إعلان

مصر في عيون الصهاينة..!

09:49 ص السبت 05 مارس 2016

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

يجود القدر أحياناً بعلامات وومضات تدعو للتأمل والتدبر، وهي في الغالب ما تكون نقطة فارقة في تحديد مصائر تلك الأمة.. البعض يسمي هذا عناية إلهية خص الله بها مصر دون غيرها، والبعض الأخر يرى أن النجاة تتأتى فقط لمن هم في حال من اليقظة الدائمة والفهم المطلق لمجريات الأمور.

بعيداً عن هذا العنوان، وبدون الخوض في عمق التفاصيل.. دعونا نتدبر الأمر بدون عفوية لبرهة، قبل أن تداهمنا نظريات الخبراء، واجتهادات المتخصصين، وروايات الباحثين بما قد لا نطيق أو نحتمل.. المسألة في غاية البساطة، ولا تحتاج إلا لثلاثة محاور أساسية حتى نخرج منها بتصور واقعي لما يدور حولنا.. تلك المحاور تتمثل في حضور ذهني مقترن بالإحساس بالمسئولية، وضبط للمصطلحات وربطها بأصل الموضوع، ورؤية سليمة متجردة للأحداث.

ما حدث مؤخراً، وتحديداً بين العام 2012 والعام الحالي 2016 من محاولات متعددة المصادر لفرض تصور جديد على شكل منطقة الشرق الأوسط، هو أمر ربما لا نستطيع فصله تماماً عما حدث اليوم من إعلان الرفض الشعبي للدعاوى المستهترة من بعض الأدعياء الذين حاولوا منح الكيان الصهيوني المحتل مكتسبات كثيرة لا يملك الأهلية الحقوقية لها.. سأركز هنا تحديداً على ثلاث حالات أظنها شديدة الخطورة والأهمية، الأمر الذي يستوجب الانتباه لها والربط بين مغزاها وبين الخلفية الثقافية لصاحب كل حالة كل فيما

يخصه:

الحالة الأولى هي تصريحات عصام العريان التي أثارت الجدل بعد عودته من زيارة غامضة للولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 2012 ليهود العالم من أصل مصري بأحقيتهم في العودة لممتلكاتهم مادام هذا قد يساهم في عودة الفلسطينيين المهجرين إلى أراضيهم المغتصبة.. العريان لمن لا يعرف هو أحد أقطاب جماعة الشر، وقد انضم إليها في سبعينات القرن الماضي، وهو طبيب جراح قام بدراسة الآداب والحقوق إلى جانب الطب، وهو إخواني ذو نزعة صوفية يعلم جيداً كيف يوظف وقته بعناية فائقة، وهو قارئ نهم وواسع الاطلاع.

شغل منصب مسئول المكتب السياسي للجماعة، ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة، وكان أحد مستشاري محمد مرسي المقربين أثناء حكم الإخوان..!

والحالة الثانية هي تصريحات يوسف زيدان المثيرة للجدل في ديسمبر 2015 مؤخراً بشأن مدينة القدس والأحقية التاريخية فيها، ورؤيته أو تصوره الشخصي لبعض ما جاء في قصص القرآن الكريم بشأن الإسراء والمعراج.. يوسف زيدان من مواليد صعيد مصر بمركز ساقلتة بمحافظة سوهاج، تربى في الإسكندرية وحصل على ليسانس الآداب بجامعتها، وجاءت درجته للماجيستير في تخصص الفلسفة الإسلامية عن رسالته الفكر الصوفي عند عبد الكريم الجيلي.

زيدان روائي مصري ذو نزعة فلسفية، اهتم بالتراث العربي وعلومه، وكان لروايتيه ظل الأفعى وعزازيل حظ وافر من القراءة والتداول. لكنه ربما دون أن يقصد فتح جبهة شديدة الضراوة مع المتخصصين في شؤون الديانة بآراءه المتأثرة تماماً بفكر المستشرقين اليهود والتي دفعت البعض لاتهامه بمحاولة ادراك الشهرة على حساب قضايا تاريخية ثابتة لا تقبل التأويل.

الحالة الثالثة والأخيرة هي دعوة عضو البرلمان السابق توفيق عكاشة لسفير الكيان الصهيوني المحتل في القاهرة حاييم كورين على مأدبة عشاء بمنزله وما تلى ذلك من تصريحات غريبة ومثيرة للشفقة تدعو حسب تصوره لتحسين العلاقة مع الكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي عكس جهل تام للرجل بأبعاد سياسية واجتماعية ودبلوماسية هامة كان لزاماً عليه الانتباه لها.. عكاشة صاحب أعلى نسبة تصويت حسب البيانات الرسمية للجنة العليا للإنتخابات في استحقاق 2015 عن دائرة طلخا ونبروه بالدلتا، شخصية كاريكاتورية مثيرة للجدل دائماً من خلال تصريحاته الكوميدية، وهو محسوب على الإعلام بصفته مالك لقناة فضائية غامضة مصادر التمويل ومطعون في مصداقيتها، لكنها تحظى بنسبة متابعة ملحوظة، ووهو أيضاً محسوب على دوائر السياسة بصفته عضو سابق في الحزب الوطني في عصر الطاغية مبارك، ولاحقاً أحد مؤسسي حزب مصر القومي.. يدعي المعرفة بخبايا دهاليز السياسة لكنه دائماً ما ينتهي إلى تجديف فج في حقوق الأخرين دون أي قيمة تذكر لما يطالعنا به.

مع ما سبق من حالات مختلفة، وفي ضوء ما انتاب سفير الكيان الصهيوني بالقاهرة من احباط واضح ممزوج بخيبة الرجاء المفرطة في تحقيق أي تقدم ملموس على مستوى التطبيع الثقافي والشعبي مع مصر، هذا الذي ظهر من خلال ذلات لسان حاله وأكاذيبه التي كشفت نوايا مبيتة للتدخل في الشأن والقرار المصري، وفي أمور لا يجب التعرض لها بدوره كدبلوماسي، جاء هذا أثناء لقاء مع محطة بي بي سي البريطانية تعليقاً على اسقاط عضوية برلماني مصري حاول "عمداً أو عن جهل" التلاعب بثوابت وطنية راسخة في الموروث الشعبي المصري وهي الرفض التام لوجود الكيان الصهيوني المحتل وممارساته بالرغم من وجود معاهدة سلام رسمية.

إسرائيل كيان هش اجتماعياً، وضعيف التركيب كونه تم بنائه على خلفيات دينية عرقية مغلوطة وكاذبة، لكنها دولة تُدار بحنكة وحذر، وتمتلك اقتصاد متعافي نوعاً، ونظام تعليمي متقدم وطموح.. لهذا فهي ترانا وتتابعنا وتدرسنا كما لا نفعل نحن.. الصهاينة في غاية الاطمئنان الأن لما وصلنا إليه نحن العرب من تفكك وهشاشة، وها هم قد نجحوا في وضع بصماتهم على منطقة الخليج وأيضاً على العمق العربي الإفريقي، ربما بحثاً عن خطواط لاستفادة مستقبلية غير معلنة لكنها شديدة الوضوح.. فهل لهذا بدأوا في التحرك الناعم والتصريحات الوردية أملاً في الوصول لحلم التطبيع على المستوى الثقافي والشعبي..؟ الإجابة سأتركها مفتوحة، وعلى القارئ الكريم موازنة الأمور بما يترائى له.. لكنني على يقين أن أفاعي الصهيونية لا يمكن أن يحولها حتى أعتى الحواة إلى حمائم سلام بين يوم وليلة.. لهذا لا أظننا سنرى في أعينهم ومن جانبهم إلا الدم والدمار والخراب.. وهم على الجانب الأخر ليسوا من السذاجة كي يحلموا بسرعة إمتلاك أرض العرب من المحيط للخليج كما يحلو لبعض المحدثين ممن يطلقون على أنفسهم خبراء بشؤون الأمن واستراتيجياته الترويج، فالثابت ببساطة - على الأقل رقمياً - أن ستة ملايين نسمة هي تعداد سكان اسرائيل من اليهود منذ اعلان دولتهم على أرض فلسطين المحتلة عام 1948 لن يكفي لتكوين نواة دولة تمتد حدودها من المحيط إلى الخليج.. لكنهم بالطبع سيحاولون الاستفادة القصوى مما يحدث من تفكك في المجال حولهم، فهم دائماً في احتياج لموارد ماء وطاقة ومعابر جغرافية.. لكن الأهم لديهم من كل هذا هو انتزاع اعتراف شعبي مُعلن بأحقيتهم في التواجد على تلك الأرض.. فعندها فقط ستسقط جرائمهم بالتقادم..!

مصر في عيون الصهاينة هي القلب النابض للعرب.. وهي الأسد الهصور الوحيد الذي أذاقهم مرار الهزيمة وهم في أوج عنفوانهم.. صوت عبد الناصر وصورته، وخطابات السادات ودهائه، وجسارة الفلاح المصري حين استبدل الفأس بالبندقية في ملحمة أكتوبر 1973 ما هي إلا كوابيس مفزعة ماتزال تطارد الصهاينة وتقض مضاجعهم حتى اليوم، فهذا ثابت من تراثهم الأدبي الحديث.

بالطبع هناك في إسرائيل من يحبون الحياة ويسعون للتعايش بسلام، ولا يمانعون في التصالح مع النفس.. لكن هذا لا يكفي للحصول على صكوك الثقة..!

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان