كلام عابر: في الصحافة والسياسة مع طلال سلمان (1)
كتب - سامي مجدي:
الحديث عن ومع الأستاذ طلال سلمان، رئيس تحرير صحيفة السفير اللبنانية، يطول. قصر الوقت أمام كثرة ما رتبت في ذهني للقاء. اضطرني ذلك إلى العروج إلى رؤوس موضوعات على أن أترك الأستاذ يجول كما يحلو له وألزمت نفسي ألا أتدخل إلا في حدود الإيضاح اللازم لفهم فكرة ما.
استقبلني الأستاذ في مكتبه في مقر الجريدة التي مر على تأسيه لها 42 سنة، ثلاث مرات. المرة الثانية كان محورها الأستاذ طلال عن "صحافي القرن" و"معلم الأجيال" الأستاذ محمد حسنين هيكل – رحمه الله -. تحدث الأستاذ سلمان من موقع التلميذ والزميل ثم الصديق فيما بعد.
أما الثالثة فكانت الأطول واستغرقت اكثر من ساعة وربع الساعة. خلالها تحدثنا في السياسة والتاريخ بشكل أساسي، وحال العالم العربي وخاصة مصر وسوريا التي تبعد عما كنا نجلس أكثر قليلا من 100 كيلومتر.
في المرتين الثانية والثالثة كنت وحيدا مع الأستاذ طلال.
أما الأولى فكانت بصحبة الأستاذ والزميل خالد البلشي، رئيس تحرير صحيفة البداية ووكيل نقابة الصحفيين، وفيها انصب حديثنا على الصحافة في مصر وبالطبع في لبنان، مع بعض السياسة هنا وهناك.
سأل الأستاذ طلال وأجبنا. سألنا وأجابنا.
لم يكن هناك مفرا من أن نبدأ حوارنا أو بالأحرى نقاشنا بالسؤال عن القنبلة التي فجرتها السفير في صدر صفحتها الأولى يوم الخميس 24 نوفمبر، بعنوان رئيسي: طلائع عسكرية مصرية في سوريا. وعنوان فرعي: 18 طيارا ينضمون إلى قاعدة حماه الجوية.
أحدث الخبر ضجة استدعت نفيا رسميا من القاهرة . زاد من وقع الخبر أنه جاء بعد تصريحات للرئيس عبد الفتاح السيسي للتلفزيون البرتغالي قال فيها إنه يجب مساعدة الجيوش النظامية في مناطق الصراعات مثل سوريا وليبيا واليمن، الأمر الذي فسره البعض بأنه يأتي مع تصاعد الخلاف المصري السعودي والذي ظهر على السطح مع تصويت مصر قبل أكثر من شهرين لصالح قرار روسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن حلب.
كما استدعى الخبر أيضا طلب السفير المصري في لبنان لقاءً مع الأستاذ طلال لنفي الخبر ونشر توضيح. نشرت الصحيفة التوضيح المصري لكنها تمسكت بصدقية ما نشرته، وهو ما أكده لنا الأستاذ طلال في اللقاء.
تحدث وكيل نقابة الصحفيين المصريين عن واقع الصحافة في مصر الذي "لا يسر عدو ولا حبيب" على ما يقول المثل الشعبي. فنقيب الصحفيين، يحيى قلاش، وعضوي مجلس النقابة، البلشي وجمال عبد الرحيم يواجهون حكما - غير نهائي - بالسجن لمدة عامين وغرامة 10 آلاف جنيه لكل منهم لإيوائهم صحافيين اثنين مطلوبين.
والمعروف أن الحكم على قلاش والبلشي وعبد الرحيم جاء بعد سبعة أشهر من المحاكمة؛ حيث تعود القضية إلى ابريل الماضي عندما اقتحمت قوات الأمن مبنى نقابة الصحفيين وسط القاهرة للقبض على الصحفيين، عمرو بدر ومحمود السقا، المطلوبين بسبب احتجاج ضد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بترسيم الحدود البحرية مع السعودية والتي نقل بموجبها تبعية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر الأحمر إلى المملكة.
وينظر مراقبون ومدافعون عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان إلى القضية على أنها "مُسيسة"، ويتهمون الحكومة بالتضييق على حرية الرأي والتعبير، والسعي لإسكات كل صوت ناقد للاتجاه الحكومي.
حال الصحافة في لبنان، لا يختلف كثيرا عن حالها في مصر من ناحية الحريات والاقتصاد وتراجع الصحافة المطبوعة أمام سطوة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي لا يمكن لأي من وسائل الإعلام في أي مكان في العام الدخول في منافسة معها.
هكذا يرى الأستاذ طلال سلمان.
ينظر الصحافي اللبناني إلى الأمر نظرة أوسع وأشمل، حيث يشير إلى نقص - ربما انعدام - الثقافة لدى كثير من الصحفيين. يرى أن "الهاتف الجوال" سبب رئيسي فيما آلت إليه الأمور. "لم يعد الناس يقرأون كما كان من قبل... إضافة إلى هجر اللغة العربية. هناك أجيال جديدة لا تتحدث العربية ولا تكتبها!،" يقول الأستاذ سلمان.
طال الحديث وتشعب. وكما كل مقابلة صحافية هناك ما يحق نشره وهناك ما لا يحق نشره طبقا لظروفها وتوقيتها. لذا نكتفي بهذا الجزء من المرة الأولى من اللقاءات الثلاث مع الأستاذ طلال سلمان في حضور الأستاذ خالد البلشي.
الثانية.. محمد حسنين هيكل
ما ان ذكرت اسم الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي غادر عالمنا في فبراير الماضي عن عمر ناهز التسعين عاما، حتى لمعت عينا "التلميذ والزميل ثم الصديق" طلال سلمان. عاد الصحافي اللبناني وهو ينظر إلى سقف مكتبه بذاكرته إلى مطلع سبعينات القرن الماضي، حيث التقى لأول مرة مع "صحافي القرن" وأجرى معه أول مقابلة نشرت في مجلة "الصياد" في 10 يونيو 1971.
يقول سلمان: "ظللت أنا وهيكل أصحاب حتى يوم وفاته."
عشية الوفاة كان سلمان في القاهرة للإطمئنان على صديقه هيكل. غير أن الظروف الصحية منعت لقاء الصديقين كالعادة؛ فعاد أدراجه إلى بيروت، لكنه لم يكد يرتاح من رحلته حتى داهمه خبر وفاة الأستاذ هيكل.
يرى طلال سلمان أن هيكل صار أهم عندما ترك الأهرام، التي تولى رئاسة تحريرها خلال الفترة الممتدة من الممتدة من 1957 حتى 1974. وقتها ذاع صيت الصحيفة شبه الرسمية حتى باتت تُعرف بأنها "نيويورك تايمز" العالم العربي، لكنه أُبعد عن الصحيفة بعد انتقادات وخلافات في الرؤى مع الرئيس أنور السادات، ليصبح صحفيا حرا.
يقول سلمان "وقتها (خلال توليه رئاسة تحرير الأهرام) كان الجميع ينتظر هيكل لأنه كان تقريبا الناطق الرسمي باسم عبد الناصر. لذلك كان مغبونا. كان ظلاً (لعبد الناصر)." لكن بعد الوفاة تفجرت موهبته أكثر وأكثر.
ويعتبر سلمان أن معظم كتابات هيكل بعد وفاة عبد الناصر أهم من كتاباته في حياة الزعيم، وخاصة بعد 74 واختلافه مع السادات. "لم تكن تعرف كيف يضع حدودا بين رأي عبد الناصر ورأي هيكل،" على ما يقول سلمان.
يصف طلال سلمان هيكل بأنه "عارفة"، أي العارف بكل شيء. هذا يعود إلى أن هيكلا "كان قارئ هائل. ملتهم للكتب. هائل المعارف والمعلومات. دائرة معارف. مات والكتاب في يديه."
في حديث سلمان عن هيكل تشعر ومدى دفء وعمق العلاقة بينهما التي امتدت 45 سنة منذ لقاءهما الأول بداية سبعينات القرن الماضي.
تغزل سلمان كثيرا في مناقب "أستاذ الأجيال" هيكل، الذي عده مرجعا أساسيا لم يريد أن يدرس التاريخ السياسي للمنطقة العربية خلال القرن الماضي. "كتبه، وقد ترك مكتبة كاملة، عمليا تؤرخ لمرحلة كاملة، فهي مرجع أساسي لمن يبحث عن تاريخ المنطقة خاصة في الخمسين ستين سنة الأخيرة."
عندما أثرت الربيع العربي وثورة يناير في مصر بالتحديد، اكتسى وجه الأستاذ سلمان بمسحة حزن بانت كثيرا في صوته وكلماته القليلة الذي بدى منها أنه لا يريد الحديث كثيرا عنه.
قال في اقتضاب "خاب أمله (هيكل) خيبة عظيمة في ثورة يناير.. كلنا خاب أملنا في الربيع العربي."
في المرة القادمة يغوض الأستاذ سلمان فيما يراها أسباب خيبة الأمل هذه، والتي اتضح من كلامه أنها تعود إلى عقود طويلة إلى الوراء.
فيديو قد يعجبك: