حقوق أهل النوبة من تسويف الحكومة الى وعود البرلمان
(دويتشه فيله)
طفت على السطح من جديد في مصر أزمة النوبيين المستمرة منذ عقود؛ فبعد بصيص أمل زرعه الدستور الذي صوت عليه الناخبون المصريون في 2014، تعقدت الأمور مرة أخرى مع إصدار الرئيس السيسي قرارا بضم 922 فدانا من أراضي النوبة.
قضى القرار الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 10 آب/ أغسطس الماضي بضم الأراضي المشار اليها إلى مشروع "المليون ونصف المليون فدان" وطرحها على المستثمرين في المزاد العلني، الأمر الذي أطاح بأحلام النوبيين في إعادة التوطين في المنطقة الواقعة في نطاق أراضيهم التي هجروا منها على مرحلتين، الأولى مع بناء سد أسوان في الربع الأول من القرن العشرين، والثانية مع بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي.
اثار القرار احتجاجات أهل النوبة. الاحتجاجات شملت مناطق عدة من محافظة أسوان أقصى صعيد مصر، وكانت أبرزها مسيرة رفعت شعار "قافلة العودة النوبية"، بدأت مساء السبت بتجمع 19 حافلة من 44 قرية نوبية في مركز نصر النوبة.
توجهت المسيرة الضخمة إلى منطقتي توشكى وخورقندي، لكن قوات الأمن قطع طريق القافلة عند الكيلومتر 43 في طريق أسوان- أبوسمبل، الأمر الذي زاد من الاحتجاجات الغاضبة حتى أن مشاركين أوقفوا الحركة في بعض الطرق أبرزها طريق أسوان-أبوسمبل. كما جرت اشتباكات بين المحتجبن وقوات الأمن، فيما أفادت تقارير محلية بإصابة مواطنين اثنين خلالها.
على اثر ذلك دعا النوبيون إلى الاعتصام في مكان الاشتباكات في طريق أسوان-أبوسمبل، ما استدعى تدخل قيادات المحافظة والمشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع السابق، بحسب تقارير محلية. وتجري حاليا مفاوضات بين الحكومة وقيادات من النوبيين لتلبية مطالب أهالي النوبة.
ومن أهم مطالب النوبيين هي استبعاد أراضيهم سواء أراضي "توشكى أو خورقندي" من مشروع المليون ونصف فدان، ومنحها لأصحاب الأرض من النوبة ليعيشوا فيها ويستثمروا بها.
أزمة ثقة
هناك ازمة ثقة اليوم بين الحكومة والنوبيين، وبهذا السياق يقول الناشط النوبي عبد الدايم عز الدين إن أهالي النوبة لا يثقون في أنه "سيكون هناك رد إيجابي من جانب الحكومة، بالنظر لتجاربهم السابقة حيث انعدمت التنمية في النوبة وتجاهلت الحكومات المتعاقبة مطالب الأهالي".
وأضاف عز الدين في حديث مع DW عربية "لكن على أرض الواقع لم تتخذ الحكومة أية إجراءات مبشرة أو سليمة إزاء تلك الأزمة" ، يأتي هذا القول رغم الموقف الإيجابي الذي اتخذته الحكومة من مطالبهم والذي تمثل في حق العودة وتفعيل المادة 236 من الدستور، وتعديل القرار الجمهوري للمادة 444 لسنة 2014 .
وأشار الناشط النوبي إلى أن جذور الأزمة تمتد لأكثر من 115 عاما بين حكومات وأنظمة متعاقبة وأن هناك حالة من الغضب لأن مشكلة النوبة باتت مزمنة. على نفس المنوال سار رئيس الاتحاد النوبي السابق، هاني يوسف، الذي قال في حديث مع DW عربية إن النوبيين لا يتوقعون ردود فعل إيجابية من الحكومة "فنحن تعودنا منهم على التسويف، والوعود، وما تفعله السلطات كلما ثارت ثائرتنا هي أن تقوم بامتصاص الغضب عبر جلسات صلح دون خطوة حقيقية".
وعود برلمانية
غير أن النائب ياسين عبد الصبور عضو مجلس النواب عن دائرة نصر النوبة في حديث نقله موقع "اصوات مصرية" قال إن رئيس البرلمان علي عبد العال، وعد بحل الأزمة وتنفيذ مطالب أهل النوبة، موضحا أنه تم الاتفاق في البرلمان على النظر في مشروع قانون لإعادة التوطين وتنمية النوبة أعدته الحكومة في عام 2015.
من جانبه، اضاف النائب سيد خليل، عضو مجلس النواب عن مركز إدفو في أسوان، أن موقف الحكومة من قضية أهل النوبة سيكون "إيجابيا"، متوقعا ألا تمانع الحكومة في الاستجابة لمطالبهم ، ولا تعترض على منحهم كافة حقوقهم، اذا ما كانت هذه المطالب لا تمس السيادة المصرية، ولا تضر بحقوق الأخرين أو تنتقص من حقوق أهالي أسوان لأن أسوان تضم قوميات أخرى.
وأكد خليل في حديث مع DW عربية أن حق العودة مكفول لأهالي النوبة "إذا لم يمس سيادة الدولة المصرية".
أما عن استبعاد أراضي النوبة من البيع ضمن مشروع المليون ونصف المليون فدان، قال النائب البرلماني إنه لم يتم حتى الآن تحديد المساحات التي شملها قانون بيع الأراضي للمستثمرين، ولم يتضح ما إذا كانت هناك أراض نوبية يشملها هذا القرار أم لا.
وردا على ما تردد بشأن مشروع القرار ضم 922 فدان من أراضي توشكى وخوقندي، قال النائب سيد خليل إن الحكومة شكلت لجنة لتحديد المساحة والاحداثيات وتأكيد ما إذا كانت تلك المناطق ضمن الأراضي المطروحة للمستثمرين أم لا. وشدد على أن "ما يقال في هذا الصدد حتى الآن غير مؤكد."
تهديد بتدويل القضية
بيد أن الناشط النوبي عبد الدايم عز الدين يشكك في الأمر، ويقول "هناك وفد بالفعل من البرلمان قام بزيارة النوبة، لكن لم يكن هناك أي دور حقيقي لهم (للوفد البرلماني)، ولم يتغير من الأمر شيء."
وقال إن المفاوضات مع الحكومة "مجرد كلام.. فهي (الحكومة) أصدرت ذلك القرار لرغبتها في بيع أراضينا للمستثمرين، وبهدف تذويب ثقافة وهوية أهالي النوبة في المجتمع".
وهدد الرئيس السابق للاتحاد النوبي بتدويل القضية ما لم يتم التوصل إلى حل مع الحكومة. وقال "نفكر جديا في التصعيد على المستوى الدولي وتقديم مذكرة المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي ورفع قضايا ( قانونية) على الحكومة المصرية.. لن نسمح للحكومة ببيع أرض أجدادنا".
واستنكر النائب الأسواني فكرة التدويل واللجوء للقضاء الدولي، مشيرا إلى أن مصر لا يمكن أن يحدث بها ذلك، وأنّ من يطالب بذلك بالتأكيد ليس مصري، وأن تلك المطالب هي أجندات خارجية تحاول بث الفتنة في مصر لأن الإخوة النوبيين يرفضوا ذلك الأمر".
وأشار هاني يوسف إلى تعاون سابق مع محامي دانماركي متخصص في القانون، لرفع دعوى أمام المحكمة الأفريقية والتقدم بشكوى لكل من لجنة حقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبي، وأيضاً المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، " للمطالبة بحق العودة إلى الأراضي النوبية قبل التهجير، وذلك أثناء فترة تولي مرسي للحكم، من خلال (لجنة) تحكيم دولي، لكنا توقفنا في إجراءاتنا القانونية بعد 30 يونيو/حزيران 2013".
وطالب رئيس الاتحاد النوبي الأسبق على حسابه الخاص بفيسبوك بلقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي لوضع تصور نهائي لحل القضية النوبية "لو أن هناك جدية للحل وليس التسويف".
فيديو قد يعجبك: