المراحيض.. عقبة هامة أمام اندماج اللاجئين
بون/ألمانيا – (دويتشه فيله):
يضطر اللاجئون للتأقلم على أشياء عديدة في حياتهم الجديدة، لكن أن يضطروا لذلك في تفاصيل بسيطة كالمرحاض كان أمراً غير متوقع لديهم. DW حاولت رصد تلك المشكلة التي واجهت بعض اللاجئين وكيف يتعاملون معها.
بعد أيام وربما أشهر من السير عبر أوروبا هرباً من الحرب في سوريا، كان الهم الأكبر لدى معظم اللاجئين هو الوصول والعثور على حمام مريح ونظيف، بعد اضطرارهم لقضاء حاجاتهم في العراء أحياناً أو في أماكن غير نظيفة خلال رحلة هروبهم، لكن عندما وصل عدد كبير من اللاجئين إلى أوروبا أصيبوا بصدمة من هذه الناحية، فالمرحاض أو "بيت الراحة" كما يطلق عليه في بعض مناطق سوريا كان صادماً، فهو لم يأتِ على شاكلة ذاك الذي اعتاد معظمهم عليه في بلادهم.
المرحاض "العربي" كما يطلق عليه في سوريا هو عبارة عن فتحة في الأرض موصولة بفتحة التصريف تستخدم عادة بحالة القرفصاء، وهو شائع في بعض الدول العربية وعدد من دول آسيا كالصين والهند والفلبين، على عكس المرحاض البورسلاني الذي ينتشر في أوروبا وأميركا ويعرف بـ"التواليت الافرنجي" والذي شكل أزمة لبعض الوافدين الجدد.
ببساطة لم نعتد عليها
"معاناة المواطن السوري في ألمانيا تبدأ من المراحيض... فالوطن أو المنزل هو ذلك المكان الذي تشعر فيه بالراحة التامة عندما تدخل المرحاض". هكذا يصف المدون واليوتيوبر السوري فراس الشاطر حياة اللاجئ في كتابه "أنا أتقرب من ألمانيا" الذي صدر حديثاُ، ويتحدث فراس عن الموضوع معتبراً الأمر أحد أبرز الصعوبات التي تواجه اللاجئ، إذ سيضطر للتعود على طريقة أخرى للشعور "بالراحة" غير تلك التي اعتاد عليها.
وللتأكد من ذلك توجهت إلى أحد مخيمات اللجوء في مدينة بون حيث التقيت جوان الذي قال لـDW عربية "عندما وصلت إلى ألمانيا كنت متفاجأً لأنني لم أجد مراحيض كتلك التي اعتدت عليها، لذا واجهت بعض الصعوبات، وأخذت بعض الوقت لأعتاد عليها، لكن الآن كل شيء جيد، كنا نعرف الحمام "الافرنجي" في سوريا لكن استخدامه لم يكن شائعا في منطقتنا".
في حين رأى محمد، 23 عاماً، وهو سوري وصل إلى ألمانيا منذ 9 أشهر، ويقيم في بون أيضاً أن "المسألة لا تتعلق بمستوى التحضّر، لكن نحن شعوب شرقية، ونستخدم المرحاض بطريقة مختلفة، لذا تعتبر المراحيض هنا أحد أهم مشاكلنا، حتى الآن لم أعتد عليها، لكن لا يمكنني فعل شيء فعلي دخوله يومياً".
أنظف وصحي أكثر
الباحثة الألمانية "جوليا أندرز" والمتخصصة فى علم الأحياء بينت في كتابها Charming Bowels الذي يركز على أفضل الطرق الصحية لقضاء الحاجة أن أفضل وضعية لعملية "الإخراج" هو وضعية "القرفصاء" وهي بالتالي أفضل من وضعية الجلوس العادي على المراحيض الحديثة، مضيفة أن الأمر يتعلق بالعديد من النواحي الصحية الخاصة بالقناة الهضمية، حيث تقلل هذه العملية من حالات الإمساك وتمنع وجود البكتريا.
فيما يجد العديد من السوريين الحمامات "العربية" أنظف، خاصة أنها لا تسمح بحدوث تلامس على كرسي المرحاض، مما يعني انتقالاً أقل للجراثيم خاصة في المناطق المزدحمة كمخيمات اللجوء، والأمر دفع ببعض اللاجئين للقرفصاء فوق كرسي المرحاض، ما أدى لكسره، فقام الألمان بوضع تعليمات لاستخدام المراحيض أزعجت البعض كأبو أسامة الذي يقيم في ولاية براندبورغ والذي أعتبر هذه الأمور مهينة.
أبو أسامة أخبر DW عربية أنه عندما رأى في مركز اللجوء الذي كان يسكنه تعليمات دخول الحمام لم يفهم لم، وأضاف: "وزعوا علينا كتيب باللغة العربية تقول لا تصعدوا فوق الكرسي أو لا تتبولوا واقفين، هذه المعلومات أزعجتني فنحن لم نأتِ من مناطق بدائية، ونعرف كيفية استخدام الحمام، كما أنهم لا يجب أن يحددوا لي فيما إذا كان يجب علي أن أتبول واقفاً أم لا، ما دمت أحافظ على النظافة العامة".
وتضيف أم أسامة الأم لطفلين أحدهما في الرابعة أن "الدخول إلى المرحاض بات يشكل أسوأ كوابيسها، خاصة مع طفلةٍ صغيرة، فالأطفال بحاجة للاغتسال وهذا غير متوفر مما يعني حساسية في الجلد، كما أنها تضطر لتنظيف الحمام قبل استخدامه خوفاً من الأمراض التي قد تنتقل من ملامسة الكرسي.
أما أحمد فيتحدث عن مغامراته في كسر المراحيض منذ قدم إلى ألمانيا، فلم يستطع التأقلم مع الكرسي ما كان يدفعه للقرفصاء فوقه وينتهي الأمر به أحياناً بكسر الغطاء أو الانزلاق، حتى مع التعليمات، ويعلق أحمد ضاحكاً: "لا بد أن أكون مرتاحاً، كل شيء سيء من حولي، على الأقل يجب أن أجد الراحة في المرحاض".
القنينة سلاحنا السري
المسألة لا تقف عند شكل المرحاض فقط، فالأمر يتجاوز ذلك إلى ملحقاته، فلا يخلو أي حمام عربي من وسيلة للاغتسال بعد قضاء الحاجة، على الأقل خرطوم معلق بجانب المرحاض، بينما يستخدم الألمان ورق الحمام فقط. كما أن بعض المراحيض العربية تحوي قطعة منفصلة للغسيل، لما للأمر من أهمية عند المسلمين بشكل خاص فيما يتعلق بمسألة الطهارة والوضوء، وتعتبر هذه المشكلة أهم من شكل المرحاض، ما دفع السوريين لابتكار طريقة تمكنه من تجاوز هذه المشكلة، وهنا برزت "القنينة" كـ"سلاح سري".
بدأ العاملون في المخيمات يألفون مشهد دخول اللاجئين إلى الحمام برفقة "قنينة بلاستيكية" مليئة بالماء، لاستخدامها للاغتسال، وهو أمر لم يفهمه العديد منهم في البداية، وبسبب أهمية هذه "القنينة"، تناقلت صفحات الفيس بوك المعنية في التواصل مع اللاجئين ما أسمته "نصائح للوافدين الجدد إلى أوروبا" كان منها أنه على اللاجئ حمل "قنينة" معبأة بالمياه دائماُ إلى المرحاض، وذلك بسبب اختفاء "الخرطوم" من الحمامات الألمانية والأوروبية عموماً.
وهنا يقول عبده الذي يعيش في بون أيضاً لـDW عربية منذ سنتين "اعتدت على مسألة المرحاض البورسلاني، لكني أواجه مشكلة الخرطوم، يومي الأول في ألمانيا كان معضلاً لأني لم أجد الخرطوم في الحمام، فبدأت بالصراخ لصديقي فبدأ بالضحك"، ويتابع عبده ضاحكاً: "كنت أقيم عند صديق يعيش هنا منذ سنوات، أي أنه مندمج بشكلٍ جيد، لذلك لم يكن لديه قنينة في المرحاض، وعندما طلبت منه أن يجلب لي واحدة للداخل قال لي: اخرج واشرب ما شئت لكن في الحمام الأمر غريب"
الأمر غير ممكن حالياً
في بعض مخيمات اللجوء بدأت الحكومة بإنشاء مراحيض "عربية" لكن الأمر مكلف جداً لأنه يجب إنشاء شبكة تصريف كاملة، لذا "من الأسهل أن يعتاد الناس على طبيعة المراحيض هنا"، هذا ما قاله المسؤول في أحد المخيمات في بون.
لكن هل يمكن تعديل الحمامات هنا؟ هذا ما سألته DW عربية لأبو ماهر السمكري السوري الذي قدم لاجئاً إلى ألمانيا منذ عامين ويقيم في برلين، وهو يرى أن "الأمر مكلف لذلك من الصعب توفيره في كل منزل، وفي الغالب فإن اللاجئين غير قادرين على تحمل نفقته، كذلك فإن شبكات التصريف لا تكون قادرة على تحمل هذه الخدمات، أو تكون الحمامات غير مجهزة مكانياً أو تصريفياً لوضع قطع جديدة، عدا عن أن معظم الحمامات لا تحوي فتحات تصريف "بالوعات" ما يجعل الأمر صعباً أثناء التخلص من المياه".
ويشير السمكري البالغ من العمر 52 عاماً إلى أن عقود الإيجار في ألمانيا تفرض على المستأجر عدم تغيير أي شيء في مواصفات المنزل، ما يجعل الأمر مستحيلاً عند ثقب أو تمديد شبكات جديدة للحمامات.
"منظمة المراحيض الألمانية" من جانبها أعدت بالتعاون مع الوكالة الاتحادية للإغاثة التقنية مذكرة توصيات وجاء فيها "يتعين تجهيز المراحيض بما يتناسب مع الثقافات المختلفة"، وأضافت المذكرة أنه بسبب عدم إمكانية تطبيق تلك التوصيات في أغلب الأحيان، فإنه يمكن التخفيف من حدة هذه المشكلات عبر التواصل والتوعية، مشيرة في ذلك إلى إمكانية الاستعانة في نزل اللاجئين بـ"استشاريي نظافة" من الأفراد المنحدرين من المنطقة العربية والذين يعيشون في ألمانيا منذ فترة طويلة.
تفاصيل عديدة يحتاج اللاجئون لترتيبها في حياتهم الجديدة، وتفاصيل يحتاجون وقتاً ليعتادوا عليها، لكن عليهم أن يسلموا منذ الآن أنهم حتى عندما سيحصلون على منازلهم الخاصة، ربما لن يتمكنوا من الحصول على "بيت راحة" كما يتوقعونه.
فيديو قد يعجبك: