حوار- مسؤول البنك الدولي: لابد من التحول إلى الدعم النقدي.. واقترح تغيير نمط اقتصاد مصر
حوار – محمد عمارة:
قال الدكتور حافظ غانم، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن دبي في الإمارات العربية المتحدة وتشيلي في أمريكا الجنوبية تعدان نموذجين ناجحين في مجال تحسين مناخ الاستثمار، الأمر الذي تحتاجه مصر في الفترة الراهنة.
وأضاف غانم في حوار مع مصراوي أن الاقتصاد العالمي يتغير؛ الأمر الذي يؤثر على اقتصاد مصر بالضرورة خاصة دخل قناة السويس وحركة الصادرات والسياحة، مشيرا إلى أن العقد الاجتماعي في أغلب الدول العربية يرجع إلى الخمسينيات، وهو القائم على توفير الدولة للسكن والوظائف والتعليم والصحة، وأن هذا العقد بحاجة إلى تغيير، فضلا عن ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية بتحويل دعم السلع إلى دعم نقدي مباشر.
وإلى نص الحوار:
ما هو تأثير التغير الدائم في الاقتصاد العالمي على مصر؟
النمو الإقتصادي العالمي انخفض هذا العام لعدة أسباب، من أهمها: انخفاض معدل النمو في الاتحاد الأوروبي وأيضا في الصين الذي كان له تأثير على كل الاقتصادات العالمية وتأثير هذا على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان من خلال انخفاض سعر البترول نتيجة لانخفاض الطلب العالمي. ويؤثر انخفاض النمو الدولي على مصر بعدة مجالات: أولها، أن انخفاض سعر البترول له تأثير على طلب العمالة للدول المصدرة للبترول وذلك يؤثر على تحويلات المصريين في الخارج التي تعتبر من أهم مصادر الدخل في مصر، وثانيا: انخفاض النمو في الخليج يؤثر على انخفاض الاستثمارات في مصر، وثالثا، أن مصر تعتمد على الدعم من دول الخليج وانخفاض البترول يؤثر على قدرتها على دعم مصر، ورابعا: انخفاض النمو العالمي والتجارة الدولية له تأثير مباشر على دخل قناة السويس، وخامسا: أن انخفاض النمو له تأثير على الصادرات المصرية وعلى عدد السائحين في مصر
وما هو دوركم تحديدا في مساعدة مصر للتغلب على هذه الأزمات؟
استراتيجية البنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تهدف إلى المساهمة في تحقيق الاستقرار والسلام. وهذا التغيير ناتج عن تقديرنا أنه من الصعب تحقيق النمو الاقتصادي ومحاربة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية في ظل الاضرابات السياسة والحروب الأهلية. فبالطبع تحقيق الاستقرار والسلام له أبعاد سياسية واجتماعية لا تدخل في نطاق عمل البنك الدولي ولكن له أيضا أبعادا اقتصادية. ولذلك فإن الاستراتيجية الجديدة للبنك تعمل على معالجة المشاكل الاقتصادية التي تؤدي إلى الاضرابات. على سبيل المثال، هذه الاستراتيجية تعمل على تحسين الفرص للشباب وكذلك على تنمية المناطق الأكثر فقرا مثل الصعيد في مصر أو المنطقة الغربية في تونس. نحن نعمل في ظل هذه الاستراتيجية على مساعدة الدول العربية لتحقيق العدالة الاجتماعية المهمة جدا لتحقيق الاستقرار. وبالطبع نحن نعمل في شراكة وثيقة مع المؤسسات الدولية المختلفة وخاصة مع الأمم المتحدة والبنك الأفريقي والبنك الإسلامي للتنمية.
ما هي القطاعات الرئيسية التي يمكن أن يتحقق من خلالها هذا؟
التعاون الإقليمي مهم جدا للتنمية الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ولذلك فنحن نعمل على زيادة التعاون من خلال أربع مبادرات في مجالات التعليم والمياة والطاقة والشباب.
ما هو تقييمك لحالة المنطقة حاليا، ودور البنك في دعم الاستقرار وتحقيق السلام وتجديد العقد الاجتماعي؟
العقد الاجتماعي في الدول العربية يرجع إلى الخمسينات والستينات من القرن الماضي وهو عقد اجتماعي يعتمد على ثلاث نقاط أساسية، أولها: الدولة توفر التعليم والصحة المجانية للمواطنين، وثانيها، أن الدولة تدعم أسعار السلع الأساسية والسكن، وثالثها: أن الدولة والقطاع العام تقدم فرص العمل للشباب وخريجي المدارس والجامعات.
هذا العقد الاجتماعي لا يتناسب مع الواقع الحالي للقرن الواحد العشرين لسببين رئيسيين، أولا: أن الدولة والقطاع العام لا تستطيع توظيف جميع الخريجين، وثانيا: أن الدولة لاتستطيع دعم أسعار السلع واستهلاكها للغني والفقير. لذلك أعتقد أن الدول العربية بحاجة إلى تغيير العقد الاجتماعي كما فعلت دول العالم خاصة دول آسيا ودول أمريكا اللاتينية.
والتغييران الأساسيان هما: تبديل دعم السلع إلى دعم نقدي مباشر للطبقات المحتاجة، وثانيا: إعطاء أولوية التنمية وتحقيق فرص العمل للقطاع الخاص، هذه هي التغييرات التي رأيناها في الدول التي حققت نجاحا كبيرا في التنمية مثل ماليزيا والمكسيك والبرازيل واندونيسيا.
كيف يمكن أن يساعد البنك مصر في الإفاقة من عثرتها الاقتصادية الحالية؟
عملنا في مصر يركز على مساعدة الحكومة المصرية لتحقيق هدفها في مجال العدالة الاجتماعية ولهذا أغلب مشاريعنا وتمويلنا تتجه للمجالات الإجتماعية مثل برنامج تكافل وكرامة وبرنامج تنمية الصعيد وبرنامج تحسين خدمات الصرف الصحي. ونحن نمول هذه المشروعات من خلال آليتين، الأولى: التمويل لدعم الميزانية، والثانية: التمويل لمشروعات محددة مثل تكافل وكرامة وتحسين شبكات الأمان الاجتماعي.
طالبت في اجتماعات الربيع للبنك الدولي بتغيير نظام الدعم في مصر إلى دعم نقدي، لماذا؟
أغلب دول العالم غيرت منظومة الدعم من دعم الأسعار إلى الدعم النقدي وحدث هذا في المكسيك والبرازيل. وهذا التغيير يحدث لسبب أساسي وهو تحقيق العدالة فعندما تدعم الحكومة السلعة - مثلا البترول - يستفيد الغني صاحب السيارات من الدعم أكثر من الفقير الذي قد لا يحصل على أي من هذا الدعم.. هل هذه عدالة؟! الغني الذي يمتلك منزل كبير به عدة وحدات تكييف وثلاجات يحصل على دعم أكبر من الحكومة التي تدعم الكهرباء من الفقير الذي يسكن في مسكن بلا تكييف أو ثلاجات ولا يحصل على دعم.. هل في هذا عدل؟ لذلك فإن أغلب دول العالم توقفت عن دعم أسعار السلع وأصبحت تدعم الفقراء نقديا وكل الدراسات الاقتصادية تشير إلى أن هذا يحقق المزيد من العدالة الإجتماعية.
ما الذي يحتاجه الاقتصاد المصري حاليا كخطوة جوهرية لا غنى عنها؟
تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعتبر من أهم المحاور لزيادة فرص العمل للشباب. في الدول المتقدمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة توفر ثلثي الوظائف. لتنمية هذا القطاع في مصر يجب العمل على محورين؛ أولا: تحسين مناخ العمل والقضاء على البيروقراطية لتسهيل الإجراءات الخاصة بإنشاء الشركات والعمل. الشركات الكبرى لديها قدرة على العمل حتى في المناخ الصعب وتستطيع أن تعمل حتى في مناخ يكثر فيه الفساد. ولكن المستثمر الصغير ليس لديه الإمكانيات ولذلك فإن البيروقراطية ومناخ العمل الصعب والفساد لهم تأثيرا أكبر على المستثمر الصغير من الكبير. ثانيا: إلى حانب هذه التغييرات نحتاج أيضا إلى برامج خاصة لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولتسهيل حصول صغار المستثمرين على الإئتمان والعقارات والبنى التحتية التي يحتاجون إليها. وهذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة تحتاج إلى تكنولوجيا حديثة وتسهيلات للوصول إلى الأسواق الداخلية والدولية.
مثلما تحاول السعودية تغيير نمط اقتصادها بعيدا عن الاعتماد على قطاع النفط، هل الاقتصاد المصري يحتاج إلى تغيير نمطه أيضا؟
أقترح تغيير هام جدا في نمط الاقتصاد ليكون أكثر إشتمالا ولتحقيق فرص للشباب ولتنمية المناطق الأكثر فقرا هذا يعني أهمية تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وأهمية الاستثمارات في المناطق الفقيرة مثل الصعيد وخاصة الاستثمارات التي تساعد المزارعين لأنهم الأكثر حاجة في مصر.
مصطلح تحسين مناخ الاستثمار فضفاض أكثر من اللازم، كيف يمكن أن نترجمه لخطوات بحسب خبراتك الدولية الواسعة؟
تحسين مناخ الاستثمار مصطلح متعارف عليه دوليا ويغطي عدة نقاط منها: القوانين واللوائح التنظيمية التي تؤثر على المستثمرين والمنظومة الضريبية والإجراءات الجمركية والقدرة على الاستيراد والتصدير وكفاية البنية التحتية مثل الكهرباء وخدمات الإتصالات والانترنت والطرق ونظام القضاء والعدالة واحترام العقود
هذه هي الخطوات العملية التي يجب اتخاذها لتحسين مناخ الإستثمار. وقد نجحت دول كثيرة على تحسين مناخ الاستثمار ومن أفضل النماذج التي يمكن مراجعتها على الصعيد العالمي هي تشيلي وفي العالم العربي هناك نموذج دبي.
فيديو قد يعجبك: