حوار- منظمة "يزدا" العراقية: أمل كلوني لديها مفاتيح أبوابنا المغلقة
كتبت - هدى الشيمي - سارة عرفة:
ذاق الأيزيديون مرارات شتى على مدى أكثر من عامين منذ اجتياح التنظيم المتطرف "داعش" مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية وسيطرته على بلدة سنجار موطن الإيزيديين، وارتكابه ما وصفه البعض ب"إبادة جماعية" بحق تلك الأقلية. تلك المعاناة جذبت انتباه العالم شتى وباتت فظائع تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية "داعش" حديث العالم من أدناه إلى أقصاه؛ مما دفع ببعض الناشطين الأيزيديين لإنشاء منظمة تتولى الدفاع عن الشعب الأيزيدي خاصة نسائه وفتياته اللائي وقعن في الأسر لدى التنظيم المتطرف.
ولا تزال مأساة الإيزيديين قائمة؛ حسبما أعلن محققون تابعون للأمم المتحدة في تقرير صدر في يونيو الماضي أن "الإبادة الجماعية للإيزيديين مستمرة"، وحثوا القوى الكبرى على إنقاذ ما لا يقل عن 3000 امرأة وطفل من الإيزيديين لا يزال "داعش" يحتجزهم، وإحالة قضاياهم إلى المحكمة الجنائية الدولية. في السطور التالية يحكي لنا هادي بيري، أحد ممثلي منظمة "يزدا" عن الدور الذي تضطلع به لمساعدة المجتمع الأيزيدي وإعادة تأهيل من نجا من قبضة داعش.
في الثالث من أغسطس قبل الماضي، توجه عدد من المقاتلين إلى منطقة "سنجار" موطن الايزيدين، حاملين على عاتقهم مهمة تدمير المنطقة، التي يرون أهلها عبدة شيطان كفرة، فقتلوا الرجال، واختطفوا الفتيات والنساء، وباعوهم في أسواق العبيد وقدموهم كجوائز للمقاتلين الفائزين في المسابقات، حينها قرر ناشطون ومسئولون ايزيديون تأسيس المنظمة، لأنهم يقنعون في قرارة أنفسهم بأنهم خير من يدافع عن أبناء جلدتهم، وخير من يساعدهم وخير من يُبقي قضيتهم حية في ظل "محاولات العالم نسيانها" رغم الفظائع التي ارتكبت بحقهم – بحسب ما صرح به هادي.
وأصبحت النساء والفتيات محور عمل المنظمة الإغاثية، بعضهن نجا من الآسر وبعضهن هرب بعد قضاء فترة من الزمن لدى داعش، ويقول هادي إن المنظمة خصصت لجنة طوارئ لمساعدة هؤلاء بطرق شتى منها المساعدات العينية الفورية من مأكل وملبس، والعرض على الأطباء وتوفير العلاج المناسب، حتى إعادتهم إلى بيئتهم الطبيعية في منطقة "لالش" التي يسكنها أكبر عدد من الايزيدين، وبعد فترة قصيرة، لاحظوا تأثير هذه الجهود الإيجابي على صحة ونفسية الناجيات.
لم تخل عمليات انقاذ وتأهيل الأسيرات من العراقيل، فوقفت أمام العاملين في المنظمة صعوبات جمة، خاصة مع سيطرة "داعش" على مناطق الايزيدين، وبثه الرعب في نفوس المواطنين، مما يجبر المسؤولين على انتظار هروب الأسيرة من الأسر، محاولين تجنب التعامل مع المهربين حتى لا يعرضونهن للخطر. من هنا تبدأ عملية الدعم.
ومع ذلك هروب الأيزيديات من أيدي داعش، أمر يحدث محض الصدفة، فسبق وحاولت اسيرات الفرار من الاستعباد الجنسي والإهانة الجسدية إلا أن الأمر كثيرا ما ينتهي بانتحارها أو قتلها، فتقول فتاة ايزيدية، 12 عام، لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أنها حاولت الهرب أكثر من مرة، وفي إحدى المرات أمسكتها إحدى زوجات الداعشي، وعندما أخبرته جمع كل زوجاته وأمرهم جميعا بضربها، حتى فقدت الوعي، وبعد تسعة أشهر حاولت الانتحار إلا أنها استطاعت الهرب مع فتاة أخرى، دبر لهما ابن عمها سيارة نقلتهم إلى الحدود التركية.
رغم صعوبة العمل في ظل تلك الحرب الدائرة ضد مقاتلي داعش، لا تلقى المنظمة دعما يتناسب مع تقدمه أو تسعى لتقديمه للمتضررين، خاصة بعد تعقد الوضع مع ظهور التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والصراع الدائر بين داعش وقوات البيشمركة الكردية، كما أنها لم تحصل على أي مساعدات مباشرة حتى الآن، ويشير هادي إلى أنهم ينتظروا الحصول على مبالغ من برنامج الأمم المتحدة الانمائي لمنطقة سنجار.
كل حالة مرت على المنظمة كانت أكثر رعبا من الأخرى، ويؤكد هادي إن لديهم قصصا وحكايات تكسر القلب، حيث مرت الايزيديات بأهوال لا يتحملها بشر. بحسب شهادات فتيات ناجيات نقلها هادي بيري، "يغتصب مقاتلو داعش الفتيات الإيزيديات حوالي ست مرات يوميا، ويؤكدن لهن أن ما يتعرضن له ليس حرام، ولا يخالف الشريعة الإسلامية، فقد أمر الله المسلمين باغتصاب وأسر غير المسلمات، ومن ترفض يجلدونها، وعندما يشعرون بالملل ربما يستبدلونها بغيرها، أو يعطوها كهدية لخادم أو مقاتل رتبته أقل".
ومع ذلك لم تنسى المنظمة الايزيدين –الرجال- وما مروا به من معاناة. يقول بيري "يكفي وقفوهم عاجزين وهم يرون رجالا أغراب يختطفون ويغتصبون زوجاتهم وبناتهم، وشقيقاتهم، ويشاهدون مجتمعهم يُدمر، وأطفالهم يشردون".
"الخرس الدولي" أكثر ما يثير استياء المنظمة الايزيدية، فيرى مسؤولوها أن المجتمع الدولي يقوم بدورِ فعال لكن خارج نطاق الحكومات، ويفعل أكثر مما تفعله الحكومات، وساعد على ذلك تناول وسائل الإعلام للقضية وعرضها لمسلسل تعذيب وإبادة اللاجئين بصورة شبه يومية، بالإضافة لقوة الانترنت وسرعته في نقل الأحداث وردود الأفعال، إلا أنهم مازالوا يأملون في قيام المجتمع الدولي والأمم المتحدة بدور أكبر لحماية الايزيدين، وتشريع قوانين تجبر بلاد مثل العراق على حماية الأقليات ومنحهم بعض الحكم الذاتي.
بعد بدء استهداف الايزيدين وتشتتهم في أكثر من مكان، بدأت المنظمة تتبع كل الأماكن التي يعيشون فيها داخل العراق، ويرسلون تقارير كاملة عن عددهم وأماكن تواجدهم واحتياجاتهم لأغلب الدول التي تقبلهم عندها كلاجئين، لكن كبر حجم المعاناة وكثرة من يحتاجون لدعم ومساعدة خلق بعض الصعوبات والمشاكل اللوجستية.
بعد نجاة الايزيدية من الأسر تحاول المنظمة نقلها إلى مناطق تتوفر فيها الحماية والرعاية والدعم النفسي. "ترغب الناجيات في الشعور بالترحيب من أهلهم،" يقول هادي مؤكدا على رغبة الفتيات في الشعور بأن العالم لا يتعامل معهن وكأنهن عار عليه بعد ما مررن به.
مع زيادة عدد الاسيرات، وعدم الحصول على الدعم المادي الكافي، لا تستطيع المنظمة تقديم مساعدات تذكر لغير الإيزيديات من سوريا والعراق مثلا، إلا أنهم يتطلعون لتوسيع أعمالهم في المستقبل لتشمل غير الايزيديات،" حسبما يقول هادي.
من بين الكثير من الناجيات استطاعت نادية مراد التحدث أمام العالم كله في مجلس الأمن. حكت ما ممرت به وغيرها من أهوال. يقول هادي بيري إنها وغيرها من الإيزيديات تخدمن بحديثهن القضية ويلفتن المزيد من الانتباه إليها.
تولي المحامية والناشطة في حقوق الإنسان أمل كلوني قضايا المنظمة، ودفاعها عن حقوق الفتيات الأسيرات اعتبرته المنظمة مكسبا كبيرا للقضية الايزيدية. يقول هادي إن نجاحها وشهرتها، وكونها زوجة الممثل والمخرج الأمريكي جورج كلوني ساعد المواطنين لسببين: الأول لأنها محامية ناجحة تعرف كيف تتعامل مع هذا النوع من القضايا، وتتمكن من الفصل بين الأهداف المعقولة الممكنة، والأهداف غير الواقعية، لذلك أصبحت قادرة على بناء توصيلها ومناقشتها مع قادة العالم، الثاني أنها تستطيع استخدام سمعتها وشعرتها في الحصول على المزيد من الدعم وجذب الانتباه للقضية، لأنها قادرة على الوصول في وقت أقصر لأشخاص لديهم مفاتيح الأبواب المغلقة.
تأمل المنظمة الراعية لحقوق ومشاكل اليزيدين أن يدعمهم المزيد من شخصيات مشابهة لأمل كلوني، حتى يحصل الضحايا، خاصة النساء، على حقوقهم.
فيديو قد يعجبك: