صناعة الألومنيوم تحتضر.. وأصحاب المسابك والصناع يستغيثون (تحقيق)
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
-
عرض 13 صورة
تحقيق- محمد أبو ليلة:
أواني منزلية متراكمة على جنبات الطريق وأصوات لماكينات تشكيل الألومنيوم متناثرة في الهواء، ومن بعيد تشم رائحة الدخان المتصاعد من تلك المسابك التي تقوم بصهر الألومنيوم وإعادة تصنيعه من جديد..
فور وصولك لمدينة ميت غمر التابعة لمحافظة الدقهلية، وعلى بعد أمتار من طريق القاهرة المنصورة الزراعي، كانت ورش ومصانع الأواني المنزلية- الألمونيوم- تتواجد بكثافة كل بضعة أمتار ورشة أو مصنع، مئات المنازل بُنيت خلال العشر سنوات الماضية في تلك المنطقة ولم يخل منزل من وجود ورشة أو مصنع لصناعة الألومنيوم.
في تلك المدينة التي تقع شرق نهر النيل والتي يقترب عدد سكانها من 130 ألف نسمة، 70 ألف منهم على الأقل يعملون في ورش ومسابك صناعة الألومنيوم.
"حجم قطاع الألومنيوم في ميت غمر يمثل 80% من قطاع الألومنيوم في مصر كلها، ويوجد مصانع وورش على مستوى ميت غمر وقراها الـ 55 قرية ".. حسبما يؤكد محمود راغب أمين شعبة الألومنيوم بميت غمر في حديثه لـ مصراوي.
صناعة الألومنيوم بدأت في مصر منذ ستينيات القرن الماضي، حينما ترك صُناع الأواني النحاسية مهنتهم واتجهوا للألمونيوم بدلاً من النحاس، ومنذ إنشاء مجمع الألومنيوم بنجع حمادي في أوائل السبعينات بدأت الصناعة تتكاثر.
وحسبما يؤكد محمد حنفي مدير شعبة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات فإنه بعد إنشاء مجمع نجع حمادي أصبحت هناك صناعات تعتمد على معدن الألومنيوم كاستخدام الأواني المنزلية التي تزايدت وبدأت صناعة الأثاث المنزلي تتحول من الحديد لبروفيلات الألومنيوم.
وأوضح لـ"مصراوي"، أن هناك عدة مناطق في مصر تصنع أواني منزلية من الألومنيوم منها منطقة صناعية في الإسكندرية، وأخرى في القاهرة وسوهاج، لكن أكبرهم والتي تمثل ما يقرب من 80% من هذه الصناعة تتواجد في ميت غمر.
وهذه المناطق تعتمد اعتماداً كبيراً على الطاقة الإنتاجية لمُجمع نجع حمادي حيث تحتاج لـ 170 ألف طن سنوياً من إجمالي طاقته الإنتاجية التي تصل لـ 300 ألف طن.
3 ألاف مصنع غير مرخص
وطبقاً لبيان منشور على الموقع الإلكتروني لغرفة الصناعات المعدنية، فإن عدد المصانع والورش المرخص لها مزاولة صناعة الأولومونيوم يتراوح بين ستة مصانع فقط لإنتاج بروفيلات الألومنيوم للأغراض الإنشائية كالأبواب والنوافذ.
بالإضافة لـ 106 شركة ومصنع - صغير- لإنتاج الأواني المنزلية، وثمانية شركات لصناعة الكابلات والأسلاك الأولومونيوم، بالإضافة لـ 180 مسبك لصهر خام الألومنيوم.
وعلى الرغم من أهمية - ميت غمر- كقلعة كبيرة لتلك الصناعة ومشتقاتها، فإن غالبية الورش والمسابك والمصانع المتواجدة بها غير مرخصة وتعمل بشكل عشوائي بسبب أوضاع روتينية فُرضت على صناع تلك المهنة.
"لما أحب أعمل إجراءات لمصنع ألمونيوم، الدولة بتسجلنا بطاقة ضريبة وسجل تجاري وندفع على أساسها مياه وكهرباء، وحينما نطلب ترخيص لمزاولة المهنة يرفضوا ، لأننا في منطقة سكنية وده بيخالف قانون الإدارة المحلية". يؤكد ذلك محمد السعيد صاحب مصنع لإنتاج الأواني المنزلية من الألومنيوم لـ مصراوي.
موضحا أن هذه الورش والمصانع متواجدة منذ عشرات السنين وكانت بعيدة عن السكان وتعتبر منطقة صناعية وقتها، لكنه في الآونة الاخيرة بُنيت منازل كثيرة بالقرب منهم وحدث تكدس سكاني، " الزحف العمراني زاد والناس بدأت تبني بيوت بالقرب من مصانعنا وورشنا حتى أصبحت المنطقة سكنية وليست صناعية".. هكذا قال.
في ميت غمر يوجد 41 مسبكا ما يقرب من ثلاثة ألاف ورشة غير مرخصين، مخصصين لصناعة الألومنيوم - لكنها مسجلة سجل تجاري وبطاقة ضريبة- بالإضافة لـ ألف ورشة مرخصة.. وذلك طبقا لـ محمود راغب أمين الألومنيوم بميت غمر.
محمود صلاح رجل ذو الـ 45 عاماً صاحب أحد مسابك صهر الألومنيوم غير المرخصة، يشكو هو الأخر من إجراءات روتينية ُرضت عليه وعلى مسبكه، "بيعملولنا محاضر بـ 10 ألاف جنيه علشان غير مرخصين ومش عاوزين يعملونا رخصة، احنا مقدمين على ترخيص بقالنا سنتين وقارفنا أبسط شيئ مفيش مرافق ورافضين يدخلونا المرافق".. يتابع.
الصُناع يستغيثون
ويضيف أن مسبكه ليس ضمن المنطقة السكنية لكن حسب رأيه فإن الدولة تقوم دائماً بتذليل العقبات لهم "بتطلب رسم هندسي للمسبك ومكتب معتمد وعملنا ده وروحنا مجلس المدينة وكمان طلبنا من المحافظ يجبلنا مرافق للمسبك ورخصة وقدمنا لهم كل الأوراق المطلوبة ولا حد بيسأل فينا".. يقول.
بخلاف رخصة مزاولة المهنة والمخالفات التي تقع عليه شهرياً يطالب محمود صلاح الدولة بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة ميت غمر، لأنه وباقي الورش والمسابك يعملون بأنابيب البوتاجاز منذ أن قررت الحكومة إيقاف العمل بالمازوت عام 2005، وهم معرضون دوما لخطر الحرائق والانفجار بسبب قرب أنابيب البوتاجاز من المسابك والكتلة السكنية وقد حدث ذلك بالفعل في مسبكه منذ عامين وقُتل خمسة عمال أثر انفجار انبوبة بوتاجاز.
يتابع: أنا بشتغل بأنابيب بوتوجاز بتجيلنا من شركة حكومية من قويسنا، ولنا حصة مدعمة من الحكومة في يوم 5 ديسمبر2014، فجأة الأنبوبة انفجرت في المسبك، حدث حريق وأنا اتحرقت وفيه خمسة من العمال ماتوا من العمال وكل ده بسبب عسيب تصنيع في انبوبة البوتاجاز، كل ما نطلب من الدولة خط غاز يقولوا ميت غمر لسه موصلهاش الغاز الطبيعي.
في ذلك المسبك الذي يعمل به أكثر من 25 عاملا منهم 8 سباكين لصهر الألومنيوم كان محمد محمود شاب ذو 33 عاماً يقوم بسحب ألواح الألومنيوم بعد صهرها في فرن درجة حرارته تتجاوز الألفين درجة مئوية، "احنا اتعودنا على الشغلانة، طبعا فيه خطورة علينا، بس ده أكل عيشنا ومعندناش شغلانة غيرها"..يقول لـ"مصراوي".
وتابع: أنا شغال هنا بقالي 4 سنين بجمع ألواح ألومونيوم وأقصها على الماكينة، لازم نستخدم جوانيتات لأن درجة حرارة الألومنيوم عالية وفيه ناس زمايلنا حصلها حروق عشان مش بتركز وبتكون أول مرة تشتغل، أكبر خطورة بتكون عند السباكين لأن درجة الحرارة عندهم بتعدي 3 ألاف مئوية.
كان ملاحظ في 3 مسابك دخلناها بخلاف درجة الحرارة الشديدة ولهيب النيران المنتشر بين أفران صهر الألمونيوم وماكنيات تشكيل المنتج الجديد، فإن السباكين يعتمدون على صهر الألومونيوم ليلاً وليس نهاراً، تهرباً من حملات الأمن الصناعي والوحدة المحلية التي تعطيهم غرامات دوماً.
طبيعة عملهم تعتمد على وضع أواني منزلية متهالكة -خردة- في درجة حرارة مرتفعة لصهرها حتى تصبح ألومونيوم سائل ثم يضيفون إليها قوالب من ألومونيوم خام أخذوها من مصنع نجع حمادي ويقوموا بخلطها لصناعة منتج ألومونيوم جديد على شكل قوالب، ثم يرسلوها لمصانع أخرى تقوم بتشكيل تلك القوالب لأواني منزلية.
أيمن عبد العال رجل ثلاثيني يعمل في أحد مصانع الأواني المنزلية يقوم بوضع مادة -بتاس- وماء نار على الأواني المصنوعة من الألومنيوم كي يقوم بتنقيتها، وتعتبر تلك المرحلة أخر مراحل الصناعة، " الألومنيوم بتجيلي لونها أسود بحطها في البتاس، ووضع مياه نار فيها حتى يظهر اللون الأصلي للالومونيوم، دي شغلتنا ومعندناش حاجة غيرها انا متعلم عندك وظيفة ليا وانا اسيب الشغلانة دي"- هكذا قال.
وقال: فيه مواد احنا بنستخدمها جونتات وأحذية معينة كلها للوقاية مش أكثر لو اشتغلت من غير الحاجات دي هتحصل حروق في الجسم أقل شيئ، احنا اتعودنا على المواد دي لكن لو عامل جديد ممكن يتصاب لأنه مش هيبقى عنده حظر كافي للتعامل مع المواد دي، ايوة حصل كتير قدامي فيه ناس ساعات بتتصاب من ميه النار والبتاس عشان بيبقو اول مرة يشتغل الشغلانة دي.
خطورتها على العمال
محمد السيد هو الأخر شاب ذو 20 عاماً يعمل في ورشة غير مرخصة لتصنيع الأدوات المنزلية من الالومنيوم منذ ستة أشهر،" انا بشتغل 8 ساعات كل يوم بعمل على ماكينة لتقطيع الالومنيوم"، يؤكد أن مهنته خطيرة وتحتاج لتركيز شديد خصوصا أثناء وقوفه على مكانية التقطيع لأن اذا سهى لوهلة ستحدث له إصابات بالغة.
"أبرز المشاكل في الألمونيوم بتكون على ماكينة تجميع الالومنيوم وتشكيله لأدوات منزلية، الشغل فيها بيبقى صعب ومحتاج تركيز كبير من العامل".. يؤكد ذلك محمد السعيد صاحب مصنع..
ويؤكد أحد محمود صلاح صاحب مسبك أن أساليب الأمان والسلامة المهنية متوفرة في مسبكه وان جهاغز الأمن الصناعي يقوم بمراقبة الورش والمسابك دوماً، ويتاعب "في طبيعة العمل العامل معندوش الثقافة أو القدرة اللي تخليه يحمي نفسه دايما لكن الامن الصناعي بيراقب ويتابع معنا وبيعملنا محاضر في اوقات"..يتابع.
"احنا عن نفسنا يهمنا حماية العامل لان دي مسؤولية علينا كأصحاب مصانع لأن لا قدر الله لو عامل حصله شيء، احنا اللي بنشيل القصة في الاخر".
ويخالفه الرأي دكتور مجدي صليب مدير جهاز الأمن الصناعي سابقا فهو الأخر يؤكد أن غالبية ورش ومسابك ومصانع الألومنيوم ترتكب مخالفات جسيمة ولا تتوافر بها اشتراطات السلامة والصحة المهنية المنصوص عليها في قانون العمل.
"لما كنا بنراقب على الورش ومسابك الأمونيوم كان فيه مخالفات كثير موجودة، إما في السلامة والصحة المهنية أو مخالفات في بيئة العمل والمعايير، وهذا بيكون نتيجة عشوائية الورش وتقصير وقلة أدب".. يتابع.
احنا بنشتغل من سنة 1959 واحنا بنلاقي مخالفات في الورش والمصانع،
كما يقول: معظم هذه الورش في مناطق سكنية وكل ده ممنوع طبقا للقانون، لأن فيه خطر داهم على حياة البشر لما تكون حاجة طالعة من اماكن العمل تؤثر على صحتهم وهذا ما تفعله صناعة الألومنيوم في السكان، وكمان بيؤثر على العمال فيه حالات أصيبت وقت أنا كنا نراقب على تلك الصناعة.
في السياق حاولنا الوصول لإحصائية من هيئة التأمين الصحي مسجل بها الأمراض المهنية التي يصاب بها العمال المؤمن عليهم طبقاً لطبيعة عملهم، كي نتأكد من وجود عمال أصيبوا نتيجة صناعة الألومنيوم، وفور اطلاعنا على تلك الإحصائية لعام 2015.
كان عدد العمال المصابين في شمال شرق الدلتا - محافظة الدقهلية- فقط، يصل لـ 952 حالة إصابة في العام الماضي بأمراض مهنية من هؤلاء العمال المؤمن عليهم صحياً، هذا بالإضافة لعدد من عمال صناعة الألومنيوم خاصة الذين يعملون في ورش ومصانع ومسابك ألومونيوم غير مؤمن عليهم صحياً ولا تعلم عنهم أي جهة رسمية شيئ، بالإضافة لكون تلك الورش والمصانع غير مرخصة من الأساس.
منطقة صناعية
بخلاف تأثير تلك الصناعة على عمالها وشكاوى السكان من أصوات ماكنيات الورش والمصانع التي تقوم بإنتاج الأواني المنزلية وسط الكتلة السكنية، فعدد كبير من صُناع تلك المهنة يريدون منطقة صناعية بعيدة عن السكان، كي تعترف الدولة بوجودهم.
"كان فيه تفكير إن كل الورش والمسابك يتعملهم منطقة صناعية خارج مدينة ميت غمر لكن لم ينفذ ذلك حتى الأن".. يقول لـ"مصراوي" محمد حنفي مدير شعبة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات.
ويؤكد محمد السعيد صاحب مصنع للأواني المنزلية أن وجودهم في منطقة سكنية يؤثر سلبياً عليهم كصُناع، "لما نروح منطقة صناعية هيبقى لينا امتيازات أولها اننا هناخد شهادة تقول أننا مصنعيين من توافق بيئي وبطاقة ضريبة وسجل تجاري استفيد من الامتيازات اللي الدولة هتقدمهالي"..يتابع.
عدد من أصحاب الورش والمصانع بميت غمر طالبوا مراراً بتوفير الدولة لهم منطقة صناعية تستوعب هذا ا لكم الهائل من العمال والورش، وبعد لقاءات بينهم وبين وزير الصناعة السابق منير فخري عبد النور وهيئة التنمية الصناعية تم تخصيص منطقة صناعية في منطقة تل المقدام التابعة لمدينة ميت غمر كي تستوعب ورش ومسابك ومصانع الألومنيوم.
المنطقة الصناعية التي خصصتها الدولة لهم كانت 22 فدان عن طريق 200 وحدة صناعية كل وحدة مساحتها لا تتعدى 100 متر، وحسب كلام محمود راغب أمين شعبة الألومنيوم بميت غمر فإن تلك المساحة قليلة جداً لصناعة كالألمونيوم التي تحتاج لما لا يقل عن 50 فدان لأن هناك مصانع مساحتها تتعدى 600 متراً.
ورغم اعتراض الصُناع على مساحة تلك المنطقة الصناعية، فإنه حتى الوقت الراهن لم يتم تنفيذ المنطقة من الأساس، فمنذ شهر مايو 2015 وضع محافظ الدقهلية حجر الأساس بالمنطقة وخصصت الدولة مبلغ 139 مليون جنيه لتنفيذ تلك المنطقة الصناعية ولا أحد يعلم أين ذهبت هذه الأموال حتى الآن؟.
فيديو قد يعجبك: