إعلان

مئات حوادث مماثلة لـ"الحرم المكي" بمصر.. الفاعل حُر والشعب مفعول به مجرور - (تقرير)

10:08 م الثلاثاء 15 سبتمبر 2015

تصادم قطارين

تقرير - محمد سعيد:

أرواح تُزهق بأمر الإهمال، وأُناسٌ يجلسون على مقاعد وثيرة، يلفح وجوهها هواءٌ بارد، يُعرفون لدى الجميع بأنهم المسئولين، مع كل كارثة تحدث، يهبون من على كراسيهم غاضبون، منددون شاجبون، مؤكدون أن الأوامر تؤكد أنهم سيلاحقون المسئول، ألا ربما أنهم هم المسئولون ولكن لا يعلمون، فيما تحدث كارثةٌ أخرى، فيُعيدون الكرة من جديد، حتى أن المواطنون تقفز من ذاكرتهم الكارثة القديمة، هل تم صرف تعويضات؟، كيف تعاملت الدولة مع الكارثة؟، كيف ستقي الدولة المواطنون وتحميهم من خطر وقوع كارثةٌ أخرى؟، هل أوقفوا شخص ما عن العمل؟، ما هي نتائج سير التحقيقات؟، تظل التساؤلات تطرق أبواب العقل، فيما تحدث كارثة ثالثة خلال البحث عن إجابات، لتضحى مصر بكوارثها التي ستحدث مُستقبلا تحت رحمة إدارة وحيدة للأزمات بمجلس الوزراء ليس لها محل من الإعراب.

مع حدوث أي كارثة يظل التساؤل المطروح عقب الانتهاء من تبعاتها، هل نجحت المؤسسة أو الوزارة أو الجهة المسؤولة أو الدولة بشكل عام على إدارة هذه الأزمة؟

يرى شير ميهورن ـ الذي شغل منصب رئيس وزراء هولندا في الفترة من 1945 حتى 1946، وأول رئيس وزراء بعد الحرب العالمية الثانية ـ أن الأزمة هي مشكلة غير متوقعة قد تؤدي إلى كارثة إن لم يجرِ حلها بصورة سريعة.

وعرّف الكاتب موسى اللوزي، أستاذ الإدارة بالجامعة الأردنية، الأزمة وكيفية إدارتها قائلًا: "كل موقف أو حدث يؤدي إلى أحداث تغيرات ايجابية وجادة في النتائج وهي حدث أو تراكم لمجموعة من أحداث غير متوقع حدوثها، تؤثر في نظام المؤسسة أو جزء منه وهي من الناحية العملية انقطاع عن العمل كليا أو جزئيا لمدة تطول أو تقصر لسبب معين يتبعها تأثر الكيان وتحوله".

واتفق الباحثون المختصون على أن الأزمات تنحصر في: "مشاكل غير متوقّعة تُحدِث تعطيلاً تنموياً واتساع الفجوة بين أصحاب القرار وبين من تحت أيديهم من أفراد".

وهذا يجعلنا نلقي الضوء على بعض الأزمات ومدى تعامل الجهات المسؤولة عنها بشفافية تجاه الرأي العام..

حادث الحرم المكي

نجحت المديرية العامة للدفاع المدني في إدارة أزمة حادثة سقوط رافعة داخل المسجد الحرام التي وقعت مساء يوم الجمعة 11 سبتمبر، وذلك خلال مشروع توسعة المسجد الحرام في مكة المكرمة غرب المملكة العربية السعودية.

وشهد الحادث منذ وقوعه في الساعة 5:10 مساءً، عمليات الإنقاذ العاجلة، والشفافية الإعلامية الكبيرة التي تصدت للشائعات المعتاد تداولها عند وقوع حوادث كبيرة.

وفور رصد الحادثة شرعت آليات وفِرق الدفاع المدني في التعامل مع الأزمة من خلال تنفيذ أعمال الإنقاذ والإسعاف للمصابين، وحماية الزوار والمصلين، وذلك عبر أكثر من ٥٠ فرقة إنقاذ و٨٠ سيارة إسعاف، بإشراف ميداني من المدير العام للدفاع المدني بالسعودية الفريق سليمان العمرو، الذي وقف ميدانياً على موقع الحادثة، وأشرف بشكل مباشر على أعمال الإنقاذ والإسعاف وتنفيذ إجراءات السلامة السريعة لحماية الزوار والمصلين.

وفي الجانب الإعلامي قام "الدفاع المدني" من خلال نقل الحقائق بشفافية كبيرة عبر حسابه الرسمي على تويتر؛ إذ سارع إلى نشر معلومات الحادثة ومسبباتها العرضية وصورها وإحصائيات الوفيات والإصابات، وهي المعلومات التي قطعت الطريق أمام مطلقي الشائعات.

صورة 1

وكانت جهود "الدفاع المدني" الميدانية وتعامله الإعلامي مع الأزمة قد وجدا إشادة الكثيرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان آخر قرار تجاه الأزمة، أصدره اليوم الثلاثاء 15 سبتمبر، العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث أمر بمنع سفر جميع أعضاء مجلس إدارة مجموعة بن لادن السعودية والمهندس بكر بن محمد بن لادن وكبار المسؤولين التنفيذيين في المجموعة وغيرهم ممن لهم صلة بالمشروع وذلك حتى الانتهاء من التحقيقات وصدور الأحكام القضائية في حادث سقوط الرافعة بالحرم المكي.

وبحسب وكالة الأنباء السعودية (واس)، أمر الملك سلمان أيضًا بإيقاف تصنيف (مجموعة بن لادن السعودية) ومنعها من الدخول في أي منافسات أو مشاريع جديدة، ولا يُرفع الإيقاف إلا بعد استكمال التحقيقات وصدور الأحكام القضائية في هذه الحادثة ويعاد النظر في التصنيف في ضوء ذلك، وبما لا يؤثر على المشاريع الحكومية التي تقوم المجموعة حاليًا بتنفيذها.

كما أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، قرارًا بصرف مساعدة لذوي المتوفين والمصابين في حادث سقوط رافعة الحرم المكي، مبلغ مليون ريال لذوي كل شهيد في هذه الحادثة، وصرف مبلغ مليون ريال لكل مصاب بإصابة بالغة نتج عنها إعاقة دائمة، بالإضافة إلى صرف مبلغ خمسمائة ألف ريال لكل واحد من المصابين الآخرين.

الأزمات في مصر

في ديسمبر عام 1993 قتل 12 شخصًا وأصيب 60 آخرين في تصادم قطارين على بعد 90 كيلومترا شمالي القاهرة، وهو ما تكرر في ديسمبر 1995 حيث قُتل 75 راكبا وأصيب المئات في تصادم قطار بمؤخرة قطار آخر، وأكدت التحقيقات وقتها أن المسئولية تقع على سائق القطار الذي قام بتجاوز السرعة المسموح بها رغم وجود ضباب كثيف مما لم يمكنه من اتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب.

ولم يتوقف الأمر على ذلك، رغم حاجة هيئة السكك الحديدية إلى أعمال صيانة وترميم ووضع خطط مستقبلية لمواجهة مثل هذه الحوادث تمثل رؤية لمواجهة مثل هذه الأزمات، ففي فبراير 2002 وقع "حادث العياط" والتي تعد الأسوأ من نوعها في تاريخ السكك الحديدية المصرية، حيث راح ضحيتها أكثر من 350 مسافرًا بعد أن تابع القطار سيره لمسافة 9 كيلومترات والنيران مشتعلة فيه؛ وهو ما اضطر المسافرون للقفز من النوافذ، ولم تصدر حصيلة رسمية بالعدد النهائي للقتلى، واختلف المحللون في عدد الضحايا حيث ذكرت بعض المصادر أن عدد الضحايا يتجاوز 1000 قتيل وإن لم يصدر بيان رسمي بعدد الضحايا وهذا ما آثار الشكوك في الحصيلة النهائية في عدد الضحايا من الراكبين.

صورة 2

ولم نجد أي خطة في هذا الإطار، وكل ما نجده هي مسكنات للأزمة، من خلال إقالة مسؤول أو وزير أو تغيير حكومة، فحوادث القطارات لم تتوقف، ففي 17 نوفمبر 2012 وقع حادث قطار منفلوط عند مزلقان قرية المندرة التابعة لمركز منفلوط بمحافظة أسيوط، واصطدم فيه قطار تابع لسكك حديد مصر بحافلة مدرسية، الذي راح ضحيته نحو 50 تلميذًا إضافة إلى سائق الحافلة ومُدرّسة كانت برفقة التلاميذ.

وسبق هذا الحادث تصادم قطاري الفيوم، وقد أدى هذا الحادث الثاني إلى استقالة وزير النقل محمد رشاد المتيني ورئيس هيئة السكك الحديدية مصطفى قناوي، كما أُحيل الرئيس الأسبق محمد مرسي الأخيرَ للتحقيق، وسط حالة من الغضب الشعبي.

عشوائية

يقول اللواء أحمد توفيق، أستاذ إدارة الأزمات عضو الجمعية الدولية للعلوم الشرطية نيو جيرسي، إن مصر تدير الأزمات بعشوائية، مضيفًا في حديثه لـ"مصراوي"، "أننا ندير الأزمات والكوارث بالقرارت، ولا نعتمد على وضع السيناريوهات المستقبلية لأسباب الأزمة قبل حدوثها".

وأوضح توفيق، أن مصر تفتقد وجود فريق مخصص لإدارة الأزمات بشكل علمي، يكون قادر على وضع رؤية مستقبلية تجنبًا لحدوث الأزمة وعرضها على المسؤولين، مؤكدًا أن فريق الأزمات يكون عليه مسؤولية دراسة الحالة الراهنة للبلد ووضع "السيناريو الأسوأ" لنتمكن من مواجهة الكوارث قبل حدوثها.

وأضاف توفيق، أن مصر تتعامل مع الأزمات من منطق "رد الفعل"، مطاليًا بضرورة تخصيص فرق أزمات داخل كل وزارة بالإضافة إلى فريق أزمة مركزي لنتمكن من مواجهة أي أزمة قد تكون متشعبة الأطراف، مؤكدًا أن الإعلام المصري يتعامل مع الأزمات بمنطلق "القطعة".

وبشأن إدارة الأزمات والكوارث، التابع لمركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء، قال أستاذ إدارة الأزمات عضو الجمعية الدولية للعلوم الشرطية نيو جيرسي، إن هذه الإدارة عبارة عن أسماء دون فاعلية حقيقية، "فهم لا يملكون رؤية مستقبلية بشأن أي أزمة".

وطالب توفيق، أن يتم تشكيل فرق لإدارة الأزمات يكون لها صلاحيات وقادرة على صنع القرار، وتعمل وفق سيناريوهات مستقبلية تقدم بشكل دوري تقاريرها للمسؤولين لتلافي حدوث الأزمة، قائلًا: "نحن دائمًا ما نعالج ظاهر الأزمة لا أسبابها، وهذا ما يجعلها تتكرر".

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان