ضحايا ألغام مطروح ينتظرون تعويضًا من حرب مضى عليها 71 عامًا- (تقرير)
كتب - عبدالله قدري:
يعاني المواطن عبدالله عمر -واحد من مصابي الألغام في مدينة مطروح- من قطع في كف يده اليسرى، جراء إصابته بانفجار لغم أمامه، كان ذلك في صيف عام 2000؛ حينها كان "عبد الله" قد قرر الذهاب برفقة أصدقائه إلى رحلة "سفاري"، وجد الطفل ابن الخمسة عشر عامًا، جسمًا غريبًا على الأرض، فغلبه الفضول الطفولي بأن يقترب شيئًا فشيئًا من الجسم الغريب، لمسه، كان لغمًا، فانفجر فيه؛ فأصيب ببتر في أعلى كف يده اليسرى، علاوة على بعض الشظايا بجسده وتهتكات في الأعصاب، هذا ما يعانيه عبد الله، ويعانيه ما يقرب من ثمانية آلاف مواطن ضحايا لألغام حرب مر عليها 71 عامًا.
وهناك أكثر من 8313 فرد منهم 696 قتيل و 7617 جريح مصاب منذ عام 1982 في نطاق الصحراء الغربية، بجانب وجود الكثير من الحالات غير المسجلة من إجمالي الخسائر التي قدرتها وزارة الخارجية في إحصائية لها عن الألغام عبر موقعها الرسمي.
وتُعد مصر من أكثر دول العالم تضررًا من الألغام والآثار المترتبة عليها، من خسائر في أرواح الآلاف من المدنيين، وإعاقة تحقيق الاستفادة المثلى من كافة الموارد المتاحة في المناطق التي توجد بها، فبحسب تقرير الخارجية عن حالة الألغام في مصر، فهناك ما يربو على 22,7 مليون لغم - أصبحت فيما بعد نحو 21 مليون لغم بعد جهود القوات المسلحة في إزالة مليون لغم- وأجسام أخرى قابلة للانفجار تم زرعها على الأراضي المصرية إبان الحرب العالمية الثانية 1939 - 1945، مما يمثل ما يزيد عن 20 % من إجمالي الألغام المزروعة في العالم.
وقدر التقرير نحو 17,2 مليون لغم بمنطقة العلمين بالصحراء الغربية، وفي هذا الصدد قامت القوات المسلحة وحدها بتطهير 3 مليون لغم من مساحة 38730 هكتار في الصحراء الغربية منذ عام 1981 حتى الآن بتكلفة تقدر بحوالي 27 مليون دولار.
والهكتار هو وحدة قياس فرنسية تقدر بـ10.000متر مربع أي أن الهكتار الواحد يساوي 2.381 فدان.
عبدالله واحد من أولئك الذين أصيبوا بانفجار الألغام بسبب نقص التوعية حينها، فوفق ما يروي لمصراوي، فإن ضعف التوعية وقتها عن الألغام كان ضعيفًا، وهو ما انعكس على الاهتمام الصحي من الدولة بمصابي الألغام، تمثل في عدم توفير علاج الحكومة لمصابي الألغام، وهو ما دفع عبدالله إلى العلاج على نفقته الخاصة "لأنه لم يكن هناك وقتها اهتمام بأخطار الألغام"، ولا يزال يأمل في التعويض عن إصابته التي تعرض لها في صباه.
وعن حلقات التوعية في الوقت الحاضر ومقارنتها بالماضي،كشف عبدالله أن الوضع مختلف تمامًا، "فالآن تُعقد حلقات توعية بأخطار الألغام تتبناها وزارة التعاون الدولي بالإضافة إلى المدارس الحكومية، وبعض الجمعيات الأهلية في مطروح، مشيرًا إلى أن هذه الحلقات التوعوية تتبناها المدارس في مناهجها الموجهة للأطفال."
وتزايدت في الآونة الأخيرة، جهود شعبية مدفوعة بتوجيهات حكومية، لتعويض مصابي الألغام، وتمثل ذلك في صدور حكم من محكمة القضاء الإداري بتاريخ 27 يوليو 2015، ألزم وزارة الخارجية باللجوء "إلى طرق التقاضي الدولي، بعد استنفاد الوسائل الدبلوماسية".
وأشارت المحكمة في حيثياتها، إلى أن وزارة الخارجية هي السبيل الوحيد لحماية حقوق المواطنين في مواجهة الدول الأخرى، وأنه يجب على الدولة الالتزام من تلقاء نفسها دون حاجة إلى طلب من المواطنين، وفقًا لأحكام الدستور، لحماية حياتهم من أي مخاطر تهددها ومنها الألغام التي زرعتها الدول الأجنبية في أراضيها، كما أن عليها مساعدة المتضررين من هذه الألغام في الحصول على تعويضات من الدول التي زرعتها، كما تلتزم بوضع هذه الدول أمام مسئوليتها الدولية عن رفع الألغام تحقيقًا للتنمية وحماية للبيئة".
هذه الدعوى القضائية التي صدرت العام الماضي، قدمها المحامي حميدو جميل، في عام 2013، طالب فيها وزارة الخارجية بمطالبة بريطانيا بتقديم اعتذار رسمي لمصر، وتحملها نفقات إزالة الألغام، بالإضافة إلى تعويضات للمصابين والضحايا.
في هذا السياق، يقول المحامي حميدو جميل -مقيم الدعوى- إن "الحكم القضائي الذي حصلنا عليه يحتوى على شقين، شق سياسي، وآخر قانوني". وأكد أن الشق السياسي يتمثل في استخدام مصر الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري كورقة ضغط على بريطانيا في أوقات معنية، أما الشق القانوني فيتمثل في الحصول على التعويضات اللازمة من الدول المتسببة في زرع الألغام، وهو ما نقوم به الآن.
التعويضات التي تحدث عنها حميدو، كشف عنها السفير البريطاني في مصر في تصريحات صحفية، أوردها منذ يومين، قائلًا إن بريطانيا قدمت 10 ملايين دولار لمصر لجهود إزالة الألغام من الساحل الشمالي الغربي.
لكن هذه التعويضات عبارة عن منح من الدول "الشريكة في التنمية"، ولا تندرج تحت بند التعويض، حسب ما أكد حميدو لمصراوي.
وأشار إلى أن هناك تعاون بين الحكومة وبين جمعية الناجين من الألغام، والتي حصلت على موافقة شفوية من الحكومة ومن جهاز المخابرات العامة، بأخذ خطوات الشق القانوني، للحصول على التعويضات اللازمة، مؤكدًا أنهم ليسوا بديل عن الحكومة، ولكنهم حصلوا على ضوء أخضر بمساعدة الحكومة في هذ الشق.
من ناحية أخرى، قال المحامي علي أيوب، الأمين العام لجبهة الدفاع عن مؤسسات الدولة المعنية بالتوعية بأخطار الألغام، إن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري مهد لنا مطالبة دول مثل ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، بتعويضات ضحايا الألغام، مشيرًا إلى أن الألغام تسببت في أضرار بالغة للمصابين، مؤكدًا أنهم حصلوا على توكيلات من المتضررين لرفع دعاوى قضائية في غضون الشهور المقبلة لمقاضاة بريطانيا.
وأضاف أيوب لمصراوي، أن تصريحات السفير البريطاني عن الحصول على تعويضات غير صحيحة، ومخالفة للواقع، وأن مصر لم تحصل على تعويض من الدول التي زرعت الألغام حتى الآن.
من جانبها، قالت وزيرة التعاون الدولي، الدكتورة سحر نصر، إن الوزارة حصلت على 17.5 مليون دولار من الاتحاد الأوروبي، في إطار البرنامج الإنمائي لإزالة الألغام ورعاية المصابين، مشيرة إلى أن الوزارة حصلت على معدات وأجهزة بقيمة12.5 مليون دولار، فيما خصصت المبلغ الباقي وهو 5 مليون دولار في توعية الأطفال بكيفية التعامل مع الألغام ومساعدة المصابين.
وأضافت نصر لمصراوي، مساء الإثنين، أن الوزارة ستستكمل في المرحلة المقبلة خطوات الحصول على مبالغ أخرى من الاتحاد الأوروبي، لإزالة نحو 250 ألف فدان من الألغام، وهو ما يقدر بنسبة 60% من حقول الألغام في مصر.
وأوضحت أنه تم رعاية المصابين، حيث تم إنشاء مركز للأطراف الصناعية لرعاية مصابي الألغام.
وعادت قضية مطالبة مصر لبريطانيا العظمى بتعويضات عن الأضرار الناتجة من الألغام التي زرعتها في أثناء الحرب العالمية الثانية، لتطفو على السطح مرة أخرى، ذلك بعد تصريح السفير البريطاني في مصر جون كاسن بأن بلاده سلمت مصر جميع خرائط ألغام الحرب العالمية الثانية الموجودة في منطقة الساحل الشمالي.
فيديو قد يعجبك: