البرلمان الألماني وتعريف قتل الأرمن إبادة جماعية
برلين (دويتشه فيله)
يعتبر بابا الفاتيكان جرائم القتل بحق الأرمن أول إبادة شعب في القرن الـ 20. وصوت البرلمان الألماني بعد جدل طويل على مشروع قرار يعترف بإبادة الأرمن بين 1915 و 1917.
وقد أثار هذا القرار خلافا قديما حول تعريف مفهوم الإبادة.
عندما يتم الحديث سياسيا في العاصمة برلين عن مصير مئات الآلاف من الأرمن بين 1915 و 1917 الذين تعرضوا للتهجير والقتل أو للتجويع إبان سنوات انهيار الإمبراطورية العثمانية، فإن الأمر يرتبط بالدقة في اختيار العبارات.
فكلمة إبادة شعب لم يستخدمها إلى حد الآن سوى عدد قليل من النواب الألمان.
وكان الموقف الرسمي للحكومة الألمانية يعبر دوما عن الأسف لما حدث دون التلفظ أبدا بكلمة إبادة لا شفويا ولا خطيا.
لكن الأمر تغير، وباتت المستشارة أنجيلا ميركل تستخدم ذلك المصطلح، ونسقت مع الرئيس الألماني يواخيم غاوك قبل عام لاختيار العبارات في أبريل 2015 داخل البرلمان الألماني بمناسبة إحياء مرور مائة عام على مذبحة الأرمن.
واستغرق الوقت طويلا لتغيير المواقف بشأن هذه الحقبة التاريخية، وأسباب التحفظ اللفظي طوال عقود من الزمن كثيرة.
فالحزب الاشتراكي الديمقراطي له جذور تقليدية في أوساط الجالية التركية التي كان يخشى خسران أصوات الناخبين فيها في حال اعتراف ألمانيا رسميا بوقوع إبادة بحق الأرمن التي هي محل جدل كبير بين مؤرخين مشهورين على مستوى العالم.
وفي أكثر من 20 دولة تُعتبر إبادة الأرمن مسألة رسمية، وبين تلك الدول فرنسا وسويسرا.
غير أن ألمانيا ظلت متحفظة جدا تجاه ذلك التصنيف، إذ إن النخبة السياسية في ألمانيا توخت الحذر في حقل ملغوم دبلوماسيا.
وتجنبت ألمانيا التسبب في توتر مع تركيا، الشريك في حلف شمال الأطلسي.
وانطبق ذلك الموقف أيضا على العلاقة مع أفراد الجالية التركية في ألمانيا التي يتجاوز عددها مليوني نسمة. إضافة إلى التورط الألماني في الكارثة الأرمنية التي قد تجلب معها مطالب التعويض على ما حدث.
الإمبراطورية العثمانية
الكثير من المعطيات تكشف أن مصير الأرمن كان محسوما في عام 1914.
الجيش العثماني واجه في نهاية ذلك العام هزيمة كبيرة ضد القوات الروسية تسببت حسب التقديرات في وفاة بين 50 و 80 ألف تركي أثناء الهجوم المهيأ له بشكل سيء في منطقة القوقاز الغربي.
وألقى الأتراك باللائمة على الأرمن الذين قاتلوا إلى جانب الروس ونفذوا على ما يبدو عمليات عصابات ضد العثمانيين.
وتفيد الرواية التركية الرسمية أن الأرمن شكلوا الطابور الخامس لروسيا من أجل إقامة أرمينيا كدويلة فاصلة للوصول من القوقاز مباشرة إلى البحر المتوسط.
وهذا ما هو وارد في الكتب المدرسية التركية.
وفي مطلع القرن العشرين كان يعيش معظم الأرمن في شرق الإمبراطورية العثمانية، وفي كثير من المناطق كان الأرمن المسيحيون يشكلون أكبر أقلية عرقية دينية.
ولم يوجد هناك منطقة أرمنية أو دولة للأرمن.
وظلت القومية الوطنية المتنامية في القرنين الـ 19 و الـ 20 ضعيفة لدى الأرمن مقارنة مع الفئات الشعبية الأخرى.
وتفيد المؤرخة إلكه هارتمان من برلين أن "النخب الأرمنية كانت تدعم في الغالب وحدة الإمبراطورية العثمانية، لكن داخل دولة متعددة حديثة".
لكن الإمبراطورية العثمانية المتهاوية تحولت إلى دولة تركية قومية على حساب تعدد القوميات. وتمثلت الكارثة في أن قيام الجمهورية التركية الحديثة بدأ بإبادة الأرمن.
" ... إلى الصحراء لكسر قوتهم"
في نهاية أبريل 1915 تمت في كافة الأناضول عملية "ترحيل" وهي مصطلح من عالم الموظفين والإداريين، والمصطلح لا يعني سوى التهجير.
مثقفون أرمن وسياسيون ومفكرون تم تهجيرهم بمنهجية من القسطنطينية، العاصمة العثمانية إلى الأناضول لقتلهم.
وكأساس لتلك العملية تم اعتماد قانون تقرر لاحقا في الـ 27 من مايو 1915.
وكذريعة للقيام بذلك تم الإعلان أن الأرمن كانوا يخططون لتمرد واسع.
و"مناطق التوطين الجديدة" المرتقبة للأرمن هي صحراء سوريا وبلاد الرافدين، وهي أراض قاحلة.
إحدى الشهود دونت في كتاباتها: "ندفعهم للنزوح إلى الصحراء. ولكسر آخر قواهم نجعلهم يهيمون في هجرات تستمر أياما".
ويُعتقد أن بين 300.000 و 1.5 مليون أرمني لقوا حتفهم في ذلك الوقت.
الإمبراطورية الألمانية، المساعد المتطوع
ليس هناك دولة متورطة في مصير الأرمن مثل الإمبراطورية الألمانية لأسباب اقتصادية واستراتيجية.
ففي الـ 7 من يوليو 1915 كتب هانس فرايهير فون فانغنهايم، السفير الألماني في القسطنطينية عبر التلجراف للمستشار تيوبالد فون بيتمان هولفيغ:" ظروف ونوعية تنفيذ تغيير الاستيطان تبين أن الحكومة تهدف بالفعل للقضاء على العرق الأرمني في الإمبراطورية التركية".
والألمان كانوا حليفا مهما للإمبراطورية العثمانية المنهارة، إذ بعثوا بالسلاح والخبراء العسكريين، وكانت لهم مصالح في البوسفور.
وتشييد خط بغداد للسكك الحديدية كان مشروعا ذا أهمية مفصلية لمحاربة الإنجليز في الشرق شأنه في ذلك شأن برنامج الفضاء أبولو الأمريكي في الستينات.
إبادة ـ خلاف حول تصنيف جريمة تاريخية
وظلت ألمانيا إلى يومنا هذا من بين البلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل التي لا تصنف المذابح كإبادة شعب.
ماركوس ميكل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي اعتبر الموقف الألماني لفترة طويلة بأنه فضيحة.
واعتذر البرلمان الألماني قبل أحد عشر عاما في الذكرى التسعين في بيان مشترك عن "الدور المؤسف".
ولم يتم أبدا الحديث عن ذنب حقيقي.
ووصفت الجالية التركية في ألمانيا القرار الذي اتخذه البرلمان الألماني الخميس (2 يونيو 2016 ) بشأن اعتبار تلك الأحداث التاريخية إبادة جماعية بأنه "استعراض سياسي" ستكون له آثار سيئة على العلاقات بين ألمانيا وتركيا.
وأكد جوكاي صوفو أوغولو، رئيس الرابطة التركية في ألمانيا على ضرورة التحقق علميا مما حدث فيما يتعلق بشأن هذه القضية.
وأوضح صوفو أوغلو أن هذا الموضوع لم يحظ بالبحث القانوني والتاريخي الكافي، وقال إن كلا من الخبراء على الجانبين التركي والأرمني يحاولون إثبات أن الطرف الآخر على خطأ.
فيديو قد يعجبك: