إعلان

العائدون من حلب: الجيش الحر لا يتردد في فتح النار على الراغبين في الخروج من قبضته

03:14 م الأربعاء 28 ديسمبر 2016

كتبت – نانيس البيلي:

ليلة واحدة، فصلت بين تواجدهم داخل أتون الحرب السورية بحلب وسط القصف والمعارك الدائرة بين الجيشين الحر والنظامي، وبين قدومهم إلى مصر وشعورهم بالأمان الذي افتقدوه منذ اندلاع الحرب قبل 6 سنوات.

داخل منزل متواضع مكون من 5 طوابق، بمدينة السلام، استقرت الأسرة المصرية التي أعادتها الخارجية لتوها من حلب، صباح الأحد، تواجد "كمال" برفقة زوجته "غفران" وأطفالهم الأربعة ومعهم 3 من أبناء شقيق له استشهد عام 2012، العائدون جميعهم تواجدوا داخل شقة بسيطة بالعقار استأجرها شقيقه الأوسط "مصطفى" فور عودته من سوريا بعد عام واحد من اندلاع الحرب ليسكن فيها مع زوجته "فاتن" وأطفالهما الأربعة، 15 شخصا احتضنهم المسكن الصغير.

بوجوه منهكة، تنطق بالمعاناة، تحكي المأساة السورية.. تصف العائلة المصرية أول ليلة يقضونها بعيداً عن القصف وصوت الرصاص وكيف كانت قلوبهم تنبض بالفرحة، وأنهم رغم شعورهم بالأمان ظلوا متوجسين انتظاراً لسقوط قذيفة أو دوي طلقات كما اعتادوا خلال سنين الحرب، ويحكي "كمال" كيف مازح أسرته "قلتلهم حد ينزل يخبطلي أي حاجة يعمل صوت عشان أعرف أنام" فتتعالى ضحكات الجميع.

مكالمة السفارة المصرية لعائلة "كمال"، كانت البشرى الوحيدة السارة خلال السنوات الستة التي تلت الحرب السورية، الأمل في الحياة لاح في الأفق مرة آخري، المهمة الأصعب كانت الانتقال من حلب الشرقية التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر إلى حلب الغربية الواقعة تحت سلطة الجيش النظامي.

مشهد خروج الأسرة من حلب الشرقية كان مروعًا؛ فالوصول إلى حلب الغربية كان يتطلب عبور مسافة قصيرة تقدر بـ 500 متر، تفصل بين المنطقتين، تأهب "كمال" وأسرته لمغادرة المنطقة، خرجوا من منزلهم دون أن يصطحبوا أي متعلقات، فقط ما يرتدونه من ملابس، بمجرد أن رآهم الجيش السوري الحر هدد بقنصهم " كان جنبنا مسلحين قالولنا إذا طلعت هرشك".

لا يتردد الجيش السوري الحر في فتح النيران على من يحاول التوجه إلى حلب الغربية، بحسب أسرة "كمال"، ويشيرون إلى أنه كان يستخدم الأهالي بحلب الغربية كدروع بشرية أمام قوات النظام بالمنطقة الغربية من المدينة، ولا يسمحون للمدنيين بالمغادرة "كانوا يخافوا إننا إذا طلعنا ما نرجع"، تتعجب "غفران" زوجة "كمال" من تنوع جنسيات أفراد الجيش الحر "كان كل واحد يحكي لغة شكل" وتشير إلى أن أغلبهم كانوا "مرتزقة" والقليل فقط سوريين.

لم تترد الأسرة كثيراً في قرار التحرك نحو "حلب النظام"، فالانصياع لتهديد المسلحين كان بمثابة انتظار لموت محقق، بينما كانت المجازفة هي الأمل الوحيد في النجاة، حمل "كمال" طفله "إمام"، وحملت زوجته "غفران" طفلهما الصغير "زكريا" وأمسك كلاً منهما بيد الطفلين "عبدالرؤوف" و"محمد"، وأخذوا يركضون لعبور المنطقة، ليبادرهم الجيش السوري الحر بوابل من الرصاص، وتبدأ معركة حامية الوطيس بين الجيشين "الحر" و"النظامي"، بينما تحاول الأسرة الفرار وسط حالة من الهلع والرعب وحبس الأنفس، وصرخات وبكاء الأطفال الأربعة.

تقول "غفران": "خفت على زكريا الصغير وقعدت بالأرض وضممته لصدري في وقت يشير لنا الجيش النظامي من الجهة المقابلة بمواصلة التحرك".

هتاف من الجيش النظامي "تعالوا إحنا بنغطي عليكم" لم يبعث الطمئنينة في قلب غفران وطفلها وسط تبادل إطلاق النار بين المسلحين والجيش النظامي هكذا توصف غفران المشهد.

وصلت الأسرة إلى منطقة حلب الغربية لدى قوات النظام، تنفس الجميع الصعداء، وبدأوا في التقاط أنفاسهم والشعور بشيء من الأمان.

تقول غفران إن الجيش النظامي قام بالاتصال بالسفارة المصرية لإخبارهم بوصلونا اليهم "قالولهم العيلة المصرية تم خروجها وبقت عندنا".

أسبوع كامل كانت المدة التي أقامتها أسرة "كمال" لدى قوات النظام "حطونا في بيت، كان صغير جداً بس أمان"، عقب ذلك حضر إليهم أفراد من السفارة المصرية واصطحبوهم داخل سيارتين "فخمتين" إلى مقر السفارة بدمشق، وقاموا بإنهاء بعض الإجراءات والأوراق الرسمية، وطلبوا منهم أن يرتاحوا بفندق حجزت لهم غرفة فيه، على أن يستكملوا تلك الإجراءات في اليوم التالي.

مكثنا يومين بالفندق ، أخبرتنا بعد ذلك السفارة المصرية بسوريا بتاخر الطائرة التي ستقلنا إلى مصر ، فاصطحبنا أفراد السفارة الى منزل بجوار مقر القنصلية، بحسب "كمال"، قاطعته زوجته غفران "البيت كان واسع وفخم أسبوع آخر مكثنا فيه"، سافر زوجي "كمال" خلال تلك المدة إلى مصلحة الأحوال المدنية السورية "النفوس" بمدينة حلب لاستخراج شهادة ميلاد للطفل "زكريا" الذي ولد خلال فترة الحرب "السفارة يلتقط زكريا أطراف الحديث قائلا:" أمنوا لي سيارة دفعولها 100 ألف ليرة للنزول إلى حلب عشان الحواجز الأمنية متوقفنيش، وتواصلوا معي طوال الطريق حتى عودتي".

يقول كمال انه عند وصوله إلى مطار القاهرة كان شقيقي مصطفي في انتظاري، واصطحنا إلى منزله الذي يستأجره بمدينة السلام.

يطالب "كمال" أن توفر له السلطات بمصر مسكن، بعدما سرقت ممتلكاته بحلب وأصابت قذيفة منزله فأصبح ركامًا، وحتى لا يكون عبئًا على أخيه "مصطفى" بمسكنه قائلا: "ضغط نفسي عليا إني رامي نفسي على أخويا".

تقول "هبة" نجلة الشهيد محمد إن خروجها من حلب كان قاسيًا عليها، وتتمنى أن تعود لزيارتها مرة آخري وتشاهد تعميرها من جديد، تصمت للحظات وتنطق بصوت ملؤه الشجن "أنا روحي بسوريا، روحي بحلب، كيف بنطلع منها هيك"، تتساقط الدموع من عينيها متذكرة مدينتها قبل الدمار والخراب الذي حل بها "حلب كانت مثل العروس مزينة سوريا، الحرب خلتها صايرة بتأسي بتبكي".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان