حلب تضع الضمير العربي في محنة
تقرير- ياسمين محمد:
في نوفمبر الماضي تعرضت فرنسا إلى حادث إرهابي عنيف خلف عدد كبير من الضحايا، فتضامنت معها عدد من الدول الاوروبية والعربية، بشكل رمزي من خلال تلوين أهم معالمها بلون العلم الفرنسي.
ومن بين الدول العربية المتضامنة مع الدولة الفرنسية، مصر التي أنارت منطقة الصوت والضوء بالأهرامات بألوان العلم الفرنسي، وأضاءت الكويت "أبراج الكويت" بلون العلم كذلك، فيما دشنت الإمارات العربية المتحدة حملة للتضامن مع فرنسا بإنارة عدد من معالم أكثر من مدينة أبرزها: أبراج خليفة في دبي، وجسر الشيخ زايد في أبو ظبي.
وفي 29 أبريل الماضي، فوجئ متابعو الأزمة السورية في بغارات جوية من النظام السوري وقصف مدفعي من المعارضة المسلحة، أسفر عن مقتل نحو 246 قتيلًا من المدنيين وفق إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض.
وانتظر المتضامنون مع الأزمة السورية، أن يحرك العالم العربي ساكنًا للتضامن مع الأحداث، إلا أنه لم يحدث.
"هنا القاهرة من دمشق، هنا مصر من سوريا، لبيك لبيك مصر"، تبادرت هذه العبارة - التي أطلقتها الإذاعة السورية بدمشق أيام العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 عندما تمكّن العدو من تدمير هوائيات الإرسال الرئيسية للإذاعة المصرية - إلى أذهان المصريين، منتظرين أن يخرج الإعلام المصري ببيان مماثل للتضامن مع سوريا: "هنا حلب من القاهرة، هنا سوريا من مصر، لبيك لبيك سوريا"، ولكنه أيضًا لم يحدث.
الموقف العربي غائب:
يقول زياد المنجد الكاتب الصحفي السوري، إن الموقف العربي الموحد تجاه سوريا غائب، مشيرًا إلى أن هناك كثير من الانظمة العربية تمد جسورًا مع النظام السوري وتتفاوض معهم من تحت الطاولة، قائلًا: "الموقف العربي لا يرقى لما تتطلبه حماية الشعب السوري والدفاع عن استقلاله وحريته، فما يحدث في سوريا جريمة والعرب ينظرون إلى الأمر وكأن شيء لم يكن".
وبالنسبة لموقف مصر بالتحديد، قال المنجد، لمصراوي، إن مصر تعلن دائمًا وقوفها إلى جانب وحدة الشعب السوري، ولكن رغم أنها أكبر دولة عربية من حيث القوة والإمكانيات لكنها لا تستطيع أن تلعب دورًا أكبر من ذلك لأن هناك لاعبين كثر، مضيفًا: ورغم ذلك كنا نتمنى أن يكون الموقف أكثر وضوحًا.
ويقول إن "التدخل الإيراني ضمن الأطراف اللاعبة في سوريا، هو الأخطر لأن له أبعادًا وخطة لاجتياح المنطقة وإعلان الهلال الشيعي بعد السيطرة على العراق واليمن، وتحاول إيران الآن دعم نظام بشار الأسد فسقوطه يمثل لها خطًا أحمر لأنه يعني انهيار مخططها".
واتفق معه تيسير النجار مسئول عام ملف اللاجئين السوريين بالهيئة العامة السورية للاجئين، واصفًا الموقف العربي تجاه أحداث حلب بشكل خاص والأزمة السورية بشكل عام بـ"الباهت"، مؤكدًا أن ما تشهده بلاده لابد أن يكون له استنفار كامل، وليس بيانات شجب وإدانة، كما هو الحال.
وقال النجار إن "حلب هي المحافظة العاشرة التي يتم دكها من قبل النظام السوري وليست الاولى، واختراق الهدنة تم للمرة الألف فهذه المرة ليست الاولى"، مؤكدًا أن الصمت العربي ليس جديدًا على الأزمة السورية.
وأضاف النجار أن "أزمة سوريا كشفت زيف القومية العربية التي تحاول الأنظمة إقناع شعوبها بها، فالحكام العرب ليس لديهم نخوة الشعوب العربية"، مؤكدًا أن "الشعوب تحتضن الشعب السوري بشكل جميل، إلا أن حكامهم يفعلون غير ذلك".
الوحدة العربية ضرورية والفرصة قائمة:
من جانبه قال الدكتور محمود أبو العنين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن موقف العرب تعبر عنه الجامعة العربية، مشيرًا إلى أن الجامعة أدانت بأشد العبارات القصف الوحشي الذي تعرضت له حلب، مشيرًا إلى أن الشجب والاستنكار تعبيرًا عن موقف، وليس موقفًا، مؤكدًا أن ما يحدث في سوريا عبارة عن حرب أهلية يصعب على الاطراف التدخل فيها إلا في إطار دولي فاعل.
وأكد أبو العنين، لمصراوي، أن "الدول العربية لا تستطيع التغيير منفردة ولا بد من التوحد والإجماع وهو ما لم يحدث حتى الآن، ما جعل الاطراف الدولية المستفيدة تستغل الموقف لصالحها، كإعلان إسرائيل ضم الجولان للأبد، مؤكدًا "اننا لن نقبل ذلك بأي شكل من الأشكال".
وأضاف أبو العنين أنه "لا داعي لتجميل صورة ما يحدث في سوريا بأن نقول إن الأطماع الدولية هي التي جعلت الأمور تصل إلى هذه الدرجة من التعقيد، بل يجب أن نقول إن التناحر الداخلي في سوريا والذي وصل إلى حد استخدام السلاح، هو ما أتاح الفرصة للأطراف الدولية لاستغلال الموقف والبحث عن مصالحها".
وقال الدكتور رائد العزاوي أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية، إن العرب أمامهم فرصة كبيرة للعمل كمجموعة واحدة لإيجاد مخرج سلمي للأزمة السورية، مؤكدًا أنه لا بد من سبيل لوقف العنف، وأن بيانات الشجب والإدانة غير مقبولة بالمرة.
وناشد العزاوي الدولة المصرية باعتبارها أكبر الدول العربية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، للدعوة إلى مؤتمر عربي طارئ لبحث الأزمة السورية، واتخاذ موقف جاد، مشيرًا إلى ان الموقف المصري سيسانده العديد من الدول العربية كالسعودية وعلاقاتها بالأطراف الأخرى.
الإعلام العربي "تابع"
ويؤكد زياد المنجد أن التعتيم الإعلامي على ما يحدث بحلب لدرجة وصول المعلومات للشعوب العربية بعد 7 أيام من بدء القصف، يأتي ضمن خطة يحاول فيها الجميع إعادة إنتاج النظام السوري، مؤكدًا أن الإعلام ليس حرًا في أي بلد سواء غربية أو عربية، قائًلًا: "الإعلام يحاول التعتيم على أفعال النظام لإعادة قبوله بعد أن قاطعه الكثير من دول العالم".
ورد تيسير النجار على التعتيم الإعلامي بقوله إن "الإعلام العربي لا يتحرك إلا بعد تحرك الإعلام العالمي، فعلى الرغم من ضرورة تعبير الاستراتيجية الإعلامية عن الذات اولًا، إلا أن الوطن العربي ليس لديه استراتيجية وإن وجدت فإنها تعتمد على التضليل".
ووصف رائد العزاوي لمصراوي اختراق الهدنة ب"عدم الاحترام للحالة الإنسانية في سوريا".
وقال إن الإعلام الغربي يغير مسار الاحداث قائلًا: " كل ما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي للأحداث في حلب من صنيع الشعب السوري المعتدى عليه وليس من النظام".
فيديو قد يعجبك: