تقرير- مستقبل حقوق الإنسان.. خريف لا ينتهي
كتبت - هاجر حسني:
تقلبات عديدة شهدها ملف حقوق الإنسان في مصر خلال الخمسة أعوام السابقة. صدامات بين الدولة ومنظمات حقوقية انتهى البعض منها إما بالتحقيق أو الإغلاق أو التحفظ على الأموال، فيما توالت المزاعم بوجود حالات تعذيب واختفاء قسري وحبس احتياطي، والذي أصبح عقوبة لا يمكن التعويض عنها بحد وصف المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو ما وضع علامات استفهام حول مستقبل حقوق الإنسان - بشكل أخص الحريات السياسية والشخصية - في مصر.
وفي بداية العام الحالي، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تقريرًا حول حقوق الإنسان في دول العالم وبينها مصر. أشارت المنظمة الدولية إلى أن حقوق الإنسان في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي تعاني من "أزمة".
وزعمت المنظمة الحقوقية ومقرها نيويورك، في تقريرها، أن السلطات استخدمت التعذيب والإخفاء القسري بحق مواطنين كثيرين، وحظرت سفر آخرين، وربما ارتكبت عمليات إعدام خارج نطاق القضاء، وذلك ردا على تصاعد تهديدات الإرهابيين المسلحين في شبه جزيرة سيناء، والجماعات الأخرى المعادية للحكومة.
وقال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "هيومن رايتس"، إنه بات واضحًا أن "الدولة ستعمل على سحق كل رأي مُعارض، سواء بالتهديدات أو باستخدام القوة، وعلى البرلمان الجديد أن يمارس سلطاته الديمقراطية لضبط التجاوزات القمعية".
تشدد أمني
قال محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إن مستقبل حقوق الإنسان وخاصة فيما يتعلق بعمل المنظمات الحقوقية لا ينبئ بالخير، لأن السلطات الحاكمة وأجهزتها الأمنية تتبنى موقفًا متشددًا من المنظمات الحقوقية، لافتًا إلى التقارير التي تم تسريبها من بعض الجهات الأمنية عقب ثورة يناير والتي كانت تؤكد أن منظمات حقوق الإنسان هي السبب الرئيسي في إزاحة نظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ومن هنا بدأت الإشكالية حيث تم تهميش الأسباب التي أدت لقيام الثورة واختُصرت جميعًا في نشاط هذه المنظمات وما تصدره من تقارير، بحسب زارع.
وأضاف لمصراوي، أنه بعد 2011 واجه المجتمع المدني عدة إجراءات ضده من حملات تشويه وتخوين، ثم محاكمات لمنظمات أجنبية ومصرية تعمل على أرض مصر منذ سنينولها سمعة طيبة، تلاه منع نشطاء من السفر والحجز على أموالهم ومنهم من خضع للتحقيق مثل المحامي الحقوق نجاد البرعي على خلفية وضعه لقانون يكافح التعذيب، وصولا إلى قانون الجمعيات الأهلية والذي تم وضعه دون حوار مجتمعي، متابعًا "وهو ما ينذر بمدى سوء هذا القانون مقارنة بالقانون الحالي".
وبحسب التقرير السنوي الحادي عشر للمجلس القومي لحقوق الإنسان لعامي 2015 ـ 2016، فإن الدولة طورت ضغوطها كمياً ونوعياً على قطاع جماعات حقوق الإنسان، فواصلت المنع الإجباري لتلقي الجمعيات المرخصة للتمويل بشقيه الخارجي والمحلي على نحو عطل عمل هذه المنظمات بشكل يكاد يكون شبه كامل، كما واجهت الدولة انتقادات دولية حادة بسبب سياساتها في هذا المجال إجمالاً.
وبينما حاولت الدولة الحد من الانتقادات بتأكيد أنها وافقت على 93 في المئة من طلبات تلقي التمويل، فلم يستطع مسئولو وزارة التضامن االجتماعي المختصة إخفاء أن 98 في المئة من طلبات منظمات حقوق الإنسان لم تلق موافقات عليها ولــ"أسباب أمنية"، علماً بأن القانون المعيب المشار إليه والمعمول به حاليًا (قانون 84 لعام 2002) يتضمن صلاحية الجهات الأمنية في الرفض أو الموافقة، حسبما أفاد التقرير.
وأشار رئيس المنظمة العربية، إلى أن الصراع بين السلطة والمعارضة يؤكد أن الأمور لن تصب في صالح المجتمع المدني، وأنه ربما يتم استغلال الوضع في المستقبل للتنكيل بالمنظمات الحقوقية، وبالتالي فإن المستقبل القريب بالنسبة للمجتمع المدني سيكون محفوفا بالمخاطر.
كما أن هذه المنظمات ستعمل بالحد الأدنى من قوتها، وعلى المدى البعيد لن يوجد حكومات تستطيع أن تعيش بمعزل عن الحقوقي والحريات التي أصبحت جزء من المفاهيم العالمية، فعاجلا أم آجلا سيعمل المجتمع المدني بقوته السابقة، وسيصبح ما مر به المجتمع المدني بمثابة الضربة التي لا تقسم ولكنها تقوي، حسبما وصف.
"مبارك أفضل!"
يرى عزت غنيم، مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، أن الوضع الحالي يؤكد أن هذه هي أسوأ مرحلة يمر بها المجتمع المدني بشكل عام والمنظمات الحقوقية بشكل خاص، لافتا إلى ان أيام الرئيس الأسبق مبارك، كانت الأوضاع أفضل بالرغم من الضغوط التي كانت تُمارس عليه ولكنه كان يعمل سواء كان توجهه يساري أو إسلامي.
ويضيف غنيم لمصراوي، أنه عقب الثورة أصبحت الضغوط على منظمات حقوق الإنسان تُمارس بشكل أكبر، وتجلى ذلك في قضية التمويل الأجنبي إبان حكم المجلس العسكري، مما أدى لتوقف أنشطة عدة منظمات كان منها مركز هشام مبارك، بينما واجهت منظمات أخرى تضييقات مثل المبادرة المصرية لحقوق الإنسان والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
في أبريل الماضي، أثناء لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، قال السيسي: "المنطقة التي نعيش بها منطقة مضطربة للغاية ولا يمكن للمعايير الأوروبية، أن يتم قياسها ويتم النظر لها في ظل الظروف التي تمر بها دول المنطقة بما في ذلك مصر".
وأضاف الرئيس السيسي "أقول للرئيس هولاند والجميع، إن مصر حريصة على أن تؤكد أنها دولة مدنية حديثة، وأنها دولة وليدة تأخذ أولى خطواتها كدولة ديمقراطية حديثة في الشرق الأوسط، ونحن حريصون على أن يكون هناك مفهوم أوسع وأعمق للحريات وحقوق الإنسان في مصر".
وخلال استقباله لوفد مجلس الشيوخ الأمريكي بداية أكتوبر الجاري، أشار الرئيس في كلمته إلى ضرورة عدم تناول أوضاع حقوق الإنسان والحريات في مصر من منظور غربي بالنظر إلى اختلاف التحديات والظروف الداخلية والإقليمية، منوهاً إلى أن الديمقراطية عملية ممتدة ومستمرة، وأن مصر عازمة على المضي قدماً على الصعيد الديمقراطي.
لكن غنيم شدد أنه فيما يخص ضمان معايير حقوق الإنسان للمواطن، فإن الفترة الأخيرة شهدت تقديم عمال لأول مرة إلى محاكمات عسكرية مثلما حدث مع عمال الترسانة البحرية وهو أمر لم يحدث من الستينيات، بحسبه قوله.
كذلك منع التظاهرات والاحتجاجات بالقوة الجبرية بحجة عدم وجود تصاريح رغم مطالبات المحتجين بحقوق مشروعة، بخلاف ارتفاع نسبة الاختفاء القسري، على ما يقول غنيم، مستشهدا بحالة أشرف شحاته، عضو حزب الدستور المختفي منذ عامين، ومحمد صادق، محامي أسر سجناء سجن العقرب، وهو ما يدل على أن المستقبل غير مُبشر، خاصة في ظل تصريحات النظام الغير موفقة عن حقوق الإنسان، بحسب قوله.
"مستقبل مجهول"
يصف مينا ثابت، الباحث بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، المرحلة الحالية بأنها "الأسوأ فيما يخص حقوق الإنسان". قائلا إن استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان بأشخاصهم، يدل على أن مستقبل حقوق الإنسان غير معلوم، وعلى الأرجح سيستمر ما يحدث حاليا من تضييق وانتهاكات على منظمات المجتمع المدني.
وأضاف ثابت لمصراوي، أن النضال من أجل حقوق الإنسان سيستمر تحت أسوأ الظروف، وسيحدث تضييق في المستقبل على المنظمات الحقوقية وسيكون هناك انتقاص من الحقوق والحريات للأفراد خاصة في ظل القوانيين الحالية المكبلة للحريات.
وقال ثابت "طالما أن الانتهاكات مستمرة فإن العمل الحقوقي مستمر بالتبعية."
وتعرض ثابت نفسه للملاحقة، حيث وجُهت له اتهامات التحريض على استخدام العنف، والإنضمام لجماعة إرهابية، وقلب نظام الحكم وتعطيل الدستور، وقضى مدة شهر خلف القضبان، قبل أن تقرر محكمة شمال القاهرة الإفراج عنه بكفالة قدرها 10 آلاف جنيه على ذمة التحقيقات.
يستطرد مينا: "مفيش دولة في العالم مفيهاش انتهاكات لحقوق الإنسان، بس الانتهاكات دي بتختلف في مدى جسامتها ومدى المحاسبة عليها".
فيديو قد يعجبك: