤها بخشب فاخر مستورد من لبنان دون استعمال أسمنت أو طوب، كما كلف المهندس مارييت بإنشاء المتحف المصري وكلف أيضا ''دي كوريل دل روسو'' ببناء قصر عابدين لينقل مقر الحكم من القلعة الى وسط القاهرة على اطلال منزل عابدين بك أحد امراء الأتراك.
الفنان أنور وجدي كان من سكان وسط البلد، فبنى عمارته الشهيرة في شارع شريف باشا من ناحية باب اللوق وبنى اسماعيل باشا صدقي رئيس الوزراء عمارة الايموبيليا أضخم عمارات وسط البلد عام 1933 بشارع شريف على برجين كبيرين وسكنها كثير من الوزراء والأعيان والفنانين ومنهم محمد فوزي ومديحة يسري وماجدة الصباحي.
لم تكن منطقة وسط البلد منطقة سكنية فحسب، وإنما شهدت افتتاح مجموعة من المحلات الضخمة برؤوس أموال أجنبية مثل شملا وشكوريل وصيدناوي، وتنافست البنوك على إيجاد مقار لها.
منطقة وسط البلد التي احتضن أحد مقاهيها (مقهى ريش) اجتماعات ثورة 1919، والتي خرجت ضد الاحتلال الإنجليزي وتأييدا للزعيم سعد زغلول ورفاقه في المنفى.
ومع منتصف القرن الفائت، شهدت منطقة وسط البلد، وتحديدا في 4 ش الشريفين بمقر الإذاعة القديمة إلقاء عضو الضباط الأحرار محمد أنور السادات، بيان ثورة 1952 الشهير.
وفي عام 1977 شهد ميدان التحرير بوسط البلد، مظاهرات احتجاجية ضد قرارات الرئيس السادات برفع الأسعار، والتي عرفت بأحداث 18 و19 يناير.
وظلت منطقة وسط البلد شهادة على تاريخ مصر الحديث، فشهد ميدان التحرير مظاهرات ثورة 25 يناير 2011 ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكذلك شهدت شوارع وسط البلد (محمد محمود وقصر العيني والشيخ ريحان وغيرها) احتجاجات ومظاهرات واشتباكات الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط مبارك.
كما شهد التحرير مظاهرات 30 يونيو 2013 ضد الرئيس الاسبق محمد مرسي، وأيضا تفويض وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي لمحاربة الإرهاب والاحتفال بفوزه رئيسا للبلاد.
فيديو قد يعجبك: