عامان على التنصيب.. حسن نافعة: رجال المال حاصروا النظام.. وشعبية "السيسي" تتآكل (حوار)
كتب - محمد قاسم:
تصوير- نادر نبيل:
اقترب الرئيس عبد الفتاح السيسي، من إنهاء عامه الثاني على سدة حكم البلاد، في وقت تشهد الدولة المصرية حالة من الاستقطاب، أحدثته قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية، يعاني منها المجتمع المصري، فكان وراء تلك القضايا تحليلات سياسية تكشف مدى تعامل السلطتين التنفيذية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتشريعية ويقودها مجلس النواب كرقيب على الأولى، مع تلك القضايا التي شغلت الرأي العام.
التقى مصراوي، الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وتحدث معه عن سياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي، العديد من الأزمات والقضايا الشائكة التي شهدتها الدولة مؤخرًا، مثل أزمة نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية، والأوضاع الأمنية، والأحكام الأخيرة التي صدرت بحق متظاهري 25 أبريل، ومدى فاعلية البرلمان في الشارع السياسي.
وإلى نصّ الحوار..
- كيف تُقيم سياسات الرئيس السيسي بعد مرور عامين من توليه الحكم؟
دعني أحدثك بصراحة، كنت أُفضل ألا يرشح السيسي نفسه لرئاسة الجمهورية، وأن يكتفي بالدور الذي لعبه في 3 يوليو، والتجاوب مع الإرادة الشعبية، ووضع حد لجماعة الإخوان المسلمين، التي أرادت بالفعل أن تستولي منفردة على السلطة، وكانت تحشد في الميادين تحسبًا لمعركة في الشوارع بين المعارضين والمؤيدين، وكنت أرى أن هذا الدور يكفيه، خاصة وأن الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، حصنت منصب وزير الدفاع، وأعطت حصانة 8 سنوات متواصلة، فلو اكتفى بصفة الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع، والحامي لخارطة الطريق، لدخل التاريخ من أوسع أبوابه.
حيث أن صورة البطل المنقذ التي كان عليها الفريق عبد الفتاح السيسي، صاحب الشعبية الهائلة عقب 3 يوليو، بدأت تتآكل بسبب سياسات "الرئيس" السيسي، لأن البطل المنقذ استخدم الجيش لدعم الشعب في رغبته في التخلص من حكم جماعة الإخوان المسلمين، ولم يكن بالضرورة أن يحكم البلاد، وبالتالي كان ينبغي أن يكتفي بدور "المنقذ"، فمنذ اللحظة التي قرر فيها الرئيس السيسي خوض الترشح على الرئاسة، فسدت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
- في رأيك.. كيف فسدت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية؟
بالنسبة للانتخابات الرئاسية، فلم يدخل السباق سوى رجل واحد، وهو حمدين صباحي، وبالتالي حرم بقية الراغبين بالترشح من الدخول في المنافسة باعتبار أن الأمر محسوم لـ"المنقذ"، وتحولت الانتخابات الرئاسية، إلى ما يشبه الاستفتاء، وفاز السيسي بأغلبية تجاوزت الـ 97 %، وليس هناك نظام ديمقراطي في العالم يفوز فيه مرشح بهذه النسبة، حتى لو كان ملاكًا هابطًا من السماء.
أما عن الانتخابات البرلمانية، فأرى أنه تم إفسادها، بحجة أن الرئيس السيسي بحاجة إلى ظهير سياسي وتشريعي، وبالتالي تدخلت الأجهزة الأمنية وتدخل المال السياسي؛ لمحاولة "نحت" برلمان على مقاس الرئيس السيسي.
أما المسألة الأخطر، فكانت تجميد الدستور، عقب الإطاحة بنظام الإخوان، حيث أن الدستور المعمول به كان جيدًا، وكان من الممكن أن يصبح أداة للتحول الديمقراطي، ولكن للأسف الشديد الدستور الذي من المفترض أن يطبق حاليًا "شبه مُجمد".
وبالتالي، فإن وجود الرئيس السيسي في السلطة أفسد النظام السياسي الديمقراطي، وجمد الدستور وشوّه الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إذن نحن أمام نظام سياسي غير قادر على إدارة الدولة بالطريقة الديمقراطية التي طمحت لها القوى التي خرجت في 25 يناير 2011 و30 يونيو2013.
وليس هذا فقط، بل أن خارطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس السيسي، وقت أن كان وزيرًا للدفاع في 3 يوليو 2013، لم تنفذ بالكامل، وتم تشويهها، حيث سبقت الانتخابات الرئاسية نظيرتها البرلمانية، بالإضافة إلى إسقاط فكرة العدالة الاجتماعية والمصالحة، وهو ما يناقض الخارطة المُعلنة.
- ما سبب غياب قوى المعارضة عن الساحة السياسية الآن؟
لا أريد أن أقول غياب المعارضة، ولكن ضعف المعارضة المنظمة من القوى والأحزاب، لأن بالتأكيد هناك معارضة للنظام بدليل ما حدث في نقابة الأطباء، وما يحدث في نقابة الصحفيين، وداخل الشارع السياسي الذي لم يستسلم للوضع القائم، وبالتالي الحيوية ما زالت موجودة في الشارع السياسي.
أما المعارضة المنظمة من الأحزاب والحركات، فغيابها لسببين، الأول يتعلق بالتاريخ، حيث أن النخبة السياسية والأحزاب أصيبت بأمراض، وصراعات شخصية، أضعفت تلك القوى، لكن السبب الرئيسي أن النظام السياسي لا يريد أصلًا أن توجد معارضة، وبالتالي هو ضد أي نوع من أنواع المعارضة.
فإذا كان النظام يريد عزل جماعة الإخوان فقط، والعمل مع جميع القوى السياسية الأخرى التي حاربت الإخوان في 30 يونيو، لمَا وصلنا إلى ما نحن عليه.
- كيف ترى أداء البرلمان على المستوى السياسي؟
كان يمكن للبرلمان أن يلعب دورًا مهمًا جدًا، لكنني آسف في قول، أن البرلمان الحالي غير قادر على أداء دوره التشريعي والرقابي، لأنه بدون أغلبية سياسية، ونوابه أُفرزوا نتيجة تحالف المال السياسي مع أجهزة الأمن.
- وماذا عن النواب المستقلين؟
هناك عدد من النواب المستقلين، لكنهم غير مؤثرين، فالقوى المؤثرة في البرلمان، تنتمي غالبيتها بشكل غير مباشر للأجهزة الأمنية، أو منصاعة بشكل مباشر لرجال الأعمال، ولك أن ترى خريطة البرلمان، فستجد عدد النواب الذين ينتمون للمؤسسة العسكرية أو الشرطية أو رجال الأعمال، أكثر من أي برلمان آخر شهدته مصر.
فهذا البرلمان ربما يكون أفضل في تشكيله من ناحية العناصر الموجودة بداخله، ربما أفضل من برلمانات ما قبل 2011، لكنه بدون حزب وطني أو مايسترو سياسي؛ فبالتالي هناك ارتباك في أداء البرلمان، فنجد رغبات 600 نائب منحصرة في تلقي مخصصات مالية أو رغبة في السفر، وبالتالي لن يتمكن البرلمان من ممارسة الدور الرقابي أو التشريعي، والسلطة التنفيذية ترغب في ذلك.
والنظام الحالي يسير بنظرية الحكم الفردي، مثل نظام مبارك، لكن بدون حزب وطني ومجموعة رجال الأعمال والتوريث.
- كيف ترى أحكام الحبس التي صدرت بحق متظاهري "25 أبريل"؟
ما حدث يؤكد أن النظام لا يقبل أية معارضة، وأن القانون الذي صدر وسُميَ بقانون التظاهر، لم يكن قانونًا لتنظيم التظاهر، وإنما كان لتقييد حق التظاهر، وقلنا هذا الكلام في وقت سابق، لكن النظام لم يستمع لنا؛ فثبت أن القضية ليست محاصرة جماعة الإخوان المسلمين أو عزلها، ولكن تجريم المعارضة ككل، وإسكات أي صوت معارض.
وما حدث في 25 أبريل الماضي يؤكد أننا أمام نظام تديره الأجهزة الأمنية وليست السياسة.
- ما تفسيرك لاشتعال أزمة نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية؟
ليس لدي تفسير آخر، سوى أن النظام يريد أن ينتقم من أي رأي آخر؛ فهناك رغبة من النظام في تحويل جميع الصحفيين مناصرين له "آلة صماء لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم"، والدولة لا تسمح ولا تطيق ولا تفسح المجال إلا لأنواع معينة من البشر، فإما أن تكون حاقدًا على جماعة الإخوان واستئصالهم، ويُسمح لك أن تقول هذا الكلام حتى لو كان لديك تحفظات على النظام، أو تكون طبالًا أو زمارًا تمسك "الصاجات" لترقص على وتر النظام، وإذا كنت تجيد الأمرين معُا فأنت مرحب بك، وتفتح لك الأبواب لتقول ما تشاء.
لكن إذا كان لديك رأي مستقل، فقد يُسمح لك بالحديث مرة أو اثنين على أقصى تقدير، ولكنك غير مرحب بك على الإطلاق.
ولذلك فإن أزمة النقابة والداخلية، أساسها تكميم الأفواه، والرغبة في قمع الحريات، لأن الجماعة الصحفية لا تزال حية، شأنها شأن نقابة الأطباء، أو المحامين، والتاريخ يقول عندما تسقط الأحزاب والقوى تصبح النقابات المهنية هي المنابر التي يمكنها التعبير عن الرأي الآخر.
- وماذا عن رؤيتك لأوضاع حقوق الإنسان في مصر؟
ما يحدث أمر طبيعي جدًا؛ فنحن نتحدث عن نظام يديره شخص واحد، لا يسمع الرأي الآخر، وهذه ليست سياسة حكيمة، وبالنظر إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ فقد أصبح النظام بارعًا في اختلاق الأعداء دون أي مبرر.
فبالتالي نجد أناس تتساءل (هل النظام يريد تهميش الإخوان؟ أم تهميش أي صوت معارض ؟)، فلو كان النظام مشكلته مع الإخوان أو الاستبداد، لكان استوعب 6 أبريل والأحزاب اليسارية والقوى السياسية المؤيدة لإجراءات ما بعد ثورة 30 يونيو.
فالنظام لا يعبر سوى عن رجال الأعمال الفاسدين، مثل نظام مبارك تحت اسم "الحفاظ على الدولة"، فلا توجد قوى مجتمعية حقيقة تدخل في علاقات مع النظام بما فيها منظمات المجتمع المدني، جميعها يدخل في إشكالات مختلفة مع النظام من وقت لآخر، مرة من ناحية تلقي أموال من الخارج، ومرة بدعوى تخطيها الخطوط الحمراء.
لكن من الواضح أن النظام يعمل من خلال المؤسسة العسكرية، والأجهزة الأمنية ولا يعبر بطبيعة تكوينه للثقافة والمثقفين ولا السياسيين والمفكرين، ولا يريد سماع رأيهم بأي شكل من الأشكال.
- وما الحل للخروج من تلك الأزمة؟
انتظار أن يقود الرئيس السيسي، ثورة على النظام كما كان يتصور المفكر الراحل محمد حسنين هيكل، مجرد "وهم"، فهناك قصور في الرؤية السياسية، وعدم إدراك لما حدث في مصر، ولماذا حدثت الثورة، فهناك أسئلة لم يجب عنها النظام، ماذا تريد الدولة، ومع أي قوى سياسية يجب أن تعمل، وإلى أي محطة تريد أن تصل، وهناك غياب للبعد السياسي والاقتصادي للدولة، ربما لسبب الخلفية والتكوين والخبرة.
ربما ينجح سير عجلة الإنتاج، في امتصاص أزمة البطالة، لكن النظام لم يدرك بعد، أن المشكلة في جوهرها "سياسية"؛ فالعدالة الاجتماعية هي قضية سياسية في المقام الأول.
وأعتقد أن رجال المال والأعمال، استوعبوا النظام الحالي، أو استطاعوا أن يحاصروه، ولا أظن أن النظام الحالي يملك مخرجًا من تلك الأزمة.
فيديو قد يعجبك: