مافيا الأدوية تطال المحاليل الطبية.. وآلاف المرضى في انتظار "عبوة" -(تقرير)
كتب - أحمد جمعة:
يقول الشاعر ابن نباتة السعدي في قصيدته "من لم يمت بالسيف مات بغيره"، لكننا قد نتجاوز إن قلنا "من لم يمت بالمرض، مات بنقص الدواء".. هذا هوّ الحال في ظل أزمة النقص الحاد في الدواء مؤخرًا، على ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملة المحلية، الأمر الذي انعكس على استيراد هذه العقاقير، وامتد إلى نقص المحاليل الطبية المستخدمة في الغسيل الكلوي وأغراض أخرى.
يوضح الدكتور كريم سالم، مدرس مساعد أمراض الكلى بمعهد تيودور بلهارس، وعضو مجلس نقابة أطباء الجيزة، أن أزمة نقص المحاليل الطبية تفاقمت في الشهرين الماضيين، حتى شملت المستشفيات الخاصة والعيادات والصيدليات، بالإضافة إلى المستشفيات الحكومية، مشيرًا إلى أن عدم توافر المحاليل الطبية لا يقل خطورة عن اختفاء الأدوية الحيوية؛ كونها تستخدم لعدة أغراض مثل علاج نقص السكر الحاد أو اختلال الأملاح بالدم أو الجفاف، كما أنها تستخدم لتوصيل الدواء لأجساد المرضى.
خطورة الأمر بحسب "سالم" تتمثل في كون المحاليل عنصرًا أساسيًا في علاج مريض الكلي، وبدونها لا يمكن تقديم جلسة الغسيل الكلوي الدموي للمريض، ومتوسط ما يحتاجه في الجلسة الواحدة عبوتان من محلول الملح، حيث يستخدم المحلول في بداية الجلسة لتحضير الماكينة لإجراء جلسة الغسيل ثم يستخدم في نهاية الجلسة لإرجاع دم المريض بواسطة الماكينة، وقد يحتاج المريض إلى محلول الجلوكوز أثناء الجلسة للمرضى المصابين بنقص الجلوكوز في الدم.
ويُضيف لمصراوي: "جميع المرضي المحجوزين في المستشفيات بحاجة إلى المحاليل، والأطفال بالحضانات، والأطفال المصابين بالجفاف، كما أنها لا غنى عنها في العمليات الجراحية وغيرهم من الذين من الممكن تتوقف حياتهم بأكملها على نقص عبوات المحاليل، التي أصبحت تمثل كارثة كبرى، يجب أن يتم إيجاد حل لها في أسرع وقت".
مضاعفة الأسعار
الدكتور أحمد خير الدين، رئيس قسم الكلى بمستشفى زفتى العام، أكد أن أسعار المحاليل تضاعفت خلال الأزمة حيث تخطى سعر الكرتونة التي تحوي 20 عبوة نحو 130 جنيهًا، مضيفًا أن هناك نقص حاد في توريد هذه المحاليل إلى المستشفيات والمراكز.
ويؤكد رئيس قسم الكلى، لمصراوي أن ارتفاع أسعار المحاليل والمستلزمات الطبية رفع سعر الجلسة إلى 240 جنيه، وهذا عبء إضافي حيث حددت وزارة الصحة سعر الجلسة بنحو 140 جنيه، الأمر الذي يهدد تقديم الخدمة بنفس الجودة.
وقال: "ثمن الجلسة معضلة كبيرة لتقديم الخدمة بنفس السعر، لابد أن تتدخل الوزارة لرفع ثمن الجلسة، والمراكز الخاصة تتحمل 70% من الغسيل الكلوي في مصر".
وأردف: "المراكز في خطر (يا يقفل، يا يتاجر على العيان)، والحكومة تضغط على الشركات للتوريد بالأسعار الحكومية والجلسة تعدت الـ140 جنيه بمراحل".
"تعطيش السوق"
وقال الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، إن أزمة نقص المحاليل لا تزال مستمرة حتى الآن، مضيفًا أن "انتاج مصر من المحاليل يُقدر بحوالي ١٤ مليون عبوة، وتحتاج المستشفيات إلى ١٢ مليون عبوة".
وبرر "فؤاد" لمصراوي، تفاقم الأزمة رغم وجود إنتاج كافٍ إلى "السوق السوداء" التي تستحوذ على توزيع المحاليل، وتسببت في "تعطيش السوق" ومن ثم ارتفعت الأسعار.
وتحدث الدكتور كريم سالم، في هذا الإطار مؤكدًا أن هناك شركات تقوم بتخزين المحاليل وترفع سعرها، وذلك عن طريق وجود حلقات وسيطة تخزن المحاليل لتخلق أزمة ثم تبيع تلك المحاليل في السوق السوداء بأسعار مرتفعة عن ثمنها، كما أن هناك كميات كبيرة من المحاليل تحت التحليل، لايمكن استخراجها إلا بعد موافقة مفتشي الصحة والإفراج عنها، وربما يكن ذلك احد أسباب نقص المحاليل، وكذلك اشتراط بعض شركات المحاليل شراء منتج آخر من إنتاجها عند الطلب منها مع كل توريد، إضافة إلى عدم قيام شركات الأدوية بتوريد كميات المحاليل التي تم التعاقد عليها بحجة ارتفاع أسعار المواد الخام وتوقف خطوط الإنتاج بسبب أزمة الدولار.
وطالب سالم بضرورة إعادة فتح مصنع "المتحدون" بعد التأكد من مطابقة الإنتاج للمعايير؛ لضمان سلامة المرضي حيث كان المصنع ينتج حوالي 50% من المحاليل في مصر، ثم صدر قرار من وزير الصحة السابق الدكتور عادل العدوي رقم "86 لسنة 2015"؛ بإيقاف خط إنتاج مصنع المتحدة فارما للمحاليل الطبية، بعد إصابة أطفال بأعراض تشنجية في بنى سويف، موضحًا أن إعادة فتح المصنع سيعمل على وفرة في إنتاج المحاليل وبالتالي القضاء على السوق السوداء.
استجواب "راضي"
أكدت النائبة إليزابيث شاكر، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أنه سيتم استدعاء وزير الصحة أحمد عماد الدين راضي، إلى اللجنة مع بداية الانعقاد الثاني للمجلس، لشرح أسباب أزمة نقص المحاليل.
وقالت شاكر لمصراوي: "مع أول انعقاد سيتم استجواب وزير الصحة داخل اللجنة. المحاليل مشكلة كبيرة ولا يتم السكوت عليها". مضيفة "كانت هناك اجتهادات من اللجنة عن طريق الأعضاء أو رئيس اللجنة لحل الأزمة، لكن لم يتم استدعاء الوزير إلى المجلس".
وطالب الدكتور أحمد عماد وزير الصحة، بضرورة توفير جميع أنواع المحاليل الطبية وضبط السوق، ومخاطبة مباحث التموين وجهاز حماية المستهلك بشن حملات تفتيشية على المحال التي تُتاجر في المحاليل خارج التسعيرة الرسمية. وقامت الوزارة -ممثلة في الإدارة المركزية للشؤون الصيدلية– بضخ ما يقرب من مليون ونصف عبوة من المحاليل الوريدية ومنها "الجلوكوز ومحلول الملح والرينجر" من خلال الشركات المنتجة إلى المديريات والمستشفيات وشركات التوزيع.
واجتمع الوزير في وقت سابق بمديري المستشفيات الجامعية والخاصة لمتابعة أرصدة ومخزون المحاليل الطبية وتحديد النواقص منها وسرعة توفيرها، وذلك في إطار دعم المستشفيات الحكومية والخاصة لتقديم الخدمة الطبية الجيدة للمريض. لكن مصدرًا بمستشفى أبو الريش، أكد لمصراوي أن أزمة المحاليل لا تزال مستمرة منذ أكثر من شهرين، رغم التحسن الطفيف في الوضع مؤخرًا.
فيديو قد يعجبك: