القصة الكاملة لأزمة المدارس التجريبية وظاهرة "الأطفال المغتربين" - (تقرير)
كتبت - ياسمين محمد:
"طفل مغترب" مصطلح أصبح من الممكن، أن تسمعه الآن إذا مررت بجانب وقفة احتجاجية من الوقفات المتعددة التي ينظمها أولياء أمور الأطفال المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بالمدارس الرسمية "التجريبية سابقًا".
من المعتاد أن يتم قبول الأطفال بالمدارس المتواجدة في المحيط الجغرافي لمحل سكنهم، لتفادي المخاطر التي قد يتعرضون لها إذا تم قبولهم بمدارس بعيدة، كمخاطر المواصلات والزحام، إلا أن الأمر بات مختلفًا إذا تحدثنا عن المدارس الرسمية "التجريبية".
عدد محدود من المدارس الرسمية، يتقدم إليه سنويًا آلاف الأطفال الذين يرغب أولياء أمورهم في حصولهم على تعليم أفضل بتكلفة أقل، فالمدارس الرسمية والمتميزة، تتيح تعليمًا يضاهي ما تقدمه المدارس الخاصة واللغات، وفي نفس الوقت تحصل مصروفات أقل مقارنة بالمصروفات التي تحصلها تلك المدارس.
تتكرر الأزمة كل عام، بمحافظتي القاهرة الجيزة خاصة، حيث تزداد الكثافة الطلابية، ونظرًا لقلة عدد قاعات رياض الأطفال المتاحة، ترفع المديريات التعليمية سن القبول بهذا النوع من المدارس، حتى بات طبيعيًا أن يبدأ من 5 سنوات للمرحلة الأولى برياض الأطفال، على الرغم من أن مرحلة رياض الأطفال تبدأ من سن 4 سنوات.
وبعد موافقة أولياء الأمور على الانتظار لمدة عام كامل من أجل إلحاق أبنائهم بتعليم أفضل، إلا أن عدم توافر الأماكن جعل المديريات التعليمية ترفع سن القبول ليصل في محافظة القاهرة إلى 5 سنوات و4 أشهر، ومحافظة الجيزة إلى 5 سنوات و5 أشهر ببعض القطاعات، و5 سنوات و 7 أشهر بقطاعات أخرى، مع العلم بأن الطالب الذي يتجاوز سن الـ5 سنوات، لا يحق له الالتحاق بمرحلة رياض الأطفال العام الدراسي المقبل حيث سيتجاوز سنه الـ6 سنوات.
أطفال يواجهون الاغتراب
إلى جانب ارتفاع سن القبول بالمدارس التجريبية، يأتي "الاغتراب"، حيث يتم قبول طلاب في إدارات بعيدة عن الإدارات التابع لها محل سكنهم، فيقول أحمد أمين أحد أولياء الأمور، إنه قاطن بإدارة المعادي التعليمية، وتم قبول نجلته البالغة من العمر 5 سنوات و8 أشهر بإدارة المعصرة التعليمية.
ويزداد الأمر سوءًا، مع معرفة أن ولي الأمر لديه ابنة أخرى بالصف الثاني الابتدائي تم تسكينها بإدارة المعادي التعليمية، وبالتالي فإنه يتحمل مشقة تفريق الأسرة، وعليه أن يذهب صباح كل يوم إلى اتجاهين معاكسين.
ويضيف محمد كامل أحد أولياء الأمور، أنه تابع لإدارة الهرم التعليمية وتم قبول نجله بإدارة أكتوبر بمحافظة الجيزة، مشيرًا إلى رفض قبولها بالهرم تحت مبرر الكثافة العالية.
ويذكر ولي الأمر، أنه قدم عدة اقتراحات لمديرية التربية والتعليم بالجيزة لحل المشكلة، تتمثل في إنشاء فصول لرياض الأطفال يتحمل تكلفتها أولياء الأمور، أو تقسيم اليوم إلى فترات صباحية ومسائية، وكذلك التسكين المؤقت للطلاب حتى إنشاء فصول جديدة، ولكن كل هذه الاقتراحات قوبلت بالرفض.
وحملت المديريات التعليمية أولياء الامور مسؤولية تغريب أبنائهم، حيث إنهم من اختاروا المدارس التي تم تسكين أبنائهم بها عند إدخالهم الرغبات بعد فتح باب القبول إلكترونيًا.
وعلق أحمد أمين ولي الأمر على رد المديرية التعليمية بأنه كان مضطرًا لوضع مدرسة بعيدة عنه ضمن رغبات التقديم، حيث يتعين على كل ولي أمر اختيار 5 رغبات لتسكين نجله، في حين أن إدارته التي يقطنها لا يوجد بها سوى 3 مدارس تحوي قاعات رياض أطفال، فكان لا بد عليه أن يختار رغبتين أخريين خارج إدارته.
واستنكر ولي الأمر، أن يتم تسكين نجلته بإدارة أخرى قائلًا: "معقول طفلة عمرها أقل من 6 سنوات تروح مسافة أكتر من ساعة ونص يوميًا واختها بتروح في اتجاه تاني خالص !".
وقفات احتجاجية
بعد إعلان نتائج المراحل المتعددة لتنسيق القبول برياض الأطفال بمحافظتي القاهرة والجيزة، والتي أسفرت عن عدم قبول عدد كبير من الأطفال الذين تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات، وقبول عدد آخر بإدارات تعليمية بعيدة عن محل سكنهم، لم يجد أولياء الأمور حلًا سوى تنظيم عدة وقفات احتجاجية، أمام وزارة التربية والتعليم، ومحافظتي القاهرة والجيزة.
وتمثلت مطالب أولياء الأمور في قبول كافة الأطفال المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بالمدارس التجريبية حتى سن 5 سنوات، وتحويل الأطفال لمحل سكنهم، بالإضافة إلى لم شمل الأسرة بحيث لا يتم قبول طفل في إدارة تعليمية، وشقيقه بإدارة أخرى بعيدة عنها.
وبعد عدة وقفات احتجاجية لأولياء الأمور أمام محافظتي القاهرة والجيزة، كان آخرها وقفات اليوم الاثنين، قررت مديرية التربية والتعليم بالقاهرة، إتاحة مرحلة ثالثة لتنسيق القبول بمرحلة رياض الأطفال بالمدارس الرسمية لاستيعاب كافة الأطفال المتقدمين.
ووضع اللواء كمال الدالي محافظ الجيزة، الأمر في يد الدكتورة بثينة كشك مديرة مديرية التربية والتعليم بالمحافظة، حيث وجهها بدراسة شكاوى أولياء الأمور وتسكين الطلاب بحسب الأماكن المتاحة.
ورغم إعلان مديريتي التربية والتعليم بالقاهرة والجيزة دراسة مشكلة تسكين الأطفال فوق سن الـ5 سنوات بمرحلة رياض الأطفال، إلا أنهم لم يتطرقوا لأزمتي فتح التحويل بين المدارس لتقليل اغتراب الأطفال، ولم الشمل، وذلك تحت مبرر الأولويات.
حلول مرتقبة
على الرغم من بدء أزمة المدارس الرسمية والمتميزة منذ سنوات، بحيث يشهد كل عام كثافة عددية للمتقدمين لمرحلة رياض الأطفال تفوق بكثير الأماكن المتاحة بالمدارس، إلا أن وزارة التربية والتعليم بدأت تخطو خطوات قد تحل الأزمة خلال السنوات المقبلة تتمثل في "مشروع الاستثمار في التعليم"، وهو المشروع الذي أطلقه الدكتور الهلالي الشربيني وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، مؤكدًا أنه لا يهدف إلى خصخصة التعليم، ولكن للقضاء على أزمة الكثافة التي يعاني منها التعليم المصري، وتوفير تعليم جيد بتكلفة مناسبة بالنسبة لبعض الطبقات التي اتجهت للمدارس الرسمية والمتميزة بدلًا من الحكومية.
وأكد الوزير، أن الدولة ملتزمة بتوفير تعليم مجاني لكل طفل، ولكن هناك فئات معينة تسعى لإتاحة تعليم أفضل لأبنائها وفي نفس الوقت تبحث عن التكلفة الأقل، لذا تتجه للمدارس الرسمية "عربي ولغات"، وهو النوع الذي سيتم إنشاؤه من خلال مشروع "الاستثمار في التعليم".
ويقوم المشروع على نظام حق الانتفاع بين الدولة والمستثمرين، بحيث توفر الدولة الأرض، ويقوم المستثمر ببناء المدرسة وصيانتها، وتعيين المعلمين، وإدارة المدرسة، واختيار اسمها، وذلك لمدة تتراوح ما بين 30 إلى 40 سنة، مع إمكانية استمراره في الإدارة من خلال عقد جديد تحت إشراف وزارة التربية والتعليم.
وانطلقت المرحلة الأولى من المشروع بداية العام الدراسي الحالي 2016/ 2017، وتستهدف بناء 200 مدرسة على غرار المدارس الرسمية والمتميزة.
فيديو قد يعجبك: