إعلان

شراع العلاقات الأمريكية - السعودية في مهب الريح

11:14 ص الأربعاء 20 أبريل 2016

العلاقات الأمريكية - السعودية

برلين (دويتشه فيله)

ما كان ثابتاً في العلاقات الأمريكية السعودية بات يخضع اليوم لقاعدة المتغير، فرياح التغيير محملة برائحة النفط والبارود، تعصف بخرائط المنطقة العربية. فهل تباعد سفن حلفاء الأمس؟ وتدفع بالسعوديين والأمريكان إلى مواني أخرى؟

لا تبدو الولايات المتحدة الأمريكية إبان الولاية المنتهية للرئيس أوباما راغبة في استمرار تحالفها التاريخي اللامحدود مع السعودية، فيبدو أن المصالح التي جمعت البلدين على مدى عقود طويلة (النفط، صادرات السلاح، الموقف من الأنظمة القومية في المنطقة، الموقف من إسرائيل، السياسة المحافظة في المملكة إزاء الأنظمة اليسارية العربية التي تحالفت مع الكتلة الشرقية) قد باتت جزءا من التاريخ وفق المتغيرات الجديدة.

وفي حديثه لـDW عربية وصف خطّار ابو دياب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، العلاقات الأمريكية السعودية اليوم بأنها "تبقى علاقات حيوية مفصلية بالرغم من أزمة الثقة التي تصيبها وبالرغم من الحذر الذي ازداد خلال فترة الرئيس الحالي باراك أوباما".

أوباما 2002: السعوديون هم "ما يسمى بحلفائنا"

الرئيس باراك أوباما وقبل توليه منصبه، وصف السعوديين بـ"ما يسمى بحلفائنا"، وبقيت هذه العبارة معلماً محسوساً في علاقات البلدين. جاء ذلك بعد أقل من عام على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 والتي نفذها 19 من عناصر تنظيم القاعدة، 15 منهم كانوا سعوديين. والخطاب الأمريكي والغربي عموما بات يشير اليوم علناً إلى علاقات إيديولوجية وثيقة بين الوهابية والتعاليم السلفية وبين تعاليم التنظيمات الإرهابية كالقاعدة و"داعش".

ويرى بيري كاماك الخبير في مؤسسة كارينغي للسلام الدولي بواشنطن "تحولاً بنيوياً عميقاً في علاقات الولايات المتحدة مع ممالك الخليج وإماراته، فالولايات المتحدة اليوم تطور مصادرها من الطاقة، بما في ذلك النفط الصخري، وباتت تصدّر إنتاجها إلى كثير من بلدان العالم، وهكذا فقد تقلصت إلى حد كبير أهمية نفط الخليج بالنسبة لتجارة الولايات المتحدة وصناعاتها". ويضيف كاماك أن الحروب الإقليمية في الشرق الأوسط وتداعيات هجمات 11 سبتمبر قد غيّرت المعادلة.

وعلى خلفية مطالب متعاظمة باستصدار قانون أمريكي يُلزم السعودية بدفع تعويضات مالية عن هجمات 11 سبتمبر، تعالت تهديدات مقابلة في المملكة أبرزها تحذير وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال زيارة إلى واشنطن في مارس المنصرم من أنّ إقرار القانون المشار إليه سيدفع بالرياض أن تبيع سندات خزينة أميركية بقيمة 750 مليار دولار فضلاً عن أصول أخرى تملكها المملكة في الولايات المتحدة كما أشارت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً. وهو أمر يضيف مزيداً من التعقيد لزيارة أوباما إلى الرياض رغم إعلانه في مقابلة مع شبكة "سي بي اس" الأمريكية معارضته لاستصدار القانون قائلاً: "بالضبط، أنا أعارضه".

ويتيح مشروع القانون لعائلات ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر 2001 أن تلاحق أمام القضاء الأمريكي الحكومة السعودية لمطالبتها بتعويضات، رغم أنه لم تثبت بعد أي مسؤولية للرياض عن هذه الاعتداءات، ورغم أن المملكة نفسها كانت هدفاً لهجمات تنظيم القاعدة في مناسبات عديدة لحد بلغ استهداف الأمير محمد بن نايف بثلاث محاولات اغتيال.

المسألة الأخرى التي تتعارض مع المبادئ الديمقراطية التي يقوم عليها الدستور الأمريكي والتي قد تكون نقطة افتراق مع المملكة النفطية الأكبر في المنطقة العربية وما حولها، هو ما سجل المملكة في حقوق الإنسان، فهي تملك واحداً من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم. فقد ارتفعت حالات الإعدام في المملكة في عام 2016 لتصل إلى 84 حالة في الربع الأول من العام فقط. كما أنّ هناك انتهاكات أخرى بشأن حقوق المرأة التي تعد أوضاعها في المملكة ضمن الأسوأ في العالم، وكذلك حقوق العمالة الوافدة وحقوق الأطفال.

"العربية السعودية باتت أكثر اعتماداً على قدراتها"

1

مفترق الطرق الحيوي هو الموقف الأمريكي من إيران بعد حسم قضية ملفها النووي وفي ضوء التردد الأمريكي الواضح في دعم وتسليح المعارضة السورية، بما تعتبره السعودية انحيازاً إلى نظام بشار الأسد المدعوم من إيران.

السعودية اختارت أن تتدخل عسكرياً في اليمن وجوياً في سوريا وبريا في البحرين رداً على ما اعتبرته تقاعساً وخذلاناً أمريكياً، وهذا تطور حدث منذ اعتلى العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة، وهو ما يعده الخبير السياسي السعودي جمال خاشقجي (المقرّب من العائلة المالكة) دليلاً على أنّ "العربية السعودية باتت أكثر اعتماداً على قدراتها وأكثر ثقة بإمكاناتها وأكثر استعداداً لأخذ زمام المبادرة في قضايا المنطقة".

ورغم أنّ برلمان الاتحاد الأوروبي صوّت في فبراير المنصرم بأغلبية كبيرة على منع تصدير الأسلحة إلى السعودية بسبب ما وصفه بـ"الوضع الإنساني المروّع الناجم عن التدخل العسكري السعودي في اليمن" إلا أن الويلات المتحدة لم توقف صادرات السلاح إلى المملكة ولم تخفضها، وبلغت مبيعات القنابل وحدها 1.29 مليار دولار حتى نهاية 2015، فيما كانت القاصفات والمقاتلات السعودية تقصف مدن اليمن كل يوم.

خطار ابو دياب يركز في حديثه إلى DW عربية على أن "العلاقة بين البلدين قامت على أساس اتفاقية كوينسي وهي التي ربطت أمن المملكة العربية السعودية وحمايتها بتدفق الطاقة"، ومضى إلى القول: "هناك شكوك متبادلة بين الطرفين، فكل طرف يعتبر أنّ الطرف الآخر لا يحترم مصالحه الاستراتيجية، ومنذ دخول قوات المملكة إلى البحرين في عام 2011، وصولاً إلى حرب اليمن إلى مسائل أخرى لم يكن هناك تفاهمات سعودية أمريكية على طول الخط".

وأكد أبو دياب أنّ علاقات البلدين لن تعود إلى شهر العسل، لكن الخبير السعودي جمال خاشقجي يرى في حديث مع وكالة الأنباء الألمانية أنّ زيارة أوباما "ستكون مناسبة لتوضيح الموقف السعودي والخليجي ومناسبة لاستماع الرئيس أوباما إلى رأي المسؤولين حول صعوبة تعاون المملكة العربية السعودية مع إيران".

أولويات السعودية محاربة إيران وأولويات أمريكا محاربة "داعش"

هل يعيد تغيير الرئاسة في الولايات المتحدة للعلاقات مع المملكة العربية السعودية دفئها وقوتها؟ يرى الأستاذ خطار ابو دياب أنّ" الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات ونظام سياسي معقد، وأظن أن هناك اتجاه عاماً للتحول وإعطاء منطقة آسيا والمحيط الهادي الأولوية فيما يسمى بنظرية الاستدارة، وعدم إعطاء الأولوية للشرق الأوسط، (هذا الاتجاه) سيبقى مسألة هامة أياً كان الرئيس الذي سيأتي". ومضى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس إلى القول: "سيصبح هناك نوع من إعادة التقييم للسياسة الأمريكية في المنطقة، لتصبح العلاقة بين البلدين أكثر نضوجاً".

ويكشف موقف المرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب إلى أي حد تقف العلاقات الأمريكية السعودية في مهب الريح، فقد أعلن ترامب أنه سيدرس وقف شراء النفط من السعودية إذا لم تقدم الرياض قوات لقتال تنظيم "داعش"، معتبراً أن مشكلة بلاده الحالية هي تنظيم داعش، وليس بشار الأسد.

أما موقف المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية فلم يبتعد كثيراً عن موقف ترامب بشأن العلاقات بين البلدين، فقد نقلت صحيفة الحياة السعودية تأكيد هيلاري كيلنتون أنّ "المملكة العربية السعودية تركز على محاربة إيران ومن تدعمهم من أذرعها، أي الحوثيين وغيرهم في اليمن"، معتبرة أنّ "المد الإيراني من طهران إلى بغداد إلى دمشق هو "مسألة يجب أن نبحثها مع حلفائنا في إطار جهود محاربة تنظيم داعش". ولا يفوت أي متابع للمشهد ملاحظة أن كلينتون اعتبرت أولويات السعودية محاربة إيران، فيما أكدت أن أولويات بلادها هي محاربة تنظيم "داعش".

الصور والابتسامات التي ستجمع الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز البالغ من العمر 80 عاماً وهو يستقبله في الرياض، ستضاف إلى عشرات الصور التي وثّقت التحالف الاستراتيجي القديم بين البلدين، لكنها لن تكشف بوضوح عن حجم التباعد بين موقف البلدين والى أين سيقود.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان