"زينب" تبحث عن حقها في غياب قانون لمعاقبة الأطباء.. "تركوا مقص في بطنها"
كتبت - هاجر حسني وأحمد جمعة:
اضطرت "زينب رضوان" لإجراء جراحة لاستئصال ورم حميد على الرحم، في سبيل التخلص من الآلام التي لم تفارقها لمدة شهور، لكن أمالها تبددت عقب ساعات من خضوعها لتلك الجراحة، إذ زادت أوجاعها الأمر الذي لم يكن في حسبان أطباء المستشفى بمنطقة مصر الجديدة.
تجرعت زينب -اسم مستعار حسب رغبتها- علاجات مكثفة لتخفيف تلك الآلام، قبل أن تذهب لإجراء فحوصات جديدة، وتكتشف حينها بأن الطبيب ترك "مقص الجفت" في مكان الجراحة، وهوّ المتسبب في تلك الآلام. انتفضت عائلتها، وتواصلوا مع المستشفى والطبيبة "أ. ع" لتوبيخهم والسعي لملاحقتهم قضائيًا وتأديبيًا، وإجراء جراحة جديدة لنزع "الجفت".
تأمل عائلة السيدة الستينية أن تستجيب نقابة الأطباء إلى الشكوى المقدمة ضد الطبيبة. يقول أحمد عصام أحد أقاربها: "هذه الطبيبة مُهملة مع فريق التمريض، ولابد من إيقافهم وأبلغنا النقابة بما حدث وأرسلنا الأشعة المقطعية، وتقرير مستشفى النزهة بخصوص الحالة".
لا يرى الدكتور هشام عطا، مساعد وزير الصحة للتنمية البشرية، ضرورة لإقرار قانون مُنفصل لـ"معاقبة الأطباء"، حيث يقول إن هناك "مجلسًا للتأديب في النقابة، وشؤون قانونية ونيابة إدارية، وهناك قضايا تصل إلى المحكمة التأديبية بسبب الإهمال الطبي وعدم الانضباط والتسيب والأخطاء المهنية. هذا دورنا في محاسبته إن أخطأ الطبيب، ويصل ذلك إلى حد إيقافه عن العمل".
وأضاف "كان لدينا مشروع خاص بإضافة مجلس تأديب داخل الوزارة مثل الجامعات، يُحاسب الطبيب داخله مباشرة دون اللجوء للنيابة الإدارية، لكن البرلمان رفضه".
ورفضت لجنة الصحة بمجلس النواب، مشروع قانون مقدم من وزارة الصحة بشأن معاقبة الأطباء والذي خلا من أي مواد خاصة بمحسبة الأطباء على الإهمال الطبي، وأوضح عصام القاضي، عضو اللجنة، أن اللجنة قررت تأجيل مناقشة القانون فقط وليس رفضه حتى يتم إصلاح المنظومة الطبية وتوفير الإمكانيات للطبيب قبل محاسبته، لافتاً إلى أن القانون المقدم من الحكومة لم يتعلق بمعاقبة الأطباء على الأخطاء المهنية ولكن على أمور أدارية كالتأخير وعدم التواجد في المستشفى، حسب قوله.
في الوقت الحالي، يُحاسب الأطباء في حالات الإهمال الطبي من قِبل 3 جهات، أهمها جهات عملهم الإدارية بالمستشفى الخاضع لها، والسلطات القضائية حال تقدم المريض ببلاغ، ونقابة الأطباء التي تتراوح عقوباتها من الإنذار حتى الشطب نهائيًا من السجلات، ويُعد هذا الإجراء بمثابة "شهادة وفاة" الطبيب، إذ لا يمكنه إعادة مزاولة المهنة، بحسب رشوان شعبان، الأمين العام المساعد للنقابة ورئيس لجنة التأديب.
وقال شعبان، إن جميع الإجراءات التي تضمن محاسبة الأطباء عن الأخطاء المهنية تتم في هذه الجهات بشكل كافي ولا يحتاج الأمر لقانون أو جهة أخرى لتوقيع عقوبات على الطبيب المخطئ، كذلك هناك قوانين تُحاسب الأطباء المخطئين مثل قانون العمل والخدمة المدنية، فلا معنى لوجود قانون آخر.
لا ترغب أسرة زينب رضوان في مقاضاة الطبيبة للحصول على تعويض مادي: "إحنا عاوزين نمشي في إجراءات إنها تتوقف، زي ما غلطت تتعاقب طالما مستهترة، ممكن الغلطة تتكرر مع غيرنا"، وأشار أحمد عصام إلى تحسن حالتها حاليًا ولكنها مرّت بأيام شديدة الألم "لا تتخيل وجع إنها تضطر تعمل عملية مرة تانية في نفس المكان علشان نطلع المقص".
في عام 2010 تقدم حمدي السيد، نقيب الأطباء ورئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب آنذاك، إلى البرلمان بمشروع قانون خاص بالمسؤولية الطبية مكون من 27 مادة، واستحدث القانون "اللجنة العليا للمسؤولية الطبية" وتختص اللجنة بتقديم الرأي بناءً على طلب النيابة العامة أو المحكمة المختصة أو الجهة الصحية في حالات وجود الخطأ الطبي من عدمه، مع بيان سببه والأضرار المترتبة عليه إن وجدت وعلاقة السببيه بين الخطأ والضرر وأية أمور أخرى تطلب منها، وكذلك مخاطر المهنة المتعلقة بالممارسات الطبية، وحظى القانون بمناقشة إلا أنه لم يُقر.
وعن عدم وجود قانون لمحاسبة الأطباء جنائياً، تقول إلهام المنشاوي، عضو لجنة الصحة بالبرلمان، إن المجلس حتى الآن لم يتلق أي مشروعات مقترحة لقانون المساءلة الجنائية للأطباء في حالات الإهمال من الحكومة، كما أن مجلس النواب لا يمتلك مقترحات خاصة بهذا القانون لأنه يسير وفق الأولويات على الأجندة التشريعية.
وطرحت نقابة الأطباء العام الماضي، مشروع قانون يحمل ذات الاسم، للحوار المجتمعي لأعضائها لإبداء الرأي فيما تضمنه من بنود، ونص القانون على أن الإخلال بالمسؤولية الطبية يقع على مقدم الخدمة الطبية إذا قام بإجراء طبي تجاوز المعايير المهنية والطبية المتفق عليها عن جهل وليس إهمال منه، وقوع ضرر على متلقي الخدمة الطبية يسبب له المعاناة، ثبوت علاقة سببية بين تجاوز المعايير والضرر الواقع على متلقي الخدمة.
يقول الدكتور أحمد فتحي، عضو مجلس نقابة أطباء القاهرة، إن النقابة قدمت مشروع القانون للجنة المقترحات بمجلس النواب بغرض تمريره إلى اللجنة التشريعية ولكنها تلقت ردًا غير رسمياً بأنه ليس هناك نية لمناقشة قانون المسؤولية الطبية في ظل وجود أولويات أخرى، مضيفا أن أهمية إقرار القانون تنبع من أن جرائم الإهمال الطبي لها طبيعة خاصة وليست جرائم إرهابية حتى يتم العقاب عليها من خلال قانون العقوبات، رغم وجود قوانين مشابهة في دول كثيرة.
ويرى علاء غنام، مسؤول ملف الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن هناك ضرورة لوجود قانون المسؤولية الطبية حالياً خاصة في ظل مطالبات عديدة بإصدار القانون منذ فترة "ومش عارف ليه متأخر لدلوقتي"، بحسب قوله.
ويقول غنام إن الإجراءات الحالية لمحاسبة الأطباء غير كافية خاصة وأنها تستند للائحة النقابة والتي تكون غير ملزمة للطبيب وتعتمد على أحكام تقديرية، أما في حالة وجود قانون سيكون هناك تعريفات محددة للإهمال الطبي وعقوبات واضحة لمحاسبة المقصرين.
بينما يوضح المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق، أن الطبيب الذي ارتكب خطأ طبيًا وترتب عليه وقوع حالة وفاة أو تسبب للمريض بعاهة مستديمة يتم محاسبته من خلال نصوص مواد قانون العقوبات الخاصة بهذه الحالات، فعلى سبيل المثال إذا تسبب الطبيب في حالة وفاة بالخطأ يعاقب بالحبس لمدة 3 سنوات، قائلاً إن العقاب في هذه الحالة كافي لأنه لم يقصد وقوع هذا الخطأ، ووجود قانون آخر لمحاسبة الأطباء لن يجعل الوضع مختلفاً لأن الأهم هو تنفيذ القانون وعدم الإفلات من العقاب وتطبيقه على كل من يخطئ.
فيديو قد يعجبك: