اختفاء السكر..أزمة تائهة بين الحكومة والقطاع الخاص يعمقها ارتفاع سعر الدولار
تحقيق- علياء أبوشهبة محمد أبوليلة:
في بداية شهر أكتوبر الجاري استيقظ المصريون على أزمة اختفاء السكر من المحال التجارية إضافة إلى صعوبة الحصول عليه من المجمعات الاستهلاكية؛ ووسط تأكيدات حكومية بوجود مخزون ضخم، في الوقت الذي ارتفع فيه سعر كيلو السكر من 5 جنيهات إلى 12 جنيها إذا توفر وجوده.
ما سبب أزمة السكر وما هو السبيل لحلها وتأثيرها على المستهلكين والمصنعين والتجار، هذا هو ما رصده مصراوي.
الأزمة بدأت منذ عام
"الأزمة ليست وليدة شهر لكنها بدأت منذ عام"، بهذه العبارة الصادمة بدأ أحد المسؤولين في شركة خاصة لإنتاج السكر حديثه إلى مصراوي، والذي طلب إخفاء هويته، وأضاف أن مصانع السكر الحكومية وعددها 8 مصانع، طالبت الدولة بحمايتها من منافسة السكر المستورد، لكون منافسته تعوق المصانع عن تصريف منتجاتها، ما ترتب عليه تكدس المخازن بالسكر المحلي بلا تصريف، وهو ما كان يمثل خسائر كبيرة للمصانع.
مضيفًا أنه بتلك الحجة استطاعت المصانع انتزاع قرار حمائي من الحكومة، وذلك برفع التعريفة الجمركية على السكر المستورد من 2 إلى 20%، وبمجرد رفع التعريفة الجمركية للسكر المستورد بنحو 10 أضعاف تراجع الاستيراد.
أوضح المصدر أن مطالبات مصانع السكر الحكومية الثمانية للدولة بالحماية من منافسة السكر المستورد، لعدم قدرة المنتج المحلي على المنافسة، ما يترتب عليه تكدس المنتج في المخازن نظرا لتوفر المستورد بسعر أقل، وكان السعر يصل إلى 3 جنيهات ونصف للمستورد مقابل 5 جنيهات للمنتج المحلي الموزع ضمن البطاقة التموينية.
وأضاف المصدر أن تعرض المصانع الحكومية للخسائر وعدم توفر سيولة مالية لمصانع السكر لإعطاء المزارعين مستحقاتهم المالية، وكانت تضطر إلى صرف 50 % فقط من قيمة مستحقاتهم منذ بدء التوريد أول يناير؛ وهو ما دفع الحكومة لإصدار قرار برفع التعريفة الجمركية على السكر المستورد من 2 إلى 20%، وترتب عليها تراجع الاستيراد.
مخزون السكر الحكومي
منذ بداية الأزمة لم تتوقف تصريحات المسؤولين عن مخزون السكر الضخم المتوفر في المخازن التابعة للدولة، والذي يغطي احتياجات المستهلكين حتى موعد حصاد إلى حين دخول موسم الإنتاج الجديد من محصول قصب السكر في شهر يناير ومحصول البنجر في شهر فبراير، وأخرهم تصريح المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء الذي أكد في تصريحات صحفية أن السكر متوفر في مصر كلها، ويتم ضخ ١٠ آلاف طن سكر يوميًا، مؤكدًا أن مخزون السكر الحالي في مصر يكفي لثلاثة أشهر كاملة، ومتوفر في كافة المجمعات الاستهلاكية ومنافذ البيع التابعة لوزارة التموين.
وأضاف رئيس الوزراء أن مشكلة السكر ليست الوحيدة في مصر، وهذه المشكلة يمكن أن تحدث في سلع أخرى الفترة المقبلة، بسبب توقف العديد من المستوردين عن استيراد السلع بسبب ارتفاع سعر الدولار.
في الوقت نفسه توالت تصريحات محمد علي مصيلحي، وزير التموين، عن توفر مخزون كافٍ من السكر، والحديث عن ضخ وزارة التموين 178 ألف طن سكر في الأسواق منذ بداية شهر أكتوبر الجاري، كما أعلن مصيلحي عن التعاقد على استيراد 134 ألف طن، سوف يتم طرحها في الأسواق الشهر القادم، بالإضافة إلى التعاقد على شراء 500 ألف طن أخرى.
كما توالت تصريحات مديري مديريات التموين في عدة محافظات عن كفاية مخزون السكر المدعم لمدة 6 شهور.
توقف المصانع
من تبعات الأزمة معاناة مصانع الحلوى بسبب عدم توفر السكر وهو المادة الخام لمنتجاتهم، وأشهر الأزمات ما حدث في مصنع "إيديتا" للصناعات الغذائية الذي أعلنت إدارته عن توقف إنتاجه في مصر بسبب تحفظ إحدى الحملات الحكومية على مخزون المصنع من السكر وذلك بموقع الشركة ذاته، أعقب ذلك توقف الإنتاج في مصنعها في بني سويف.
وأعلنت الشركة في بيان صحفي، أنه تم التحفظ على ألفي طن من السكر؛ لأنها لم تقدم فواتير أصلية بكميات السكر المخزنة لديها بمصنعها في محافظة بني سويف، في حين أعلنت الشركة عن تقديمها الوثائق المطلوبة للسلطات نافية تخزين السكر.
وقالت منة الله شمس الدين مدير علاقات المستثمرين وتطوير الأعمال، في مصنع إيديتا لمصراوي: "قدمنا جميع الوثائق الأصلية والفواتير الخاصة بالسكر للوزارة. المصنع متوقف الآن بسبب التحفظ على ألفي طن سكر، وهو ما يكفي الشركة لمدة ثلاثة أسابيع وتم الحصول عليه من القطاع الخاص وليس من سكر التموين".
عقب الإعلان عن الأزمة التي أثارت الكثير من ردود الأفعال التي تنوعت بين الغضب والسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أصدر المستشار نبيل صادق، النائب العام يوم الأربعاء، قرارا بتسليم 2101 طن سكر متحفظ عليها بمصنع شركة "إيديتا" للأغذية بمنطقة كوم أبو راضي الصناعية بمركز الواسطي شمال بني سويف، إلى الشركة، بعد تقديم الشركة لمستندات وفواتير تثبت عدم تخزينها للسكر أو احتكاره، وإنما الحصة العادية للشركة التي تستهلكها شهريا.
رسالة سلبية للمستثمرين
تعليقا على الأزمة وتبعاتها، حذر دكتور ممدوح السيد، الخبير الاقتصادي، من خطورة غلق المصانع لعدم توفر المواد الخام؛ لافتا إلى أن ذلك لن يؤثر كثيرا على أرباح الشركة؛ لكنه يبعث برسالة سلبية إلى المستثمرين الأجانب، ومصر حاليا في حاجة شديدة لتخطي أزمة نقص الدولار الذي يعد السبب الرئيسي لأزمة السكر.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن إجمالي الاستهلاك السنوي في مصر للسكر حوالي ثلاثة ملايين طن من السكر سنويا، لكن انتاجها لا يزيد عن مليوني طن مما يضطرها إلى سد هذا العجر عبر الاستيراد، إلا أن الشهور الأخيرة شهدت ارتفاع أسعار السكر العالمية نتيجة وجود أزمة في إمدادات السكر من البرازيل؛ والتي تعبر أكبر منتج للسكر عالميا، فضلا عن الارتفاع المتزايد في سعر الدولار في السوق السوداء، وصعوبة وتعقيد إجراءات الحصول عليه بالسعر الرسمي.
كما أوضح الخبير الاقتصادي أن قرار الدولة بالحفاظ على الصناعة المصرية لم يكن خاطئا، لافتا إلى أنه كان من اللازم مواكبته ضوابط مشددة لمنع الاحتكار وهو ما يستلزم رقابة مشددة، وطالب بتشديد رقابة الوزارات الاقتصادية المختصة على مصانع السكر، عبر الفحص الدوري لحجم الإنتاج والمخزون ومستويات الأسعار، في إطار التكلفة الفعلية من أجل تجنب أي أزمات مستقبلية.
مصنع خاص
وكان محمد على مصيلحى وزير التموين قد اتهم القطاع الخاص بأنه السبب الرئيسي في أزمة السكر، نظرا لامتناعهم عن الاستيراد وتساءل: "لماذا توقف القطاع الخاص عن الاستيراد، مشيرا إلى أن البنك المركزي يوفر الدولار بالسعر الرسمي لاستيراد السلع الضرورية، ولفت إلى أن أحد مستوردي السكر قدم له طلبا بتوفير 450 ألف طن سكر لحلوى المولد النبوي الشريف.
في المقابل قال مسؤول في إحدى مصانع السكر الخاصة في العين السخنة، التي خصصت إنتاجها للتصدير منذ بداية العام، وطلب إخفاء هويته، إن إدارة المصنع اتخذت هذا القرار نظرا لأزمة الدولار وصعوبة توفر العملة في السوق السوداء فضلا عن الزيادة المستمرة في السعر، هذا بالإضافة إلى معوقات الحصول عليه بالسعر الرسمي.
أضاف المصدر أن الضوابط التي فرضتها وزارة التموين على توزيع عملية السكر، قصرت التوزيع على إنتاج الشركات الحكومية الخمسة على الشركة القابضة للصناعات الغذائية فقط، بدلا من مئات التجار ومصانع التعبئة، في حين أن الشركة القابضة للصناعات الغذائية لا تمتلك القدرات الكافية للقيام بمهمة توزيع إنتاج السكر الحكومي وحدها، وكانت النتيجة قصور التوريد على سلاسل السوبر ماركت الكبيرة، والمصانع التي تحتاج السكر في عملية التصنيع، إضافة إلى المجمعات الاستهلاكية التابعة لها.
تضرر الفلاحين
أكد رشدي عرنوط، نقيب الفلاحين، ونائب رئيس جمعية منتجي قصب السكر في الصعيد، على تضرر الفلاحين وعمال المصانع من عدم وجود رؤية واضحه لدى الحكومة للحفاظ زراعة قصب السكر وتصنيعه، مشيرا إلى تراجع المساحة المزروعة من المحصول السنوي لقصب السكر في محافظات الصعيد الخمسة المنتجة لقصب السكر وبنجر السكر وهي: قنا وأسوان وسوهاج والمنيا والأقصر، وذلك نتيجة حجم الاستيراد خلال السنوات الماضية، ما أدى إلى توقف عشرات المصانع وتشريد عشرات العمال.
التهمة: حيازة السكر
خلال أزمة السكر الحالية نقلت الصحف أخبارا عن وقائع القبض على أشخاص بحوزتهم كميات من السكر تم مصادرتها وتحرير بلاغ بالواقعة، وهو ما أثار موجه من السخرية من بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ويتم الإجراء بتهمة تحقيق أرباح غير مشروعة وبيع السكر في السوق السوداء.
"خلية السكر" هذا هو اسم الخلية التي أعلن عنها يوم 16 أكتوبر الجاري، والذين تم القبض عليهم في مقهى "السكرية" في حي مدينة نصر أثناء تخطيطهم لجمع السكر وبعض السلع الاستراتيجية من الأسواق بهدف إثارة الرأي العام.
كما أعلن القبض على مواطن في مصر الجديدة بتهمة حيازة 10 كيلو سكر بتهمة احتكار السكر ومنعه من التداول، وثبت في التحريات أنه يعمل في مقهى.
البحث عن كيس سكر
"مصراوي" حاول شراء كيلو سكر في جولة في محال السوبر ماركت الصغيرة في مناطق مدينة نصر ومصر الجديدة والهرم والسيدة زينب والقطامية، كان الطلب مثير لضحك بعض التجار، وقال عبدالغفار عادل، صاحب محل بقالة في القطامية إن نشر أخبار عن القبض على أشخاص بتهمة حيازة السكر دفعه لتجنب بيعه والتخلص السريع من المخزون الموجود لديه؛ وهو ما أسعد أصحاب المقاهي الذين باع لهم بضاعته المخزنة، مضيفا أن أكياس سكر البودرة لقيت رواجا من المستهلكين بوصفها بديل.
في "كارفور" اختفى السكر تماما بخلاف الشائعات المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن توافره، وفي سلسلة شهيرة للسوبر ماركت في مساكن شيراتون في مصر الجديدة وضعت الإدارة شرطا مشددا لشراء السكر وهو كيس واحد لكل مشتري، وتوقف بيع السكر بعد تزايد إقبال المواطنين.
وأظهرت الجولة توفر السكر في بعض المجمعات الاستهلاكية ويتم توزيعه من خلال بطاقة التموين، وأيضا من خلال سيارات التوزيع، ومن خلال المنافذ التابعة للقوات المسلحة.
"نادين مصطفى" فتاة عشرينية استغلت حبها لإعداد الحلوى من أجل تأسيس صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك من أجل بيع الحلوى لاسيما في أعياد الميلاد، وقالت ل"مصراوي" إنها متوقفة عن نشاطها في الفترة الحالية نظرا لأزمة السكر، لافتة إلى أنها بذلت مجهودا كبيرا من أجل شراء نوع محلي وصفته بأنه "ردئ" أفسد ما أعدته فقررت التوقف لحين حل الأزمة.
"منيرة عبدالهادي" صاحبة أحد المقاهي في حي السيدة زينب قالت ل"مصراوي" إنها شددت على العاملين لديها منذ بداية الأزمة على الاقتصاد في استخدام السكر، واختفى الطلب الشهير "شاي سكر بره"، وهو ما يغضب كثيرا من زبائنا، موضحة أن توفير السكر ليس مهمة سهلة وتتطلب منها الكثير من البحث.
معاناة التجار
أوضح حسن الفندى رئيس شعبة السكر بالغرفة التجارية بالقاهرة، أن مصر تنتج 2 مليون طن تقريبا وتستورد مليون طن تقريبا، ويتم استيراد سكر خام لأنه أرخص من السكر المصنع، ومن أجل تشغيل المصانع وهو ما يحدث طوال ال 15 عام الماضية.
أضاف أن الشركات والمصانع الحكومية ظلت تستغيث من عدم قدرتها على سداد المحصول للمزارعين نتيجة عدم قدرتهم على تسويق منتجهم وتراكم المنتج في المخازن، وكانت النتيجة استجابة رئيس الجمهورية وإصدار قرار برفع التعريفة الجمركية على السكر المستورد، وتبعه قيام دكتور خالد حنفي، وزير التموين السابق، بمخاطبة المصانع وطلب شراء 80% من أرصدة المصانع بسعر 4500 جنيها، لكنه لم يشتري السكر الخام وقت الاحتياج ولكن اشترى منتج السكر وتم صرفه من خلال بطاقة التموين قبل الأزمة.
وأشار فندي، إلى أن تداول مصطلح جشع التجار يظلمهم، بدليل عدم حدوث أزمة سكر خلال السنوات الماضية، بسبب سياسات العرض والطلب، وهو ما يدفع للتساؤل حول عنصر المفاجأة بين معدل الإنتاج والاستهلاك لماذا تم التعامل معه كأنه مفاجئ، وهو ما يكشف عن سوء تنظيم وسوء إدارة للأزمة زاد من تعقيدها ارتفاع أسعار الدولار في السوق السوداء، وقال:" المعاناة من نصيب جميع الأطراف".
وتوقع "فندي" انتهاء الأزمة مع حصاد المزروعات في الموسم الجديد بعد معرفة حجم الاستهلاك بدقة والتأكد من عدم كفاية المنتج المحلي.
فيديو قد يعجبك: