إعلان

"حصة الألعاب".. العقل السليم لم يعد في الجسم السليم

10:40 ص الأحد 29 مايو 2016

تحقيق- محمد أبو ليلة:

منذ أمدٍ طويل كانت عبارة "العقل السليم في الجسم السليم" مرفوعة على جدران المدارس التعليمية في كافة مراحلها - الأساسي والثانوي- وحتى بعد وصول الطلاب لمرحلة التعليم الجامعي، كانت الأنشطة الرياضية تحمل معاني كثير قيمة لهم لما تدربوا عليه في مدارسهم خلال حصة التربية الرياضية.

عددٌ كبير من المدارس الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم لم يعد لديها ملاعب لكرة القدم أو السلة أو أي نشاط رياضي  أخر، حينما قمنا في "مصراوي" بفتح ملف الأنشطة الطلابية، ومحاولة البحث عن أحوالها في بين الطلاب وفي مدارسهم المختلفة، كان نسبة كبيرة من المدارس الحكومية  التي مررنا بها -  سبعة مدارس- من المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، في أحياء القاهرة المختلفة كان من اللافت للانتباه أن ملاعب كرة القدم تقلصت.

فصول فوق الملاعب
خفير لأحد المدارس التعليمة في حي شبرا الخيمة ويدعى "مأمون فتحي" رجل تجاوز عمره الخمسين عاماً قال لـ "مصراوي" إنه عاصر منذ عشرة سنوات يوم أن كانت مدرسته تحوى على ثلاث ملاعب كبيرة لممارسة كرة القدم بين الطلاب، لكنه الآن وهو يحدثنا لم يعد سوى ملعب صغير تضائلت مساحته، واحتلت الأبنية التعليمة باقي مساحات الملاعب التي كانت "واسعة".. على حد قوله.

مدرسة أخرى في حي السيدة زينب كانت تحوى بين جنباتها ملعبين لكرة القدم وأخر للسلة، أصبحوا ملعب واحد كي يقف فيه التلاميذ وقت الطابور الصباحي بعد أن حولت إدارة تلك المدرسة الملاعب لـ فصول للطلاب، "محمد مصطفى"، مدرس تربية رياضية في هذه المدرسة اشتكى من انعدام الإهتمام بالرياضة بين الطلاب.

قائلا لـ "مصراوي": "مفيش طالب دلوقتي بيحب الرياضة عموماً الطلبة بتيجي المدرسة عشان كشف الغياب والحضور فقط، زمان كان فيه طلبة بيحبوا الرياضة وممكن يلعبوا كورة وقت الحصص الدراسية بتاعتهم لما كان فيه ملاعب في المدرسة لكن الملاعب قلت واتبنى مكانها فصول، حتى الطلبة اللي بيبحبوا الرياضة مش بيمارسوها بسبب الملاعب".

وتابع: "عدد الطلبة بيزيد يوم عن يوم والأهالي دايما يشتكوا ان الفصل فيه 70 و80 طالب فإدارة المدرسة مش بتلاقي حل  غير إنها تبني فصول على الملاعب، وده يعتبر حل مؤقت بتحل أزمة الفصول لكن في نفس الوقت بتلغي نشاط رياضي مهم للطلبة".

لا يوجد تعليم بدون أنشطة
"لا يوجد تعليم حقيقي بدون أنشطة رياضية".. بهذه العبارة بدأ الخبير التربوي  كمال مغيث حديثاً مع مصراوي حول تدهور الأنشطة الطلابية في العملية التعليمية بـ مصر.

وأكد مغيث على أن الأنشطة الرياضية ألغيت عن عمد أو موجودة على استحياء لأن وزارة التربية والتعليم لم تعد تهتم بعملية تعليمية حقيقية للناس، وقال: "احنا أيام ما كان عندنا نظام حكم، وقت عبد الناصر والسادات، في الستينات والسبعينات كان لسه فيه اهتمام بتعليم الناس ويعتقد أنه مسؤوليته الأساسية تعليمهم، ولذلك كان مهتم بالرياضة".

أكمل الخبير التربوي حديثه مشددا على أهمية الأنشطة والتي أصبحت جزء لا يتجزأ من عملية التربية والتعليم، وأضاف أنه في النظم التعليمية في أي دولة متقدمة أصبحت عملية التعليم الأكاديمي تتقلص لحساب الأنشطة.

"العالم الآن يتوجه نحو أن تكون الأنشطة بديلا للعملية التعليمية التقليدية؛ بحيث يتحول تدريس الفيزياء والكيمياء وعدد من المواد إلى أنشطة عملية أكثر منها مواد أكاديمية"، يقول مغيث.

معاناة المدرسين
من ضمن المشكلات التي تمنع إتمام النشاط الرياضي بين طلاب المدارس حسبما أكد "محمد مصطفى" أحد مدرسي التربية الرياضية، لـ "مصراوي" أنه لم يعد هناك اهتمام بمدرس التربية الرياضية من الأساس، من خلال مرتبات ضئيلة تُدفع لهم شهرياً مقارنة بسنوات ماضية.

وتابع : الوزارة لا توفر لنا ملاعب وأساليب لممارسة الرياضية، حتى أنه أحيانا لا يوجد غرف لمدرسي التربية الرياضية مقارنة بباقي مدرسي المواد الأخرى، لدرجة أن جزء منا يبحث دائما عن عمل إضافي خارج المدرسة حتى يستطيع تلبية احتياجاته المعيشية، كما أنه لم يعد هناك وجود للمسابقات أو الجوائز المادية أو الدروع و الكؤوس لتشجيع الطلأب، ولا يوجد ميزانية للجوائز، حتى أن أغلب الطلاب يهتمون أكثر بالتحصيل الدراسي بالمواد النظرية ويفضلوا قضاء وقت حصة الألعاب فى عمل الواجبات الدراسية للمواد الأخرى.

يرى "محمد مصطفى" أن كل الأسباب التي سبق ذكرها تؤثر على  اللياقة البدنية للطلاب بسبب غياب ميول رياضية لديهم، وكلما كان الطالب نشيط ولياقته البدنية نشطة يتمكن من مذاكرة باقي المواد النظرية لأنها عملية متكاملة لتعليم وتربية الطالب.

"نظام مبارك هو من تسبب في غياب العملية التعليمية لأنه لم يعد يهتم بالتعليم"..يؤكد على ذلك كمال مغيث الخبير التربوي، موضحاً أن هناك نوعين من التعليم أحدهم من الممكن أن يكون جيد ولكنه لحدود 4% من المصريين الأغنياء فقط  الذين يتعلمون في مدارس خاصة بمصروفات كبيرة، تصل إلى 70 ألف جنيها في السنة أو مدارس دولية، والنوع الثاني مدارسنا الحكومية؛ ومع قلة الانفاق عليها وقلة المباني وزيادة كثافات الفصول، إنتهى الأمر، إلى أن الدولة تقوم بالبناء على الملاعب.

وتابع مغيث قائلا إن نظام الأبنية التعليمية في وزارة التربية والتعليم، أمام زيادة الكثافة الطلابية وإرتفاع أسعار الأراضي كل يوم، مع غياب تمويل المدارس، فأصبحت إدارات المدارس تجد نفسها أمام حل واحد وهو البناء على الملاعب، "معندناش فلوس نعمل ايه؟".

وتابع موضحا أن زحام وصعوبة العملية التعليمية، والدروس الخصوصية جعل الطالب لا يذهب للمدرسة كثيراُ، "الأهل يفضلون ذهاب أبنائهم للدروس الخصوصية عن ذهابهم للمدرسة بسبب سوء الأوضاع التعليمية، فالطالب لم يعد مهتم بالذهاب للمدرسة من الأساس".

"للأسف المدرسة لم تعد بوابة لاكتشاف المواهب الرياضية".. هذا ما قاله دكتور سعيد محمود، أستاذ التربية في جامعة الأزهر، في لقاءه مع "مصراوي"، مضيفاً أن الرياضة تعتبر دعامة أساسيه في التربية الحديثة، فهي من وسائل إثراء فكر الطلاب وتنشيط ذاكرتهم.

وأضاف أن النشاط المدرسي بوجه عام يساعد على اكتشاف مواهب الطلاب وقدراتهم وميولهم واستعداداتهم، ويعمل على صقلهم وتنميتهم، وجعلهم أكثر قابلية لمواجهة المواقف التعليمية، وتوجيههم العلمي والمهني الصحيح ، كما يعمل على تكوين علاقات اجتماعية سليمة من خلال الممارسة الفعلية للأنشطة الطلابية المختلفة.

فوائد حصة الألعاب
العنصر الأخر الهام في أهمية النشاط الرياضي للطلاب حسب كلام الخبير التربوي "كمال مغيث" أن الطالب يقبل على ممارسة تلك الأنشطة "بمزاجه" ولا يستطيع أن الاستغناء عنها، مثل الدرس الخصوص في السنتر أو المنزل.

ويقول: "الأطفال في المراحل العمرية من الخامسة وحتى 18 سنة، في سن الطاقة والحيوية والقدرة البدنية الكبيرة، والطالب يكون في حاجة لممارسة الأنشطة، وفقا لميوله، ويتعامل مع أنماط بشرية متنوعة ومختلفة، وهو ما يضيف لتنمية الطالب عموماً".

ويستطرد: تساعد التربية الرياضية الطالب على فهم انه في مجتمع متنوع ومتعدد، وتخلق لدى الطالب لياقة بدنية سليمة، يخرج ما بداخله من كبت أو عقد نفسية، وهو ما يجعله طالب سوي.

في الوقت نفسه أوضح عميد كلية التربية سابقا، دكتور محمد عبد العاطي، أن التعليم الذي ينبغي أن تتبعه إدارة التعليم في مصر لابد أن يشمل جزء كبير من الأنشطة وأهمها النشاط الرياضي، مؤكداً لـ "مصراوي" أنه لم يعد هناك مناهج أو مباني أو مدرس تم تأهيله جيدا ولا متعلم يبتغي العلم فعلا.

وتابع: للأسف تراجعنا وسبقتنا الكثير من الدول، وأول إصلاح الذات نقد الذات، بالتالي لابد من الوعي بالمشكلة من أجل اتخاذ إجراءات لإصلاحها، ما يوجد في مصر ليس نظام تعليمي للأسف هناك ثقافة سائدة لدى الطلاب وهي أن يتعلم كي يأخذ شهادة تقول أنه شخص متعلم فقط، وهذا ليس الهدف من التعليم في أي دولة متقدمة.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان