دماء "إدارة الأزمات" تتفرق بين التنسيق والتنفيذ.. والنتيجة "إقالة محافظ"
كتب - محمد عمارة وندى الخولي:
غالبًا ما تسفر جهود الحكومة في ملف إدارة الأزمات والكوارث عن اتخاذ قرارات تتعلق بتشكيل لجان لإدارة الأزمة، وقد ترقى في بعض الأحياء لإقالة المحافظ؛ إلا أن تلك الإجراءات قد لا تكون بالضرورة رادعة لتكرار نفس السيناريو في كوارث وأزمات أخرى.
ما حدث في الإسكندرية والبحيرة في أكتوبر ونوفمبر من العام الماضي، بعدما ضربت السيول الجارفة المحافظتين ما راح ضحيتها ستة قتلى، وتضررت مئات الأسر، وغرق قرية عفونة بالكامل؛ تكرر هذا العام في مدينة رأس غارب بمحافظة الغردقة، حيث لقي ٢٢ مواطنًا مصرعهم وأصيب عشرات آخرين.
ووصل حجم خسائر المدينة من موجة السيول إلى 120 مليون جنيه وفقًا للتقديرات الأولية، فى الوقت الذى تواصل فيه اللجنة المشكلة من مديرية التضامن الاجتماعى حصر أعداد المتضررين والمصابين لتقديم الإعانات المالية والإنسانية لهم.
جزء من الأزمة، يكمن في تفرق المسؤولية على أكثر من إدارة وجهة تنفيذية وتنسيقية؛ حيث أكد اللواء علي هريدي، رئيس لجنة إدارة الأزمات والكوارث في مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، أن دور اللجنة ليس تنفيذي، وإنما يقتصر فقط على التنسيق بين المحافظات وجهات الدولة، وتقديم اقتراحات بشأن مواجهة الأزمات وكيفية حلها.
وأضاف هريدي لـ"مصراوي": إن لجنته تقدم تقارير دورية لمجلس الوزراء الذي يقوم بدوره بإطلاع وسائل الإعلام علي عمل اللجنة وتوصياتها، موضحا: نتابع كل الأزمات وأهمها أزمة السكر والسيول وارتفاع الأسعار وغيرها، وفي أزمة سيول مدينة رأس غارب بالبحر الأحمر، لم يكن دورنا هو إزالة الطريق المقام على منطقة مخرات سيول، لكن التحذير والتوصية بإغلاقه.
وكذا قطاع التفتيش والمتابعة بوزارة التنمية المحلية، أخلى مسؤوليته التنفيذية عن مثل تلك الأزمات والكوارث، حيث قال جمال عبد المنعم، رئيس قطاع التفتيش والمتابعة بالوزارة، إن القطاع مهمته هندسية بحتة، ويعمل بموجب التكليفات والقرارات التي يتم تكليفه بها.
واختصر عبد المنعم، مسؤولية القطاع في الإشراف الهندسي على مخرات السيول والتأكد من صلاحيتها وعملها بكفاءة.
ولم يجب مسؤولو وزارة التنمية المحلية بدءً من الوزير ومستشاريه، وصولًا لمديري مكاتب إدارة الأزمات في المحافظات، على هواتفهم للحديث في كيفية إدارة أزمة رأس غارب، ومنع تكرارها في محافظات أخرى.
الجانب الثاني من أزمة الإدارة تحدث عنه وزير التنمية المحلية الأسبق، قدري أبو حسين، الذي قال إن الحكومة الحالية تعاملت مع أزمة رأس غارب بقدر من الكفاءة فيما بعد انتهاء السيول فقط، بينما كان تعاملها مع مرحلتي ما قبل السيول وأثنائها، "على غير المأمول"، كما هو حال التعامل مع الأزمات السابقة.
وقسَم وزير التنمية المحلية السابق، إجراءات التصدي لمثل هذه الأزمات والكوارث الطبيعية، إلى ثلاث مراحل هي إجراءات ما قبل الكارثة، وأثنائها، وإجراءات ما بعدها بما فيها من نتائج.
وشرح أبو حسين "المرحلة الأولى تتم من خلال بناء مخرات السيول المتعارف عليها بالتنسيق مع وزارة الري، وتقام وفقًا لإجراءات واشتراطات محددة، ويتم مراجعتها وصيانتها حتى لا تكون مسدودة استعدادًا لمثل تلك الظواهر الطبيعية، كما يشترط أن تكون قوية بما فيه الكفاية لمواجهة تلك الأخطار المحتملة، لتقليل الأضرار في أضيق نطاق".
أما المرحلة الثانية والتي تتم أثناء السيول، فتكون عبارة عن "اتخاذ الإجراءات العاجلة لفتح المخرات وتصريفها أولا بأول"، ضاربًا المثل بمحافظات الوادي التي تحتوي مخراتها على مخارج تصرف في النيل بماشرة.
وبالنسبة للمرحلة الأخيرة فتعتمد على التعامل مع نتائج ما بعد السيول، من خلال تصريف المياه المتجمعة والأكوام الطينية، وصرف التعويضات وإصلاح التلفيات وغيرها.
وأكد الوزير السابق - الذي عاصر سيول عام ١٩٩٤ - أن الكوارث الطبيعية تخرج عن إطار الاستعدادات والسيطرة إذا حلت بشكل مباغت وغير متوقع، مشيرًا إلى أن طبيعة التعامل مع تلك الكوارث الطبيعية يختلف من محافظة لأخرى، وفقا لطبيعة كل محافظة، ومناخها وتربتها وطبيعة مخرات السيول ومصباتها.
وكانت محافظات صعيد مصر، قد تعرضت لموجة مفاجئة من السيول والأمطار الشديدة في نوفمبر عام 1994، نتيجة وجود منخفض جوي قادم من جنوب قارة أوروبا، تزامن معه وقتها نشاطًا كبيرًا لمنخفض السودان الموسمي الدافئ، وتلاحم المنخفضين عمل على خلق تلك الحالة الشديدة من عدم الاستقرار"، بحسب ما أعلنته الأرصاد الجوية حينها.
وتعرضت محافظات أسوان، والفيوم، والسويس، والغربية، وجنوب سيناء، وكفر الشيخ، والمنوفية لسيول أدت لارتفاع منسوب المياه في الشوارع بصورة لم تشهدها مصر منذ أكثر من 60 عامًا.
وتسببت تلك الموجة الممطرة في خسائر مادية وبشرية كبيرة للغاية؛ حيث لقي أكثر من 600 مواطنًا في أسيوط مصرعهم أغلبهم من قرية درنكة التي غرقت بالكامل ذلك اليوم.
وقدرت الخسائر المادية وقتها جراء غرق واحتراق القرى وانهيار المنازل والطرق، بحوالي ملياري جنيه مصري.
أما بشأن المخاوف من تكرار سيناريو الإسكندرية، هذا العام مجددا، خاصة إذا ما فاقت السيول حجم التوقعات؛ فقال رضا فرحات، محافظ الأسكندرية، إن محافظته اتخذت كافة التدابير لمنع حدوث أزمة النوة التي شهدتها الأسكندرية العام الماضي وتسببت في إقالة هاني المسيري المحافظ السابق.
وأضاف فرحات، قائلًا: "عملنا نموذج محاكاة لما قد يحدث، مثل النوات التي شهدتها المحافظة أيام 24 و26 أكتوبر من العام الماضي، وجاهزين لاستقبال السيول، ولن يحدث شيئ في حال حدوث ما نتوقعه إلا في حالة الكوارث فقط".
فيديو قد يعجبك: